دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
على بعد 12 يوما من صناديق الاقتراع الرئاسي الفرنسي: الرئيس نيكولا ساركوزي خاسر. وكائنا ما كان خطاب الرئيس لن يغير ذلك كثيرا في الهزيمة المعلنة، والتي لا تقررها خيارات سياسية محضة. فالساركوزيفوبيا تملأ أجواء فرنسا منذ أعوام، إلى حد أن 63 في المئة من مؤيدي خصمه الاشتراكي فرانسوا هولاند لا يخفون أنهم لا يقترعون لهولاند إعجاباً به أو اقتناعاً بقدرته على قيادة البلاد، لكن كرهاً بنيكولا ساركوزي.
ولا ينبغي الركون إلى ما تقوله الاستطلاعات ويومياتها فحسب، وهي لا تحمل وحدها الأخبار السيئة للرئيس المرشح ساركوزي. المقربون أيضا من الرئيس لا يخفون معنوياتهم الهابطة، والتسريبات تتكاثر نقلا عن ألسنة حلت عقدتها الهزيمة المعلنة، وذهاب الرئيس بعيدا في مغازلة اليمين المتطرف لكسب أصواته والانتخابات بأي ثمن.
وزير الخارجية آلان جوبيه أول المكتئبين في فريق الرئيس، والذي لا يؤيد الانعطاف يمينا، في حملة وضعت كل رهاناتها على إثارة الغرائز والخوف من المهاجرين، وهو شعار يجرف الأصوات يميناً. وكانت قد بدأت حملة على خطر اللحم الحلال ولا تزال تعود إليه في خطابات الرئيس في جرعات من الترهيب من سقوط مطاعم المدارس الفرنسية فريسة هجوم إسلامي على أطباق الطلاب. فتحت تأثير مستشاره باتريك بويسون، الآتي من اليمين المتطرف، قاد ساركوزي حملته باتجاه الكتلة التي تمثلها مارين لوبن. انتزع ساركوزي انتصاراً رمزياً مهماً، بصعوده منذ أسابيع في استطلاعات الرأي، التي باتت تضعه على رأس الواصلين في السباق إلى الرئاسة عشية الدورة الأولى بنسبة 30 في المئة، بعد مراوحة في المرتبة الثانية خلف الاشتراكي هولاند الذي هبط حتى 27 في المئة.
ولكن الرئيس لا يزال المشكلة نفسها: الهزيمة في الدورة الثانية. 45 في المئة ينتخبونه، ولكن 55 في المئة من الفرنسيين سيقترعون لخصمه فرانسوا هولاند.
وأهمية الأرقام التي نشرتها أمس معاهد الاستطلاع أنها تأتي بعد أسبوعين كاملين من المهرجانات الانتخابية عبر فرنسا، اختبر خلالها المرشحون جميعا قدرتهم على إقناع الناخبين ببرامجهم السياسية، وتبلورت خلالها كتل الناخبين واستقرت خيارات أكثر من 80 في المئة منهم على عدم تغيير قرارهم بالاقتراع لهذا المرشح أو ذاك عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في 22 نيسان الحالي.
ساركوزي حقق مع ذلك ما يصبو إليه من أهداف الدورة الأولى: توحيد قاعدة اليمين التقليدية خلفه، من الطبقات الشعبية إلى الأرياف والشرائح العليا والمحافظة من الطبقة الوسطى، وجزء واسع من 15 مليون متقاعد فرنسي. ولا يزال الرئيس يحافظ على انتصاره الرمزي رغم أن هامش تقدمه على خصمه هولاند بدأ بالتراجع: 29 في المئة لساركوزي و28،5 في المئة لهولاند.
لكن الهدف الثاني للرئيس لا يزال بعيدا. فلا تزال مارين لوبن، مرشحة الجبهة الوطنية وأقصى اليمين، تقبض على قاعدتها الانتخابية. ولا تزال تحتفظ أيضا بتأييد 15 في المئة من الناخبين، وهي الكتلة التقليدية لقاعدة اليمين المتطرف والجبهة الوطنية. وكان ساركوزي قد راهن في حملة العام 2007 على اكتساب هذه القاعدة إلى جانبه، وساق شعارات انتخابية على حافة صدام الحضارات، واستطاع بفضلها الفوز بعد أن تمكن من دحر جان ماري لوبن، والد مارين، وإنزاله إلى حد الـ10 في المئة. لكن معجزة العام 2007 لا تزال بعيدة التحقق.
وبانتظار حدث قد يقلب المعطيات الانتخابية والاستطلاعات، يبدو اليسار الفرنسي قريباً من العودة للمرة الثانية في تاريخ الجمهورية الخامسة إلى الأليزيه. وهناك آلية حسابية تشرح صعود هولاند وحتمية انتصاره في الدورة الثانية: الساكوزيفوبيا، واحتياطي الأصوات التي تنتظره في الدورة الثانية من اليسار واليمين المتطرف والوسط، فيما لن يجد ساركوزي الاحتياطي المطلوب مستنفدا أكثرية من يقترعون له في الدورة الأولى. وللمرة الأولى منذ عقود يظهر اليسار الفرنسي أكثرياً في المشهد الانتخابي. ويحظى الاشتراكيون وجبهة اليسار والخضر والمرشحان التروتسكيان بما يقرب من 45 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى. ويستند فرانسوا هولاند في انتصاره إلى آلية واضحة ستعمل بسلاسة لتنقل في الدورة الثانية أصوات كتل اليسار لتصب في صناديق الدورة الثانية لمصلحته. وحده جان لوك مالنشون، مرشح حزب اليسار والشيوعيين، يحظى بكتلة تضم 15 في المئة من الأصوات، وهي كتلة باتت ثابتة في المشهد الانتخابي نظراً لتكرر ظهورها في جميع الاستطلاعات منذ 3 أسابيع ومهارة مالنشون الكاريزمي في اجتذاب الأصوات اليسارية التي هجرت الاشتراكي منذ زمن.
وتطمئن الاستطلاعات مرشح الاشتراكي هولاند أن أكثر من 85 في المئة من ناخبيه قد اختاروا تأييده في الدورة الثانية. كما أن مرشح الاشتراكي يشاطر ساركوزي، شبه مناصفة، كتلة الـ15 في المئة الأخرى، التي تصوّت في الدورة الأولى لمارين لوبن. وتستفيض الاستطلاعات في شرح نضوب الاحتياطي الساركوزي في الدورة الثانية: ففي اليمين المتطرف الذي لم يتوقف الرئيس عن مغازلته بالتهويل بالخطر الإسلامي والتعهد بوقف دخول المهاجرين، حكم 43 في المئة منهم أن مشروع الرئيس غير قابل للتحقق، فيما لا يعترض أكثر من 26 في المئة منهم على خطاب هولاند أو مشروعه. وفي كتلة الوسط، التي سيكون على المرشحين التودد إليها في الدورة الثانية، يرفض 41 في المئة ممن سيقترعون لمرشح الوسط فرانسوا بايرو اعتبار مشروع ساركوزي الرئاسي قابلا للتحقق.
ويعد انهيار بايرو في الاستطلاعات خبراً جيداً للطرفين، فالرجل الذي حقق في انتخابات العام 2007 رصيداً من 18 في المئة من الأصوات هبط إلى حدود الـ10 في المئة، وهو ما يجعله لقمة سائغة سياسياً لخصومه، وعرضة لمساومات على دعمه لأحدهما عشية الدورة الثانية، تعوضه عن خسارة رصيده بتحويله إلى لاعب أساسي في التحكيم بين اليسار واليمين، إذا ما أحسن المناورة، وقرر الدخول في اللعبة، وهو أمر غير مؤكد.
ويبدو أن ساركوزي أول الحائمين على جثة مرشح الوسط وجمهرة المؤيدين. ففي مهرجانه الانتخابي الأخير أوحى بوضوح أنه في «حال فوزه لن يكون مجبراً على تعيين رئيس وزراء من حزبه، وانه ليس من المستبعد أن يعيِّن رئيس وزراء من حزب آخر». بايرو لم يعلق حتى الآن.
المصدر :
السفير /محمد بلوط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة