في فصل علامات القيامة او الهزيمة لا يعدم اللاهوت السياسي فرصا للتفوق على اي لاهوت آخر. انفضاض الأهل والخلان عن السلطان نذير لا يخطئ باقتراب الهزيمة. ويخبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ اسبوع علائم قيامها، في خروج لا يكف لمن خلع عليهم مناصب حكومية في زمن السعة. في وسائل الإعلام تكر سبحة البراء منه ومن حكومته وتطول لائحة البيعة والولاء للخصم الاشتراكي فرانسوا هولاند.

واللائحة طويلة: فاضلة عمارة وزيرة حكومته السابقة لشؤون المدينة والضواحي، اختارت التصويت لفرانسوا هولاند. بريجيت جيراردان، وزيرة شؤون أراضي ما وراء البحار، تبعتها. مارتان هيرش مفوض التضامن الاجتماعي السابق ونجم حكومة ساركوزي الأولى وضميرها. جان بيار جوييه، وزير الشؤون الأوروبية السابق.

ووقع اشتراكيان تائبان من التعاون مع ساركوزي في حكومته السابقة رسالة مبايعة لفرانسوا هولاند. وانحازت كورين لوباج وزيرة البيئة في حكومة الان جوبيه الشيراكية علنا إلى الاشتراكي. وجاءت اسماء كثيرة من الحلقات الشيراكية والديغولية المتأخرة التي تنقم على الرئيس ساركوزي، وتتهمه بسرقة ميراث الحزب الديغولي وتفريغه المنصب الجمهوري الأول من مهابته «الامبراطورية».

ويبدع السياسيون في حدسهم وجهة الريح التي تحمل اشرعة الاشتراكي إلى الاليزيه، وهذا معنى الانقلاب على الرئيس الذي منح كثيرين فرصهم الأولى في قصور الجمهورية. ويبرعون احيانا في استباق كل الاستطلاعات التي لم تتوقف منذ اسبوع، مجمعة على توقع هزيمة شنعاء تلحق بالرئيس ساركوزي.

وينبغي الرجوع إلى العام 1968 والمعركة التي خاضها جورج بومبيدو، ضد المرشح آلان بوهير للوقوع على استطلاعات بكآبة التوقعات التي تقول اليوم أن المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند سيفوز بما يشبه الضربة القاضية على الرئيس ساركوزي في الدورة الثانية، حيث يتقدم الاشتراكي على ساركوزي بـ16 نقطة: 58 في المئة لهولاند مقابل 42 في المئة للرئيس ساركوزي. وللمرة الأولى منذ أشهر، يعود فرانسوا هولاند إلى التقدم على الرئيس ساركوزي، حتى في الدورة الأولى بخمس نقاط: 29 في المئة لهولاند مقابل 24 في المئة لساركوزي.

وتدفع الهوة السحيقة التي تباعد ما بين حظوظ هولاند وساركوزي، مرشح اليسار جان لوك ميلانشون إلى الأمل ربما بخوض الدورة الثانية ضد هولاند، متوقعا أن يستمر انهيار التوقعات الانتخابية للرئيس ساركوزي في الأيام المقبلة. ولن يستطيع الرئيس ساركوزي تعويض الفرق الكبير في التوقعات في ما تبقى من ايام قليلة له في الأيام القادمة. وكلما تأكدت خسارته وتوسعت شقة الأصوات مع منافسه في الدورة الأولى، رجحت هزيمته بفارق كبير في الدورة الثانية، حيث ستلعب ديناميكية تجميع اليسار لمصلحته بقوة، كما انها ستلجم اي رغبة في الوسط، وكتلة مرشحه فرانسوا بايرو، على الالتحاق بمرشح خاسر منذ الدورة الأولى.

ولا تقتصر الإشارات على هزيمة الرئيس ساركوزي على انفضاض الأهل والخلان من أهل البيت. اذ انضم الحلفاء الأوروبيون إلى القافلة. فبعد ان رفضت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل استقبال المرشح الاشتراكي إمعانا في تجريده من رداء رجل الدولة، وانسجاما مع تفضيلها الصريح لبقاء الرئيس ساركوزي في الاليزيه، تراجعت الألمانية عن موقفها، واعلنت استعدادها للنظر في ما يطالب به فرانسوا هولاند من مراجعة للمعاهدة المالية الأوروبية، واضافة بند يتعلق بدور اكثر تدخلا للمصرف المركزي الأوروبي في مواجهة أزمة الديون الأوروبية، وانخراطه في تمويل خطط تشجع النمو الاقتصادي. وأبدى رئيس الوزراء الايطالي حماسـا علنيا لفكرة المرشح هولاند، فيما يأمل رئيس الوزراء الإسباني أن تقتنع المستـشارة الألمانية باقتراحات هولاند، لانها تسمح لإسـبانيا بالتماس بداية الطريق للخروج من مأزق الديون.

وفي الجلسات الخاصة حول الرئيس كان من الصعب الوقوع على من يقرأ بتفاؤل مستقبل الرئيس. ونقلت صحيفة الـ«كانار انشينه» عن وزير فرنسي قوله «هناك مؤشرات لا تخطئ، إن طريقة الرئيس في الكلام، تظهر انه تعرض لخبطة على الرأس، وهو يسلم داخليا بهزيمته». الان جوبيه وزير الخارجية: «لا اعتقد ان النصر ممكن». رئيس الوزراء فرانسوا فييون: «الهزيمة نضجت. في اوروبا بأسرها خرجت الحكومات مهزومة جراء الأزمة الاقتصادية، ولن نكون استثناء». وزير المالية فرانسوا باروان: «قضي الأمر». جان بيار رافاران رئيس الحكومة السابق: «لا يوجد ادنى احتمال بأن نربح». جان فرانسوا كوبيه زعيم حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية: «من الناحية التقنية، فقد هزمنا، إن الديناميكية الرابحة ليست إلى جانبنا. للرئيس ساركوزي حصاد سياسي لا يمكن الدفاع عنه».

ولعل الرئيس نفسه قد توقع منذ بداية الحملة الهزيمة التي تنتظره، وقد يكـون تمناها عندما أجاب عن سؤال بعد فراغه من اعلان ترشيحه: ماذا ستفعل لو هزمت في الانتخابات؟ «سأعتزل السياسة»... وهو وعد نادر بدا الرئيس ساركوزي صادقا في اعتـزامه الوفاء به... بعد الدورة الثانية في السادس من أيار.

  • فريق ماسة
  • 2012-04-18
  • 10831
  • من الأرشيف

دائرة الهزيمة الانتخابية تطبق على ساركوزي:حلفاء الأمـس يتبرأون وأوروبا تسـتعد لهولاند

    في فصل علامات القيامة او الهزيمة لا يعدم اللاهوت السياسي فرصا للتفوق على اي لاهوت آخر. انفضاض الأهل والخلان عن السلطان نذير لا يخطئ باقتراب الهزيمة. ويخبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ اسبوع علائم قيامها، في خروج لا يكف لمن خلع عليهم مناصب حكومية في زمن السعة. في وسائل الإعلام تكر سبحة البراء منه ومن حكومته وتطول لائحة البيعة والولاء للخصم الاشتراكي فرانسوا هولاند. واللائحة طويلة: فاضلة عمارة وزيرة حكومته السابقة لشؤون المدينة والضواحي، اختارت التصويت لفرانسوا هولاند. بريجيت جيراردان، وزيرة شؤون أراضي ما وراء البحار، تبعتها. مارتان هيرش مفوض التضامن الاجتماعي السابق ونجم حكومة ساركوزي الأولى وضميرها. جان بيار جوييه، وزير الشؤون الأوروبية السابق. ووقع اشتراكيان تائبان من التعاون مع ساركوزي في حكومته السابقة رسالة مبايعة لفرانسوا هولاند. وانحازت كورين لوباج وزيرة البيئة في حكومة الان جوبيه الشيراكية علنا إلى الاشتراكي. وجاءت اسماء كثيرة من الحلقات الشيراكية والديغولية المتأخرة التي تنقم على الرئيس ساركوزي، وتتهمه بسرقة ميراث الحزب الديغولي وتفريغه المنصب الجمهوري الأول من مهابته «الامبراطورية». ويبدع السياسيون في حدسهم وجهة الريح التي تحمل اشرعة الاشتراكي إلى الاليزيه، وهذا معنى الانقلاب على الرئيس الذي منح كثيرين فرصهم الأولى في قصور الجمهورية. ويبرعون احيانا في استباق كل الاستطلاعات التي لم تتوقف منذ اسبوع، مجمعة على توقع هزيمة شنعاء تلحق بالرئيس ساركوزي. وينبغي الرجوع إلى العام 1968 والمعركة التي خاضها جورج بومبيدو، ضد المرشح آلان بوهير للوقوع على استطلاعات بكآبة التوقعات التي تقول اليوم أن المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند سيفوز بما يشبه الضربة القاضية على الرئيس ساركوزي في الدورة الثانية، حيث يتقدم الاشتراكي على ساركوزي بـ16 نقطة: 58 في المئة لهولاند مقابل 42 في المئة للرئيس ساركوزي. وللمرة الأولى منذ أشهر، يعود فرانسوا هولاند إلى التقدم على الرئيس ساركوزي، حتى في الدورة الأولى بخمس نقاط: 29 في المئة لهولاند مقابل 24 في المئة لساركوزي. وتدفع الهوة السحيقة التي تباعد ما بين حظوظ هولاند وساركوزي، مرشح اليسار جان لوك ميلانشون إلى الأمل ربما بخوض الدورة الثانية ضد هولاند، متوقعا أن يستمر انهيار التوقعات الانتخابية للرئيس ساركوزي في الأيام المقبلة. ولن يستطيع الرئيس ساركوزي تعويض الفرق الكبير في التوقعات في ما تبقى من ايام قليلة له في الأيام القادمة. وكلما تأكدت خسارته وتوسعت شقة الأصوات مع منافسه في الدورة الأولى، رجحت هزيمته بفارق كبير في الدورة الثانية، حيث ستلعب ديناميكية تجميع اليسار لمصلحته بقوة، كما انها ستلجم اي رغبة في الوسط، وكتلة مرشحه فرانسوا بايرو، على الالتحاق بمرشح خاسر منذ الدورة الأولى. ولا تقتصر الإشارات على هزيمة الرئيس ساركوزي على انفضاض الأهل والخلان من أهل البيت. اذ انضم الحلفاء الأوروبيون إلى القافلة. فبعد ان رفضت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل استقبال المرشح الاشتراكي إمعانا في تجريده من رداء رجل الدولة، وانسجاما مع تفضيلها الصريح لبقاء الرئيس ساركوزي في الاليزيه، تراجعت الألمانية عن موقفها، واعلنت استعدادها للنظر في ما يطالب به فرانسوا هولاند من مراجعة للمعاهدة المالية الأوروبية، واضافة بند يتعلق بدور اكثر تدخلا للمصرف المركزي الأوروبي في مواجهة أزمة الديون الأوروبية، وانخراطه في تمويل خطط تشجع النمو الاقتصادي. وأبدى رئيس الوزراء الايطالي حماسـا علنيا لفكرة المرشح هولاند، فيما يأمل رئيس الوزراء الإسباني أن تقتنع المستـشارة الألمانية باقتراحات هولاند، لانها تسمح لإسـبانيا بالتماس بداية الطريق للخروج من مأزق الديون. وفي الجلسات الخاصة حول الرئيس كان من الصعب الوقوع على من يقرأ بتفاؤل مستقبل الرئيس. ونقلت صحيفة الـ«كانار انشينه» عن وزير فرنسي قوله «هناك مؤشرات لا تخطئ، إن طريقة الرئيس في الكلام، تظهر انه تعرض لخبطة على الرأس، وهو يسلم داخليا بهزيمته». الان جوبيه وزير الخارجية: «لا اعتقد ان النصر ممكن». رئيس الوزراء فرانسوا فييون: «الهزيمة نضجت. في اوروبا بأسرها خرجت الحكومات مهزومة جراء الأزمة الاقتصادية، ولن نكون استثناء». وزير المالية فرانسوا باروان: «قضي الأمر». جان بيار رافاران رئيس الحكومة السابق: «لا يوجد ادنى احتمال بأن نربح». جان فرانسوا كوبيه زعيم حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية: «من الناحية التقنية، فقد هزمنا، إن الديناميكية الرابحة ليست إلى جانبنا. للرئيس ساركوزي حصاد سياسي لا يمكن الدفاع عنه». ولعل الرئيس نفسه قد توقع منذ بداية الحملة الهزيمة التي تنتظره، وقد يكـون تمناها عندما أجاب عن سؤال بعد فراغه من اعلان ترشيحه: ماذا ستفعل لو هزمت في الانتخابات؟ «سأعتزل السياسة»... وهو وعد نادر بدا الرئيس ساركوزي صادقا في اعتـزامه الوفاء به... بعد الدورة الثانية في السادس من أيار.

المصدر : السفير /محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة