في الطريق إلى دمشق، وبالتحديد فوق أعلى تلة في منتصف الطريق إلى العاصمة السورية، يلاحظ المسافرون قصراً ضخماً يشبه القلاع العسكرية يطلّ من جهة على مدينة دمشق، ومن جهة الشرق على سهل منطقة يعفور.

هذا القصر، للذين لا يعرفون، كان مخصّصاً لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة. الأرض قدمها إليه الرئيس السوري بشار الأسد باسم الشعب السوري، عربون الصداقة والعلاقات المميزة التي كانت تربط سورية بدولة قطر.

قبل ثمانية عشر شهراً فقط، كانت قطر، ربما، الدولة العربية الأقرب إلى سورية. كان التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الدولتين في أوجه. زيارات متبادلة، صداقات عائلية، مشاريع قطرية بالعشرات في سورية من الساحل حتى القنيطرة. إضافة إلى ذلك كله، كانت قناة «الجزيرة» التي تمتلكها الحكومة القطرية تتجنب توجيه النقد إلى الدولة  في سورية، بل كانت تمتدح في كثير من الأحيان الرئيس الأسد وانفتاحه وخطواته الإصلاحية.

السؤال: ما الذي فعلته سورية تجاه قطر وأميرها؟ وماذا حدث حتى انقلبت قطر بهذه السرعة القياسية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في انقلاب العلاقات بين دولتين؟

الجواب ببساطة أن هذا الود القطري حيال سورية كان بتوجيه أميركي لتدجين سورية، فبدأت المشاريع القطرية المصرفية والاقتصادية والعمرانية والمؤتمرات والندوات المتخصصة بالاستثمار في سورية، وقدرت الاستثمارات القطرية في سورية عام 2009 بأكثر من 20 مليار دولار أميركي، قابلة للزيادة. وكانت الفنادق والمقاهي والمطاعم والأسواق السورية تعج بالمواطنين القطريين من كل الفئات. كان ممكناً لهذا الانفتاح الاقتصادي القطري على سورية أن يغير وضع البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لولا وعي القيادة السورية التي كانت منذ البدء تنظر بعين الريبة إلى النوايا القطرية، لذا لم تعطهم اليد الطولى في تنفيذ المشاريع، كما كان الوضع عندما أخّرت دمشق مشروع توسيع « بنك قطر الوطني – سورية» و«الشركة السورية – القطرية» للاستثمار خلال عامي 2009 و 2010، وحسناً فعلت.

لمّا أيقنت حكومة قطر أنها فشلت في تدجين سورية اقتصادياً، انقلبت إلى تنفيذ الخطة «ب» أي المشاركة في إعلان الحرب الإعلامية والسياسية على سورية باسم الديمقراطية والحريات الفردية وإرادة الشعب، وكانت قناة «الجزيرة» جاهزة لهذا الدور. وتكملة للمؤامرة استأجر الأمير «الشهم» أكبر الشركات المتخصصة في العلاقات العامة والتوجيه الإعلامي، كما اشترى ضمائر الكثيرين من شهود الزور والمراسلين الكذبة والقتلة المحترفين والكتبة المأجورين ورجال الدين الدجّالين، وأمّن لهم التغطية الإعلامية عبر قناة الفتنة «الجزيرة» التي كانت اكتسبت صدقيتها على حساب سورية وقوى الممانعة في لبنان وفلسطين خلال حربيْ 2006 و2008.

كل ذلك لأجل خدمة واشنطن التي تقوم عبر شركة «أكسون موبيل» في قطر والقواعد العسكرية في العُدَيْد بحماية كنوز قطر الطبيعية من الغاز التي تقدر بـ 700 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وتكفي لتغطية كلفة كل المؤامرات الأميركية على أمتنا ودول العالم العربي لأكثر من 100 سنة مقبلة من دون أن يهتز اقتصاد قطر التي يزيد عدد العمال الهنود والنيباليين المقيمين فيها على نصف مليون نسمة، أي ضعف عدد أهل البلاد القطريين.

سورية ليست الدولة الوحيدة التي شملها «أمير الحرية» القطري برعايته، مطالباً بالحرية لشعبها. فقبلها كانت بصماته في السودان وفي ليبيا وفي اليمن وفي مصر وفي تونس وفي الصومال. والغريب أن دخوله هذه البلدان كان مشابهاً لدخوله سورية: مشاريع اقتصادية وعمرانية أولاً، ثم تدخل سياسيّ وإعلاميّ يليه عسكريّ يتطلب الدخول بسلاح أميركي أو فرنسي... وبلباس ولسان عربيّيْن!

رغم كل المؤامرات على سورية، وبعدما انكشف الدور القطري في المؤامرة وأدركت الشعوب العربية حجم المؤامرة، فإن هذه المؤامرة على سورية فشلت، ونقول لمن تحالف مع قطر من عرب وأتراك وأحزاب: « ليست سورية هي التي تستسلم! سورية ماضية في خطها القومي الممانع وستنتصر على المؤامرة».

آن الأوان أن تعود قطر إلى حجمها الطبيعي بتاريخها، الذي بدأ بشطحة قلم من الحاكم الانكليزي مع بداية القرن العشرين، بعدما كانت مقصداً لصيادي اللؤلؤ والسمك وصيد حيوان الضبّ الصحراويّ.

  • فريق ماسة
  • 2012-06-22
  • 11202
  • من الأرشيف

قَطَر ودورها في المؤامرة على سورية

في الطريق إلى دمشق، وبالتحديد فوق أعلى تلة في منتصف الطريق إلى العاصمة السورية، يلاحظ المسافرون قصراً ضخماً يشبه القلاع العسكرية يطلّ من جهة على مدينة دمشق، ومن جهة الشرق على سهل منطقة يعفور. هذا القصر، للذين لا يعرفون، كان مخصّصاً لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة. الأرض قدمها إليه الرئيس السوري بشار الأسد باسم الشعب السوري، عربون الصداقة والعلاقات المميزة التي كانت تربط سورية بدولة قطر. قبل ثمانية عشر شهراً فقط، كانت قطر، ربما، الدولة العربية الأقرب إلى سورية. كان التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الدولتين في أوجه. زيارات متبادلة، صداقات عائلية، مشاريع قطرية بالعشرات في سورية من الساحل حتى القنيطرة. إضافة إلى ذلك كله، كانت قناة «الجزيرة» التي تمتلكها الحكومة القطرية تتجنب توجيه النقد إلى الدولة  في سورية، بل كانت تمتدح في كثير من الأحيان الرئيس الأسد وانفتاحه وخطواته الإصلاحية. السؤال: ما الذي فعلته سورية تجاه قطر وأميرها؟ وماذا حدث حتى انقلبت قطر بهذه السرعة القياسية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في انقلاب العلاقات بين دولتين؟ الجواب ببساطة أن هذا الود القطري حيال سورية كان بتوجيه أميركي لتدجين سورية، فبدأت المشاريع القطرية المصرفية والاقتصادية والعمرانية والمؤتمرات والندوات المتخصصة بالاستثمار في سورية، وقدرت الاستثمارات القطرية في سورية عام 2009 بأكثر من 20 مليار دولار أميركي، قابلة للزيادة. وكانت الفنادق والمقاهي والمطاعم والأسواق السورية تعج بالمواطنين القطريين من كل الفئات. كان ممكناً لهذا الانفتاح الاقتصادي القطري على سورية أن يغير وضع البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لولا وعي القيادة السورية التي كانت منذ البدء تنظر بعين الريبة إلى النوايا القطرية، لذا لم تعطهم اليد الطولى في تنفيذ المشاريع، كما كان الوضع عندما أخّرت دمشق مشروع توسيع « بنك قطر الوطني – سورية» و«الشركة السورية – القطرية» للاستثمار خلال عامي 2009 و 2010، وحسناً فعلت. لمّا أيقنت حكومة قطر أنها فشلت في تدجين سورية اقتصادياً، انقلبت إلى تنفيذ الخطة «ب» أي المشاركة في إعلان الحرب الإعلامية والسياسية على سورية باسم الديمقراطية والحريات الفردية وإرادة الشعب، وكانت قناة «الجزيرة» جاهزة لهذا الدور. وتكملة للمؤامرة استأجر الأمير «الشهم» أكبر الشركات المتخصصة في العلاقات العامة والتوجيه الإعلامي، كما اشترى ضمائر الكثيرين من شهود الزور والمراسلين الكذبة والقتلة المحترفين والكتبة المأجورين ورجال الدين الدجّالين، وأمّن لهم التغطية الإعلامية عبر قناة الفتنة «الجزيرة» التي كانت اكتسبت صدقيتها على حساب سورية وقوى الممانعة في لبنان وفلسطين خلال حربيْ 2006 و2008. كل ذلك لأجل خدمة واشنطن التي تقوم عبر شركة «أكسون موبيل» في قطر والقواعد العسكرية في العُدَيْد بحماية كنوز قطر الطبيعية من الغاز التي تقدر بـ 700 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وتكفي لتغطية كلفة كل المؤامرات الأميركية على أمتنا ودول العالم العربي لأكثر من 100 سنة مقبلة من دون أن يهتز اقتصاد قطر التي يزيد عدد العمال الهنود والنيباليين المقيمين فيها على نصف مليون نسمة، أي ضعف عدد أهل البلاد القطريين. سورية ليست الدولة الوحيدة التي شملها «أمير الحرية» القطري برعايته، مطالباً بالحرية لشعبها. فقبلها كانت بصماته في السودان وفي ليبيا وفي اليمن وفي مصر وفي تونس وفي الصومال. والغريب أن دخوله هذه البلدان كان مشابهاً لدخوله سورية: مشاريع اقتصادية وعمرانية أولاً، ثم تدخل سياسيّ وإعلاميّ يليه عسكريّ يتطلب الدخول بسلاح أميركي أو فرنسي... وبلباس ولسان عربيّيْن! رغم كل المؤامرات على سورية، وبعدما انكشف الدور القطري في المؤامرة وأدركت الشعوب العربية حجم المؤامرة، فإن هذه المؤامرة على سورية فشلت، ونقول لمن تحالف مع قطر من عرب وأتراك وأحزاب: « ليست سورية هي التي تستسلم! سورية ماضية في خطها القومي الممانع وستنتصر على المؤامرة». آن الأوان أن تعود قطر إلى حجمها الطبيعي بتاريخها، الذي بدأ بشطحة قلم من الحاكم الانكليزي مع بداية القرن العشرين، بعدما كانت مقصداً لصيادي اللؤلؤ والسمك وصيد حيوان الضبّ الصحراويّ.

المصدر : البناء/ علي البقاعي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة