دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تكتسب زيارة «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني إلى تركيا، التي بدأت أمس، ولقاؤه مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان واللقاءات التي سيجريها اليوم مع المسؤولين الآخرين أهمية كبرى في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة.
أولاً، لأن البرزاني يقف اليوم على طرفي نقيض مع سياسات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، وبالتالي فإنه يلتقي موضوعياً مع موقف أنقرة المنتقد للمالكي. ومع أن مجرد وجود كيان خاص بالأكراد في شمال العراق يشكل عامل توتر لتركيا، فإن أنقرة تسعى لتشكيل تحالف، أو على الأقل إقامة محور يضمها إلى أكراد شمال العراق ومجموعة «القائمة العراقية» بزعامة إياد علاوي وطارق الهاشمي الموجود في تركيا، ضد المالكي ومعه إيران وسوريا. ومع أن حسابات البرزاني تختلف عن حسابات تركيا، فإنه يواصل الاستفادة من عوامل التفكك في المنطقة من اجل تحقيق مكاسب للأكراد، ولو على حساب حلفاء سابقين.
ثانياً، جاء البرزاني إلى تركيا بعد تصريحات مثيرة استتبعت ردود فعل سلبية تركية حول إمكان إعلان الفدرالية في شمال العراق وإقامة دولة مستقلة. ولا شك أن أنقرة كانت تعارض أي نوع من أنواع الحكم الذاتي للأكراد، فكيف بفدرالية وصولا إلى دولة مستقلة؟.
لكن التطورات في المنطقة وتبدل التحالفات، ووقوف المالكي إلى جانب النظام في سوريا في جبهة واحدة مع إيران، جعل تركيا تعيد النظر في سياساتها، وتبحث عن حلفاء تعيد من خلالهم التوازن والقوة لموقعها. ولم تتردد في الانفتاح على البرزاني لهذا الهدف. ولا يُستبعد حتى أن تعترف أنقرة بدولة كردية مستقلة إن تطلبت المصالح التركية في مواجهة «حلفاء الأمس».
ثالثاً، إن تقدم المسألة الكردية في المنطقة كلها كأحد العناوين الأساسية بعد بدء الأزمة السورية، يجعل مثل هذه الخطوة التركية تجاه «الدولة» في شمال العراق موضع تقييم شديد الدقة وعالي الحساسية، إذ أن أي انفلات للوضع في سوريا سيفتح الباب أمام نشوء واقع كردي جديد، ليس في سوريا فحسب، بل في كل المنطقة، وستجد تركيا نفسها أمام احتمال إقامة حكم ذاتي أو استقلال لأكراد سوريا، وهو ما تخشاه أنقرة أشد الخشية، خصوصاً أن نزعات الأكراد السوريين تميل ليس إلى البرزاني بل إلى «حزب العمال الكردستاني» الذي يشكل الأكراد من أصل سوري ثلث مقاتليه على الأقل، وله حضور قوي في الوسط الكردي السوري. كذلك ستجد تركيا نفسها محاطة بشريط كردي يمتد من إيران إلى شمال العراق فسوريا وصولاً إلى ساحل البحر المتوسط، وهو ما عناه رئيس «حزب السلام والديموقراطية» الكردي في تركيا صلاح الدين ديميرطاش مؤخراً حين قال إن حدود تركيا قد تكون في المستقبل مع كردستان. وبالتالي فإن انعكاسات الوضع في سوريا على مستقبل القضية الكردية في سوريا وتركيا والمنطقة يعطي زيارة البرزاني لتركيا أهمية إضافية.
رابعاً، إنها الزيارة الأولى للبرزاني إلى تركيا بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركي من العراق، وبالتالي فإن دوره بات اكبر في تقرير مستقبل العراق على أكثر من صعيد. ولا غرو أن الأتراك استقبلوه استقبال رئيس دولة للمرة الأولى، حيث سيلتقي اليوم الرئيس التركي عبد الله غول في قصر تشانقايا وفقاً لبروتوكول استقبال رؤساء الدول، وهو الذي كانت تركيا تنظر إليه، وإلى الرئيس العراقي جلال الطالباني، قبل سنوات قليلة، على أنهما مجرد «زعيمي عشيرة».
خامساً، لا يخفى أن مسألة حزب العمال الكردستاني وتواجده في منطقة جبل قنديل التابعة لمنطقة إقليم كردستان هي من النقاط البارزة التي تقلق تركيا، خصوصاً أن استخباراتها تشير إلى استرجاع الحزب تواجده في شمال سوريا. وتريد تركيا من البرزاني أن يمارس ضغوطاً تحول دون أن يتحول الشمال السوري إلى قاعدة انطلاق جديدة لعمليات الحزب ضد تركيا.
من جهة أخرى، تحدث وزير الخارجية احمد داود اوغلو إلى الصحافيين المرافقين له إلى اجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسل، فقال إن تركيا لا تتدخل بمفردها في سوريا ولا تتدخل بناء لطلب احد.
وأضاف داود اوغلو، وفقاً لما نقلته صحيفة «زمان»، أن المشكلة هي بين سوريا والشعب السوري، محذراً من أنه لا يعتقد بوجود أي فائدة من حوار سياسي قبل أن يلتزم النظام بتعهداته وقف العنف.
وأشار إلى أهمية أن تدخل مسألة أمن الحدود التركية مع سوريا في جدول أعمال «الأطلسي»، مضيفاً أن هذا التطور مهم، ولكن القضية اليوم موجودة في يد الأمم المتحدة.
وقال إن هناك ثلاثة شروط لنجاح مهمة المراقبين الدوليين في سوريا، و«هي سحب الدبابات السورية إلى الثكنات، ثم نشر المراقبين في كل سوريا، وثالثاً تشكيل مناخ يعترف للناس بحق التظاهر السلمي». واتهم «النظام بأنه يسعى لكسب الوقت».
المصدر :
السفير /محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة