خلال مقابلته في برنامج كلام الناس أول من أمس، بدا أن الشيخ أحمد الأسير بات أكثر تفهماً من رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع لمواقف البطريرك بشارة الراعي في ما يخص الأزمة السورية. في الأزمة القائمة بين بكركي ومعراب هناك ما هو أكثر من الخلاف السياسي. يحوم هنا طيف المونسنيور ألبير خريش

المحطات في مسيرة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع لفرض معادلة «الأمر (المسيحيّ) لي» كثيرة. من «عملية إهدن» التي أفرغت الشمال من زعامة تناوئه، مروراً بتصارع «الرفاق» في الانتفاضات داخل القوات ليمسك هو بأمرها، وصولاً إلى تهجير أمين الجميّل واغتيال داني شمعون ومحاولة اغتيال ميشال المر (يتهم بعض اللبنانيين جعجع بهذه العمليات) لتخلو له «المنطقة الشرقية». المحطات كثيرة، لكن أكثرها تماثلاً مع مرحلة التجاذب الحاصل اليوم بين جعجع والبطريركية المارونية هو اغتيال المونسنيور ألبير خريش عام 1988. بعد أسابيع على تسلم البطريرك نصر الله صفير مقاليد البطريركية بدعم فاتيكاني كبير يوازي الدعم الفاتيكاني اليوم للبطريرك بشارة الراعي، وفي ظل استياء جعجعي في تلك المرحلة يوازي الاستياء الجعجعي الحالي من وصول الراعي لتفضيل القوات عدة مرشحين آخرين، بلغت بكركي رسالة: جثة المونسنيور خريش. كان الأخير يختلف سياسياً مع القوات لاقتناعه برفض الفاتيكان تفاهم المسيحيين واسرائيل في تلك المرحلة واشمئزاز الكرسي الرسولي من جرائم القوات. والأخطر في «ظاهرة خريش» أنه وازن في اختلافه مع القوات بين القول والعمل، فرفض التسليم لجعجع بمبدأ «الأمر لي» وواظب على الذهاب إلى معقل القوات في كلية الحقوق في جل الديب لتدريس مادة الحريات العامة، منتقداً تعامل القوات مع اسرائيل وممارسات المجلس الحربيّ. وأسس «العمل الجامعي الرعويّ» لجمع الشباب المسيحيّ وإبعاده عن السلاح والمخدرات، مطالباً القوات دائماً بإعادة «أملاك الكنيسة» للكنيسة. وإلى جانب حضوره السياسي والمدني، حاول أمين سر البطريركية السابق تثبيت حضوره داخل البطريركية نفسها من خلال عمله مرشداً روحياً لإكليركية غزير وقاضياً في المحكمة المارونية. وسط كل ذلك ــــ بعض أقربائه يقولون بسبب كل ذلك ــــ قتل خريش. قتل في أحد مربعات القوات الأمنية، تحت أنظار سيدة حريصا وبكركي والرهبان.

 

الراعي يضرب مبرر وجود القوات

 

يحضر طيف خريش اليوم، لأن الجانب السياسي المعلن من الأزمة بين جعجع والراعي، يشبه الجانب السياسي المعلن من الأزمة بين جعجع وخريش. والأزمتان مجرد محطتين في التعارض التاريخي بين الكرسي الرسولي الذي يدعو دائماً المسيحيين إلى تحكيم عقلهم ومصلحتهم العليا لا عاطفتهم وغريزتهم في مقاربة الأحداث التي تواجه منطقتهم، ويقدم للراعي تقارير تؤكد أن النظام السوري لن يسقط، والقوات التي تنزع دائماً إلى المغامرة معرضة مجتمعها لمخاطر جمّة تحت عناوين براقة مثل الحرية وغيرها. أما الجوانب المخفية من الأزمة بين الرجلين فترتبط بأساسيتين تمثلان سر وجود القوات اللبنانية:

الأولى توحيد صفوف المسيحيين تحت راية واحدة وحمايتهم. هنا ضرب الراعي، مردداً في الممارسة أن «الأمر (المسيحيّ) لي»، عبر تكريسه بكركي مظلة تحتضن جميع القوى المسيحية: في بكركي لا في معراب يجتمع سياسيو الموارنة ونوابهم. في بكركي لا في معراب، تناقش قوانين الانتخاب وتصدر التوصيات. والأخطر أن بكركي لا القوات تقدم خريطة طريق لـ«حماية المسيحيين».

والثانية تقديم القوات نفسها كمؤسسة منظمة أثبتت في تجربتها السابقة «ريادتها في تدبير شؤون المسيحيين»، سواء في الإعلام أو التعاونيات والتأمين والتضامن الاجتماعي. هنا أيضاً يضرب الراعي، عبر مأسسة البطريركية وتحويلها إلى ما يشبه فاتيكان صغيراً. وقد أنشأ خلال عام واحد من تسنّمه مقاليد البطريركية 15 دائرة من بينها: شؤون الرهبان، شؤون الزواج والعائلة، المدارس، الصحة، التنظيم والتخطيط، العلاقة مع مؤسسات الدولة ومع السفارات الأجنبية. وأعطى لكل دائرة مكتباً في بكركي ومخصصات يفترض أن تمكنه قريباً من تلبية احتياج كل من يطرق باب البطريركية طالباً مساعدة.

 

إبعاد آذان جعجع وألسنته وأياديه

 

يوجع البطريرك القوات في النقطتين السابقتين أكثر بكثير مما يوجعها في النقطة السياسية. هذا أقله ما توحي به أحاديث بعض الرهبان وبعض المسؤولين المناطقيين في القوات. فالقوات تصرفت دائماً عند اختلافها مع العماد ميشال عون أو غيره بوصفها صاحبة الشرعية الحصرية للكلام «باسم المسيحيين وحماية ثوابتهم». ولطالما قدمت نفسها المؤسسة المسيحية الأكثر تنظيماً التي يمكن لكل من يريد شيئاً من الدولة أن يطرق بابها. لكن الأزمة لا تنتهي هنا. إذ يشرح أحد الآباء أن التغييرات التي أجراها الراعي على «تركيبة البطريركية» أفرغت الأخيرة من آذان جعجع وألسنته وأياديه. وبين المطارنة الخمسة الجدد الذين باركهم الراعي، اثنان مقربان من التيار الوطني الحر بقدر قرب أحد المطارنة من تيار المردة وقرب آخر من القوات، بينما المطران الخامس، الياس سليمان، سوريّ الجنسية. ويروي أحد رهبان الكسليك أن محاولات جعجع التي بدأت لاستقطاب بعض آباء البطريركية والرهبان لتأسيس «خلية لاهوتية» قريبة سياسياً منه، على غرار ما فعله عون إثر تفاقم خلافه مع صفير، أمر صعب جداً. ويبرر الراهب صعوبة ذلك بثلاث عقبات أساسية: أولاها، انحياز الفاتيكان المطلق للراعي. ثانيتها، التحام الرهبانيات بالبطريركية اليوم بعدما كان التوتر يسود بعض علاقتها بصفير، مما سمح لعون باللعب على بعض التناقضات. وثالثتها أن صفير كان في آخر أيامه البطريركية، أما الراعي فما زال في بداية مسيرة طويلة. ولا شك، يتابع الراهب، في أن تكرار القوات احتفالها بذكرى شهدائها الأحد المقبل سيبقي غالبية المساحة المخصصة لرجال الدين المسيحيين فارغة لأن قلة فقط ستغامر بالانحياز لفريق يعادي البطريرك، مع ما يستتبع ذلك من حصار داخل البطريركية والرهبانيات. ويؤكد الراهب المطلع على أجواء لقاءات جعجع بالمسؤولين في الرهبانيات المسيحية أن الرهبان لم يظهروا أي حماسة لمواقف جعجع، ولم تبد أية رهبانية استعداداً لاستيعاب التمرد الجعجعي على البطريرك. ولم ترد في تلك اللقاءات أية دقائق حميمية تتيح لتلفزيون القوات الالكتروني عرض ما سبق لتلفزيون الأو تي في أن عرضه إثر شرب عون والرهبان نخب قيامة لبنان، مرتلين بصوت عال.

 

شائعات الأمس واليوم

 

لا يكتفي الراعي بكل ما سبق، تذهب سيدة الجبل إلى حد لمّ شمل من شيبتهم السياسة، فيصبح الصرح البطريركي لا معراب مقصد من يختلف مع عون. ويخرج اسم تلو آخر، يوماً بعد يوم، من بعض غرف بكركي لمن يوصفون بالمرشحين المحتملين للانتخابات النيابية، حتى ليبدو أن ابن حملايا المتن الشمالي الذي يقود بطريركية تمثل ناخباً أساسياً في كسروان، وله رعية وازنة انتخابياً، لا سمير جعجع أو الرئيس ميشال سليمان من يمكنه القول لعون عشية انتخابات 2013 خذ فلاناً وفلاناً معك في المتن ونعمة افرام وزياد بارود في كسروان وفلاناً في جبيل، وإلا...

وفي وقت يزداد فيه انبهار القائد الميليشياوي السابق بإمكان أن يكون هو عبد الناصر القرن الواحد والعشرين، موهماً نفسه بنفسه أن الثورة السورية ستطلق قريباً على تظاهرات يوم الجمعة تسمية «جمعة الإعجاب بسمير جعجع»، وستبادر إحدى الجماعات المسلحة في سوريا ككتيبة يزيد بن معاوية إلى تغيير اسمها ليصبح كتيبة السيدة ستريدا جعجع، يطلق الراعي حوارات جدية مع الفاعلين في الساحة اللبنانية، مؤسساً معهم لتفاهم يضمن لمجموعته الدينية ولهم استقراراً طويل المدى. ويمكن الحديث في هذا السياق عن أجواء تشاع في الصرح البطريركي وبين آباء الكنيسة المارونية عن حزب الله تشبه كثيراً الأجواء في التيار الوطني الحر بعد تفاهم 6 شباط وأحاديث المسؤولين العونيين في تلك المرحلة.

لا بدّ من العودة مجدداً إلى قصة المونسنيور خريش. بعد مقتله، لم يلبث بعض أنصار القوات أن سربوا شائعة حلت محل التحقيق، تتحدث عن دوافع أخلاقية للجريمة. وتشبه تلك الشائعة الشتائم التي يوجهها بعض مناصري القوات للراعي (منهم من ينشرها علناً على صفحات فايسبوك). المهم أن ورشة الإصلاح في بكركي هدأت بعد مقتل المونسنيور، وارتدى البطريرك نصرالله صفير «فولار» القوات، متناسياً البرنامج الإصلاحي الفاتيكاني المعارض لفكر القوات الذي انتخب بطريركاً على أساس تنفيذه. هذا ما لن يحصل مع الراعي، يؤكد ذلك كل من يعرف الرجل جيداً ولا سيما أولئك الذين يكثرون الزيارات للفاتيكان.

 

76% يؤيدون انفتاح الراعي على حزب الله

 

في استطلاع للرأي أعدّه مركز بيروت للأبحاث والمعلومات (عبدو سعد) لمعرفة موازين القوى الانتخابية في المتن الشمالي بين الناخبين المسيحيين، سأل المركز العينة التي تألفت من 625 مستطلعاً عن رأيهم بانفتاح البطريرك الماروني بشارة الراعي على حزب الله، فأيد 76.20% منهم الانفتاح وعارضه 18.90%، بينما رفض 4.90% من المستطلعين الإجابة. ورداً على سؤال ثان بشأن التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، أيد 55.4% فقط التفاهم، وعارضه 38.7% منهم ورفض 5.9% من المستطلعين الإجابة. الأمر الذي يشير إلى وجود مؤيدين لتفاهم بكركي وحزب الله ممن يعارضون تفاهم التيار والحزب. ورداً على سؤال آخر عن الدولة التي يعدّها المستطلعون صديقة للبنان بين فرنسا، سوريا، إيران، السعودية، الولايات المتحدة أو لا أحد، سمى23, % من المستطلعين فرنسا، و19.2% من المستطلعين سوريا. وسمى 8% إيران، 5.5% السعودية، 4% الولايات المتحدة، و39.8% لم يروا بين الدول المقترحة صديقاً للبنان.

  • فريق ماسة
  • 2012-03-16
  • 10379
  • من الأرشيف

صراع جعجع ـ الراعي: على الموارنة لا على سورية

خلال مقابلته في برنامج كلام الناس أول من أمس، بدا أن الشيخ أحمد الأسير بات أكثر تفهماً من رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع لمواقف البطريرك بشارة الراعي في ما يخص الأزمة السورية. في الأزمة القائمة بين بكركي ومعراب هناك ما هو أكثر من الخلاف السياسي. يحوم هنا طيف المونسنيور ألبير خريش المحطات في مسيرة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع لفرض معادلة «الأمر (المسيحيّ) لي» كثيرة. من «عملية إهدن» التي أفرغت الشمال من زعامة تناوئه، مروراً بتصارع «الرفاق» في الانتفاضات داخل القوات ليمسك هو بأمرها، وصولاً إلى تهجير أمين الجميّل واغتيال داني شمعون ومحاولة اغتيال ميشال المر (يتهم بعض اللبنانيين جعجع بهذه العمليات) لتخلو له «المنطقة الشرقية». المحطات كثيرة، لكن أكثرها تماثلاً مع مرحلة التجاذب الحاصل اليوم بين جعجع والبطريركية المارونية هو اغتيال المونسنيور ألبير خريش عام 1988. بعد أسابيع على تسلم البطريرك نصر الله صفير مقاليد البطريركية بدعم فاتيكاني كبير يوازي الدعم الفاتيكاني اليوم للبطريرك بشارة الراعي، وفي ظل استياء جعجعي في تلك المرحلة يوازي الاستياء الجعجعي الحالي من وصول الراعي لتفضيل القوات عدة مرشحين آخرين، بلغت بكركي رسالة: جثة المونسنيور خريش. كان الأخير يختلف سياسياً مع القوات لاقتناعه برفض الفاتيكان تفاهم المسيحيين واسرائيل في تلك المرحلة واشمئزاز الكرسي الرسولي من جرائم القوات. والأخطر في «ظاهرة خريش» أنه وازن في اختلافه مع القوات بين القول والعمل، فرفض التسليم لجعجع بمبدأ «الأمر لي» وواظب على الذهاب إلى معقل القوات في كلية الحقوق في جل الديب لتدريس مادة الحريات العامة، منتقداً تعامل القوات مع اسرائيل وممارسات المجلس الحربيّ. وأسس «العمل الجامعي الرعويّ» لجمع الشباب المسيحيّ وإبعاده عن السلاح والمخدرات، مطالباً القوات دائماً بإعادة «أملاك الكنيسة» للكنيسة. وإلى جانب حضوره السياسي والمدني، حاول أمين سر البطريركية السابق تثبيت حضوره داخل البطريركية نفسها من خلال عمله مرشداً روحياً لإكليركية غزير وقاضياً في المحكمة المارونية. وسط كل ذلك ــــ بعض أقربائه يقولون بسبب كل ذلك ــــ قتل خريش. قتل في أحد مربعات القوات الأمنية، تحت أنظار سيدة حريصا وبكركي والرهبان.   الراعي يضرب مبرر وجود القوات   يحضر طيف خريش اليوم، لأن الجانب السياسي المعلن من الأزمة بين جعجع والراعي، يشبه الجانب السياسي المعلن من الأزمة بين جعجع وخريش. والأزمتان مجرد محطتين في التعارض التاريخي بين الكرسي الرسولي الذي يدعو دائماً المسيحيين إلى تحكيم عقلهم ومصلحتهم العليا لا عاطفتهم وغريزتهم في مقاربة الأحداث التي تواجه منطقتهم، ويقدم للراعي تقارير تؤكد أن النظام السوري لن يسقط، والقوات التي تنزع دائماً إلى المغامرة معرضة مجتمعها لمخاطر جمّة تحت عناوين براقة مثل الحرية وغيرها. أما الجوانب المخفية من الأزمة بين الرجلين فترتبط بأساسيتين تمثلان سر وجود القوات اللبنانية: الأولى توحيد صفوف المسيحيين تحت راية واحدة وحمايتهم. هنا ضرب الراعي، مردداً في الممارسة أن «الأمر (المسيحيّ) لي»، عبر تكريسه بكركي مظلة تحتضن جميع القوى المسيحية: في بكركي لا في معراب يجتمع سياسيو الموارنة ونوابهم. في بكركي لا في معراب، تناقش قوانين الانتخاب وتصدر التوصيات. والأخطر أن بكركي لا القوات تقدم خريطة طريق لـ«حماية المسيحيين». والثانية تقديم القوات نفسها كمؤسسة منظمة أثبتت في تجربتها السابقة «ريادتها في تدبير شؤون المسيحيين»، سواء في الإعلام أو التعاونيات والتأمين والتضامن الاجتماعي. هنا أيضاً يضرب الراعي، عبر مأسسة البطريركية وتحويلها إلى ما يشبه فاتيكان صغيراً. وقد أنشأ خلال عام واحد من تسنّمه مقاليد البطريركية 15 دائرة من بينها: شؤون الرهبان، شؤون الزواج والعائلة، المدارس، الصحة، التنظيم والتخطيط، العلاقة مع مؤسسات الدولة ومع السفارات الأجنبية. وأعطى لكل دائرة مكتباً في بكركي ومخصصات يفترض أن تمكنه قريباً من تلبية احتياج كل من يطرق باب البطريركية طالباً مساعدة.   إبعاد آذان جعجع وألسنته وأياديه   يوجع البطريرك القوات في النقطتين السابقتين أكثر بكثير مما يوجعها في النقطة السياسية. هذا أقله ما توحي به أحاديث بعض الرهبان وبعض المسؤولين المناطقيين في القوات. فالقوات تصرفت دائماً عند اختلافها مع العماد ميشال عون أو غيره بوصفها صاحبة الشرعية الحصرية للكلام «باسم المسيحيين وحماية ثوابتهم». ولطالما قدمت نفسها المؤسسة المسيحية الأكثر تنظيماً التي يمكن لكل من يريد شيئاً من الدولة أن يطرق بابها. لكن الأزمة لا تنتهي هنا. إذ يشرح أحد الآباء أن التغييرات التي أجراها الراعي على «تركيبة البطريركية» أفرغت الأخيرة من آذان جعجع وألسنته وأياديه. وبين المطارنة الخمسة الجدد الذين باركهم الراعي، اثنان مقربان من التيار الوطني الحر بقدر قرب أحد المطارنة من تيار المردة وقرب آخر من القوات، بينما المطران الخامس، الياس سليمان، سوريّ الجنسية. ويروي أحد رهبان الكسليك أن محاولات جعجع التي بدأت لاستقطاب بعض آباء البطريركية والرهبان لتأسيس «خلية لاهوتية» قريبة سياسياً منه، على غرار ما فعله عون إثر تفاقم خلافه مع صفير، أمر صعب جداً. ويبرر الراهب صعوبة ذلك بثلاث عقبات أساسية: أولاها، انحياز الفاتيكان المطلق للراعي. ثانيتها، التحام الرهبانيات بالبطريركية اليوم بعدما كان التوتر يسود بعض علاقتها بصفير، مما سمح لعون باللعب على بعض التناقضات. وثالثتها أن صفير كان في آخر أيامه البطريركية، أما الراعي فما زال في بداية مسيرة طويلة. ولا شك، يتابع الراهب، في أن تكرار القوات احتفالها بذكرى شهدائها الأحد المقبل سيبقي غالبية المساحة المخصصة لرجال الدين المسيحيين فارغة لأن قلة فقط ستغامر بالانحياز لفريق يعادي البطريرك، مع ما يستتبع ذلك من حصار داخل البطريركية والرهبانيات. ويؤكد الراهب المطلع على أجواء لقاءات جعجع بالمسؤولين في الرهبانيات المسيحية أن الرهبان لم يظهروا أي حماسة لمواقف جعجع، ولم تبد أية رهبانية استعداداً لاستيعاب التمرد الجعجعي على البطريرك. ولم ترد في تلك اللقاءات أية دقائق حميمية تتيح لتلفزيون القوات الالكتروني عرض ما سبق لتلفزيون الأو تي في أن عرضه إثر شرب عون والرهبان نخب قيامة لبنان، مرتلين بصوت عال.   شائعات الأمس واليوم   لا يكتفي الراعي بكل ما سبق، تذهب سيدة الجبل إلى حد لمّ شمل من شيبتهم السياسة، فيصبح الصرح البطريركي لا معراب مقصد من يختلف مع عون. ويخرج اسم تلو آخر، يوماً بعد يوم، من بعض غرف بكركي لمن يوصفون بالمرشحين المحتملين للانتخابات النيابية، حتى ليبدو أن ابن حملايا المتن الشمالي الذي يقود بطريركية تمثل ناخباً أساسياً في كسروان، وله رعية وازنة انتخابياً، لا سمير جعجع أو الرئيس ميشال سليمان من يمكنه القول لعون عشية انتخابات 2013 خذ فلاناً وفلاناً معك في المتن ونعمة افرام وزياد بارود في كسروان وفلاناً في جبيل، وإلا... وفي وقت يزداد فيه انبهار القائد الميليشياوي السابق بإمكان أن يكون هو عبد الناصر القرن الواحد والعشرين، موهماً نفسه بنفسه أن الثورة السورية ستطلق قريباً على تظاهرات يوم الجمعة تسمية «جمعة الإعجاب بسمير جعجع»، وستبادر إحدى الجماعات المسلحة في سوريا ككتيبة يزيد بن معاوية إلى تغيير اسمها ليصبح كتيبة السيدة ستريدا جعجع، يطلق الراعي حوارات جدية مع الفاعلين في الساحة اللبنانية، مؤسساً معهم لتفاهم يضمن لمجموعته الدينية ولهم استقراراً طويل المدى. ويمكن الحديث في هذا السياق عن أجواء تشاع في الصرح البطريركي وبين آباء الكنيسة المارونية عن حزب الله تشبه كثيراً الأجواء في التيار الوطني الحر بعد تفاهم 6 شباط وأحاديث المسؤولين العونيين في تلك المرحلة. لا بدّ من العودة مجدداً إلى قصة المونسنيور خريش. بعد مقتله، لم يلبث بعض أنصار القوات أن سربوا شائعة حلت محل التحقيق، تتحدث عن دوافع أخلاقية للجريمة. وتشبه تلك الشائعة الشتائم التي يوجهها بعض مناصري القوات للراعي (منهم من ينشرها علناً على صفحات فايسبوك). المهم أن ورشة الإصلاح في بكركي هدأت بعد مقتل المونسنيور، وارتدى البطريرك نصرالله صفير «فولار» القوات، متناسياً البرنامج الإصلاحي الفاتيكاني المعارض لفكر القوات الذي انتخب بطريركاً على أساس تنفيذه. هذا ما لن يحصل مع الراعي، يؤكد ذلك كل من يعرف الرجل جيداً ولا سيما أولئك الذين يكثرون الزيارات للفاتيكان.   76% يؤيدون انفتاح الراعي على حزب الله   في استطلاع للرأي أعدّه مركز بيروت للأبحاث والمعلومات (عبدو سعد) لمعرفة موازين القوى الانتخابية في المتن الشمالي بين الناخبين المسيحيين، سأل المركز العينة التي تألفت من 625 مستطلعاً عن رأيهم بانفتاح البطريرك الماروني بشارة الراعي على حزب الله، فأيد 76.20% منهم الانفتاح وعارضه 18.90%، بينما رفض 4.90% من المستطلعين الإجابة. ورداً على سؤال ثان بشأن التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، أيد 55.4% فقط التفاهم، وعارضه 38.7% منهم ورفض 5.9% من المستطلعين الإجابة. الأمر الذي يشير إلى وجود مؤيدين لتفاهم بكركي وحزب الله ممن يعارضون تفاهم التيار والحزب. ورداً على سؤال آخر عن الدولة التي يعدّها المستطلعون صديقة للبنان بين فرنسا، سوريا، إيران، السعودية، الولايات المتحدة أو لا أحد، سمى23, % من المستطلعين فرنسا، و19.2% من المستطلعين سوريا. وسمى 8% إيران، 5.5% السعودية، 4% الولايات المتحدة، و39.8% لم يروا بين الدول المقترحة صديقاً للبنان.

المصدر : الاخبار /غسان سعود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة