ما حدث في طرابلس، بدأ في أمكنة بعيدة عنها، فالمدينة تعيش منذ زمن على احتقان بالوكالة عن العواصم القلقة في الخليج، تمت هندسة الاحتقان بحرفية عالية، ليكون تفجيرا عند الطلب، لذا لم يكن التوقيت مضبوطا على توقيف شادي المولوي أو على قضية الموقوفين من تنظيم "فتح الإسلام" أو ما يحكى عن مظلومية طائفة.

وقائع ما جرى في طرابلس، ليست من صنع مئات قليلة من المجموعات السلفية، هناك من التحف هذه المجموعات وتلطى خلفها، فما حدث في المدينة هو محاولة انشقاق عن الدولة وتمرد موصوف على مؤسساتها المولجة بإنفاذ القانون، وجرائم من هذا النوع تحتاج إلى غطاء إقليمي ودولي، وهذا الغطاء لا يمنح لهذه المجموعات بذريعة مظلومية موقوفي فتح الإسلام أو للاعتراض على الشكل في توقيف المولوي إنما يمنح لوظائف تتصل بمصالح وسياسات كبرى.

 

كما أن دمشق، لا تحتاج إلى توسيع الاضطراب إلى ما وراء حدودها، فهي مرتاحة للجدار الذي بناه التفاهم الروسي الصيني الأميركي عبر القرار الدولي 2043، لجهة حصر الصراع بلعبة وحيدة، هي مهمة كوفي أنان، وهي مهمة تنتهي لحظة نضوج الصفقة الكبرى بين الدول المذكورة، في حين تتكفل عواصمها حماية هذا الجدار ومراقبة الحبال التي ترمى عليه من أكثر من طرف محلي وإقليمي ودولي بقصد تسلقه لتعديل اللعبة الأممية.

لكن التفجيرين الإرهابيين في دمشق واللذين ذهب ضحيتهما عشرات القتلى، فيهما ما يتجاوز الخطوط الحمر الموضوعة لاستمرار مهمة أنان وتعطيلها قبل أوان انتهاء صلاحيتها، وقد تفهمها كل من موسكو وبكين بعد التجرية الليبية بأنها عدم جدية من قبل الطرف الأميركي المعني بضبط حلفائه في المنطقة، وبالتالي تسهم مثل هذه التفجيرات في انحراف مهمة أنان عن أهدافها لتتحول إلى تكبيل يد الحكومة السورية في مواجهة الجماعات الإرهابية.

 

مناقشات مجلس الأمن، تكشف عن أخذ موسكو علما وخبرا، بمحاولات دولية لإحباط مهمة انان، فكان أن دقت ناقوس الخطر، من جهود تبذل في أكثر من مكان من العالم وخصوصا في البلقان لإقامة معسكرات لتدريب مقاتلين "للإطاحة" بالنظام في سوريا، ومن جهته، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن "مسألة تحويل كوسوفو إلى معسكرات لتدريب المقاتلين من مختلف الجماعات المسلحة المتشددة، من الممكن أن تصبح عاملا لزعزعة الاستقرار خارج نطاق منطقة البلقان".

على الرغم من صحة هذه المعلومات التي اعترف بها وزير خارجية كوسوفو أنور خوجا، لا تريد واشنطن، إعادة النظر ببروتوكول التعاون بين الحكومة السورية والمراقبيين الدوليين، بشكل يمنح الحكومة السورية فعالية مناسبة لمواجهة الجماعات الإرهابية، لكن وبالوقت نفسه في إطار التزام بتعهداتها أمام موسكو وبكين ستصطدم إدارة أوباما موضعيا مع حلفائها في المنطقة (الرياض والدوحة) المصممين على إسقاط الرئيس الأسد من خارج مهمة أنان وبالاستعانة بالتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة.

 

كشفت الباخرة لطف الله المحملة بالأسلحة لزوم المعارضة السورية والتي صادرها الجيش اللبناني مؤخرا، استخدام الرياض والدوحة للبنان كمنفذ تخريبي على مهمة أنان والتصويب على التزامات إدارة أوباما، وما كان لهاتين العاصمتين أن تقدما على مناوشة الإدارة الأميركية لولا الإسناد القوي لهما من اللوبيات الصهيونية في واشنطن، التي تنشط لتفشيل المحادثات المرتقبة في بغداد في 23 من الشهر الحالي بين طهران ومجموعة الخمس زائد واحدا، ولتكبير حظوظ المواجهة العسكرية بين إيران والغرب.

ليس مصادفة أن تأتي حوادث طرابلس في الفترة الفاصلة عن محادثات بغداد، وأن تأتي أيضا في سياق عملية تخريب تقودها الرياض لتقويض الستاتيكو الموضوع للمنطقة بانتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، فتلويح السعودبة بابتلاع البحرين عبر مشروع الاتحاد الذي اقترحته بين البلدين، لم يكن ليطرح إلا بتشجيع من قوى نافذة في داخل أميركا، فمثل هذه الخطوة شبيهة باجتياح صدام حسين للكويت في العام 1991.

 

ما قاله المدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم عباس بعد اعتقال المولوي، عن تنسيق بين جهازه وأجهزة دولة عظمى (هي أميركا) في كشف أشخاص على علاقة بشبكة للقاعدة، يأتي من ضمن معالجات الإدارة الأميركية للضغوط التي تمارس عليها من قبل اللوبيات الصهيونية بالتقاطع مع مصالح ملوك وأمراء الدول الخليجية، وهو تقاطع أفادت أجهزة استخبارية خليجية في تلزيم تنظيم القاعدة مهمات تخريبية كبيرة في سوريا، من بينها فتح ممرات لدخول مقاتلين عرب أجانب بينهم انتحاريون إلى الداخل السوري.

في فضيحة استخدام ديك تشيني وإدارة بوش لتنظيم "فتح الإسلام"، كشف سايمور هيرش عن استغلال بعض الأجنحة الحاكمة لشعار الحرب على الإرهاب لمصالح لا علاقة للأمن القومي الأميركي، غير أن ما منع محاسبة هذه الأجنحة، هو تطاير رؤوس بعض الإرهابيين من هذا التنظيم بذريعة ملاحقتهم أو مقاومتهم لفرع المعلومات..هل كان هذا سيحدث لشادي المولوي لو أن فرع المعلومات تولى مهمة التنسيق مع أجهزة الدولة العظمى، أو لو استمع الأمن العام لنصيحة النائب وليد جنبلاط بإرسال استنابة قضائية للمولوي بطريقة "حضارية". كل هذا يترك للتحقيق الذي ستظهر منه نذر قليلة.

 

الانتقاد

  • فريق ماسة
  • 2012-05-19
  • 6959
  • من الأرشيف

حوادث طرابلس… ولعبة تعطيل الصفقة الكبرى

ما حدث في طرابلس، بدأ في أمكنة بعيدة عنها، فالمدينة تعيش منذ زمن على احتقان بالوكالة عن العواصم القلقة في الخليج، تمت هندسة الاحتقان بحرفية عالية، ليكون تفجيرا عند الطلب، لذا لم يكن التوقيت مضبوطا على توقيف شادي المولوي أو على قضية الموقوفين من تنظيم "فتح الإسلام" أو ما يحكى عن مظلومية طائفة. وقائع ما جرى في طرابلس، ليست من صنع مئات قليلة من المجموعات السلفية، هناك من التحف هذه المجموعات وتلطى خلفها، فما حدث في المدينة هو محاولة انشقاق عن الدولة وتمرد موصوف على مؤسساتها المولجة بإنفاذ القانون، وجرائم من هذا النوع تحتاج إلى غطاء إقليمي ودولي، وهذا الغطاء لا يمنح لهذه المجموعات بذريعة مظلومية موقوفي فتح الإسلام أو للاعتراض على الشكل في توقيف المولوي إنما يمنح لوظائف تتصل بمصالح وسياسات كبرى.   كما أن دمشق، لا تحتاج إلى توسيع الاضطراب إلى ما وراء حدودها، فهي مرتاحة للجدار الذي بناه التفاهم الروسي الصيني الأميركي عبر القرار الدولي 2043، لجهة حصر الصراع بلعبة وحيدة، هي مهمة كوفي أنان، وهي مهمة تنتهي لحظة نضوج الصفقة الكبرى بين الدول المذكورة، في حين تتكفل عواصمها حماية هذا الجدار ومراقبة الحبال التي ترمى عليه من أكثر من طرف محلي وإقليمي ودولي بقصد تسلقه لتعديل اللعبة الأممية. لكن التفجيرين الإرهابيين في دمشق واللذين ذهب ضحيتهما عشرات القتلى، فيهما ما يتجاوز الخطوط الحمر الموضوعة لاستمرار مهمة أنان وتعطيلها قبل أوان انتهاء صلاحيتها، وقد تفهمها كل من موسكو وبكين بعد التجرية الليبية بأنها عدم جدية من قبل الطرف الأميركي المعني بضبط حلفائه في المنطقة، وبالتالي تسهم مثل هذه التفجيرات في انحراف مهمة أنان عن أهدافها لتتحول إلى تكبيل يد الحكومة السورية في مواجهة الجماعات الإرهابية.   مناقشات مجلس الأمن، تكشف عن أخذ موسكو علما وخبرا، بمحاولات دولية لإحباط مهمة انان، فكان أن دقت ناقوس الخطر، من جهود تبذل في أكثر من مكان من العالم وخصوصا في البلقان لإقامة معسكرات لتدريب مقاتلين "للإطاحة" بالنظام في سوريا، ومن جهته، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن "مسألة تحويل كوسوفو إلى معسكرات لتدريب المقاتلين من مختلف الجماعات المسلحة المتشددة، من الممكن أن تصبح عاملا لزعزعة الاستقرار خارج نطاق منطقة البلقان". على الرغم من صحة هذه المعلومات التي اعترف بها وزير خارجية كوسوفو أنور خوجا، لا تريد واشنطن، إعادة النظر ببروتوكول التعاون بين الحكومة السورية والمراقبيين الدوليين، بشكل يمنح الحكومة السورية فعالية مناسبة لمواجهة الجماعات الإرهابية، لكن وبالوقت نفسه في إطار التزام بتعهداتها أمام موسكو وبكين ستصطدم إدارة أوباما موضعيا مع حلفائها في المنطقة (الرياض والدوحة) المصممين على إسقاط الرئيس الأسد من خارج مهمة أنان وبالاستعانة بالتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة.   كشفت الباخرة لطف الله المحملة بالأسلحة لزوم المعارضة السورية والتي صادرها الجيش اللبناني مؤخرا، استخدام الرياض والدوحة للبنان كمنفذ تخريبي على مهمة أنان والتصويب على التزامات إدارة أوباما، وما كان لهاتين العاصمتين أن تقدما على مناوشة الإدارة الأميركية لولا الإسناد القوي لهما من اللوبيات الصهيونية في واشنطن، التي تنشط لتفشيل المحادثات المرتقبة في بغداد في 23 من الشهر الحالي بين طهران ومجموعة الخمس زائد واحدا، ولتكبير حظوظ المواجهة العسكرية بين إيران والغرب. ليس مصادفة أن تأتي حوادث طرابلس في الفترة الفاصلة عن محادثات بغداد، وأن تأتي أيضا في سياق عملية تخريب تقودها الرياض لتقويض الستاتيكو الموضوع للمنطقة بانتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، فتلويح السعودبة بابتلاع البحرين عبر مشروع الاتحاد الذي اقترحته بين البلدين، لم يكن ليطرح إلا بتشجيع من قوى نافذة في داخل أميركا، فمثل هذه الخطوة شبيهة باجتياح صدام حسين للكويت في العام 1991.   ما قاله المدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم عباس بعد اعتقال المولوي، عن تنسيق بين جهازه وأجهزة دولة عظمى (هي أميركا) في كشف أشخاص على علاقة بشبكة للقاعدة، يأتي من ضمن معالجات الإدارة الأميركية للضغوط التي تمارس عليها من قبل اللوبيات الصهيونية بالتقاطع مع مصالح ملوك وأمراء الدول الخليجية، وهو تقاطع أفادت أجهزة استخبارية خليجية في تلزيم تنظيم القاعدة مهمات تخريبية كبيرة في سوريا، من بينها فتح ممرات لدخول مقاتلين عرب أجانب بينهم انتحاريون إلى الداخل السوري. في فضيحة استخدام ديك تشيني وإدارة بوش لتنظيم "فتح الإسلام"، كشف سايمور هيرش عن استغلال بعض الأجنحة الحاكمة لشعار الحرب على الإرهاب لمصالح لا علاقة للأمن القومي الأميركي، غير أن ما منع محاسبة هذه الأجنحة، هو تطاير رؤوس بعض الإرهابيين من هذا التنظيم بذريعة ملاحقتهم أو مقاومتهم لفرع المعلومات..هل كان هذا سيحدث لشادي المولوي لو أن فرع المعلومات تولى مهمة التنسيق مع أجهزة الدولة العظمى، أو لو استمع الأمن العام لنصيحة النائب وليد جنبلاط بإرسال استنابة قضائية للمولوي بطريقة "حضارية". كل هذا يترك للتحقيق الذي ستظهر منه نذر قليلة.   الانتقاد

المصدر : حسين حمية\ الانتقاد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة