يرسم سفير دولة كبرى في لبنان صورة ضبابية حول مهمة الموفد الدولي كوفي أنان في سوريا، ويقول إن دمشق وبرغم الـ"بروباغندا" السياسية والإعلامية الساعية إلى تشويه موقفها، "حريصة على إنجاح مهمة أنان" الذي تلقى، أمس، تأكيدات من الحكومة السورية بأنها ستلتزم بوقف إطلاق النار، بدءاً من اليوم.

ولعل حرص النظام السوري على إنجاح المهمة التي أكد انان أن لا بديل عنها، نابع حسب السفير المذكور "من حاجة النظام الى الراحة من الحرب الاستنزافية التي يتعرض لها منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من سنة من الآن، وبالتالي الحاجة الى الحد من المسار الانحداري الذي سلكه الوضع في سوريا، سواء على المستوى الأمني والعسكري او على المستوى الاقتصادي الذي يمر في مرحلة صعبة للغاية"، فضلاً عن أنه نابع من كون مهمة أنان "تشكل تعبيراً صريحاً عن عجز من يسميهم السفير "أعداء الرئيس بشار الأسد" في النيل منه وإسقاطه عبر سلسلة المحاولات المتعددة الأشكال والألوان التي قاموا او يقومون بها، وكون موازين القوى على الأرض، هي التي فرضت إطلاق مهمة أنان تحت سقف نظام الرئيس الأسد ومرجعيته، وإخراج بند تنحي الرئيس السوري من دائرة التداول نهائياً".

في المقابل، يتابع الدبلوماسي البارز نفسه، "نرصد محاولات حثيثة لتعطيل مهمة أنان تتجلى في الآتي:

اولاً، الولايات المتحدة التي تقرن موقفها الرسمي الداعم لفظاً لمهمة انان، باستمرار الحديث بأن تطورات الأزمة في سوريا جعلت النظام السوري كغصن يابس على وشك الانكسار، وبالتالي بات نظام الرئيس بشار الأسد "ساقطاً"حتماً (اختفت عبارة "المسألة مسألة أيام").

ثانياً، الموقف الأوروبي، والفرنسي تحديداً الذي يتبنى منطق المجموعات المسلحة في سوريا ويسعى جهاراً الى حرف المهمة في الاتجاه الذي يصب في خدمة الحرب القائمة على نظام الرئيس بشار الأسد.

ثالثاً، الموقف التركي المتناقض مع نفسه بين أن يقول الأتراك إنهم مع مهمة أنان، وبين أن يستضيفوا مؤتمر اسطمبول وعناصر المعارضة المسلحة ومنظماتها والسماح بفتح الحدود التركية لعناصر "الجيش السوري الحر".

رابعاً، الموقف العربي، وفي طليعته السعودية وقطر اللتان لا ينسجم إعلانهما الداعم لمهمة أنان، مع الحرب الإعلامية التي تشنانها على النظام السوري ومع مناداتهما بتسليح المعارضة السورية وتمويلها، فضلاً عن استمرار التحريض الإعلامي ضد النظام السوري، من خلال الفضائيات القطرية والسعودية.

خامساً، عدم وجود مرجعية واحدة للمجموعات المعارضة المسلحة لاتخاذ "قرار سياسي ملزم" لها بوقف إطلاق النار، فهناك "مجموعات" لكل منها قرارها ومرجعيتها ومصادر تمويلها، علماً أن "الجيش السوري الحر" هو عنوان فضفاض، وبحسب التقارير الأميركية هناك فصائل معارضة مسلحة أعدادها بالمئات موجودة على الأرض، إنما هي غير مترابطة مع بعضها البعض ولا تنضوي تحت قيادة موحدة، فهناك وجود لتنظيم "القاعدة"، وهناك أيضاً وجود لتنظيمات سلفية سورية متشددة، وهناك أيضاً "الإخوان المسلمون"، إلى جانب مجموعات أخرى متفرقة، ما يعني أن تعدد الرؤوس والمرجعيات واختلاف الأهداف، يلغي وجود مركزية قرار موحد، الأمر الذي يعزز القلق والخشية من عدم سريان أي قرار بوقف إطلاق النار في حال اتخاذه.

كل ذلك، يقول سفير الدولة الكبرى، "لا يشي بنية وضع مهمة أنان على سكة النجاح وتحقيق هدف وقف العنف، بل إنه يكشف حقيقة أن "أعداء النظام السوري" ليسوا راغبين من الأساس بمهمة أنان، وربما هم قبلوا بها على مضض، بفعل عوامل عدة، أبرزها الوقائع الميدانية والحماية الإقليمية والدولية للنظام والمستمدة من حلف قوي ناشئ ممتد من روسيا الى دول "البريكس"، وامتداداً حتى المحيط الإقليمي لسوريا والسند الإيراني، وبالتالي فإن أعداء الأسد الإقليميين والدوليين لا يعولون على نجاح مهمة أنان بقدر ما يعولون على أن يقوم النظام نفسه بإفشالها، أو على دفع هذا النظام الى إفشالها من خلال مبادرات استفزازية متواصلة من تهريب سلاح ومسلحين وتحريض إعلامي وسياسي، بالإضافة الى خطوات ميدانية تقوم بها المجموعات المسلحة على الأرض السورية، "وهنا يكمن الخطر الكبير على مهمة أنان"، يقول سفير الدولة الكبرى.

يكاد السفير يوافق أصحاب الفرضية القائلة بأن مهمة أنان في سوريا هي بمثابة تسليم نهائي ببقاء نظام الرئيس الأسد، أقله حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2014 وتصبح الغاية منها فقط تحسين شروط الإصلاحات الداخلية في هذه المرحلة الانتقالية.. إلا أنه عندما يطرح عليه السؤال الآتي: هل إن مهمة أنان تعبير عن محاولة دولية لتقطيع الوقت في انتظار بلورة خيارات مستقبلية "لإسقاط " الرئيس الأسد، يجيب السفير "قد يكون هناك من يفكر بأن يدخل في لعبة وقت مستقطع للعودة بعد حين الى استئناف مسار"إسقاط" النظام، لكن أفق أي خيار بديل عن مهمة أنان يبدو معدوماً، وهذا ما يقوله أنان نفسه، فإمكان استنساخ "الحل اليمني"(تفويض الصلاحيات لنائب الرئيس) سقط، كما ثبت فشل النموذج المصري (نقل السلطة للجيش)، ولا بديل لمهمة أنان إلا المزيد من العنف والدمار والموت، وبالتالي الغرق في دوامة الحرب الأهلية التي سترتد على جيران سوريا وأولهم لبنان".

إلا أن السفير المذكور، يستدرك فيقول: "أستطيع أن أجزم أن الحرب على سوريا انطلقت في البداية لإسقاط دور سوريا الإقليمي، إلا أن عنوان هذه الحرب قد تبدل من "إسقاط هذا الدور" إلى "تعطيله"، بالاستنزاف السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي.

يختم سفير الدولة الكبرى المتضامنة مع سوريا بالقول إن ما يحيط بمهمة أنان إقليمياً ودولياً "يجعلها قابلة للفشل أكثر مما هي قابلة للنجاح "

 

  • فريق ماسة
  • 2012-04-11
  • 7859
  • من الأرشيف

مهمة أنان في ميزان "الدول": حظوظ الفشل أكبر!

  يرسم سفير دولة كبرى في لبنان صورة ضبابية حول مهمة الموفد الدولي كوفي أنان في سوريا، ويقول إن دمشق وبرغم الـ"بروباغندا" السياسية والإعلامية الساعية إلى تشويه موقفها، "حريصة على إنجاح مهمة أنان" الذي تلقى، أمس، تأكيدات من الحكومة السورية بأنها ستلتزم بوقف إطلاق النار، بدءاً من اليوم. ولعل حرص النظام السوري على إنجاح المهمة التي أكد انان أن لا بديل عنها، نابع حسب السفير المذكور "من حاجة النظام الى الراحة من الحرب الاستنزافية التي يتعرض لها منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من سنة من الآن، وبالتالي الحاجة الى الحد من المسار الانحداري الذي سلكه الوضع في سوريا، سواء على المستوى الأمني والعسكري او على المستوى الاقتصادي الذي يمر في مرحلة صعبة للغاية"، فضلاً عن أنه نابع من كون مهمة أنان "تشكل تعبيراً صريحاً عن عجز من يسميهم السفير "أعداء الرئيس بشار الأسد" في النيل منه وإسقاطه عبر سلسلة المحاولات المتعددة الأشكال والألوان التي قاموا او يقومون بها، وكون موازين القوى على الأرض، هي التي فرضت إطلاق مهمة أنان تحت سقف نظام الرئيس الأسد ومرجعيته، وإخراج بند تنحي الرئيس السوري من دائرة التداول نهائياً". في المقابل، يتابع الدبلوماسي البارز نفسه، "نرصد محاولات حثيثة لتعطيل مهمة أنان تتجلى في الآتي: اولاً، الولايات المتحدة التي تقرن موقفها الرسمي الداعم لفظاً لمهمة انان، باستمرار الحديث بأن تطورات الأزمة في سوريا جعلت النظام السوري كغصن يابس على وشك الانكسار، وبالتالي بات نظام الرئيس بشار الأسد "ساقطاً"حتماً (اختفت عبارة "المسألة مسألة أيام"). ثانياً، الموقف الأوروبي، والفرنسي تحديداً الذي يتبنى منطق المجموعات المسلحة في سوريا ويسعى جهاراً الى حرف المهمة في الاتجاه الذي يصب في خدمة الحرب القائمة على نظام الرئيس بشار الأسد. ثالثاً، الموقف التركي المتناقض مع نفسه بين أن يقول الأتراك إنهم مع مهمة أنان، وبين أن يستضيفوا مؤتمر اسطمبول وعناصر المعارضة المسلحة ومنظماتها والسماح بفتح الحدود التركية لعناصر "الجيش السوري الحر". رابعاً، الموقف العربي، وفي طليعته السعودية وقطر اللتان لا ينسجم إعلانهما الداعم لمهمة أنان، مع الحرب الإعلامية التي تشنانها على النظام السوري ومع مناداتهما بتسليح المعارضة السورية وتمويلها، فضلاً عن استمرار التحريض الإعلامي ضد النظام السوري، من خلال الفضائيات القطرية والسعودية. خامساً، عدم وجود مرجعية واحدة للمجموعات المعارضة المسلحة لاتخاذ "قرار سياسي ملزم" لها بوقف إطلاق النار، فهناك "مجموعات" لكل منها قرارها ومرجعيتها ومصادر تمويلها، علماً أن "الجيش السوري الحر" هو عنوان فضفاض، وبحسب التقارير الأميركية هناك فصائل معارضة مسلحة أعدادها بالمئات موجودة على الأرض، إنما هي غير مترابطة مع بعضها البعض ولا تنضوي تحت قيادة موحدة، فهناك وجود لتنظيم "القاعدة"، وهناك أيضاً وجود لتنظيمات سلفية سورية متشددة، وهناك أيضاً "الإخوان المسلمون"، إلى جانب مجموعات أخرى متفرقة، ما يعني أن تعدد الرؤوس والمرجعيات واختلاف الأهداف، يلغي وجود مركزية قرار موحد، الأمر الذي يعزز القلق والخشية من عدم سريان أي قرار بوقف إطلاق النار في حال اتخاذه. كل ذلك، يقول سفير الدولة الكبرى، "لا يشي بنية وضع مهمة أنان على سكة النجاح وتحقيق هدف وقف العنف، بل إنه يكشف حقيقة أن "أعداء النظام السوري" ليسوا راغبين من الأساس بمهمة أنان، وربما هم قبلوا بها على مضض، بفعل عوامل عدة، أبرزها الوقائع الميدانية والحماية الإقليمية والدولية للنظام والمستمدة من حلف قوي ناشئ ممتد من روسيا الى دول "البريكس"، وامتداداً حتى المحيط الإقليمي لسوريا والسند الإيراني، وبالتالي فإن أعداء الأسد الإقليميين والدوليين لا يعولون على نجاح مهمة أنان بقدر ما يعولون على أن يقوم النظام نفسه بإفشالها، أو على دفع هذا النظام الى إفشالها من خلال مبادرات استفزازية متواصلة من تهريب سلاح ومسلحين وتحريض إعلامي وسياسي، بالإضافة الى خطوات ميدانية تقوم بها المجموعات المسلحة على الأرض السورية، "وهنا يكمن الخطر الكبير على مهمة أنان"، يقول سفير الدولة الكبرى. يكاد السفير يوافق أصحاب الفرضية القائلة بأن مهمة أنان في سوريا هي بمثابة تسليم نهائي ببقاء نظام الرئيس الأسد، أقله حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2014 وتصبح الغاية منها فقط تحسين شروط الإصلاحات الداخلية في هذه المرحلة الانتقالية.. إلا أنه عندما يطرح عليه السؤال الآتي: هل إن مهمة أنان تعبير عن محاولة دولية لتقطيع الوقت في انتظار بلورة خيارات مستقبلية "لإسقاط " الرئيس الأسد، يجيب السفير "قد يكون هناك من يفكر بأن يدخل في لعبة وقت مستقطع للعودة بعد حين الى استئناف مسار"إسقاط" النظام، لكن أفق أي خيار بديل عن مهمة أنان يبدو معدوماً، وهذا ما يقوله أنان نفسه، فإمكان استنساخ "الحل اليمني"(تفويض الصلاحيات لنائب الرئيس) سقط، كما ثبت فشل النموذج المصري (نقل السلطة للجيش)، ولا بديل لمهمة أنان إلا المزيد من العنف والدمار والموت، وبالتالي الغرق في دوامة الحرب الأهلية التي سترتد على جيران سوريا وأولهم لبنان". إلا أن السفير المذكور، يستدرك فيقول: "أستطيع أن أجزم أن الحرب على سوريا انطلقت في البداية لإسقاط دور سوريا الإقليمي، إلا أن عنوان هذه الحرب قد تبدل من "إسقاط هذا الدور" إلى "تعطيله"، بالاستنزاف السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي. يختم سفير الدولة الكبرى المتضامنة مع سوريا بالقول إن ما يحيط بمهمة أنان إقليمياً ودولياً "يجعلها قابلة للفشل أكثر مما هي قابلة للنجاح "  

المصدر : السفير\ نبيل هيثم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة