يكمل "حزب العدالة والتنمية" عامه العاشر في السلطة في تركيا، بعد ثلاث انتخابات نيابية واثنتين محلية، انتهت بانتصارات غير مسبوقة في تاريخ أي حزب سياسي في تاريخ تركيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو بذلك يكرر تجربة "الحزب الديموقراطي" في الخمسينيات، التي انتهت بانقلاب عسكري دامٍ في العام 1960، وبإعدام زعيم الحزب ورئيس الوزراء عدنان مندريس بعد عشر سنوات كاملة من الحكم.

اليوم لا مجال للمقارنة، حيث أن رجب طيب أردوغان نجح في تحقيق أبرز إنجاز في الإصلاح الداخلي، وهو إنهاء نفوذ العسكر في الحياة السياسية، مضافاً إليه دعم واشنطن للحزب الإسلامي الحاكم، وقطع الطريق بالتالي على أي مغامرة للعسكر للعودة إلى ممارسة دور سياسي.

ولا يزال "حزب العدالة والتنمية" يتمتع، بعد عام على انتخابات حزيران العام 2011، بغالبية شعبية كبيرة، إذ أفادت استطلاعات أجريت مؤخراً بأن الحزب سينال بين 51 و53 في المئة من الأصوات إذا جرت انتخابات نيابية اليوم، وهو الذي حصل على 50 في المئة في انتخابات العام الماضي. كذلك لم تتغير كثيراً الخريطة السياسية التي لا تزال تعطي "حزب الشعب الجمهوري" المعارض نسبة 25 في المئة، وحزب "الحركة القومية" حوالي 14 في المئة، والأكراد المعارضين حوالي بين 6و7 في المئة.

لكن الولاية الثالثة لـ"حزب العدالة والتنمية" تواجه العديد من المشكلات والتحديات التي قد تؤثر سلباً على مستقبله وتماسكه، فالحزب لم يعد قادراً على التحكم بالبرلمان، حيث أن انتخابات العام 2011 أعطته خمسين في المئة من الأصوات الشعبية، بزيادة ثلاثة في المئة عن العام 2007 ، لكنها أعطته نواباً أقل بعشرة نواب عن العام 2007، وكانت كافية لكي يفقد سيطرته على البرلمان بمفرده، بل إنه لم يعد يستطيع حتى تحويل أي تعديل دستوري يسقط في البرلمان إلى استفتاء شعبي، لأنه لم يعد يملك 330 نائباً من اجل ذلك.

لذا يواجه "حزب العدالة والتنمية" اليوم عدم القدرة على إعداد دستور جديد بمفرده، وهو يدخل في تواطؤ جانبي مع حزب "الحركة القومية" اليميني ليمرر الدستور الذي يجري التشاور بشأنه. ومن شأن ذلك أن يخفض سقف الإصلاح الذي كان يطمح إليه "حزب العدالة والتنمية"، علماً بأن الحزب نفسه قد تخلى عن الكثير من الطموحات السياسية التي تعزز الديموقراطية والحريات والنظام العلماني في تركيا، وبدأ ما سمّاها البعض، ويتابعها بقلق العديد من الديبلوماسيين الأوروبيين في تركيا، "ثورة إسلامية" تعزز النزعة الدينية في بنية الدولة على حساب المكتسبات العلمانية.

ويواجه "حزب العدالة والتنمية" تحدياً آخر، ربما أكثر حساسية، وهو "الصراع" داخل الحزب بين تيارات متنافسة، بل بين شخصيات قيادية أبرزها المعركة على رئاسة الجمهورية وقيادة الحزب.

ولا يخفي أردوغان نيته الترشح لرئاسة الجمهورية في العام 2014، لكنه سعى في ذلك لكي تفتي لجان برلمانية في أن ولاية الرئيس الحالي عبدالله غول تنتهي في العام 2014، ولا يحق له خوض الانتخابات التالية وفق القانون الجديد الذي يجعل مدة الرئاسة خمس سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ووصفت الفتوى القانونية بأنها محاولة من أردوغان لقطع الطريق على استمرار غول في رئاسة الجمهورية، وهو ما أُخذ عليه.

من جهة أخرى، فإن أردوغان يريد أن يغير النظام البرلماني في تركيا ليكون نظاماً رئاسياً، او أي شكل من الأنظمة التي تتيح له نقل الصلاحيات الأساسية من رئيس الحكومة إلى رئاسة الجمهورية، لكي يتمكن من الاستمرار بصفة الرجل الأقوى في الدولة في حال وصوله إلى موقع الرئاسة. وهذا اعتبر إضعافاً لأي شخصية من "حزب العدالة والتنمية" يمكن أن تتولى رئاسة الحكومة والحزب بعد وصول أردوغان إلى رئاسة الجمهورية.

وفي السياق ذاته من مركزة السلطة في شخصه، رأى أردوغان أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون حزبياً، ما يعني استمراره في الانتماء إلى "حزب العدالة والتنمية"، وبالتالي استمرار التحكم بالحزب ولو لم يكن رئيساً له.

هذه النزعة "الفردية" و"الشخصانية" لأردوغان، دفعت العديد من الأقلام إلى اعتبارها محاولة لإضفاء هالة من "العبادة"على شخصه، بما لا يختلف عما هو قائم في الأنظمة الشمولية والملكية.

ولم يقف غول متفرجاً على سلوك أردوغان هذا، فقد أعلن قبل أيام، في لقاء مع لجنة إعداد الدستور، أن التغيير في النظام السياسي في البلاد يجب ألا يتم فجأة، بل بتهيئة الأجواء وتدريجياً، ما فسّره المتابعون بأنه معارضة لاعتماد النظام الرئاسي. كذلك لم يحبذ غول أن يكون الرئيس حزبياً.

ومع أن تركيا قد تفادت التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، فإن مخاطرها لا تزال قائمة. كذلك فإن التخبط والتعثر في سياساتها الخارجية، ولا سيما عودة علاقاتها مع جيرانها المباشرين وفي المنطقة عموما وشرق المتوسط إلى المربع الأول من العداء، يرخي بظلاله على واقع "حزب العدالة والتنمية".

في هذا السياق أيضا ظهرت في صحيفة "زمان" الإسلامية مقالة للكاتب البارز ممتازير توركينيه، وهو رئيس مجمع التاريخ التركي السابق، ومقرب من "حزب العدالة والتنمية"، لكنه يحتفظ بمسافة كبيرة عنه وينتقده من وقت إلى آخر. وتساءل توركينيه في مقالته عن إمكانية استمرار "حزب العدالة والتنمية" موحداً. وكان البارز في المقالة عنوانها الذي كان"هل يتفكك حزب العدالة والتنمية؟".

ويرى توركينيه أن اخطر ما يواجه "العدالة والتنمية" هو السعي لمركز القوة فيه، عبر تغييرات في القوانين والنظام، بحيث تتعطل المعارضة.

ويقول إنه حين لا يريد البعض تقاسم مصادر القوة والنفوذ يأتي الخطر ويبدأ التنافس من داخل الكتلة الواحدة، وهذا ما بدأ يظهر في مواقف أعضاء "حزب العدالة والتنمية" من العديد من القضايا.

ويضيف توركينيه أن افتقاد "حزب العدالة والتنمية" للمنافسة والخصم من جهة ومركزة القوة به من جهة ثانية يفضي إلى تراخ في الحبال التي تشد عصب الحزب، مشيراً إلى أن مركز القوة الذي لا يتم تقاسمه هو مصدر الخطر.

وقال توركينيه إن "كل شيء فان، وكذلك السلطات، وسيأتي يوم تنتهي فيه سلطة حزب العدالة والتنمية. لكن السؤال متى؟ وعندما يبدأ البعض بالتساؤل عن ذلك فهذا يعني أننا في بداية النهاية".

  • فريق ماسة
  • 2012-06-15
  • 7506
  • من الأرشيف

هل يتفكك "حزب العدالة والتنمية"؟

يكمل "حزب العدالة والتنمية" عامه العاشر في السلطة في تركيا، بعد ثلاث انتخابات نيابية واثنتين محلية، انتهت بانتصارات غير مسبوقة في تاريخ أي حزب سياسي في تاريخ تركيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو بذلك يكرر تجربة "الحزب الديموقراطي" في الخمسينيات، التي انتهت بانقلاب عسكري دامٍ في العام 1960، وبإعدام زعيم الحزب ورئيس الوزراء عدنان مندريس بعد عشر سنوات كاملة من الحكم. اليوم لا مجال للمقارنة، حيث أن رجب طيب أردوغان نجح في تحقيق أبرز إنجاز في الإصلاح الداخلي، وهو إنهاء نفوذ العسكر في الحياة السياسية، مضافاً إليه دعم واشنطن للحزب الإسلامي الحاكم، وقطع الطريق بالتالي على أي مغامرة للعسكر للعودة إلى ممارسة دور سياسي. ولا يزال "حزب العدالة والتنمية" يتمتع، بعد عام على انتخابات حزيران العام 2011، بغالبية شعبية كبيرة، إذ أفادت استطلاعات أجريت مؤخراً بأن الحزب سينال بين 51 و53 في المئة من الأصوات إذا جرت انتخابات نيابية اليوم، وهو الذي حصل على 50 في المئة في انتخابات العام الماضي. كذلك لم تتغير كثيراً الخريطة السياسية التي لا تزال تعطي "حزب الشعب الجمهوري" المعارض نسبة 25 في المئة، وحزب "الحركة القومية" حوالي 14 في المئة، والأكراد المعارضين حوالي بين 6و7 في المئة. لكن الولاية الثالثة لـ"حزب العدالة والتنمية" تواجه العديد من المشكلات والتحديات التي قد تؤثر سلباً على مستقبله وتماسكه، فالحزب لم يعد قادراً على التحكم بالبرلمان، حيث أن انتخابات العام 2011 أعطته خمسين في المئة من الأصوات الشعبية، بزيادة ثلاثة في المئة عن العام 2007 ، لكنها أعطته نواباً أقل بعشرة نواب عن العام 2007، وكانت كافية لكي يفقد سيطرته على البرلمان بمفرده، بل إنه لم يعد يستطيع حتى تحويل أي تعديل دستوري يسقط في البرلمان إلى استفتاء شعبي، لأنه لم يعد يملك 330 نائباً من اجل ذلك. لذا يواجه "حزب العدالة والتنمية" اليوم عدم القدرة على إعداد دستور جديد بمفرده، وهو يدخل في تواطؤ جانبي مع حزب "الحركة القومية" اليميني ليمرر الدستور الذي يجري التشاور بشأنه. ومن شأن ذلك أن يخفض سقف الإصلاح الذي كان يطمح إليه "حزب العدالة والتنمية"، علماً بأن الحزب نفسه قد تخلى عن الكثير من الطموحات السياسية التي تعزز الديموقراطية والحريات والنظام العلماني في تركيا، وبدأ ما سمّاها البعض، ويتابعها بقلق العديد من الديبلوماسيين الأوروبيين في تركيا، "ثورة إسلامية" تعزز النزعة الدينية في بنية الدولة على حساب المكتسبات العلمانية. ويواجه "حزب العدالة والتنمية" تحدياً آخر، ربما أكثر حساسية، وهو "الصراع" داخل الحزب بين تيارات متنافسة، بل بين شخصيات قيادية أبرزها المعركة على رئاسة الجمهورية وقيادة الحزب. ولا يخفي أردوغان نيته الترشح لرئاسة الجمهورية في العام 2014، لكنه سعى في ذلك لكي تفتي لجان برلمانية في أن ولاية الرئيس الحالي عبدالله غول تنتهي في العام 2014، ولا يحق له خوض الانتخابات التالية وفق القانون الجديد الذي يجعل مدة الرئاسة خمس سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ووصفت الفتوى القانونية بأنها محاولة من أردوغان لقطع الطريق على استمرار غول في رئاسة الجمهورية، وهو ما أُخذ عليه. من جهة أخرى، فإن أردوغان يريد أن يغير النظام البرلماني في تركيا ليكون نظاماً رئاسياً، او أي شكل من الأنظمة التي تتيح له نقل الصلاحيات الأساسية من رئيس الحكومة إلى رئاسة الجمهورية، لكي يتمكن من الاستمرار بصفة الرجل الأقوى في الدولة في حال وصوله إلى موقع الرئاسة. وهذا اعتبر إضعافاً لأي شخصية من "حزب العدالة والتنمية" يمكن أن تتولى رئاسة الحكومة والحزب بعد وصول أردوغان إلى رئاسة الجمهورية. وفي السياق ذاته من مركزة السلطة في شخصه، رأى أردوغان أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون حزبياً، ما يعني استمراره في الانتماء إلى "حزب العدالة والتنمية"، وبالتالي استمرار التحكم بالحزب ولو لم يكن رئيساً له. هذه النزعة "الفردية" و"الشخصانية" لأردوغان، دفعت العديد من الأقلام إلى اعتبارها محاولة لإضفاء هالة من "العبادة"على شخصه، بما لا يختلف عما هو قائم في الأنظمة الشمولية والملكية. ولم يقف غول متفرجاً على سلوك أردوغان هذا، فقد أعلن قبل أيام، في لقاء مع لجنة إعداد الدستور، أن التغيير في النظام السياسي في البلاد يجب ألا يتم فجأة، بل بتهيئة الأجواء وتدريجياً، ما فسّره المتابعون بأنه معارضة لاعتماد النظام الرئاسي. كذلك لم يحبذ غول أن يكون الرئيس حزبياً. ومع أن تركيا قد تفادت التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، فإن مخاطرها لا تزال قائمة. كذلك فإن التخبط والتعثر في سياساتها الخارجية، ولا سيما عودة علاقاتها مع جيرانها المباشرين وفي المنطقة عموما وشرق المتوسط إلى المربع الأول من العداء، يرخي بظلاله على واقع "حزب العدالة والتنمية". في هذا السياق أيضا ظهرت في صحيفة "زمان" الإسلامية مقالة للكاتب البارز ممتازير توركينيه، وهو رئيس مجمع التاريخ التركي السابق، ومقرب من "حزب العدالة والتنمية"، لكنه يحتفظ بمسافة كبيرة عنه وينتقده من وقت إلى آخر. وتساءل توركينيه في مقالته عن إمكانية استمرار "حزب العدالة والتنمية" موحداً. وكان البارز في المقالة عنوانها الذي كان"هل يتفكك حزب العدالة والتنمية؟". ويرى توركينيه أن اخطر ما يواجه "العدالة والتنمية" هو السعي لمركز القوة فيه، عبر تغييرات في القوانين والنظام، بحيث تتعطل المعارضة. ويقول إنه حين لا يريد البعض تقاسم مصادر القوة والنفوذ يأتي الخطر ويبدأ التنافس من داخل الكتلة الواحدة، وهذا ما بدأ يظهر في مواقف أعضاء "حزب العدالة والتنمية" من العديد من القضايا. ويضيف توركينيه أن افتقاد "حزب العدالة والتنمية" للمنافسة والخصم من جهة ومركزة القوة به من جهة ثانية يفضي إلى تراخ في الحبال التي تشد عصب الحزب، مشيراً إلى أن مركز القوة الذي لا يتم تقاسمه هو مصدر الخطر. وقال توركينيه إن "كل شيء فان، وكذلك السلطات، وسيأتي يوم تنتهي فيه سلطة حزب العدالة والتنمية. لكن السؤال متى؟ وعندما يبدأ البعض بالتساؤل عن ذلك فهذا يعني أننا في بداية النهاية".

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة