لا نقاش حول أهمية سورية بموقعها الحاكم ودورها الريادي، تاريخياً، في محيطها، سواء على مستوى "الدعوة" فكرياً وسياسياً، أو على مستوى تقدم الصفوف إلى مواجهة مختلف محاولات الاحتواء أو الاستقطاب أو الحصار.

ولا نقاش في تصدّر سورية قضية العروبة، والنضال من أجل "الوحدة" أو "الاتحاد" أو أي شكل من أشكال العمل العربي المشترك في مواجهة الخطر الإسرائيلي المعزّز بالدعم الاستعماري المفتوح، بريطانياً في البدايات، ثم غربياً بالقيادة الأميركية مع "تعاطف" سوفياتي تجلى في الاعتراف بالدولة ـ العدو قبل استكمال موجبات "زرعها" على الأرض الفلسطينية.

لا مجال هنا لاستذكار الوقائع التاريخية جميعاً. تكفي الإشارة إلى أن أي مواطن عربي (في ما عدا الفلسطيني، حرصاً على حقه في بلاده) كان يمكنه ـ ولأي قطر انتمى، من أقصى المغرب إلى أدنى المشرق ـ الحصول على الهوية السورية بغير شروط. لذا كنت تجد في إدارات الدولة ومؤسساتها بما في ذلك الجيش بمراتبه العليا عرباً غير سوريين. وثمة قادة لبنانيون وعراقيون وفلسطينيون شغلوا أعلى المناصب القيادية، من دون أن "يتحسس" منهم المواطن السوري.

وعلى اختلاف "العهود" ظل الشعب السوري "عربياً"، وإن اختلفت الأعراق أو الأديان. وكان من المستحيل التمييز بين المواطنين ومن منهم العربي والكردي والتركماني والأرمني والسرياني والأشوري، فضلاً عن استحالة التمييز بين المسلم والمسيحي، بغض النظر عن الطوائف والمذاهب.

ولقد كانت سورية، على مرّ تاريخها الحديث، ملجأ من اضطهدهم الاستعمار في أقطارهم، أو قست عليهم أنظمتهم وضيّقت عليهم، فضلاً عمّن اضطهدهم فيها الاحتلال الأجنبي (المغربي، الجزائري، التونسي، الليبي، العراقي، الأردني، السعودي والخليجي، وحتى اللبناني في فترات معينة..).

آخر الأمثلة وأكثرها إشراقاً ما وقع بعد الغزو الأميركي للعراق، إذ استضافت سوريا (الفقيرة نسبياً) حوالي مليونين ممن ألجأتهم الحرب الأهلية التي نظمها المحتل الأميركي تحت الشعار المذهبي ليفكّك الدولة في العراق تمهيداً لتقسيمها على قواعد عنصرية ومذهبية، فيصير الشمال غير الوسط والجنوب غير الغرب وهكذا...

أما في ما خص لبنان، فلا يمكن أن ننسى كيف فتحت سوريا، بعاصمتها دمشق ومدنها وأريافها كافة، قلبها للعائلات من أهل الجنوب خاصة، ثم من مختلف جهات لبنان، البقاع وبعض الجبل والضاحية ضمناً، وبعض أنحاء الشمال، ممن أجبرتهم نيران الحرب الإسرائيلية على مغادرة منازلهم.

كذلك لا يمكن أن ننسى أن سوريا شكلت عسكرياً، خط الإمداد الحيوي، ففتحت مخازن سلاح جيشها، وتولى ضباطها وجنودها تأمين النقل لتسليمه إلى مجاهدي "حزب الله" لتأمينه في القواعد الخلفية... كذلك فإن أجهزة المخابرات العسكرية السورية كانت، من قبل ومن بعد، تضخ كل ما يتوفر لها من معلومات تخدم الحزب في المعركة.

وعندما تحدث السيد حسن نصر الله، قبل أسبوع، في مناسبة الذكرى السادسة لحرب تموز، ومباشرة بعد التفجير الإرهابي الذي طاول مجموعة من القيادات العسكرية الأمنية في سوريا، بينهم وزير الدفاع العماد داود راجحة، والعماد حسن تركماني، والعماد آصف شوكت، واللواء هشام بختيار، كان من البديهي أن يستذكر لهم أدوارهم المشهودة في تعزيز قدرات المقاومة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، وأن يحييهم كشهداء للمقاومة قدموا لها ـ باسم سوريا ـ كل ما تحتاج إليه من أسباب الدعم العسكري المباشر، ومن الخدمات الاستخبارية المتوفرة.

لم يكن الأمين العام لـ"حزب الله" يتحدث عن النظام السوري وموقفه من الإصلاح، فذلك أمر سبق أن توقف أمامه السيد حسن نصر الله في العديد من خطبه السابقة. ومشهودة هي دعوته أطراف المعارضة إلى محاورة النظام للوصول إلى الإصلاح بدلاً من اللجوء إلى السلاح الذي توفره دول وأطراف عربية وغير عربية لم تكن يوماً معنية بقضية الإصلاح في سوريا بل كانت وما تزال ضد مواجهة مشروع الهيمنة الأميركية وضد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ونصرة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقه في أرضه.

لم يكن السيد حسن نصر الله ـ يومذاك ـ يحدد موقفاً من النظام في سوريا ومشروعه الخاص للإصلاح السياسي، ولكنه كان يقدم شهادة وفاء لمن دعم المقاومة ونصرها بكل قدراته في مواجهة الحرب الإسرائيلية قبل ست سنوات، والتي ما تزال مفتوحة بوسائل عديدة أخرى، نعرف في لبنان بعض رموزها وبعض العاملين من أجل محاصرة المقاومة وإضعاف رصيدها المعنوي العظيم الذي حققته بكفاءة قيادتها الاستثنائية وبسالة مجاهديها الأبرار ومساندة الجيش، بحدود قدراته، وانتصار شعب لبنان ومعه الشعوب العربية جميعاً لدورها التاريخي في إسقاط مشروع الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على وطننا الصغير الذي اكتسب حجماً أسطورياً بالنصر التاريخي.

ومؤكد أن الأستاذ فواز طرابلسي ـ ومواقفه من المقاومة ومجاهديها معروفة ومشهودة ـ قد ذهب في مقالته المنشورة يوم أمس، الأربعاء، إلى الموقف من النظام السوري، كنظام، ومشروعه للإصلاح السياسي، مستغرباً تجاوز الأمين العام لـ"حزب الله" الحديث عنه، في حين أن السيد حسن نصر الله قد تقصد أن يحيي موقف سوريا ـ عموماً ـ خلال الحرب الإسرائيلية، مع التنويه بدور جيشها والعديد من القادة فيه وفي استخباراتها الذين قدموا للمقاومة خدمات عظيمة كانت بين أسباب صمودها الجبار ـ معزّزة بدعم الشعب اللبناني ـ وانتصارها على الحرب الإسرائيلية. وأبسط الواجب أن يحيي من استهدفه التفجير القاتل، والذي لا يخدم ـ بالتأكيد ـ مشروع الإصلاح في سوريا، بل لعله يسهم في تعطيله وتأمين المناخ الملائم لحرب أهلية مفتوحة ضد سوريا، التي كانت موئلاً لكل أحرار العرب وملاذاً لكل المضطهدين في "دولهم" وكل من صمد في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية على الحاضر العربي ومعه المستقبل.

 

السفير

  • فريق ماسة
  • 2012-07-25
  • 9437
  • من الأرشيف

عن سورية وجيشها وانتصار المقاومة في حرب تموز

  لا نقاش حول أهمية سورية بموقعها الحاكم ودورها الريادي، تاريخياً، في محيطها، سواء على مستوى "الدعوة" فكرياً وسياسياً، أو على مستوى تقدم الصفوف إلى مواجهة مختلف محاولات الاحتواء أو الاستقطاب أو الحصار. ولا نقاش في تصدّر سورية قضية العروبة، والنضال من أجل "الوحدة" أو "الاتحاد" أو أي شكل من أشكال العمل العربي المشترك في مواجهة الخطر الإسرائيلي المعزّز بالدعم الاستعماري المفتوح، بريطانياً في البدايات، ثم غربياً بالقيادة الأميركية مع "تعاطف" سوفياتي تجلى في الاعتراف بالدولة ـ العدو قبل استكمال موجبات "زرعها" على الأرض الفلسطينية. لا مجال هنا لاستذكار الوقائع التاريخية جميعاً. تكفي الإشارة إلى أن أي مواطن عربي (في ما عدا الفلسطيني، حرصاً على حقه في بلاده) كان يمكنه ـ ولأي قطر انتمى، من أقصى المغرب إلى أدنى المشرق ـ الحصول على الهوية السورية بغير شروط. لذا كنت تجد في إدارات الدولة ومؤسساتها بما في ذلك الجيش بمراتبه العليا عرباً غير سوريين. وثمة قادة لبنانيون وعراقيون وفلسطينيون شغلوا أعلى المناصب القيادية، من دون أن "يتحسس" منهم المواطن السوري. وعلى اختلاف "العهود" ظل الشعب السوري "عربياً"، وإن اختلفت الأعراق أو الأديان. وكان من المستحيل التمييز بين المواطنين ومن منهم العربي والكردي والتركماني والأرمني والسرياني والأشوري، فضلاً عن استحالة التمييز بين المسلم والمسيحي، بغض النظر عن الطوائف والمذاهب. ولقد كانت سورية، على مرّ تاريخها الحديث، ملجأ من اضطهدهم الاستعمار في أقطارهم، أو قست عليهم أنظمتهم وضيّقت عليهم، فضلاً عمّن اضطهدهم فيها الاحتلال الأجنبي (المغربي، الجزائري، التونسي، الليبي، العراقي، الأردني، السعودي والخليجي، وحتى اللبناني في فترات معينة..). آخر الأمثلة وأكثرها إشراقاً ما وقع بعد الغزو الأميركي للعراق، إذ استضافت سوريا (الفقيرة نسبياً) حوالي مليونين ممن ألجأتهم الحرب الأهلية التي نظمها المحتل الأميركي تحت الشعار المذهبي ليفكّك الدولة في العراق تمهيداً لتقسيمها على قواعد عنصرية ومذهبية، فيصير الشمال غير الوسط والجنوب غير الغرب وهكذا... أما في ما خص لبنان، فلا يمكن أن ننسى كيف فتحت سوريا، بعاصمتها دمشق ومدنها وأريافها كافة، قلبها للعائلات من أهل الجنوب خاصة، ثم من مختلف جهات لبنان، البقاع وبعض الجبل والضاحية ضمناً، وبعض أنحاء الشمال، ممن أجبرتهم نيران الحرب الإسرائيلية على مغادرة منازلهم. كذلك لا يمكن أن ننسى أن سوريا شكلت عسكرياً، خط الإمداد الحيوي، ففتحت مخازن سلاح جيشها، وتولى ضباطها وجنودها تأمين النقل لتسليمه إلى مجاهدي "حزب الله" لتأمينه في القواعد الخلفية... كذلك فإن أجهزة المخابرات العسكرية السورية كانت، من قبل ومن بعد، تضخ كل ما يتوفر لها من معلومات تخدم الحزب في المعركة. وعندما تحدث السيد حسن نصر الله، قبل أسبوع، في مناسبة الذكرى السادسة لحرب تموز، ومباشرة بعد التفجير الإرهابي الذي طاول مجموعة من القيادات العسكرية الأمنية في سوريا، بينهم وزير الدفاع العماد داود راجحة، والعماد حسن تركماني، والعماد آصف شوكت، واللواء هشام بختيار، كان من البديهي أن يستذكر لهم أدوارهم المشهودة في تعزيز قدرات المقاومة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، وأن يحييهم كشهداء للمقاومة قدموا لها ـ باسم سوريا ـ كل ما تحتاج إليه من أسباب الدعم العسكري المباشر، ومن الخدمات الاستخبارية المتوفرة. لم يكن الأمين العام لـ"حزب الله" يتحدث عن النظام السوري وموقفه من الإصلاح، فذلك أمر سبق أن توقف أمامه السيد حسن نصر الله في العديد من خطبه السابقة. ومشهودة هي دعوته أطراف المعارضة إلى محاورة النظام للوصول إلى الإصلاح بدلاً من اللجوء إلى السلاح الذي توفره دول وأطراف عربية وغير عربية لم تكن يوماً معنية بقضية الإصلاح في سوريا بل كانت وما تزال ضد مواجهة مشروع الهيمنة الأميركية وضد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ونصرة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقه في أرضه. لم يكن السيد حسن نصر الله ـ يومذاك ـ يحدد موقفاً من النظام في سوريا ومشروعه الخاص للإصلاح السياسي، ولكنه كان يقدم شهادة وفاء لمن دعم المقاومة ونصرها بكل قدراته في مواجهة الحرب الإسرائيلية قبل ست سنوات، والتي ما تزال مفتوحة بوسائل عديدة أخرى، نعرف في لبنان بعض رموزها وبعض العاملين من أجل محاصرة المقاومة وإضعاف رصيدها المعنوي العظيم الذي حققته بكفاءة قيادتها الاستثنائية وبسالة مجاهديها الأبرار ومساندة الجيش، بحدود قدراته، وانتصار شعب لبنان ومعه الشعوب العربية جميعاً لدورها التاريخي في إسقاط مشروع الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على وطننا الصغير الذي اكتسب حجماً أسطورياً بالنصر التاريخي. ومؤكد أن الأستاذ فواز طرابلسي ـ ومواقفه من المقاومة ومجاهديها معروفة ومشهودة ـ قد ذهب في مقالته المنشورة يوم أمس، الأربعاء، إلى الموقف من النظام السوري، كنظام، ومشروعه للإصلاح السياسي، مستغرباً تجاوز الأمين العام لـ"حزب الله" الحديث عنه، في حين أن السيد حسن نصر الله قد تقصد أن يحيي موقف سوريا ـ عموماً ـ خلال الحرب الإسرائيلية، مع التنويه بدور جيشها والعديد من القادة فيه وفي استخباراتها الذين قدموا للمقاومة خدمات عظيمة كانت بين أسباب صمودها الجبار ـ معزّزة بدعم الشعب اللبناني ـ وانتصارها على الحرب الإسرائيلية. وأبسط الواجب أن يحيي من استهدفه التفجير القاتل، والذي لا يخدم ـ بالتأكيد ـ مشروع الإصلاح في سوريا، بل لعله يسهم في تعطيله وتأمين المناخ الملائم لحرب أهلية مفتوحة ضد سوريا، التي كانت موئلاً لكل أحرار العرب وملاذاً لكل المضطهدين في "دولهم" وكل من صمد في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية على الحاضر العربي ومعه المستقبل.   السفير

المصدر : طلال سلمان\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة