دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هي حرب مستمرة، بكل ما تعلق بالأرض أو البشر، وحتى الحجر؛ فدولة الاحتلال لا تأبه لقرى فلسطينية إن لم تكن على مقاسها، ولا للفلسطينيين في القدس المحتلة، فها هي تقرر أن تهدم قرى بأكملها، وأن تطرد قرابة 100 ألف فلسطيني من أرضهم إلى خارج «حدود بلدية الاحتلال» في القدس، وسط صمت فلسطيني رسمي، ومن دون أدنى حراك على الأرض. جميع المؤشرات تدل على أن مسلسل طرد الفلسطينييين في تسارع غير مسبوق، وأن خطة تهويد القدس، التي رسمتها منذ سنوات، تتقدّم بكل ثقة من دون أي رادع، وأنّ أهداف الاحتلال على انتزاع الفلسطينيين من أرضهم وجعلهم أقلية والقضاء على ما تسميه التهديد الديموغرافي، شارفت على الانتهاء.
وفي آخر حلقات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على قرار وزير الجيش الإسرائيلي إيهود باراك بهدم ثماني قرى فلسطينية في جنوب جبال الخليل، بحجة أنّ أراضي هذه القرى حيوية لتدريبات جيش الاحتلال. وبحسب صحيفة «هآرتس» العبرية، فإنّه من المفترض أن يتم نقل سكان القرى المهدّدة بالهدم إلى يطا والبلدات المحيطة.
وقد أكّد جيش الاحتلال أنه سوف يسمح لسكان القرى الفلسطينيين بفلاحة أراضيهم ورعاية مواشيهم في الفترات التي لا يجري فيها الجيش أي تدريبات في المنطقة. ويتبين من المعلومات بأن أربع قرى يسكنها نحو 300 نسمة تقع في شمال منطقة التدريبات سوف تظل قائمة، بالرغم من أنها تسبب تقليص مساحة التدريبات وتمنع استخدام الذخيرة الحية، فيما سيتم تهجير نحو 1500 آخرين من ثماني قرى.
ورغم أن هذه القرى قائمة قبل الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية في العام 1967، وحتى قبل النكبة، بل وهي قائمة منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، على الأقل، إلا أنّ جيش الاحتلال وما يسمى بالإدارة المدنية يعتبران سكان هذه القرى «غزاة لمنطقة إطلاق النار 918». أما القرى التي تقرّر هدمها فهي: مجاز وتبان وسفاي وفخيت وحلاوة والمركز وجينبة وحروبة، في حين أن القرى الأربع المتبقية هي طوبا ومفقرة وسارورة ومغاير العبد.
وتجدر الإشارة الى أن جيش الاحتلال كان قد أصدر في نهاية التسعينيات من القرن الماضي أوامر بإخلاء 12 قرية، إلا أن الأوامر تم تجميدها من قبل المحكمة العليا، وذلك في أعقاب التماسات تقدّمت بها 200 عائلة عن طريق المحامي شلومو لكر، وجمعية حقوق المواطن. وفي العام 2005، وفي أعقاب فشل «الإدارة المدنية» في التوصل إلى اتفاق مع سكان القرى، بدأت الإدارة المدنية بإصدار أوامر بهدم آبار المياه على الزعم من أنّها قد تغير من الوضع الراهن الذي حددته المحكمة. وفي نيسان الجاري تجدّدت المداولات في الالتماسات، وقدمت دولة الاحتلال ردّها النهائي يوم الأحد.
وبحسب معلومات قديمة وموثقة، فإن جيش الاحتلال كان قد أعلن في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عن نحو 30 ألف دونم كمنطقة عسكرية مغلقة، يسمح فقط لسكانها الدائمين بالبقاء فيها. وفي 1997 جرى اعتبارها «مناطق ج»، وبالنتيجة لم يسمح الاحتلال للسكان بزيادة مبان تتلاءم مع الزيادة السكانية، أو حتى مدارس وعيادات طبية، لذلك فإن هذه القرى لا تزال حتى اليوم من دون بنى تحتية أو شبكات مياه وكهرباء.
وفي آب وتشرين الثاني من العام 1999 تلقى غالبية سكان القرى أوامر بإخلاء منازلهم بزعم أنها «منازل غير قانونية في مناطق إطلاق النار». وفي 16 تشرين الثاني قامت قوات الاحتلال بإخلاء أكثر من 700 بالقوة. وقام جيش الاحتلال بهدم منازل وآبار مياه وصادر ممتلكات. وفي حينه أصدرت المحكمة العليا أمرا احترازيا يسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم مؤقتاً، لكن الهدم منع عودة الكثيرين.
وليس هذا فقط، بل بدأت بلدية الاحتلال في القدس العمل على إخراج الأحياء الفلسطينية في المدينة، والتي أصبحت خارج حدود جدار الفصل العنصري، من خدماتها، لأنها تريد نقل الخدمات الى ما تسمى الادارة المدنية في جيش الاحتلال. وكشفت «هآرتس» أن مسؤولين في بلدية الاحتلال عقدوا اجتماعات مع ضباط كبار في الجيش وفي مقدمتهم منسق أعمال الحكومة الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، دانغوت إيتان، ورئيس الادارة المدنية الموز موتي، وطالبوهم بتولي المسؤوليات وتوفير الخدمات للمناطق التي أخرجها الجدار من مدينة القدس.
بلدية الاحتلال، من جهتها، طالبت مسؤولي الجيش بتولي المسؤوليات المدنية والخدماتية مثل الصرف الصحي والبناء والخدمات بهذه المناطق، لكن مسؤولي الجيش أشاروا الى صعوبات وضرورة وجود قرار سياسي. وتشمل المناطق التي تريد البلدية التخلي عنها وتحويلها لخدمات الجيش نحو 90 ألف مواطن فلسطيني مقدسي في مناطق مثل مخيم شعفاط للاجئين، رأس خميس، حي السلام، وهي من أحياء القدس المتروكة دون خدمات وظروف معيشية صعبة للغاية.
ووفقاً للاتفاقات مع الفلسطينيين فان الجهات الفلسطينية الرسمية والأجهزة الأمنية ممنوعة من العمل في هذه المناطق، ولكن أيضاً وفي نفس الوقت لا تقوم السلطات الإسرائيلية وشركات البنية التحتية بالعمل في هذه الأحياء بسبب ما اسمته الصحيفة «مخاوف أمنية».
وكان رئيس بلية الاحتلال نير بركات قد اعلن قبل ستة اشهر عن نيته نقل الاحياء خارج الجدار الى الادارة المدنية، مشيراً الى ان هذا القرار لا يتطلب تغيير في الحدود ولكنه يتعلق بالخدمات فقط.
ويتحدث مسؤول قسم الخرائط والخبير في شؤون الاستيطان، خليل التفكجي، لـ«الأخبار» عن خطر التهويد والتهجير، ويقول إنه تطرق لهذا الأمر ونشر عنه قبل 10 سنوات، ويشير الى أن نسبة السكان الفلسطينيين في القدس المحتلة اليوم هي 35 في المئة، وهذه نسبة ارتفعت كثيراً عن الماضي، وإذا ما بقيت الحال على ما هي عليه فإن هذه النسبة في العام 2040 ستكون 55 في المئة، وهو ما يعني أن رئيس بلدية القدس سيكون فلسطينياً، وبالتالي فإن القدس لن تكون عاصمة دولة الاحتلال كما يزعمون. ويضيف أنه «ولهذا السبب، استغلت إسرائيل قضية الجدار، بحجة الأمن فقط، لكن الأساس أن القضية ديموغرافية بالكامل، وبالتالي عندما رسمت مسار الجدار «الحدود» صادرت أكبر كمية من الأرض، وأقل عدد من السكان وأخرجت الأحياء الفلسطينية خارجه».
ويؤكد أن إسرائيل عمدت إلى جعل القدس المحتلة ذات أهمية قومية كبيرة، فزادت إنفاق الأموال عليها، وعملت على تنظيم البنى التحتية، دون أن توسع حدود البلدية، لكن الواقع على الأرض، هو «إخراج سكان فلسطينيين وإدخال سكان «يهود». وكل ذلك، يقول التفجكي، يهدف إلى خفض نسبة الفلسطينيين في القدس المحتلة إلى 12 في المئة للسيطرة عليهم. ويتاع «لكن هذه النسبة من السكان لديها مشاكل كبيرة وستقع تحت خيارات صعبة، أولاها أن يحمل الفلسطيني «الجنسية الإسرائيلية»، وبعد إخراجه من مكان سكنه في القدس المحتلة سيفقد أملاكه بحجة «أملاك الغائبين» لأنه أصبح يقيم خارج حدود القدس.
إذا فدولة الاحتلال التي كانت تعاني دائماً من قضية «الضغط الدولي والإعلام»، ها هي تخرج اليوم 90 ألف فلسطيني من المدينة المقدسة في القدس، دون أية مشاكل تذكر.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة