على الرغم من التصريحات اليومية المشككة بمهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية كوفي انان، فإن المسؤولين الأتراك يمرون بمرحلة من الترقب القلق على دخول العملية السياسية في سوريا منعطفاً جدياً في البحث عن حل للأزمة، وسط مناخ من الضياع والإحباط على ما كان يخطط لسورية من قبل قوى إقليمية، من بينها تركيا، من أجل غاية واحدة، وهي شطب نظام الرئيس السوري بشار الأسد من أي صيغة حل مقبلة.

ومع استبعاد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المطلوب من قبل القضاء العراقي بتهم «الإرهاب»، أية محاولة لتدخل تركي منفرد في سورية باتت مراجعة الموقف وأخذ الدروس والعبر وتوجيه السهام إلى الحكومة، وتراجع حتى وتيرة الحماسة والانفعال لدى المؤيدين لها بين الكتّاب الإسلاميين، العنوان العريض للمزاج التركي. طبعاً هذا لا يمنع أن يخرج مسؤول تركي غداً ويعيد وتيرة الحدة في التصريحات إلى نقطة الصفر، أو أن يعاند بعض الكتاب ويواصلون التحريض في لعبة باتت على ما يبدو اكبر من قدرة تركيا على أن تواصل السير بها كما ترغب، وكما كانت تشتهي.

وإذا كان من عبر جديدة على تركيا أن تستفيد منها، في وقت غابت عنها معايير الموقف والاستفادة، فهو نجاح إيران في أن تفرض شروطها على مجموعة الخمسة زائداً واحداً، وأن تسحب من يد تركيا آخر ورقة كانت تحاول أنقرة أن تغطي فيها عجزها عن النجاح في الساحة السورية، وأن تبقى في صورة الوسيط الضروري بين إيران والغرب، وهي نقل المفاوضات النووية من اسطنبول إلى بغداد، وهذا تطور ليس هامشياً في لعبة الصراع المفتوحة بين أنقرة وطهران من جراء مغامرة حزب العدالة والتنمية بمحاولة إسقاط الأسد، بما يعنيه من تهديد للنفوذ الإيراني والروسي والصيني في المنطقة.

متين منير، الكاتب في صحيفة «ميللييت»، يعترف أن تركيا فقدت دورها الرئيسي في سوريا، وتراجع لتحتله القوى الكبرى الأساسية من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين. ويقول إن هذه القوى لم تعط لتركيا دوراً رئيسياً في الأزمة السورية.

ويشبّه منير موقع تركيا من الأزمة في سوريا «بشاب يدعو صديقته إلى الغداء، وشرط الدعوة أن يكون في جيبه المال الكافي لدفع فاتورة الطعام. وهكذا تركيا لم تستطع إعلان الحرب على سوريا، لأنها تدرك انه بعدها سيأتي الانهيار الاقتصادي، لأن لا قدرة لها على تمويل مثل هذه الحرب. وفي لحظة عبور الجيش التركي الحدود السورية سيكون أمام أنقرة خطر العودة إلى ما قبل العام 2002 من تضخم وإفلاس وانهيار وعجز في الميزانية»، خصوصا أن التقارير الاقتصادية الغربية تواصل وصف حالة النمو التركية بأنها هشة ومعرضة للكسر، وبأنها الأكثر تعرضاً للمخاطرة بين اقتصادات الدول النامية.

ويتابع الكاتب إن «خطأ تركيا أنها وضعت الانتفاضة السورية في الكفة نفسها للحركات الشعبية في تونس ومصر وليبيا، بينما سوريا مختلفة، حيث يقف وراء النظام فيها أصدقاء عنيدون، مثل روسيا وإيران والصين».

ويضيف منير «لكن الخطأ الأكبر لأنقرة أنها لم تنتبه إلى أن إسقاط نظام الأسد لا يصب في مصلحتها بل هو ضد مصالحها. فسوريا تماماً مثل العراق بلد متعدد دينياً ومذهبياً، ولا سيما السنة والشيعة، وإتنياً بين عرب وأكراد. وفي حال ذهاب الأسد سيحصل في سوريا ما حصل في العراق، وهذا سيكون سيئاً جداً لتركيا».

ولكن، يتابع منير، «تحولت سوريا إلى قضيتنا لأن حزب العدالة والتنمية دخل في الفلك الأميركي في الشرق الأوسط، فخسر سوريا وخسر أيضاً إيران. فمن يرى انه لم يعد هناك أي شيء في أيدينا؟ لقد أظهرت سوريا لنا، ليس قوة تركيا في الشرق الأوسط بل ضعفها. لقد ظهر أن هناك لاعبين أكبر منا، وسيبقى الأمر كذلك إلى أن تجف آخر نقطة نفط وغاز، ولن يعطونا دوراً رئيسياً».

وفي صحيفة «زمان» كتب عبد الحميد بالجي، الإسلامي المتحفظ أحياناً على سياسات حزب العدالة والتنمية تجاه دمشق، أن الوضع في سوريا يواجه ثلاثة مآزق، «الأول التناقض بين التوقعات العالية لحكومة رجب طيب اردوغان من الوضع هناك وبين محدودية القدرة التركية على تنفيذ هذه التوقعات».

ويوضح أن «المأزق الثاني دولي، ويتمثل في ان المجتمع الدولي لن يتحرك إلا بعد فترة طويلة، تماماً مثل البوسنة التي تركت لمصيرها بعد سقوط عشرات آلاف القتلى. أما المأزق الثالث فهو الارتباكات والترددات التي أصابت تحرك القوى الخارجية خوفاً من انفجار الوضع في كل الشرق الأوسط، من لبنان الى فلسطين ومن إيران الى العراق، ومن المسألة الكردية الى المحور الشيعي».

 

  • فريق ماسة
  • 2012-04-18
  • 8903
  • من الأرشيف

سورية أظهرت ضعف تركيا

على الرغم من التصريحات اليومية المشككة بمهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية كوفي انان، فإن المسؤولين الأتراك يمرون بمرحلة من الترقب القلق على دخول العملية السياسية في سوريا منعطفاً جدياً في البحث عن حل للأزمة، وسط مناخ من الضياع والإحباط على ما كان يخطط لسورية من قبل قوى إقليمية، من بينها تركيا، من أجل غاية واحدة، وهي شطب نظام الرئيس السوري بشار الأسد من أي صيغة حل مقبلة. ومع استبعاد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المطلوب من قبل القضاء العراقي بتهم «الإرهاب»، أية محاولة لتدخل تركي منفرد في سورية باتت مراجعة الموقف وأخذ الدروس والعبر وتوجيه السهام إلى الحكومة، وتراجع حتى وتيرة الحماسة والانفعال لدى المؤيدين لها بين الكتّاب الإسلاميين، العنوان العريض للمزاج التركي. طبعاً هذا لا يمنع أن يخرج مسؤول تركي غداً ويعيد وتيرة الحدة في التصريحات إلى نقطة الصفر، أو أن يعاند بعض الكتاب ويواصلون التحريض في لعبة باتت على ما يبدو اكبر من قدرة تركيا على أن تواصل السير بها كما ترغب، وكما كانت تشتهي. وإذا كان من عبر جديدة على تركيا أن تستفيد منها، في وقت غابت عنها معايير الموقف والاستفادة، فهو نجاح إيران في أن تفرض شروطها على مجموعة الخمسة زائداً واحداً، وأن تسحب من يد تركيا آخر ورقة كانت تحاول أنقرة أن تغطي فيها عجزها عن النجاح في الساحة السورية، وأن تبقى في صورة الوسيط الضروري بين إيران والغرب، وهي نقل المفاوضات النووية من اسطنبول إلى بغداد، وهذا تطور ليس هامشياً في لعبة الصراع المفتوحة بين أنقرة وطهران من جراء مغامرة حزب العدالة والتنمية بمحاولة إسقاط الأسد، بما يعنيه من تهديد للنفوذ الإيراني والروسي والصيني في المنطقة. متين منير، الكاتب في صحيفة «ميللييت»، يعترف أن تركيا فقدت دورها الرئيسي في سوريا، وتراجع لتحتله القوى الكبرى الأساسية من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين. ويقول إن هذه القوى لم تعط لتركيا دوراً رئيسياً في الأزمة السورية. ويشبّه منير موقع تركيا من الأزمة في سوريا «بشاب يدعو صديقته إلى الغداء، وشرط الدعوة أن يكون في جيبه المال الكافي لدفع فاتورة الطعام. وهكذا تركيا لم تستطع إعلان الحرب على سوريا، لأنها تدرك انه بعدها سيأتي الانهيار الاقتصادي، لأن لا قدرة لها على تمويل مثل هذه الحرب. وفي لحظة عبور الجيش التركي الحدود السورية سيكون أمام أنقرة خطر العودة إلى ما قبل العام 2002 من تضخم وإفلاس وانهيار وعجز في الميزانية»، خصوصا أن التقارير الاقتصادية الغربية تواصل وصف حالة النمو التركية بأنها هشة ومعرضة للكسر، وبأنها الأكثر تعرضاً للمخاطرة بين اقتصادات الدول النامية. ويتابع الكاتب إن «خطأ تركيا أنها وضعت الانتفاضة السورية في الكفة نفسها للحركات الشعبية في تونس ومصر وليبيا، بينما سوريا مختلفة، حيث يقف وراء النظام فيها أصدقاء عنيدون، مثل روسيا وإيران والصين». ويضيف منير «لكن الخطأ الأكبر لأنقرة أنها لم تنتبه إلى أن إسقاط نظام الأسد لا يصب في مصلحتها بل هو ضد مصالحها. فسوريا تماماً مثل العراق بلد متعدد دينياً ومذهبياً، ولا سيما السنة والشيعة، وإتنياً بين عرب وأكراد. وفي حال ذهاب الأسد سيحصل في سوريا ما حصل في العراق، وهذا سيكون سيئاً جداً لتركيا». ولكن، يتابع منير، «تحولت سوريا إلى قضيتنا لأن حزب العدالة والتنمية دخل في الفلك الأميركي في الشرق الأوسط، فخسر سوريا وخسر أيضاً إيران. فمن يرى انه لم يعد هناك أي شيء في أيدينا؟ لقد أظهرت سوريا لنا، ليس قوة تركيا في الشرق الأوسط بل ضعفها. لقد ظهر أن هناك لاعبين أكبر منا، وسيبقى الأمر كذلك إلى أن تجف آخر نقطة نفط وغاز، ولن يعطونا دوراً رئيسياً». وفي صحيفة «زمان» كتب عبد الحميد بالجي، الإسلامي المتحفظ أحياناً على سياسات حزب العدالة والتنمية تجاه دمشق، أن الوضع في سوريا يواجه ثلاثة مآزق، «الأول التناقض بين التوقعات العالية لحكومة رجب طيب اردوغان من الوضع هناك وبين محدودية القدرة التركية على تنفيذ هذه التوقعات». ويوضح أن «المأزق الثاني دولي، ويتمثل في ان المجتمع الدولي لن يتحرك إلا بعد فترة طويلة، تماماً مثل البوسنة التي تركت لمصيرها بعد سقوط عشرات آلاف القتلى. أما المأزق الثالث فهو الارتباكات والترددات التي أصابت تحرك القوى الخارجية خوفاً من انفجار الوضع في كل الشرق الأوسط، من لبنان الى فلسطين ومن إيران الى العراق، ومن المسألة الكردية الى المحور الشيعي».  

المصدر : السفير\محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة