دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعكس تقديرات غربية وعربية منذ تفجير دمشق الأسبوع الماضي، وما تلاه من تفجير في بورغاس في بلغاريا استهدف سياحاً إسرائيليين، ركزت على ان ثمة حرباً إقليمية واقعة لا محالة في المنطقة.. تشير قراءة ديبلوماسية لجهات مقربة من القيادة السورية الى تحليل مغاير يرى في تلك التقديرات "بروباغندا" غير واقعية.
تتوقف هذه القراءة الديبلوماسية عند المخاوف من استغلال اسرائيل الوقت الضائع الحالي للقيام بمغامرة عسكرية او تصفية حساب مع المقاومة في لبنان او استهداف النظام في سورية او حتى توجيه ضربة عسكرية لإيران. ويشير هذا التحليل الديبلوماسي الى ان عوامل عدة تحول دون تنفيذ اسرائيل لتهديدها الذي اطلقته سريعاً اثر اتهام "حزب الله" وايران بتنفيذ عملية بلغاريا.ولعل اول ما يستوقف المرء انتقال القادة الاسرائيليين من اطلاق الاتهامات السريعة ومن ثم التهديدات العديدة بالرد على العملية، الى التراجع نحو تهديد سورية والمقاومة بالرد.. في حال انتقال اية اسلحة كيميائية من سورية الى لبنان! وبذلك يكون القادة الاسرائيليون قد انتقلوا من التهديد بالرد على عملية بلغاريا الى التهديد، المشروط، بالرد ربطاً بقضية تحريك منظومة الأسلحة الكيميائية.يقود ذلك الى الاستنتاج أن الدولة العبرية ليست في وارد فتح جبهة بوجه المقاومة، خاصة في لبنان، نتيجة عوامل عدة تلخصها الاوساط الديبلوماسية على الشكل الآتي:
1- إتعاظ القادة السياسيين وخاصة العسكريين، في اسرائيل، من عدوان تموز 2006 حيث فشلت تل ابيب في تحقيق اهدافها الكبرى التي وضعتها في بداية العدوان.
2- عدم استخلاص الاسرائيلي العبر من مغامراته العسكرية السابقة (في لبنان وغزة)، قبل ان يكتشف مع الوقت استعادة المقاومة في لبنان للمبادرة، وهو الامر الذي ظهر جلياً في عدوان تموز ما اجبر الاسرائيلي على الاكتفاء بالقرار 1701 حفظاً لماء وجهه.
وتلفت الأوساط النظر الى ان الاسرائيلي قد اقتصر في معظم مناوراته العسكرية في الماضي على الجانب الدفاعي، وان كان لم يهمل الجانب الهجومي، لكن ذلك يشكل مؤشرا الى عدم نيته الانتقال نحو الهجوم في المدى المنظور.في المقابل، تبدو المقاومة اكثر جاهزية، عدة وعتاداً وتدريباً وتجهيزاً، مما كانت عليه في ذلك الحين. وهو الحال نفسه في غزة، مع اختلاف الظروف والقدرات. ما يعني ان اية مغامرة عسكرية، خاصة في لبنان، ستكون لها انعكاسات على المجتمع الاسرائيلي.
3- حاجة الحكومة الاسرائيلية الى ضوء اخضر اميركي لشن أي عدوان، من دون اعارة اهمية لتحليلات تناولت سيناريوهات عسكرية بمعزل عن موقف الادارة الاميركية. ولواشنطن اسبابها الوجيهة لعدم السماح بمغامرة من هذا النوع، اذ انها بالكاد بدأت رحلة "هروبها" من الشرق الاوسط اثر سقوطها في المستنقع العراقي، كما انها ما تزال غارقة في الرمال الافغانية من دون تحقيق انجازات حقيقية تطوي الانتقادات الاميركية الداخلية.كما ان أي تورط اميركي، سواء كان مباشرا او غير مباشر، سيناقض تعهدات الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يجهد نحو ولاية ثانية في البيت الابيض، غير مضمونة بطبيعة الحال في ظل التفوق الطفيف حسب استطلاعات الرأي قبل ثلاثة اشهر على موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية.4- مهما فعلت اسرائيل، لن يكون بمقدورها أن تدمر سوريا وجيشها وموقعها الاستراتيجي، كما يحصل اليوم بأيدي السوريين أنفسهم، لذلك لا يضيرها ابداً أن تتفرج على تدمير آخر جيش عربي كان يمكن أن يكون له دور في المواجهة مع اسرائيل.5- الاهتزاز الإسرائيلي الداخلي وهشاشة المجتمع القاصر عن مواجهة فشل جديد في الخارج، اذا ما اراد شن العدوان على لبنان، من المقدر ان يكون اكبر من سابقيه. سوريا.. والأزمة المفتوحة تشير الاوساط الى اصرار قوى دولية وإقليمية على إسقاط سوريا الدولة والمجتمع وليس فقط النظام فيها. وتلفت النظر الى حجم الاحتضان لظاهرة التمرد المسلحة منذ نحو سنة حتى الآن، ما يشير الى ان بعض القوى الاقليمية والخليجية قد عقدت العزم على اسقاط سوريا الدولة، غير آبهة بما سيؤدي اليه هذا السقوط من آثار مدمرة على المنطقة برمتها بما فيها الدول المحيطة بسوريا. وتحذر الأوساط من أن الدول الهشة في مكوناتها مثل لبنان هي الأكثر عرضة للاستهداف، كما ان من شأن تدمير سوريا وفرزها طائفيا واثنيا ومناطقيا، ان يودي بدول تعتقد نفسها بعيدة عن ذلك التدمير، الى مصير مشابه، ولا سيما السعودية التي تشهد حركة احتجاجية متنامية لم ترفع صراحة شعار إسقاط النظام حتى اليوم، الا انها، مع تناميها، قد ترفع شعارات ابعد بكثير من الاصلاح..وتشير الاوساط الديبلوماسية الى تطورات دراماتيكية عاشتها سوريا خلال الايام الاخيرة، خاصة مع تمكن حركة التمرد المسلحة من هز استقرار دمشق وحلب، المدينتين الكبريين والبعيدتين حتى فترة قريبة عن الهجمات العسكرية وحتى الاحتجاجات الشعبية. لكن الاوساط نفسها، تشدد، في المقابل، على ان النظام السوري قد تمكن من استيعاب الصدمة الناتجة عن اغتيال عدد من ابرز قيادييه، ليتخذ زمام المبادرة والهجوم المضاد، خاصة في العاصمة. ويشير هؤلاء الى ان النظام السوري ما يزال متماسكا بما يكفي للاستمرار لفترة طويلة، وتضيف ان معركة النظام في سوريا قد اكتسبت شرعية أكبر اليوم، اذ ان الصراع بات بين الاستقرار السوري والإرهاب العبثي، ما يوفر قوة اكبر للنظام بوجه اعدائه الداخليين. كما ان تماسك مؤسسات النظام في سوريا يعني، اضافة الى القوة الكبيرة التي يحتفظ بها هذا النظام، ان شرائح وازنة من الشعب السوري، ليست في وارد التورط مع تحركات لا تحمل معنى "الثورة" الذي ادّعته عند بداية حركة الاحتجاج في اذار من العام الماضي. لا بل ان المعارضة المسلحة، وان كانت بنيتها هشة، كما بيّنت أحداث دمشق، الا أنها تدار من قبل قيادة خارجية متصلة بعواصم القرار وموضوعة بتصرفها امكانات كبيرة في اطار مخطط تدمير سوريا.وتلفت هذه القراءة الديبلوماسية النظر الى ان الحركة العسكرية للمعارضة السورية قد بلغت من اليأس ان الميليشيات قد شرعت، منذ اشهر قليلة، في عمليات امنية تستهدف المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد، وذلك على نمط العمليات التي قامت بها الحركات التكفيرية في العراق، والتي، اذ لم تؤد بالنظام في بغداد الى السقوط، فقد اشبعت الدولة العراقية تدميرا وتفتيتا مذهبيا وطائفيا وعرقيا وجعلت من مسألة اعادة قيام الدولة في العراق تحديا كبيرا وعملا شاقا يستلزم القيام به سنوات طويلة..المقاومة هي المستهدفةوتقول الاوساط الديبلوماسية ان الادارة الاميركية واسرائيل لم تسلما حتى اليوم بانتصار المقاومة في العام 2006، مثلما لم تسلما بانتصار المقاومة اللبنانية في العام 2000، وهما تتحينان الفرصة لتدمير المقاومة وخنق هذا المحور الممتد من طهران حتى البحر المتوسط. واذا كان استهداف إيران صعب المنال اليوم لظروف عدة، على رأسها القوة الايرانية في المنطقة، فقد عُقد الامر على ضرب هذا المحور عبر تدمير رئته وواسطة عقده السورية، بما يقطع الطريق، بنظر اسرائيل، على أي تهديد لها، كما من شأن هذا الامر تصفية القضية الأساس للمقاومة: فلسطين.من هنا، تبدو المعركة طويلة وصعبة، وتقر الاوساط بان لا افق للحل السياسي في المستقبل القريب في سوريا، وان الاحداث مستمرة الى اجل غير محدد، وثمة إدراك أميركي تركي خليجي وأوروبي "ان محور المقاومة لن يسمح بسقوط سوريا". غير أن انسداد الآفاق لا يمنع من طرح الآتي: هل من إفادة في إسقاط الأسد لصالح سيادة تيارات اسلامية تكفيرية، على رأسها تنظيم "القاعدة"؟ ويستتبع هذا السؤال بآخر: هل سيقتصر الأمر على سوريا أم ان دولا أخرى ستصبح ضحية تلك التيارات كما قد يحدث في الأردن او في دول خليجية في اكثر المناطق خطرا وحساسية في العالم؟تخلص الاوساط الى ان استمرار الأزمة وانسداد الآفاق قد يجعل واشنطن تبادر الى إجراء "تغيير جذري" على مقاربتها السورية، قياساً الى مصالحها، ومن نافل القول ان "موقفا كهذا سيسقط نفسه على اتباع واشنطن" في المنطقة، فهل نشهد في الفترة المقبلة انحساراً للهجمة على سوريا، أم اننا نتجه نحو الفوضى الكبرى في المنطقة؟
المصدر :
الماسة السورية/ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة