تتجه تركيا إلى إعادة ترتيب أوضاع المعارضة السورية، ولا سيما «المجلس الوطني السوري»، واستباق أي تغييرات قد تطرأ على مواقف الجامعة العربية، بعد حلول العراق محل قطر في رئاسة اللجنة الوزارية العربية.

وقال مصدر عربي في باريس، أمس، إن دبلوماسيين عرباً على أعلى المستويات التقوا في الأيام الماضية وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، نقلوا تصميماً تركياً على إعادة ترتيب أوضاع «المجلس الوطني» الذي بدأ يعاني من انسحابات واستقالات، تعقد مهمة مؤتمر «أصدقاء سورية» في الأول من نيسان المقبل في اسطنبول، ودعوتهم إلى توحيد المعارضة ضد النظام السوري.

وقال المصدر العربي إن داود اوغلو قد ابلغ الدبلوماسيين العرب إن أعضاء وقيادات في «المجلس الوطني» قد دعوا إلى اجتماع تمهيدي يعقد في اسطنبول السبت المقبل، يتبعه اجتماع آخر، بدعوة من الحكومة التركية، في 26 آذار الحالي للغاية ذاتها.

وقال داود أوغلو للدبلوماسيين إن تركيا هي الطرف الأول الذي بادر إلى بناء «المجلس الوطني»، ولن تقبل بأي تغيير جذري فيه، وأنها لا تثق بالعناصر التي تغادر المجلس أو التي رفضت الانضمام إليه. وتنوي الدبلوماسية التركية الطلب إلى من غادروا المجلس إعلان موقف واضح أنهم، وعلى الرغم من انسحابهم منه، إلا أنهم يدعمونه من دون أدنى تحفظ، وأن شرعيته فوق أي شكوك، وأن يقبلوا به، سواء انتسبوا إليه أو عملوا من خارجه. وتعتبر الدبلوماسية التركية أنه لا وقت راهناً لإعادة تجميع المعارضة، كما تطالب الجامعة العربية في ظل مؤتمر جامع في القاهرة يحترم التناسب الحقيقي بين أطرافها والاختلاف في تياراتها، وبعد أن أقر بأن ذلك غير ديموقراطي، «لكنه لا توجد خيارات أخرى بسبب تسارع الأحداث في الداخل السوري وضرورة فرض تصوراتنا الأقرب للتطبيق».

ولوح الوزير التركي، بحسب المصدر العربي، بتهديد المعارضين المنسحبين والمستقيلين، بحجب الدعم اللوجستي الذي تقدمه أنقرة لهم، إذا لم يوافقوا على شروطها. وكان هيثم المالح، عضو المكتب التنفيذي، آخر المنسحبين من «المجلس الوطني» مع «مجموعة العمل من اجل تحرير سوريا»، ونشأ تكتل معارض جديد يضم التيار الوطني السوري برئاسة عماد الدين رشيد وتيار التغيير الوطني برئاسة عمار القربي والكتلة الوطنية التركمانية السورية برئاسة يوسف الملا وكتلة التحرير والبناء برئاسة نواف البشير، من دون أن يغادر بعض أعضائه «المجلس الوطني».

وقال معارض سوري بارز لـ«السفير» إن الضغط التركي على أطراف المعارضة قد يدفع بعض أجنحتها إلى مغادرة اسطنبول إلى القاهرة، خاصة ان جماعة الإخوان المسلمين في مصر توفر تسهيلات كبيرة، بل وتغطي عمليات مكشوفة لجمع المال من أجل السلاح في القاهرة.

وقال المصدر العربي إن الأتراك يتحركون لإنجاح مؤتمر «أصدقاء سوريا» في اسطنبول، ويجرون اتصالات واسعة، تهدف إلى تلافي تكرار الفشل الذي لقيه المؤتمر في تونس، ويكررون بأن المؤتمر في اسطنبول سيتخذ القرارات الضرورية التي عجز «أصدقاء سوريا» عن تبنيها في تونس، وليس مجرد خلاصات سياسية عامة كما حدث في المؤتمر السابق. وسيوصي المؤتمر باعتبار قراراته مرجعية سياسية جديدة لحل الأزمة السورية، ونقل الثقل الدبلوماسي إليه من الجامعة العربية، التي تنتقل رئاستها من قطر إلى العراق خلال أيام، واستباقاً لأي تغيير في توجهات الجامعة العربية في ظل رئاسة عراقية أقل صدامية من القطريين في مواجهة النظام السوري.

ويؤشر ذلك إلى رفض القطريين، خلف شدة قرارات اسطنبول المنتظرة، تهميش دورهم في الهجوم على النظام السوري، أو إبعادهم عن صياغة الاستراتيجية الملائمة لإسقاط النظام السوري، بعد عام من قيادة العملية الدبلوماسية العربية ضد النظام. وسيعمل المؤتمر على تبني مقررات الجامعة العربية في 22 كانون الثاني الماضي، وخطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان ونقاطها الست. ومن المنتظر أن تعمد الدبلوماسية التركية إلى طلب حسم الاعتراف الناجز بتمثيل «المجلس الوطني» للشعب السوري وحده، تحت ذريعة أن الانقسامات جاءت من تردد الجماعة الدولية بالاعتراف بالمجلس الممثل الوحيد، وعدم الاكتفاء بإعلان تونس الذي يعترف بالمجلس ممثلاً شرعياً للمعارضة التي تعمل على إسقاط النظام السوري.

وقال المصدر العربي إن المجموعة الرائدة ستبدأ اجتماعاتها في 31 الحالي لإقرار «خريطة الطريق» العامة للمؤتمر ومقرراته. ورجح أن تجري تغييرات في عضوية الكتلة العربية المؤلفة من الأردن وقطر والسعودية وتونس والمغرب ودولة الإمارات. وتضم المجموعة، بالإضافة إلى العرب، تركيا وفرنسـا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.

وكشف المصدر أن الأمارات تبدي تردداً في البقاء ضمن المجموعة، بعد الانتقادات التي وجهت لها من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي جراء قرار إبعادها بعض المعارضين السوريين. ويرشح أن ليبيا ستحل محلها. وقال إن مساعيَ تركية وعربية تجري مع الأردن لتسهيل إنشاء المعسكرات على أراضيه، وإدخال الأسلحة عبر الجنوب السوري. ويطالب الأردن، بحسب المصدر العربي، بشروط مالية عالية، للاستجابة للمطالب، فيما يواصل حتى الآن احتجاز أكثر من 120 عسكرياً سورياً في احد المخيمات، وينفي تقديم أي تسهيلات للمعارضة السورية المسلحة فوق أراضيه.

ويواجه اجتماع اسطنبول منافسة نسبية من موسكو. فحسب وكالة «انترفاكس» الروسية، وجهت وزارة الخارجية الروسية دعوات موازية للمؤتمر في اسطنبول إلى هيئة التنسيق الوطنية للتوجه إلى موسـكو. وستقاطع روسيا المؤتمر في اسطنبول كما قاطعت مؤتمر تونس.

ووجه الأتراك دعوة إلى الجناح الآخر من المعارضة السورية من مجموعة هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديموقراطي التي يرأسها حسن عبد العظيم في الداخل وهيثم مناع في الخارج. وقال مصدر سوري معارض إن الأتراك ابدوا استعداداً لتطوير التعاون مع هيئة التنسيق شرط أن تقوم الهيئة بإعادة النظر بعضوية الحزب الديموقراطي الكردستاني (المتهم بتمثيل حزب العمال الكردستاني في سوريا). ويشترط الأتراك على الهيئة أيضا مراجعة مواقفها النقدية من التحالف مع الإسلاميين والمجلس الوطني، ويأخذون عليها تركيزها على الدفاع عن الأقليات القومية والدينية في سورية.

  • فريق ماسة
  • 2012-03-21
  • 9476
  • من الأرشيف

تركيا تحاول استباق انتقال رئاسة اللجنة العربية من قطر إلى العراق نحو جعل مقررات اسطنبول مرجعية وإضفاء «شرعية» على «المجلس الوطني»

تتجه تركيا إلى إعادة ترتيب أوضاع المعارضة السورية، ولا سيما «المجلس الوطني السوري»، واستباق أي تغييرات قد تطرأ على مواقف الجامعة العربية، بعد حلول العراق محل قطر في رئاسة اللجنة الوزارية العربية. وقال مصدر عربي في باريس، أمس، إن دبلوماسيين عرباً على أعلى المستويات التقوا في الأيام الماضية وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، نقلوا تصميماً تركياً على إعادة ترتيب أوضاع «المجلس الوطني» الذي بدأ يعاني من انسحابات واستقالات، تعقد مهمة مؤتمر «أصدقاء سورية» في الأول من نيسان المقبل في اسطنبول، ودعوتهم إلى توحيد المعارضة ضد النظام السوري. وقال المصدر العربي إن داود اوغلو قد ابلغ الدبلوماسيين العرب إن أعضاء وقيادات في «المجلس الوطني» قد دعوا إلى اجتماع تمهيدي يعقد في اسطنبول السبت المقبل، يتبعه اجتماع آخر، بدعوة من الحكومة التركية، في 26 آذار الحالي للغاية ذاتها. وقال داود أوغلو للدبلوماسيين إن تركيا هي الطرف الأول الذي بادر إلى بناء «المجلس الوطني»، ولن تقبل بأي تغيير جذري فيه، وأنها لا تثق بالعناصر التي تغادر المجلس أو التي رفضت الانضمام إليه. وتنوي الدبلوماسية التركية الطلب إلى من غادروا المجلس إعلان موقف واضح أنهم، وعلى الرغم من انسحابهم منه، إلا أنهم يدعمونه من دون أدنى تحفظ، وأن شرعيته فوق أي شكوك، وأن يقبلوا به، سواء انتسبوا إليه أو عملوا من خارجه. وتعتبر الدبلوماسية التركية أنه لا وقت راهناً لإعادة تجميع المعارضة، كما تطالب الجامعة العربية في ظل مؤتمر جامع في القاهرة يحترم التناسب الحقيقي بين أطرافها والاختلاف في تياراتها، وبعد أن أقر بأن ذلك غير ديموقراطي، «لكنه لا توجد خيارات أخرى بسبب تسارع الأحداث في الداخل السوري وضرورة فرض تصوراتنا الأقرب للتطبيق». ولوح الوزير التركي، بحسب المصدر العربي، بتهديد المعارضين المنسحبين والمستقيلين، بحجب الدعم اللوجستي الذي تقدمه أنقرة لهم، إذا لم يوافقوا على شروطها. وكان هيثم المالح، عضو المكتب التنفيذي، آخر المنسحبين من «المجلس الوطني» مع «مجموعة العمل من اجل تحرير سوريا»، ونشأ تكتل معارض جديد يضم التيار الوطني السوري برئاسة عماد الدين رشيد وتيار التغيير الوطني برئاسة عمار القربي والكتلة الوطنية التركمانية السورية برئاسة يوسف الملا وكتلة التحرير والبناء برئاسة نواف البشير، من دون أن يغادر بعض أعضائه «المجلس الوطني». وقال معارض سوري بارز لـ«السفير» إن الضغط التركي على أطراف المعارضة قد يدفع بعض أجنحتها إلى مغادرة اسطنبول إلى القاهرة، خاصة ان جماعة الإخوان المسلمين في مصر توفر تسهيلات كبيرة، بل وتغطي عمليات مكشوفة لجمع المال من أجل السلاح في القاهرة. وقال المصدر العربي إن الأتراك يتحركون لإنجاح مؤتمر «أصدقاء سوريا» في اسطنبول، ويجرون اتصالات واسعة، تهدف إلى تلافي تكرار الفشل الذي لقيه المؤتمر في تونس، ويكررون بأن المؤتمر في اسطنبول سيتخذ القرارات الضرورية التي عجز «أصدقاء سوريا» عن تبنيها في تونس، وليس مجرد خلاصات سياسية عامة كما حدث في المؤتمر السابق. وسيوصي المؤتمر باعتبار قراراته مرجعية سياسية جديدة لحل الأزمة السورية، ونقل الثقل الدبلوماسي إليه من الجامعة العربية، التي تنتقل رئاستها من قطر إلى العراق خلال أيام، واستباقاً لأي تغيير في توجهات الجامعة العربية في ظل رئاسة عراقية أقل صدامية من القطريين في مواجهة النظام السوري. ويؤشر ذلك إلى رفض القطريين، خلف شدة قرارات اسطنبول المنتظرة، تهميش دورهم في الهجوم على النظام السوري، أو إبعادهم عن صياغة الاستراتيجية الملائمة لإسقاط النظام السوري، بعد عام من قيادة العملية الدبلوماسية العربية ضد النظام. وسيعمل المؤتمر على تبني مقررات الجامعة العربية في 22 كانون الثاني الماضي، وخطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان ونقاطها الست. ومن المنتظر أن تعمد الدبلوماسية التركية إلى طلب حسم الاعتراف الناجز بتمثيل «المجلس الوطني» للشعب السوري وحده، تحت ذريعة أن الانقسامات جاءت من تردد الجماعة الدولية بالاعتراف بالمجلس الممثل الوحيد، وعدم الاكتفاء بإعلان تونس الذي يعترف بالمجلس ممثلاً شرعياً للمعارضة التي تعمل على إسقاط النظام السوري. وقال المصدر العربي إن المجموعة الرائدة ستبدأ اجتماعاتها في 31 الحالي لإقرار «خريطة الطريق» العامة للمؤتمر ومقرراته. ورجح أن تجري تغييرات في عضوية الكتلة العربية المؤلفة من الأردن وقطر والسعودية وتونس والمغرب ودولة الإمارات. وتضم المجموعة، بالإضافة إلى العرب، تركيا وفرنسـا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. وكشف المصدر أن الأمارات تبدي تردداً في البقاء ضمن المجموعة، بعد الانتقادات التي وجهت لها من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي جراء قرار إبعادها بعض المعارضين السوريين. ويرشح أن ليبيا ستحل محلها. وقال إن مساعيَ تركية وعربية تجري مع الأردن لتسهيل إنشاء المعسكرات على أراضيه، وإدخال الأسلحة عبر الجنوب السوري. ويطالب الأردن، بحسب المصدر العربي، بشروط مالية عالية، للاستجابة للمطالب، فيما يواصل حتى الآن احتجاز أكثر من 120 عسكرياً سورياً في احد المخيمات، وينفي تقديم أي تسهيلات للمعارضة السورية المسلحة فوق أراضيه. ويواجه اجتماع اسطنبول منافسة نسبية من موسكو. فحسب وكالة «انترفاكس» الروسية، وجهت وزارة الخارجية الروسية دعوات موازية للمؤتمر في اسطنبول إلى هيئة التنسيق الوطنية للتوجه إلى موسـكو. وستقاطع روسيا المؤتمر في اسطنبول كما قاطعت مؤتمر تونس. ووجه الأتراك دعوة إلى الجناح الآخر من المعارضة السورية من مجموعة هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديموقراطي التي يرأسها حسن عبد العظيم في الداخل وهيثم مناع في الخارج. وقال مصدر سوري معارض إن الأتراك ابدوا استعداداً لتطوير التعاون مع هيئة التنسيق شرط أن تقوم الهيئة بإعادة النظر بعضوية الحزب الديموقراطي الكردستاني (المتهم بتمثيل حزب العمال الكردستاني في سوريا). ويشترط الأتراك على الهيئة أيضا مراجعة مواقفها النقدية من التحالف مع الإسلاميين والمجلس الوطني، ويأخذون عليها تركيزها على الدفاع عن الأقليات القومية والدينية في سورية.

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة