دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يحذر مسؤولون سابقون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تكرار السيناريو العراقي في إيران حين اتهم المفتشون الدوليون نظام الرئيس العراقي صدام حسين بامتلاك أسلحة دمار شامل، وذلك فيما يتهم عدد من المسؤولين السابقين المدير العام الحالي للوكالة يوكيا أمانو بالانحياز للغرب، بسبب اعتماده على معلومات استخباراتية غير مؤكدة في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
وتفاقمت المواجهة بين الغرب وإيران على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل منذ تعيين أمانو مديراً للوكالة الذرية في العام 2009، حيث بدأت تقارير الوكالة الذرية حول إيران تتخذ منحى أكثر خطورة.
ففي تشرين الثاني الماضي، أصدرت الوكالة الذرية تقريراً اعتمد بالدرجة الأولى على معلومات استخباراتية اعتبرتها الوكالة ذات مصداقية، حول مساعي إيران السابقة لتطوير السلاح النووي.
ويعتبر الخبير في شؤون التسلح روبرت كيلي، الذي ترأس فريق تحقيق الوكالة في العراق بعد الاجتياح الأميركي، أن ثمة أوجه شبه كثيرة بين أخطاء الغرب تجاه مزاعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشمال وبين تقييم الوكالة للوضع في إيران اليوم.
ويشير كيلي إلى أن «أمانو وقع في الفخ الذي وقعنا فيه في السابق. ما تعلمناه في العامين 2002 و2003، أي في الفترة السابقة للحرب (في العراق) هو أن التقييم المشترك أساسي جداً، وأنه لا ينبغي ترك التحليل لمجموعة صغيرة من الأشخاص».
ويرى كيلي أن أمانو يكرر طريقة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني بالاعتماد على مجموعة قليلة من الأشخاص ولا يتم التأكد من آراء هؤلاء.
ويعبر مسؤولون آخرون في الوكالة عن قلقهم إزاء تركيز الوكالة على المشروع الإيراني وتخليها عن النقاشات البناءة التي تميزت بها فترة المدير السابق للوكالة محمد البرادعي. وما يؤكد ذلك بنظر هؤلاء هو قرار أمانو بحل مكتب العلاقات الخارجية والتنسيق في الوكالة («إكسبو»)، الذي شكك في فترة إدارة البرادعي بالعديد من آراء مفتشي الوكالة.
وكان «إكسبو» حذر من أن إدارة بوش ستستخدم تقرير الوكالة حول العراق لتبرير الغزو، في وقت اعتبر عدد من المفتشين أنه ليس من مسؤولية الوكالة إصدار أحكام سياسية.
ويرى عدد من المسؤولين السابقين في الوكالة أن أمانو أحاط نفسه بمستشارين يتشاركون الرأي ذاته حول إيران.
ويعرب المدير العام السابق للوكالة هانس بليكس عن قلقه إزاء مصداقية الوكالة، معتبراً أن «هناك فرقاً بين المعلومات والدلائل، وعلى مسؤول الوكالة أن يطرح أسئلة، وأن لا يعتمد في نهاية المطاف على معلومات لم يجري التأكد منها».
وأضاف بليكس «لدى الوكالة مصداقية معينة، ويجب أن تحافظ عليها وذلك بأن تكون شديدة الدقة في فحص الأدلة. وإن كانت حكومات معينة تبحث عن موافقة الوكالة على المعلومات التي تقدمها وكالاتهم الاستخباراتية، يجب أن يقدموا للوكالة أدلة مقنعة، وإلا فإنه لا يجب على الوكالة أن تعطيهم موافقتها».
من جهة ثانية، دافع دبلوماسـيون غربيـون في فيينا حيث المقر الرئيسـي للوكالة الذرية عن طريقة أمانو في إدارة الوكالة، معتبرين أن البرادعي اعتمد في تقرير من ألف صفحة على معلومـات بتفاصيـل أقل حول التسـلح.
وشكك دبلوماسي بأن يكون البرادعي أكثر حذراً من أمانو، قائلا «صحيح تردد (البرادعي) بإعطاء الحكم على أي معلومات إن لم يكن متأكداً مئة في المئة من صحتها، ولكن أمانو يقول في المقابل: ليس لدي تأكيد مئة في المئة ولكن ليس هناك معنى من عدم التصريح بشيء حتى يتصاعد دخان المسدس».
واعتبر الخبير النووي في معهد «كارنيغي» مارك هيبس أن أمانو كان مدعوماً من الولايات المتحدة خلال انتخابات مدير للوكالة، وقد أكدت تلك المعلومات الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» حيث كتب القائم بالأعمال الأميركي جيفري بيات أن «أمانو يدعم الولايات المتحدة في كافة القرارات الاستراتيجية الأساسية، من تعيين الموظفين رفيعي المستوى إلى طريقة معالجة المشروع النووي الإيراني».
وتظهر بعض الوثائق التي نشرت في تموز الماضي، نقاشات دارت بين أمانو والأميركيين حول بعض المسؤولين في الوكالة، بينهم عاملون في «إكسبو»، وخاصة هؤلاء الذين لم يكن دورهم داعماً بشكل دائم لمواقف الولايات المتحدة.
وقد تم نقل الأسماء التي طرحت في النقاش إلى وظائف أخرى بعيداً عن الإدارة الداخلية التي تحضر مسودات التقارير الفصلية، ومنها التقرير المثير للجدل حول إيران الذي صدر في تشرين الثاني الماضي.
وقد ركزت الانتقادات حول تصريحات الوكالة بالشأن الإيراني على المدير العام للوكالة. واعتبر رئيس «صندوق بلاوشيرز»، وهي منظمة ضد الانتشار النووي ومقرها واشنطن، جوزيف سيرينسيون، أن «المستفيد الوحيد من حكم أمانو هو الولايات المتحدة والقطاع النووي في اليابان»، معتبراً أن «الفرق بين البرادعي وأمانو في ما يتعلق بإيران، أن البرادعي كان يبحث دائماً عن الحلول الدبلوماسية، بينما حمل أمانو عصا وبدأ بضرب إيران بقوة وباستمرار».
من جهة ثانية، اعتبر سيرينسون أن مقاربة البرادعي المحافظة لم تنجح في إقناع إيران بتعليق تخصيب اليورانيوم تماشياً مع مطالب مجلس الأمن الدولي.
وأضاف سيرينسيون إن معلومات جديدة برزت خلال إدارة أمانو والتي تضمنها التقرير التفصيلي حول الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني الصادر في تشرين الثاني الماضي.
حتى كيلي وهو ناقد شرس لعمل الوكالة اعتبر أن «إيران تدّعي تخليها عن طموحات تطوير الأسلحة النووية، ولكنها في المقابل تتصرف كأن لديها شيئاً لتخفيه. لدي شكوكي، وأشتبه بأن يكون لدى الإيرانيين مشروع تسلح قائم... ويجب إيجاد مخرج إزاء هذا الشك». ويعتبر كيلي أنه في مثل هذا الوضع من التأرجح بين الحرب والسلم وحفاظاً على مصداقية الوكالة، يجب التأكد جيداً من أي معلومات تنشرها الوكالة.
وأشار كيلي إلى ما تضمنه التقرير عن احتمال استمرار إيران بالقيام باختبارات للأسلحة، ذلك أن التقرير اعتمد على وثيقة كان البرادعي قد رفض الاعتماد عليها سابقاً. وفي مذكراته «عصر الخداع» تحدث البرادعي عن وثائق قدمتها إسرائيل للوكالة في العام 2009، وقد شكك خبراء الوكالة بمدى صحتها.
واعتبر الخبير في المشروع النووي الإيراني في «معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا» جيم وولش أن الاستخبارات الأميركية أصبحت أكثر يقيناً خلال السنوات الأخيرة من أن إيران أوقفت العمل في مشروع التسلح في العام 2003.
وأضاف وولش إن أمانو سبق الولايات المتحدة في حكمه، مضيفاً «إذا كانت الوكالة ستقوم بدور المحايد ونحن بحاجة للاعب محايد... فيجب أن تكون محافظة أكثر في رأيها من الحكومة الوطنية (الأميركية)».
وفي وقت ليس هناك أي شك من أن إيران تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، في ظل وجود أدلة فعلية على أن إيران طورت مشروع تسلح نووي حتى العام 2003، فقد أدى الادّعاء بأن إيران تستمر في مشروعها هذا إلى تسريع الحصار النفطي الغربي على إيران الذي سيبدأ العمل به في أقل من أربعة أشهر، كما ساهمت في تصاعد تهديدات العمل العسكري ضدها.
ويعتبر كاتب خطابات البرادعي سابقاً والذي ساهم في كتاب «عصر الخداع» لبان كوبلنز أن قضايا كثيرة مرهونة بطريقة قراءة مدير الوكالة الذرية للدلائل، مضيفاً أن «البرادعي وأمانو بحثا في ذات الادّعاءات... والشيء الآخر المشترك بينهما هو أنه حتى الآن لم يجر التأكد من صحة الادّعاءات الأساسية. أما الذي تغير فهو إرادة نشر تلك الادّعاءات والتي لم يجر التأكد من صحتها كوسيلة للضغط على الإيرانيين للجلوس على الطاولة (الحوار)».
(عن «الغارديان»)
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة