حذّرت دراسة لـ «بنك التسويات الدولي» مقرّه مدينة بازل في سويسرا، من تفاقم المشكلات المالية التي تتعرض لها دول صناعية كثيرة في صورة اكبر من المتوقع لغاية الآن. ورأى خبراء «البنك» في الدراسة الصادرة عنه مؤخراً بعنوان «مستقبل الدين العام»، أن الأزمة المالية العالمية قد تتحول إلى أزمة ديون ذات بعد دولي، بعد أن بدا واضحاً أن إجراءات التوفير التي اعتمدتها دولٌ مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول العملة الأوروبية الموحدة في منطقة اليورو، ليست كافية للحد من الدين العام فيها، ولذا فإن خطر اندلاع أزمة ثقة كبيرة في قدرات تلك الدول المالية لا يزالُ قائماً.

وتوقعت الدراسة استمرار أزمة المال والاقتصاد العالمية والإخفاق في إنقاذ اقتصادات مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال من الانهيار. وقدّرت أن يبلغ العجز المالي للدول الصناعية 197 بليون دولار هذه السنة و204 بلايين كحدٍ أقصى السنة المقبلة.

وتفيد الدراسة «بأن تجاوز الدين العام مستوى 100 في المئة من الناتج المحلي، يزيد الموقف تشاؤماً لا سيما أن سكان اقتصادات تلك الدول يتجهون نحو مرحلة الشيخوخة، ما يحتم على الحكومات التزامات كبيرة ومتزايدة ذات صلة بالتحول من المرحلة الإنتاجية إلى الشيخوخة، يجب أن تشكل جزءاً من الخطط المالية المستقبلية».

وتحذّر الدراسة مما وصفته بـ «عواقب مالية كبيرة وحقيقية للدين العام، متمثلة في الأخطار المترتبة على المضاربات في السندات الطويلة الأجل التي تصدرها بلدان صناعية عديدة، لأن الأسواق تهتم بالديون السيادية المنخفضة الأخطار، مع مخاوف من احتمالات التخلف عن تسديد أقساط تلك الديون، التي تصعد مع مستويات الديون وتهبط مع حصة الإيرادات من الناتج المحلي الإجمالي».

في الوقت ذاته يرى الخبراء معدو الدراسة، أن الدول التي تعتمد في شكل كبير على الاستثمارات الأجنبية، تعاني من تمويل العجز المترتب بنتيجتها، «إذ يؤدي خطر استمرار الدين العام في شكل مرتفع، إلى انخفاض تراكم رأس المال وتراجع النمو الإنتاجي على المدى البعيد ما ينعكس سلباً على إمكانات النمو المحتملة».

ويمكن القول إن توقعات «بنك التسويات» الذي يمثل اتحاد «البنوك المركزية والوطنــــية» في العالم، لا تستند فقط إلى الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة اليونانية حالياً، وإنما أيضاً إلى الخطوات التي تعــــتزم الدول المتضررة من الدين العام اتخاذها، مثل تخفيضات في الإنـــــفاق عـــلى نظم الرعاية الاجتماعية والالتزام بشروط مفروضة عليها لتحقيق التوزان في موازناتها العامة، فتفيد الدارسة «بأن أسواق المال ستضغط على الحكومات، ولكن من غــير المعروف بأي وسيلة ومتى يبدأ هذا الضغط وكيف تكون تبعاته».

ويستند الخبراء في مخاوفهم إلى توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي، التي أشارت إلى احتمالات بلوغ الدين العام في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا ودول مجموعة اليورو مستوى يراوح بين 68 بليون دولار و197 بليوناً خلال السنة الحالية مع ارتفاعه إلى ما بين 82 و 204 بلايين دولار خلال السنة المقبلة.

ويعاني الميزان المالي في تلك الدول من عجز يتراوح بين 13.3 في المئة و 5.4 في المئة خلال هذه السنة، يتوقع أن يصل إلى 12.5 و 5.3 في المئة العام المقبل، في حين أن هذا العجز كان في حدود 4 و 0.2 في المئة عام 2007 ، قبل اندلاع أزمة المال والاقتصاد العالمية.

ويتوقع الخبراء في المقابل، ألا يصل العجز المالي إلى تلك المستويات في دول الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند ودول أميركا اللاتينية.

وتبدد الدراسة الآمال المعقودة على إمكان وضع حلول لإنقاذ اقتصادات اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال من الانهيار، إذ واضحٌ أن تبعات أزمة المال والاقتصاد العالمية ستتواصل، وأن مزيداً من التداعيات ستظهر مستقبلاً، ما يدعو إلى القلق في شأن مستقبل الاستقرار الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى، ويفتح الباب أمام سيناريوات كثيرة
  • فريق ماسة
  • 2010-02-20
  • 11469
  • من الأرشيف

بنك التسويات الدولي

حذّرت دراسة لـ «بنك التسويات الدولي» مقرّه مدينة بازل في سويسرا، من تفاقم المشكلات المالية التي تتعرض لها دول صناعية كثيرة في صورة اكبر من المتوقع لغاية الآن. ورأى خبراء «البنك» في الدراسة الصادرة عنه مؤخراً بعنوان «مستقبل الدين العام»، أن الأزمة المالية العالمية قد تتحول إلى أزمة ديون ذات بعد دولي، بعد أن بدا واضحاً أن إجراءات التوفير التي اعتمدتها دولٌ مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول العملة الأوروبية الموحدة في منطقة اليورو، ليست كافية للحد من الدين العام فيها، ولذا فإن خطر اندلاع أزمة ثقة كبيرة في قدرات تلك الدول المالية لا يزالُ قائماً. وتوقعت الدراسة استمرار أزمة المال والاقتصاد العالمية والإخفاق في إنقاذ اقتصادات مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال من الانهيار. وقدّرت أن يبلغ العجز المالي للدول الصناعية 197 بليون دولار هذه السنة و204 بلايين كحدٍ أقصى السنة المقبلة. وتفيد الدراسة «بأن تجاوز الدين العام مستوى 100 في المئة من الناتج المحلي، يزيد الموقف تشاؤماً لا سيما أن سكان اقتصادات تلك الدول يتجهون نحو مرحلة الشيخوخة، ما يحتم على الحكومات التزامات كبيرة ومتزايدة ذات صلة بالتحول من المرحلة الإنتاجية إلى الشيخوخة، يجب أن تشكل جزءاً من الخطط المالية المستقبلية». وتحذّر الدراسة مما وصفته بـ «عواقب مالية كبيرة وحقيقية للدين العام، متمثلة في الأخطار المترتبة على المضاربات في السندات الطويلة الأجل التي تصدرها بلدان صناعية عديدة، لأن الأسواق تهتم بالديون السيادية المنخفضة الأخطار، مع مخاوف من احتمالات التخلف عن تسديد أقساط تلك الديون، التي تصعد مع مستويات الديون وتهبط مع حصة الإيرادات من الناتج المحلي الإجمالي». في الوقت ذاته يرى الخبراء معدو الدراسة، أن الدول التي تعتمد في شكل كبير على الاستثمارات الأجنبية، تعاني من تمويل العجز المترتب بنتيجتها، «إذ يؤدي خطر استمرار الدين العام في شكل مرتفع، إلى انخفاض تراكم رأس المال وتراجع النمو الإنتاجي على المدى البعيد ما ينعكس سلباً على إمكانات النمو المحتملة». ويمكن القول إن توقعات «بنك التسويات» الذي يمثل اتحاد «البنوك المركزية والوطنــــية» في العالم، لا تستند فقط إلى الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة اليونانية حالياً، وإنما أيضاً إلى الخطوات التي تعــــتزم الدول المتضررة من الدين العام اتخاذها، مثل تخفيضات في الإنـــــفاق عـــلى نظم الرعاية الاجتماعية والالتزام بشروط مفروضة عليها لتحقيق التوزان في موازناتها العامة، فتفيد الدارسة «بأن أسواق المال ستضغط على الحكومات، ولكن من غــير المعروف بأي وسيلة ومتى يبدأ هذا الضغط وكيف تكون تبعاته». ويستند الخبراء في مخاوفهم إلى توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي، التي أشارت إلى احتمالات بلوغ الدين العام في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا ودول مجموعة اليورو مستوى يراوح بين 68 بليون دولار و197 بليوناً خلال السنة الحالية مع ارتفاعه إلى ما بين 82 و 204 بلايين دولار خلال السنة المقبلة. ويعاني الميزان المالي في تلك الدول من عجز يتراوح بين 13.3 في المئة و 5.4 في المئة خلال هذه السنة، يتوقع أن يصل إلى 12.5 و 5.3 في المئة العام المقبل، في حين أن هذا العجز كان في حدود 4 و 0.2 في المئة عام 2007 ، قبل اندلاع أزمة المال والاقتصاد العالمية. ويتوقع الخبراء في المقابل، ألا يصل العجز المالي إلى تلك المستويات في دول الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند ودول أميركا اللاتينية. وتبدد الدراسة الآمال المعقودة على إمكان وضع حلول لإنقاذ اقتصادات اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال من الانهيار، إذ واضحٌ أن تبعات أزمة المال والاقتصاد العالمية ستتواصل، وأن مزيداً من التداعيات ستظهر مستقبلاً، ما يدعو إلى القلق في شأن مستقبل الاستقرار الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى، ويفتح الباب أمام سيناريوات كثيرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة