وأخيرا دخل 288 نائبا إلى مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران. 196 منهم يدخلونه للمرة الأولى كنواب. وهي ظاهرة فريدة من جملة الظواهر التي شهدها السباق الانتخابي التشريعي هذه المرة، تضاف إليها ظاهرة المستقلين الذين ناهز عددهم ربع أعضاء البرلمان، بالإضافة إلى ظاهرة وجود أسماء كثيرة من المرشحين على أكثر من قائمة مختلفة وفي بعض الأحيان متناقضة، ما صعب عملية فرز النواب وتصنيفهم على القوائم التي تدعي أنها السبب وراء دخولهم إلى البرلمان.

وفي السياسة ينتمي معظم الداخلين إلى البرلمان - إن لم نقل جميعهم - إلى التيارات المحافظة التي تعددت في الأسماء ولكنها اشتركت في الميول الأصولية، في حين اقتصر تمثيل الإصلاحيين على حضور رمزي تراوح بين خمسة أعضاء عند المتشائمين، وعشرين عند المتفائلين. وتمكنت تسع نساء من الدخول في هذه الدورة كما أبطلت نتائج دائرتين انتخابيتين وأجل الحسم فيهما إلى الانتخابات التشريعية النصفية.

وفي المعسكر المحافظ تكثر التيارات البرلمانية ولكن البارز منها جهتان، الأولى هي «الجبهة المتحدة للأصوليين» الموالية لقائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي من دون رئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد، والتي تقول إنها حصدت أكبر عدد من مقاعد البرلمان، والثانية هي «جبهة الثبات» التي تدافع عن حكومة نجاد ولكن من دون أن تخصه بالولاء، وتنافس «الجبهة المتحدة» في الحديث عن حصد «عدد كبير من النواب» أيضا، بالإضافة إلى تيارات تعرف بـ«الصمود» و«منتقدي حكومة» نجاد و«صوت الأمة».

ويعتقد مراقبون أن «المشهد البرلماني لا يزال ضبابيا» لأكثر من سبب، فالكتلة الكبيرة للمستقلين نسبيا ستميل إلى إحدى المجموعات الفاعلة والأساسية والوازنة في البرلمان التاسع. وربما تتشظى إلى أكثر من جهة. كل ذلك يدفع إلى الانتظار حتى تتبلور الصورة أكثر في المستقبل القريب.

ولكن المسلم به أن الناخب الإيراني اتجه في المرحلة الحالية نحو اليمين المحافظ ما يعكس حالة من الترقب والحذر المشوب بالخوف على المرحلة المقبلة بسبب الأخطار التي تتربص بالبلاد داخليا وخارجيا. كما يعكس واقع أن الإيرانيين على المستوى الوطني ينسون خلافاتهم أو يتناسونها حينما يشعرون بأن تهديدات حقيقية تحدق بأمنهم القومي ويميلون نحو ما يحقق لهم درجة أعلى من الشعور بالأمان والاستقرار.

ومع طي صفحة الانتخابات التشريعية التاسعة في البلاد بشكل مريح في الجولتين الأولى والثانية، ومن دون أن يعكر صفوها شيء، إضافة إلى التشكيلة البرلمانية المحافظة عموما، تكون إيران قد مهدت الطريق - بشكل آمن هذه المرة - نحو انتخابات رئاسية في العام المقبل، وتأمل ألا يعكر صفوها شيء يشبه ما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة، وما تلاها من فترة عصيبة على البلاد، خصوصا أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية أكثر حساسية وصعوبة من السابق، في ضوء الضغوط الدولية الهائلة ضد ايران سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وموجة الاضطرابات التي تضرب منطقة الشرق الأوسط ولا سيما سوريا أقرب حلفاء إيران وحجر الزاوية في سياستها الإقليمية.

والحقيقة أن البرلمان التاسع الذي ستبدأ ولايته بعد عشرين يوما يواجه تحديات داخلية وخارجية صعبة. أما داخليا، فيتمثل التحدي الأقرب في انتخاب رئيس له، خصوصا بعدما تعالت أصوات بضرورة استبدال الرئيس الحالي المنتهية ولايته علي لاريجاني الذي انتخب لهذه الدورة أيضا عن مدينة قم، بالنائب الذي انتخب بكثافة عن مدينة طهران غلام علي حداد عادل. وبالرغم من أن الاثنين هما من المقربين لخامنئي إلا أن ذرائع عديدة تقدم لهذا الاستبدال.

يقول كامران لنكراني، المتحدث باسم «تيار الثبات» والمعارض لرئاسة لاريجاني، إن «إعراض الشعب عن أكثر من ثلثي أعضائه القدامى دليل على أن إدارة البرلمان يجب أن تتغير»، فيما يقول جواد جهانكيرزاده من المؤيدين لرئاسة لاريجاني «إن نظرته الاستراتيجية للقضايا الدولية وقدرته التفاوضية العالية تؤهله للتجديد له في منصبه». وبين هؤلاء وأولئك يعتقد كثيرون أن حداد عادل هو الأنسب للمرحلة المقبلة نظرا لما عرف عنه من «هدوئه وحكمته وترويه في مواقفه» وهو ما تقتضيه المرحلة المقبلة.

مرحلة ستطول حتى العام المقبل، وبدأ كثيرون يحبسون أنفاسهم لانقضائها بسلام. وهي المدة المتبقية من ولاية الرئيس احمدي نجاد نظرا إلى الجرح الذي أصابه بسبب الخسارة التي مني بها رفاقه في الوصول إلى البرلمان التاسع، وما يتوقع من سنة مليئة بالاحتكاك بين تياره وتيار الأصوليين المعارض له، والذي اكتسح البرلمان، فضلا عن تحييده عمليا عن إمكانية أن يكون له دور مهم في تحديد ملامح الرئيس المقبل للبلاد.

وبعيدا عن التوتر في العلاقة بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية فإن معضلات الاقتصاد تفرض نفسها بقوة على البرلمان المقبل وأهمها معالجة قضايا الغلاء والبطالة وانخفاض قيمة العملة الوطنية في مقابل العملات الصعبة. فضلا عن السعي لتخفيف الآثار الاقتصادية التي تتركها العقوبات المفروضة على إيران بسبب البرنامج النووي.

وتربط أوساط سياسية محافظة بين تليين المواقف الأميركية تجاه إيران في الموضوع النووي والحضور الكثيف نسبيا للناخبين في الجولتين الأولى والثانية وخياراتهم التي تميل نحو التيارات المحافظة. ولوح النائب الأصولي أحمد توكلي بهذه الورقة في المحادثات المرتقبة في بغداد بين إيران من جهة ومجموعة «5+1» من جهة أخرى في الثالث والعشرين من أيار الحالي لتعزيز موقف الفريق المفاوض، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الوطنية والحد من التنازلات المؤلمة التي قد تطلب من طهران إلى الحد الأدنى الممكن. 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-05-07
  • 12562
  • من الأرشيف

البرلمان الإيراني التاسع: نواب جدد ومستقلون التفاف شعبي حول المحافظين في مرحلة حساسة قبل معركة الرئاسة

  وأخيرا دخل 288 نائبا إلى مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران. 196 منهم يدخلونه للمرة الأولى كنواب. وهي ظاهرة فريدة من جملة الظواهر التي شهدها السباق الانتخابي التشريعي هذه المرة، تضاف إليها ظاهرة المستقلين الذين ناهز عددهم ربع أعضاء البرلمان، بالإضافة إلى ظاهرة وجود أسماء كثيرة من المرشحين على أكثر من قائمة مختلفة وفي بعض الأحيان متناقضة، ما صعب عملية فرز النواب وتصنيفهم على القوائم التي تدعي أنها السبب وراء دخولهم إلى البرلمان. وفي السياسة ينتمي معظم الداخلين إلى البرلمان - إن لم نقل جميعهم - إلى التيارات المحافظة التي تعددت في الأسماء ولكنها اشتركت في الميول الأصولية، في حين اقتصر تمثيل الإصلاحيين على حضور رمزي تراوح بين خمسة أعضاء عند المتشائمين، وعشرين عند المتفائلين. وتمكنت تسع نساء من الدخول في هذه الدورة كما أبطلت نتائج دائرتين انتخابيتين وأجل الحسم فيهما إلى الانتخابات التشريعية النصفية. وفي المعسكر المحافظ تكثر التيارات البرلمانية ولكن البارز منها جهتان، الأولى هي «الجبهة المتحدة للأصوليين» الموالية لقائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي من دون رئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد، والتي تقول إنها حصدت أكبر عدد من مقاعد البرلمان، والثانية هي «جبهة الثبات» التي تدافع عن حكومة نجاد ولكن من دون أن تخصه بالولاء، وتنافس «الجبهة المتحدة» في الحديث عن حصد «عدد كبير من النواب» أيضا، بالإضافة إلى تيارات تعرف بـ«الصمود» و«منتقدي حكومة» نجاد و«صوت الأمة». ويعتقد مراقبون أن «المشهد البرلماني لا يزال ضبابيا» لأكثر من سبب، فالكتلة الكبيرة للمستقلين نسبيا ستميل إلى إحدى المجموعات الفاعلة والأساسية والوازنة في البرلمان التاسع. وربما تتشظى إلى أكثر من جهة. كل ذلك يدفع إلى الانتظار حتى تتبلور الصورة أكثر في المستقبل القريب. ولكن المسلم به أن الناخب الإيراني اتجه في المرحلة الحالية نحو اليمين المحافظ ما يعكس حالة من الترقب والحذر المشوب بالخوف على المرحلة المقبلة بسبب الأخطار التي تتربص بالبلاد داخليا وخارجيا. كما يعكس واقع أن الإيرانيين على المستوى الوطني ينسون خلافاتهم أو يتناسونها حينما يشعرون بأن تهديدات حقيقية تحدق بأمنهم القومي ويميلون نحو ما يحقق لهم درجة أعلى من الشعور بالأمان والاستقرار. ومع طي صفحة الانتخابات التشريعية التاسعة في البلاد بشكل مريح في الجولتين الأولى والثانية، ومن دون أن يعكر صفوها شيء، إضافة إلى التشكيلة البرلمانية المحافظة عموما، تكون إيران قد مهدت الطريق - بشكل آمن هذه المرة - نحو انتخابات رئاسية في العام المقبل، وتأمل ألا يعكر صفوها شيء يشبه ما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة، وما تلاها من فترة عصيبة على البلاد، خصوصا أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية أكثر حساسية وصعوبة من السابق، في ضوء الضغوط الدولية الهائلة ضد ايران سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وموجة الاضطرابات التي تضرب منطقة الشرق الأوسط ولا سيما سوريا أقرب حلفاء إيران وحجر الزاوية في سياستها الإقليمية. والحقيقة أن البرلمان التاسع الذي ستبدأ ولايته بعد عشرين يوما يواجه تحديات داخلية وخارجية صعبة. أما داخليا، فيتمثل التحدي الأقرب في انتخاب رئيس له، خصوصا بعدما تعالت أصوات بضرورة استبدال الرئيس الحالي المنتهية ولايته علي لاريجاني الذي انتخب لهذه الدورة أيضا عن مدينة قم، بالنائب الذي انتخب بكثافة عن مدينة طهران غلام علي حداد عادل. وبالرغم من أن الاثنين هما من المقربين لخامنئي إلا أن ذرائع عديدة تقدم لهذا الاستبدال. يقول كامران لنكراني، المتحدث باسم «تيار الثبات» والمعارض لرئاسة لاريجاني، إن «إعراض الشعب عن أكثر من ثلثي أعضائه القدامى دليل على أن إدارة البرلمان يجب أن تتغير»، فيما يقول جواد جهانكيرزاده من المؤيدين لرئاسة لاريجاني «إن نظرته الاستراتيجية للقضايا الدولية وقدرته التفاوضية العالية تؤهله للتجديد له في منصبه». وبين هؤلاء وأولئك يعتقد كثيرون أن حداد عادل هو الأنسب للمرحلة المقبلة نظرا لما عرف عنه من «هدوئه وحكمته وترويه في مواقفه» وهو ما تقتضيه المرحلة المقبلة. مرحلة ستطول حتى العام المقبل، وبدأ كثيرون يحبسون أنفاسهم لانقضائها بسلام. وهي المدة المتبقية من ولاية الرئيس احمدي نجاد نظرا إلى الجرح الذي أصابه بسبب الخسارة التي مني بها رفاقه في الوصول إلى البرلمان التاسع، وما يتوقع من سنة مليئة بالاحتكاك بين تياره وتيار الأصوليين المعارض له، والذي اكتسح البرلمان، فضلا عن تحييده عمليا عن إمكانية أن يكون له دور مهم في تحديد ملامح الرئيس المقبل للبلاد. وبعيدا عن التوتر في العلاقة بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية فإن معضلات الاقتصاد تفرض نفسها بقوة على البرلمان المقبل وأهمها معالجة قضايا الغلاء والبطالة وانخفاض قيمة العملة الوطنية في مقابل العملات الصعبة. فضلا عن السعي لتخفيف الآثار الاقتصادية التي تتركها العقوبات المفروضة على إيران بسبب البرنامج النووي. وتربط أوساط سياسية محافظة بين تليين المواقف الأميركية تجاه إيران في الموضوع النووي والحضور الكثيف نسبيا للناخبين في الجولتين الأولى والثانية وخياراتهم التي تميل نحو التيارات المحافظة. ولوح النائب الأصولي أحمد توكلي بهذه الورقة في المحادثات المرتقبة في بغداد بين إيران من جهة ومجموعة «5+1» من جهة أخرى في الثالث والعشرين من أيار الحالي لتعزيز موقف الفريق المفاوض، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الوطنية والحد من التنازلات المؤلمة التي قد تطلب من طهران إلى الحد الأدنى الممكن.   

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة