دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مفارقة النظام في تركيا على امتداد عهوده أن كل تياراته السياسية تتواطأ على عدم حماية العلويين. التيار العلماني المتشدد، الذي مثّله تاريخيا حزب الشعب الجمهوري، والمؤسسة العسكرية لم تنظر إلى العلويين سوى أنهم خزّان انتخابي. يضطر العلويون إلى منح أصواتهم إلى أحزاب غير دينية فقط لأنهم لا يريدون تكرار تجربة السلطان العثماني سليم الأول وخلفه سليمان القانوني اللذين أعملا في العلويين ذبحا واضطهادا في القرن السادس عشر.
وحده الخوف العلوي من حكم ديني سنّي هو الذي يحدد مواقفهم. لذا وقفوا إلى جانب أتاتورك مع تأسيس الجمهورية لأنهم رأوا أن النظام العلماني سيمنع العودة إلى سنوات الاضطهاد. لكن هذا لم يكن كافيا لكي يحظى علويو تركيا بموقعهم كمواطنين لهم حقوقهم في ممارسة هويتهم الدينية، لمن يريد بالطبع. وعلى هذا عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين السنة والعلويين يتحوّل العلمانيون إلى سنّة، وعندما يتطلب الأمر اضطهاد العلمانيين للتيار الإسلامي السنّي يتحول العلمانيون إلى علويين.
حزب العدالة والتنمية حزب علماني في القانون لكنه أيضا إسلامي المعتقد والممارسة. ومع ذلك نظر إليه على انه الأمل بفتح صفحة جديدة مع مشكلات الأقليات في تركيا مع الأكراد ومع المسيحيين ومع العلويين. وتعاظم هذا التفاؤل مع تقدمه في الإصلاحات وفقا للشروط الأوروبية عامي 2003 و 2004 ما فتح الباب أمام بدء المفاوضات المباشرة للعضوية بعدها بسنة. لكن الأمور انتهت هنا.
دائما تنتهي الأمور في تركيا عندما تصل إلى واحد من اثنين: الاعتراف بالهوية الكردية والاعتراف بالهوية العلوية. حاول حزب العدالة والتنمية أن يحدث اختراقا في المسألتين عبر ما سمي بالانفتاح الكردي والانفتاح العلوي، لكن تبين أنهما كانا مجرد مناورة لكسب الوقت. وما لبثت الأمور أن عادت إلى نقطة الصفر. حملات اعتقال واسعة على كل من يؤيد حزب العمال الكردستاني أو يظهر تعاطفا مع القضية الكردية، واستمرار إنكار وجود هوية علوية لها الحق في نظام علماني وأن تكون على قدم المساواة مع أي مجموعة دينية أو مذهبية أخرى في الحقوق والواجبات، وهو الأمر الذي لم يحصل منه شيء.
لم تراع الحكومة التركية مثلا الحساسيات الأرمنية ـ التركية فبرّأت قاتل الصحافي الارمني هرانت دينك من أن يكون منتميا إلى أي تنظيم أو عصابة، واعتبرت انه قام بجريمته منفردا.
ولم تراع الحكومة التركية أيضا مجزرة كبيرة بحق العلويين قام بها إسلاميون في العام 1993 في مدينة سيواس، فقضت بسقوط التهم عن المتهمين بفعل مرور الزمن، وبالتالي سقوط القضية وإغلاق ملفها قبل يومين.
حادثة سيواس حصلت في الثاني من تموز العام 1993 عندما احرق متظاهرون فندق «ماديماك» حيث كان يعقد مؤتمر لجمعية بير سلطان عبدال العلوية الثقافية. وقد أسفر الحريق عن مقتل 37 شخصا جميعهم، باستثناء عاملي فندق، من الشعراء والكتّاب والمفكرين العلويين. وحينها نجا بأعجوبة الكاتب العلماني العلوي العالمي الراحل عزيز نيسين الذي أصيب بجراح في رأسه. ذلك أن المهاجمين لم يكتفوا بإحراق الفندق بل اعتدوا بالعصي على من كان يحاول الهروب من الفندق الذي حوصروا فيه بفعل النيران.
ومع تعديل قانون العقوبات في العام 2005، وتفسيره من قبل محكمة العقوبات الثقيلة الحادية عشرة في أنقرة، سقطت أول أمس القضية بمرور الزمن، حيث إن اثنين من المتهمين قد توفيا، فيما خمسة متوارون عن الأنظار.
بالطبع لاقى قرار المحكمة استهجانا من المعارضة العلمانية التركية، ولا سيما حزب الشعب الجمهوري الذي اعتبر القرار لطخة في جبين القضاء التركي الذي يسيطر عليه اليوم، كما يقول الحزب، الحكومة التركية.
غير أن التعليق الأكثر إثارة كان من جانب رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الذي قال «إن شاء الله خير لأمتنا وبلدنا». وقد اعتبر الكاتب جنكيز تشاندار تعليق اردوغان على انه محاولة لتجاوز القضية والتعمية عليها. وقال تشاندار انه «ليس بالخير أبدا على امتنا أن تسقط قضية ماديماك بفعل مرور الزمن». وتساءل عن عقوبة من يحرق العلوي في تركيا، مذكرا بكلام لصحافي أجنبي «كيف يمكن لبلد يظلم فيه العلويون والأكراد والمسيحيون أن يتبع سياسة مؤثرة في المنطقة».
وانتقد الكاتب اورال تشاليشلار في صحيفة «راديكال» قرار المحكمة، داعيا الى تصفية الحساب مع المجازر التي تكمن الدولة خلفها، حيث ان «غريزة» حماية الذات والمحلة باتت سائدة بعد تبرئة القاتلين ورغبة كل مجموعة في حماية نفسها.
المصدر :
السفير /محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة