مع اختتام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان زيارته للبنان، بدت الأسئلة التي تركها وراءه أكثر بكثير من الأجوبة التي قالها خلال لقاءاته المسؤولين اللبنانيين

حفل برنامج مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، في لبنان، بلقاءات مع أركان قوى 14 آذار وبعض شخصياتها، ما أوحى بأنه جاء ليحدد خريطة طريق هذه القوى للأشهر المقبلة. إلا أن عقلاء قوى 14 آذار يتعاملون مع الزيارة في إطارها الشامل والأوسع، المتقاطع مع لحظات إقليمية تبدأ من العراق ولا تنتهي في دمشق أو بيروت.

 

فسلة الأفكار التي جاء بها فيلتمان تتعدى قضية النازحين السوريين وإجراء الانتخابات في موعدها، أو حتى وضع ترتيبات وبرنامج عمل للمعارضة تتكيف معه وفق المتطلبات. فهذه أفكار مسلّمات يومية، وتنتظر لبنان استحقاقات كثيرة قبل الوصول الى مرحلة البحث في إجراء الانتخابات، وقطعاً لا تحتاج الى اتصال تجريه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برئيس الجمهورية ميشال سليمان لترتيب لقاء بينه وبين مساعدها.

ثمة رؤية حملها فيلتمان للاحتمالات التي يذهب إليها الوضع السوري، وسط تأكيدات بأن النظام بات في مرحلة آيلة الى السقوط من دون الحاجة الى تدخل عسكري. فالنظام أصبح في حكم الميت، والكلام على الميت بالتعبير اللبناني «حرام»، أما الحديث الذي دار، فشمل كل جوانب المرحلة الآتية لا الراهنة بكل اختلافاتها. فالأميركيون غير مستعجلين لإعلان الوفاة، لأن ما يشغل بالهم متطلبات دولية وإقليمية تفترض مراعاة الموقف الروسي والتقاطعات الحوارية مع إيران، من دون ذكر المقاربة العربية لمرحلة ما بعد انهيار النظام السوري. وكذلك الأمر المقاربة الأميركية التي تتأرجح بين خيارات إسرائيلية تهدد بالحرب، وبين حوار مع إيران لترتيب الوضع من العراق الى سوريا، وبين الدخول الأميركي في السباق الرئاسي، ما يحتّم إبقاء كل الخيارات مفتوحة لاستخدامها أوراقاً لتحسين حظوظ أوباما بالعودة الى البيت الأبيض.

وكما لا تستعجل واشنطن في إعلان انتهاء النظام السوري، كذلك تفعل طهران، بحسب الخلاصة الأميركية، لأسباب تتعلق بإقرارها في الوقت ذاته بفشل رهانها على النظام السوري، إضافة الى رغبتها في وراثة التركة السورية في لبنان.

هذا الإطار كان محور الحديث الأميركي في بيروت، والخيط الرفيع الذي ربط جولة فيلتمان بزيارة الوفد الإيراني. فالتأكيد الأساسي الذي حمله فيلتمان اندرج تحت عنوان يفترض أن تكون الحكومة تبلغته، وهو حزم الإدارة الأميركية في موضوع العقوبات على سوريا وإيران و«حزب الله». واستطراداً، شدد المسؤول الأميركي على ضرورة عدم سماح لبنان بأن تكون مصارفه ممراً لأي تسهيلات يستفيد منها أي من الأطراف الثلاثة. وفي تقاطع معلوماتي وقراءة لما جرى في الساعات الأخيرة، تشير أوساط في قوى 14 آذار الى أن نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي أتى إلى لبنان تحت عنوان وضع اليد الإيرانية على الحكومة من خلال «حزب الله»، وأراد أن ينتزع منها عقوداً في كل المجالات الحيوية. وجاء فيلتمان في المقابل لينبّه لبنان والمسؤولين الرسميين فيه من أن ذهاب الحكومة في هذا الاتجاه يعرّضها للمساءلة الدولية، في كل المجالات التي يمكن أن يتعاون فيها مع إيران. وقد برزت إشارات لدى المسؤول الأميركي في أكثر من لقاء عقده مع شخصيات غير حكومية إلى أن هذا الملف كان إحدى أولوياته، وكان حاسماً في التأكيد أن على لبنان أن يكون متشدداً في ضبط معايير الرقابة، رغم ما تسمح به تشريعاته من حرية مصرفية.

أما النقطة الأخيرة فتتلخص بالكباش على من يرث التركة السورية في لبنان. واللافت أن المشهد اللبناني بدا في ظل زخم أميركي وإيراني، خالياً من أي دور عربي يواكب المتغيرات والمرحلة التي يقبل عليها لبنان. وأهمية الأسئلة التي طرحت في هذا المجال شددت على غياب المظلة العربية عن بيروت، في وقت يحتاج إليها لبنان بشدة، في ظل التشنج الداخلي والإحاطة الإيرانية من جانب واحد بالوضع اللبناني.

ورغم أن دلالات الموقف الأميركي حملت بعض ملامح متقدمة بالنسبة الى الوضع السوري، إلا أن أوساطاً مطلعة في قوى 14 آذار لم تذهب بعيداً في تأويلها لمرحلة ما بعد زيارة فيلتمان، وإمكان جنوح الوضع نحو التأزم. لأن ثمة اعتقاداً لدى بعض الشخصيات، ومنها من يشارك في لقاءات إقليمية ودولية معنية بالتطورات العربية، أن ثمة نزعة دولية حالية لتأمين الاستقرار في لبنان. وهذه الرغبة تتأكد يوماً بعد آخر من خلال كثافة الموفدين الدوليين ودقة الرسائل التي يحملونها في الإطارين الأمني والسياسي لأكثر من طرف داخلي. وتوازي هذه الرغبة بعض ملامح تبدت خلال النقاشات التي دارت في أروقة المعارضة حول السبل التي يمكن من خلالها مواجهة مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري في لبنان، لأن ثمة اقتناعاً راسخاً بأن الأكثرية الحالية لن تبادر بطبيعة الحال الى «تسليم نفسها» للمعارضة وإعطائها مقاليد الحكم. ولا تتوهم المعارضة، أو العقلاء فيها على الأقل، أنها يمكن أن تقوم بانقلاب سلمي لتسلم السلطة. من هنا، فإن باب النقاشات المستمرة، حول الوضع السوري وتداعياته بعيداً عن انفعالات غلاة المعارضين، ستكون أوسع مدى وخصوصاً بعد انتهاء مفاعيل زيارة فيلتمان، إلا إذا ارتأى البعض إعادة المعارضة الى رمال التنظيم الداخلي المتحركة.

  • فريق ماسة
  • 2012-05-03
  • 11111
  • من الأرشيف

فيلتمان حريص على احترام لبنان العقوبات

مع اختتام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان زيارته للبنان، بدت الأسئلة التي تركها وراءه أكثر بكثير من الأجوبة التي قالها خلال لقاءاته المسؤولين اللبنانيين حفل برنامج مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، في لبنان، بلقاءات مع أركان قوى 14 آذار وبعض شخصياتها، ما أوحى بأنه جاء ليحدد خريطة طريق هذه القوى للأشهر المقبلة. إلا أن عقلاء قوى 14 آذار يتعاملون مع الزيارة في إطارها الشامل والأوسع، المتقاطع مع لحظات إقليمية تبدأ من العراق ولا تنتهي في دمشق أو بيروت.   فسلة الأفكار التي جاء بها فيلتمان تتعدى قضية النازحين السوريين وإجراء الانتخابات في موعدها، أو حتى وضع ترتيبات وبرنامج عمل للمعارضة تتكيف معه وفق المتطلبات. فهذه أفكار مسلّمات يومية، وتنتظر لبنان استحقاقات كثيرة قبل الوصول الى مرحلة البحث في إجراء الانتخابات، وقطعاً لا تحتاج الى اتصال تجريه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برئيس الجمهورية ميشال سليمان لترتيب لقاء بينه وبين مساعدها. ثمة رؤية حملها فيلتمان للاحتمالات التي يذهب إليها الوضع السوري، وسط تأكيدات بأن النظام بات في مرحلة آيلة الى السقوط من دون الحاجة الى تدخل عسكري. فالنظام أصبح في حكم الميت، والكلام على الميت بالتعبير اللبناني «حرام»، أما الحديث الذي دار، فشمل كل جوانب المرحلة الآتية لا الراهنة بكل اختلافاتها. فالأميركيون غير مستعجلين لإعلان الوفاة، لأن ما يشغل بالهم متطلبات دولية وإقليمية تفترض مراعاة الموقف الروسي والتقاطعات الحوارية مع إيران، من دون ذكر المقاربة العربية لمرحلة ما بعد انهيار النظام السوري. وكذلك الأمر المقاربة الأميركية التي تتأرجح بين خيارات إسرائيلية تهدد بالحرب، وبين حوار مع إيران لترتيب الوضع من العراق الى سوريا، وبين الدخول الأميركي في السباق الرئاسي، ما يحتّم إبقاء كل الخيارات مفتوحة لاستخدامها أوراقاً لتحسين حظوظ أوباما بالعودة الى البيت الأبيض. وكما لا تستعجل واشنطن في إعلان انتهاء النظام السوري، كذلك تفعل طهران، بحسب الخلاصة الأميركية، لأسباب تتعلق بإقرارها في الوقت ذاته بفشل رهانها على النظام السوري، إضافة الى رغبتها في وراثة التركة السورية في لبنان. هذا الإطار كان محور الحديث الأميركي في بيروت، والخيط الرفيع الذي ربط جولة فيلتمان بزيارة الوفد الإيراني. فالتأكيد الأساسي الذي حمله فيلتمان اندرج تحت عنوان يفترض أن تكون الحكومة تبلغته، وهو حزم الإدارة الأميركية في موضوع العقوبات على سوريا وإيران و«حزب الله». واستطراداً، شدد المسؤول الأميركي على ضرورة عدم سماح لبنان بأن تكون مصارفه ممراً لأي تسهيلات يستفيد منها أي من الأطراف الثلاثة. وفي تقاطع معلوماتي وقراءة لما جرى في الساعات الأخيرة، تشير أوساط في قوى 14 آذار الى أن نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي أتى إلى لبنان تحت عنوان وضع اليد الإيرانية على الحكومة من خلال «حزب الله»، وأراد أن ينتزع منها عقوداً في كل المجالات الحيوية. وجاء فيلتمان في المقابل لينبّه لبنان والمسؤولين الرسميين فيه من أن ذهاب الحكومة في هذا الاتجاه يعرّضها للمساءلة الدولية، في كل المجالات التي يمكن أن يتعاون فيها مع إيران. وقد برزت إشارات لدى المسؤول الأميركي في أكثر من لقاء عقده مع شخصيات غير حكومية إلى أن هذا الملف كان إحدى أولوياته، وكان حاسماً في التأكيد أن على لبنان أن يكون متشدداً في ضبط معايير الرقابة، رغم ما تسمح به تشريعاته من حرية مصرفية. أما النقطة الأخيرة فتتلخص بالكباش على من يرث التركة السورية في لبنان. واللافت أن المشهد اللبناني بدا في ظل زخم أميركي وإيراني، خالياً من أي دور عربي يواكب المتغيرات والمرحلة التي يقبل عليها لبنان. وأهمية الأسئلة التي طرحت في هذا المجال شددت على غياب المظلة العربية عن بيروت، في وقت يحتاج إليها لبنان بشدة، في ظل التشنج الداخلي والإحاطة الإيرانية من جانب واحد بالوضع اللبناني. ورغم أن دلالات الموقف الأميركي حملت بعض ملامح متقدمة بالنسبة الى الوضع السوري، إلا أن أوساطاً مطلعة في قوى 14 آذار لم تذهب بعيداً في تأويلها لمرحلة ما بعد زيارة فيلتمان، وإمكان جنوح الوضع نحو التأزم. لأن ثمة اعتقاداً لدى بعض الشخصيات، ومنها من يشارك في لقاءات إقليمية ودولية معنية بالتطورات العربية، أن ثمة نزعة دولية حالية لتأمين الاستقرار في لبنان. وهذه الرغبة تتأكد يوماً بعد آخر من خلال كثافة الموفدين الدوليين ودقة الرسائل التي يحملونها في الإطارين الأمني والسياسي لأكثر من طرف داخلي. وتوازي هذه الرغبة بعض ملامح تبدت خلال النقاشات التي دارت في أروقة المعارضة حول السبل التي يمكن من خلالها مواجهة مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري في لبنان، لأن ثمة اقتناعاً راسخاً بأن الأكثرية الحالية لن تبادر بطبيعة الحال الى «تسليم نفسها» للمعارضة وإعطائها مقاليد الحكم. ولا تتوهم المعارضة، أو العقلاء فيها على الأقل، أنها يمكن أن تقوم بانقلاب سلمي لتسلم السلطة. من هنا، فإن باب النقاشات المستمرة، حول الوضع السوري وتداعياته بعيداً عن انفعالات غلاة المعارضين، ستكون أوسع مدى وخصوصاً بعد انتهاء مفاعيل زيارة فيلتمان، إلا إذا ارتأى البعض إعادة المعارضة الى رمال التنظيم الداخلي المتحركة.

المصدر : الاخبار/هيام القصيفي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة