استعاد السودان طقوس الحرب السابقة، مع بث اناشيد عسكرية وجهادية لمحاربة قوات جنوب السودان، التي احتلت منطقة هجليج النفطية، فيما هدد رئيس جنوب السودان سالفا باحتلال آبيي، رافضاً إخراج قواته من هجليج اذا لم تنفذ الخرطوم شروط جوبا، وأبرزها انسحاب القوات السودانية من آبيي ووقف كل الاعتداءات ضد الجنوب.

ولم يكن الهجوم الذي شنته قوات الجيش الشعبي لجنوب السودان على حقل النفط السوداني في منطقة هجليج الحدودية، الثلاثاء الماضي، مجرد عمل عسكري انتهى بسيطرة قوات حكومة جنوب السودان ومتمردي الجبهة الثورية المناوئة للخرطوم على المنطقة، اذ تتعدى المسألة فكرة «السيطرة» بحد ذاتها إلى تحــكم «الجنوب» في إنتاج النفط الوحــيد المتبــقي للسودان، وبالتحديد الشــمال منه، عقــب انفــصال الأول قبــل ما يقارب العام، خصــوصاً إذا ما أشرنا إلى أن نصــف الإنتــاج اليومــي للسودان من النــفط، والــذي يبلغ 115 ألف برميل، يأتي من هجليج.

ومن هنا فإن حمى الصراع العسـكري استعـرت في كل مـن الخرطوم وجوبا خلال سويعات عقب معارك هجليج، ليحل مناخ التعبئة العسكرية للحرب المفتوحة مكان طاولة التفاوض المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين، ومن بينها قضيتا الحدود وتبعية منطقة آبيي الغنية بالنفط.

ويبدو أنه مع انطلاقة رصاصة الحرب في منطقة هجليج، قرر العسكريون في السودان ودولة جنوب السودان «عسكرة» القضية بمجملها، عقب فشل مفاوضي الدولتين في الوصول إلى صيغة سياسية تخرج البلدين من مربع العلاقات المتوترة، والمشحونة بالعداء بين من كانوا أبناء الوطن الواحد قبل حوالى العام.

ولم يتأخر رد القيادات العسكرية في الخرطوم، إذ سارع وزير الدفاع السوداني الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين للذهاب إلى قبة البرلمان وهو يرتدي الزي العسكري. ولم يطل حديثه أمام النواب، بل خاطبهم بلغة العسكر «القحة» متوعداً برد حاسم على جنوب السودان.

واعتبر حسين أن معركة هجليج ليست سوى جزء من مخطط لإسقاط النظام في الخرطوم، موضحاً أن اعتداء دولة جنوب السودان على المنطقة يمثل جزءاً من مخطط لإسقاط النظام، يبدأ بسيطرة مقاتلي المعارضة في دارفور على مناطق النفط، على أن يتمثل المحور الثاني من المخطط في محاولة سيطرة المتمردين على عاصمة ولاية جنوب كردفان قرب الحدود مع الجنوب.

ووفق تصور حسين «يمتد المخطط إلى قيادة عمليات عسكرية للمتمردين في اتجاه العاصمة، بدعم من خلايا نائمة في الخرطوم وأحزاب المعارضة».

من جهتها، طعمت القيادات المدنية في الحزب الحاكم في الخرطوم ، هي الأخرى، مفرداتها السياسية بقاموس الحرب، حيث أعلن رئيس البرلمان احمد إبراهيم الطاهر الاستنفار وإغلاق باب التفاوض مع دولة الجنوب، واستدعاء الوفد الحكومي المفاوض من العاصمة الإثيوبية فوراً. وقال إن الحكومة «ستردّ هجليج، وسيتحقق السلام بالقوة» بعد أن فشل المفاوضون في تحقيقه في أديس أبابا. ودعا الشعب للاستعداد لما أسماه «المعركة المقبلة والحاسمة».

ويلحظ المتابعون أن أجواء التعبئة العسكرية سرت في وسائل الإعلام السودانية، حيث توالى بث «المارشات» العسكرية والأناشيد الجهادية بالتزامن مع إعلان الحكومة الدفع بالآلاف من المقاتلين المتطوعين (الدفاع الشعبي) لمؤازرة القوات المسلحة في مناطق العمليات العسكرية. وأعلنت السلطات أمس تسيير لواءين من المتطوعين إلى جبهة القتال في منطقة هجليج، من الخرطوم وحدها، بينما أعلنت الحكومة فتح عشرات المعسكرات في مدن السودان المختلفة.

من جهتها، تمسكت أحزاب المعارضة السودانية بخطابها السياسي الرامي إلى دفع البلدين إلى الحوار والتفاوض بدلاً عن «حوار الرصاص».

وعلى الصعيد الاقتصادي، ترجم تكدس السيارات أمام محطات الوقود خلال اليومين الماضيين للحصول على الوقود هلع المواطنين، فيما اعتبرت السلطات أن لا مبرر لما يحصل، مؤكدة أنها تملك احتياطاً من الوقود يكفي لما يزيد عن شهرين، وان احتلال هجليج لن يؤثر على توفر الوقود اللازم.

حالة التعبئة العسكرية التي طبعت مناخ العاصمة لم تستثن حتى المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب، التي كان من المقرر أن تحيي حفلاً غنائياً في «إستاد» الخرطوم أمس، إلا أن السلطات السودانية قررت إلغاء الحفل لجهة أن بعض المتشددين من البرلمانيين طالبوا بذلك، غير أن المراقبين يرون أن الأمر لم يخرج البتة عن سياق التعبئة العسكرية الذي لا يريد سوى حشد المتطوعين للقتال ومنازلة «الأعداء» حسب وصف الداعمين لخط المواجهة. وطالبت صحف محلية الحكومة ليس بالحسم العسكري فقط، بل تلقين دولة جنوب السودان درساً عسكرياً في أراضيها.

وهكذا عاد إلى العاصمة السودانية طقس الحرب و«أزياؤها» وصيحات القتال، وتعزز المناخ نفسه أرتال المركبات العسكرية التي خرجت إلى بعض شوارع الخرطوم لتؤكد أن الحكومة ماضية في خيارها العسكري إلى «آخر الشوط».

البشير وكير

وقال الرئيس السوداني عمر البشير، في مطار الخرطوم في ختام زيارة رئيس النيجر يوسوفو محمدو، إن «إخواننا في جنوب السودان اختاروا طريق الحرب تنفيذاً لأجندات خارجية لجهات كانت تدعمهم أثناء الحرب الأهلية». وأضاف إن «الحرب ليست في مصلحة جنوب السودان أو السودان، وللأسف إخواننا في الجنوب لا يفكرون في مصلحة السودان أو جنوب السودان».

من جهته، قال كير، أمام برلمان جنوب السودان في جوبا، إنه لن يأمر جيشه بالانسحاب من منطقة هجليج النفطية، رافضاً دعوات صدرت عن مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي لسحب قوات جنوب السودان من المنطقة الحدودية. وقال «هذه المرة لن أصدر أوامر إلى قوات (جنوب السودان) بالانسحاب من هجليج».

وأشار كير إلى أنه أكد للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في اتصال هاتفي، «انه إذا لم تنسحب قوات البشير من آبيي فسنعيد النظر في موقفنا وسنتقدم باتجاه آبيي»، مضيفاً أنه قال لبان أيضاً «لست تحت أوامرك».

وأعلن وزير الإعلام في دولة جنوب السودان برنابا ماريال بنيامين أن جوبا وضعت لائحة شروط محددة على الخرطوم للموافقة على سحب قواتها من منطقة هجليج. وقال «أولاً يجب على السودان وقف كل اعتداءاته البرية والجوية فوراً». وأضاف «على القوات المسلحة السودانية التي تحتل آبيي أن تنسحب منها كلياً».

وأوضح أن بلاده تشترط لأي انسحاب من هجليج نشر «مراقبين دوليين» للقيام بدوريات على طول منطقة حدودية منزوعة السلاح إلى أن يتم الاتفاق على ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين بموجب تحكيم دولي. وأضاف إن القوات الجوية السودانية أسقطت ست قنابل قرب مدينة بنتيو النفطية في ولاية الوحدة على الجانب الجنوبي من الحدود.

  • فريق ماسة
  • 2012-04-12
  • 12623
  • من الأرشيف

السودان: طقوس حرب جوبا تهدّد باحتلال آبيي

استعاد السودان طقوس الحرب السابقة، مع بث اناشيد عسكرية وجهادية لمحاربة قوات جنوب السودان، التي احتلت منطقة هجليج النفطية، فيما هدد رئيس جنوب السودان سالفا باحتلال آبيي، رافضاً إخراج قواته من هجليج اذا لم تنفذ الخرطوم شروط جوبا، وأبرزها انسحاب القوات السودانية من آبيي ووقف كل الاعتداءات ضد الجنوب. ولم يكن الهجوم الذي شنته قوات الجيش الشعبي لجنوب السودان على حقل النفط السوداني في منطقة هجليج الحدودية، الثلاثاء الماضي، مجرد عمل عسكري انتهى بسيطرة قوات حكومة جنوب السودان ومتمردي الجبهة الثورية المناوئة للخرطوم على المنطقة، اذ تتعدى المسألة فكرة «السيطرة» بحد ذاتها إلى تحــكم «الجنوب» في إنتاج النفط الوحــيد المتبــقي للسودان، وبالتحديد الشــمال منه، عقــب انفــصال الأول قبــل ما يقارب العام، خصــوصاً إذا ما أشرنا إلى أن نصــف الإنتــاج اليومــي للسودان من النــفط، والــذي يبلغ 115 ألف برميل، يأتي من هجليج. ومن هنا فإن حمى الصراع العسـكري استعـرت في كل مـن الخرطوم وجوبا خلال سويعات عقب معارك هجليج، ليحل مناخ التعبئة العسكرية للحرب المفتوحة مكان طاولة التفاوض المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين، ومن بينها قضيتا الحدود وتبعية منطقة آبيي الغنية بالنفط. ويبدو أنه مع انطلاقة رصاصة الحرب في منطقة هجليج، قرر العسكريون في السودان ودولة جنوب السودان «عسكرة» القضية بمجملها، عقب فشل مفاوضي الدولتين في الوصول إلى صيغة سياسية تخرج البلدين من مربع العلاقات المتوترة، والمشحونة بالعداء بين من كانوا أبناء الوطن الواحد قبل حوالى العام. ولم يتأخر رد القيادات العسكرية في الخرطوم، إذ سارع وزير الدفاع السوداني الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين للذهاب إلى قبة البرلمان وهو يرتدي الزي العسكري. ولم يطل حديثه أمام النواب، بل خاطبهم بلغة العسكر «القحة» متوعداً برد حاسم على جنوب السودان. واعتبر حسين أن معركة هجليج ليست سوى جزء من مخطط لإسقاط النظام في الخرطوم، موضحاً أن اعتداء دولة جنوب السودان على المنطقة يمثل جزءاً من مخطط لإسقاط النظام، يبدأ بسيطرة مقاتلي المعارضة في دارفور على مناطق النفط، على أن يتمثل المحور الثاني من المخطط في محاولة سيطرة المتمردين على عاصمة ولاية جنوب كردفان قرب الحدود مع الجنوب. ووفق تصور حسين «يمتد المخطط إلى قيادة عمليات عسكرية للمتمردين في اتجاه العاصمة، بدعم من خلايا نائمة في الخرطوم وأحزاب المعارضة». من جهتها، طعمت القيادات المدنية في الحزب الحاكم في الخرطوم ، هي الأخرى، مفرداتها السياسية بقاموس الحرب، حيث أعلن رئيس البرلمان احمد إبراهيم الطاهر الاستنفار وإغلاق باب التفاوض مع دولة الجنوب، واستدعاء الوفد الحكومي المفاوض من العاصمة الإثيوبية فوراً. وقال إن الحكومة «ستردّ هجليج، وسيتحقق السلام بالقوة» بعد أن فشل المفاوضون في تحقيقه في أديس أبابا. ودعا الشعب للاستعداد لما أسماه «المعركة المقبلة والحاسمة». ويلحظ المتابعون أن أجواء التعبئة العسكرية سرت في وسائل الإعلام السودانية، حيث توالى بث «المارشات» العسكرية والأناشيد الجهادية بالتزامن مع إعلان الحكومة الدفع بالآلاف من المقاتلين المتطوعين (الدفاع الشعبي) لمؤازرة القوات المسلحة في مناطق العمليات العسكرية. وأعلنت السلطات أمس تسيير لواءين من المتطوعين إلى جبهة القتال في منطقة هجليج، من الخرطوم وحدها، بينما أعلنت الحكومة فتح عشرات المعسكرات في مدن السودان المختلفة. من جهتها، تمسكت أحزاب المعارضة السودانية بخطابها السياسي الرامي إلى دفع البلدين إلى الحوار والتفاوض بدلاً عن «حوار الرصاص». وعلى الصعيد الاقتصادي، ترجم تكدس السيارات أمام محطات الوقود خلال اليومين الماضيين للحصول على الوقود هلع المواطنين، فيما اعتبرت السلطات أن لا مبرر لما يحصل، مؤكدة أنها تملك احتياطاً من الوقود يكفي لما يزيد عن شهرين، وان احتلال هجليج لن يؤثر على توفر الوقود اللازم. حالة التعبئة العسكرية التي طبعت مناخ العاصمة لم تستثن حتى المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب، التي كان من المقرر أن تحيي حفلاً غنائياً في «إستاد» الخرطوم أمس، إلا أن السلطات السودانية قررت إلغاء الحفل لجهة أن بعض المتشددين من البرلمانيين طالبوا بذلك، غير أن المراقبين يرون أن الأمر لم يخرج البتة عن سياق التعبئة العسكرية الذي لا يريد سوى حشد المتطوعين للقتال ومنازلة «الأعداء» حسب وصف الداعمين لخط المواجهة. وطالبت صحف محلية الحكومة ليس بالحسم العسكري فقط، بل تلقين دولة جنوب السودان درساً عسكرياً في أراضيها. وهكذا عاد إلى العاصمة السودانية طقس الحرب و«أزياؤها» وصيحات القتال، وتعزز المناخ نفسه أرتال المركبات العسكرية التي خرجت إلى بعض شوارع الخرطوم لتؤكد أن الحكومة ماضية في خيارها العسكري إلى «آخر الشوط». البشير وكير وقال الرئيس السوداني عمر البشير، في مطار الخرطوم في ختام زيارة رئيس النيجر يوسوفو محمدو، إن «إخواننا في جنوب السودان اختاروا طريق الحرب تنفيذاً لأجندات خارجية لجهات كانت تدعمهم أثناء الحرب الأهلية». وأضاف إن «الحرب ليست في مصلحة جنوب السودان أو السودان، وللأسف إخواننا في الجنوب لا يفكرون في مصلحة السودان أو جنوب السودان». من جهته، قال كير، أمام برلمان جنوب السودان في جوبا، إنه لن يأمر جيشه بالانسحاب من منطقة هجليج النفطية، رافضاً دعوات صدرت عن مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي لسحب قوات جنوب السودان من المنطقة الحدودية. وقال «هذه المرة لن أصدر أوامر إلى قوات (جنوب السودان) بالانسحاب من هجليج». وأشار كير إلى أنه أكد للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في اتصال هاتفي، «انه إذا لم تنسحب قوات البشير من آبيي فسنعيد النظر في موقفنا وسنتقدم باتجاه آبيي»، مضيفاً أنه قال لبان أيضاً «لست تحت أوامرك». وأعلن وزير الإعلام في دولة جنوب السودان برنابا ماريال بنيامين أن جوبا وضعت لائحة شروط محددة على الخرطوم للموافقة على سحب قواتها من منطقة هجليج. وقال «أولاً يجب على السودان وقف كل اعتداءاته البرية والجوية فوراً». وأضاف «على القوات المسلحة السودانية التي تحتل آبيي أن تنسحب منها كلياً». وأوضح أن بلاده تشترط لأي انسحاب من هجليج نشر «مراقبين دوليين» للقيام بدوريات على طول منطقة حدودية منزوعة السلاح إلى أن يتم الاتفاق على ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين بموجب تحكيم دولي. وأضاف إن القوات الجوية السودانية أسقطت ست قنابل قرب مدينة بنتيو النفطية في ولاية الوحدة على الجانب الجنوبي من الحدود.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة