هل تكون دعوة مجلس المطارنة الموارنة إلى قمة روحية مسيحية- إسلامية على مستوى المنطقة مقدّمة للإرشاد الرسولي الثاني الذي سيطلقه قداسة الحبر الأعظم البابا بينديكتوس السادس عشر من لبنان في منتصف أيلول المقبل؟

أيًا تكن الاعتبارات التي أملت على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ومجلس المطارنة هذا الاستنفار الروحي في غمرة تصاعد الموجات الإسلامية في الانتفاضات والثورات العربية، فإن انعقاد القمة الروحية العربية يشكّل انعطافًا تاريخيًا لإحياء حوار الديانات والثقافات والحضارات.

وما انتفاضة "الأزهر" في مصر، وهو أعرق المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم العربي منذ ألف عام، على طغيان الأكثرية الإسلامية "الإخوانية"، إلى جانب الكنيسة القبطية في الجمعية التأسيسية المكلّفة وضع دستور جديد لمصر، والحكم الذي صدر عن محكمة القضاء الإداري في القاهرة منذ أيام ببطلانها بحجّة هيمنة الإسلاميين عليها، ما هو إلاّ الدليل القاطع على تصحيح مسار الثورة المصرية ووضعها في إطارها التاريخي الطبيعي الذي يعبّر عن احتضان الدولة لكل المكوّنات على حدّ سواء.

فعندما حاول البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في جولاته الدولية والعربية، أن يدقّ ناقوس الخطر من الزحف الأحادي اللون، فإنما كان يعني التيارات الأصولية، لا الأصولية بمعناها الديني في العالم العربي كونها حركة إصلاحية دينية. وقد ميّز مرارًا ما بين الأصولية في العالم العربي والتيارات الإسلامية، فاعتبر أن الأصولية حركة إصلاحية دينية لا تُعنى مباشرةً بالسياسة ولا تبحث فيها، وإن فعلت فهي تبحث في صلاح الحاكم وشرعيّته وتطبيق الشريعة والدفاع عن الإسلام والمسلمين، ورجال الدين فيها لا يطمحون إلى دور سياسي.

أما التيار السياسي الإسلامي، فهو تيار سياسي يجعل الإسلام مرجعية وفلسفة ومشروع إصلاح، ويعتبر أن الإسلام قادر على إيجاد الحلول لمشكلات الحياة اليومية، وعلى بناء دولة المؤسسات، ويطرح الإسلام على أنه الحل لمشكلات المجتمع.

فالتيارات السياسية الإسلامية ترفع شعار: "الإسلام هو الحل". وهي بذلك، لا تسعى إلى إدخال الناس في دينها، كما لا تأبه لإصلاح الشأن الديني، وإنما تسعى إلى تعبئة التجمّعات الدينية الموجودة بقصد بلوغ أهداف سياسية، وتعمل على تقديم برنامج سياسي معاصر، وتحمل همًا أساسيًا، هو الوصول إلى السلطة السياسية.

الأصولية لا تشكّل، بنظر غبطة البطريرك الراعي، خطرًا على لبنان، بل التيارات السياسية الإسلامية هي الخطر، لأنها تهدّد العيش المشترك والديمقراطية. فهي لا تقبل المساواة بين المسلم وغير المسلم في الشأن السياسي، إذ تحصر التعاطي بالشأن العام والسياسي بالمسلمين دون سواهم، وترفض مفهوم المواطنة والمساواة على أساس المواطنة. وإن قالت بمفهوم الأمة، فالأمة عندها هي أمة المسلمين.

أما الديمقراطية، بنظر الأصوليين، فهي مجرّد وسيلة لبلوغ السلطة، ومفهومها هو أنها حق الأكثرية بالحكم، مع إغفال حقوق الأقلية، إنما الأكثرية المنتمية إلى الدين لا إلى الوطن. ولذلك هي أكثرية عصبية.

فالتيارات السياسية الإسلامية بهذا المعنى ليست بعابرة بل نهائية. فلها منابعها في الفكر الإسلامي، ولها ممهّداتها وأسباب نشوئها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أسهمت وتسهم في نشر هذه التيارات ودعمها.

من هذا المنطلق، ظهرت تحفّظات بكركي على نشوء مثل هذه التيارات في «الربيع العربي» حيث لم تعلن عن نياتها وبرامجها إلاّ بعد التمكّن من اختراق صفوف التظاهرات ومماشاتها لتسويق نفسها كتنظيمات ذات حراك إقليمي ودولي له روافده المالية واللوجستية.

ومهما يكن من أمر هذه الحركات، فإنها سوف تصطدم، وقد بدأت، بجدار عازل لعصبيتها في لبنان وسورية، إذ تشكّل مكوّنات البلدين توازنًا بين الكيانات الروحية التي تتفاعل في ما بينها بروح من التآخي والتحاب، وحيث الدولة لا تخضع لمقاييس الأكثريات والأقليات، بل للمساواة في المواطنة والقوانين.

فالكل في الوطن مواطن مهما كان محدود العدد كأقلية، وإن كان الاتفاق السائد في لبنان على اعتماد التوزيع الطائفي حصرًا بالرئاسات الثلاث.

من هنا تكتسب القمة الروحية المُرتَقَبة في لبنان أهمية قصوى على صعيد تصحيح المسارات الثورية في إطار من المساواة بين الأكثريات والأقليات.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-04-14
  • 11024
  • من الأرشيف

لماذا القمة الروحية العربية في زمن "الربيع العربي "

هل تكون دعوة مجلس المطارنة الموارنة إلى قمة روحية مسيحية- إسلامية على مستوى المنطقة مقدّمة للإرشاد الرسولي الثاني الذي سيطلقه قداسة الحبر الأعظم البابا بينديكتوس السادس عشر من لبنان في منتصف أيلول المقبل؟ أيًا تكن الاعتبارات التي أملت على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ومجلس المطارنة هذا الاستنفار الروحي في غمرة تصاعد الموجات الإسلامية في الانتفاضات والثورات العربية، فإن انعقاد القمة الروحية العربية يشكّل انعطافًا تاريخيًا لإحياء حوار الديانات والثقافات والحضارات. وما انتفاضة "الأزهر" في مصر، وهو أعرق المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم العربي منذ ألف عام، على طغيان الأكثرية الإسلامية "الإخوانية"، إلى جانب الكنيسة القبطية في الجمعية التأسيسية المكلّفة وضع دستور جديد لمصر، والحكم الذي صدر عن محكمة القضاء الإداري في القاهرة منذ أيام ببطلانها بحجّة هيمنة الإسلاميين عليها، ما هو إلاّ الدليل القاطع على تصحيح مسار الثورة المصرية ووضعها في إطارها التاريخي الطبيعي الذي يعبّر عن احتضان الدولة لكل المكوّنات على حدّ سواء. فعندما حاول البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في جولاته الدولية والعربية، أن يدقّ ناقوس الخطر من الزحف الأحادي اللون، فإنما كان يعني التيارات الأصولية، لا الأصولية بمعناها الديني في العالم العربي كونها حركة إصلاحية دينية. وقد ميّز مرارًا ما بين الأصولية في العالم العربي والتيارات الإسلامية، فاعتبر أن الأصولية حركة إصلاحية دينية لا تُعنى مباشرةً بالسياسة ولا تبحث فيها، وإن فعلت فهي تبحث في صلاح الحاكم وشرعيّته وتطبيق الشريعة والدفاع عن الإسلام والمسلمين، ورجال الدين فيها لا يطمحون إلى دور سياسي. أما التيار السياسي الإسلامي، فهو تيار سياسي يجعل الإسلام مرجعية وفلسفة ومشروع إصلاح، ويعتبر أن الإسلام قادر على إيجاد الحلول لمشكلات الحياة اليومية، وعلى بناء دولة المؤسسات، ويطرح الإسلام على أنه الحل لمشكلات المجتمع. فالتيارات السياسية الإسلامية ترفع شعار: "الإسلام هو الحل". وهي بذلك، لا تسعى إلى إدخال الناس في دينها، كما لا تأبه لإصلاح الشأن الديني، وإنما تسعى إلى تعبئة التجمّعات الدينية الموجودة بقصد بلوغ أهداف سياسية، وتعمل على تقديم برنامج سياسي معاصر، وتحمل همًا أساسيًا، هو الوصول إلى السلطة السياسية. الأصولية لا تشكّل، بنظر غبطة البطريرك الراعي، خطرًا على لبنان، بل التيارات السياسية الإسلامية هي الخطر، لأنها تهدّد العيش المشترك والديمقراطية. فهي لا تقبل المساواة بين المسلم وغير المسلم في الشأن السياسي، إذ تحصر التعاطي بالشأن العام والسياسي بالمسلمين دون سواهم، وترفض مفهوم المواطنة والمساواة على أساس المواطنة. وإن قالت بمفهوم الأمة، فالأمة عندها هي أمة المسلمين. أما الديمقراطية، بنظر الأصوليين، فهي مجرّد وسيلة لبلوغ السلطة، ومفهومها هو أنها حق الأكثرية بالحكم، مع إغفال حقوق الأقلية، إنما الأكثرية المنتمية إلى الدين لا إلى الوطن. ولذلك هي أكثرية عصبية. فالتيارات السياسية الإسلامية بهذا المعنى ليست بعابرة بل نهائية. فلها منابعها في الفكر الإسلامي، ولها ممهّداتها وأسباب نشوئها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أسهمت وتسهم في نشر هذه التيارات ودعمها. من هذا المنطلق، ظهرت تحفّظات بكركي على نشوء مثل هذه التيارات في «الربيع العربي» حيث لم تعلن عن نياتها وبرامجها إلاّ بعد التمكّن من اختراق صفوف التظاهرات ومماشاتها لتسويق نفسها كتنظيمات ذات حراك إقليمي ودولي له روافده المالية واللوجستية. ومهما يكن من أمر هذه الحركات، فإنها سوف تصطدم، وقد بدأت، بجدار عازل لعصبيتها في لبنان وسورية، إذ تشكّل مكوّنات البلدين توازنًا بين الكيانات الروحية التي تتفاعل في ما بينها بروح من التآخي والتحاب، وحيث الدولة لا تخضع لمقاييس الأكثريات والأقليات، بل للمساواة في المواطنة والقوانين. فالكل في الوطن مواطن مهما كان محدود العدد كأقلية، وإن كان الاتفاق السائد في لبنان على اعتماد التوزيع الطائفي حصرًا بالرئاسات الثلاث. من هنا تكتسب القمة الروحية المُرتَقَبة في لبنان أهمية قصوى على صعيد تصحيح المسارات الثورية في إطار من المساواة بين الأكثريات والأقليات.  

المصدر : وديع الخازن\ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة