دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حسن قانبولاد هو رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، واختصاره بالتركية (أورسام). وهو احد المراكز الناشطة في تركيا، ويقف على مسافة موضوعية من القوى السياسية في تركيا والمنطقة، وله علاقات تعاون مع العديد من المؤسسات في المنطقة العربية وفي إيران وآسيا الوسطى والقوقاز والبلقان.
وبطبيعة الحال يصدر مركز «أورسام» مجلات وتقارير ويقيم ندوات، ولا سيما حول الشرق الأوسط، ويهتم جدا بما يصدر في وسائل الإعلام العربية، ومن أبرز مميزاته انه أسس برنامجاً لدراسة مسألة المياه في المنطقة.
يقول قانبولاد، في مقابلة مع «السفير»، على هامش مؤتمر مراكز الدراسات الإسلامية في العاصمة الاذرية باكو، إن هدف المركز مخاطبة مثقفي الشرق الأوسط وتأسيس علاقات أوثق مع المثقفين العرب. ويوضح «نحن مستقلون وعلى مسافة من الحكومة. ولكن لنا مشاريع مع القطاع الخاص، كما مع وزارة الخارجية التركية».
وحول تأثير مراكز الدراسات في تركيا على مراكز صانعي القرار السياسي، يقول إن «مراكز الدراسات في تركيا ليست قديمة العهد، بل ربما تعود إلى 10 إلى 12 سنة بطريقة مهنية. دائما توصف المراكز بأنها مراكز استخباراتية لكن هذا ليس كذلك، بل تحولت إلى مراكز تقديم معطيات نظيفة ومهنية، والباحثون باتت وظيفتهم تحذير الرأي العام والحكومة وصانعي القرار من خلال ما يقدمونه من معطيات وتحليلات. وهذا ما كان دائماً دور المثقفين في القرون الماضية لكن على المستوى الفردي. وبطبيعة الحال يمكن أن يكون لمراكز الدراسات أهداف سياسية، ولكن نحن نحاول أن نكون موضوعيين إلى حد كبير».
وعن النظرة كمركز إلى الثورات العربية، قال قانبولاد «إن العالم اليوم يتغير، وبفضل ثورة الاتصالات يصغر العالم ويتحول إلى قرية. وبفضل معرفة اللغة يمكن من المنزل أن تعرف عبر المحطات الفضائية والانترنت ماذا يجري في العالم وكيف تدار كل دولة وكيف يفكر الآخرون. الجميع بات يعرف الآخر. ولم يعد في إمكان أي دولة أو نظام قمعي أن يخفي ما يفعل. الجيل الجديد يريد أن تكون له حياة أفضل وحرية أكبر، وهذا ما يفعله الشباب. الثورة في فرنسا استغرقت قرناً لكي تترسخ. اليوم كل شيء مكشوف ويتطور بسرعة، والثورات العربية قد تستغرق وقتا طويلا، لكنها ستصل إلى نهايات ايجابية. ولم تعد الأنظمة الدكتاتورية قادرة على الاستمرار».
وعما إذا كانت التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة قادرة على تلبية تطلعات الجيل الشاب، قال قانبولاد إن «خروج الإسلاميين فائزين أمر طبيعي، لأنهم كانوا الأكثر تنظيماً. لكن لن ينفع الوعد بالجنة بل إدارة الدولة بشكل جيد وتأمين فرص العمل والحياة الكريمة، وإذا لم ينجحوا في ذلك فسيخسرون تأييد الشارع. والسياسة لا تعرف الفراغ، والشعب يستطيع أن ينتج حلوله. لقد عاش العرب فترة طويلة في فترة جمود، لكن الآن الشعب العربي يعبر عند دينامية سيكون لها تأثيرها العالمي».
وعن التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية العربية في السلطة، قال «في البداية كل شيء جميل لكن ما إن تبدأ العمل فإن أصعب الأمور أن تترك السلطة بشكل ديموقراطي. يجب أن ينجحوا في هذا الامتحان. ويجب أن يعملوا على نجاح الديموقراطية. لكن يجب أن يعرفوا أن الديموقراطية ليست مجرد صندوق يرمى الصوت في داخله. الديموقراطية توجب التعاون والتوازن بين السلطات وضمان نظام سليم متوازن بين الدولة والشعب، وأن تتحمل الأقلية السياسية وجودها في المعارضة، وآمل أن تنجح الشعوب العربية في هذا الامتحان».
وحول ما إذا كان النموذج التركي قابلا للمحاكاة في العالم العربي، قال قانبولاد «في قناعتي أن كل دولة يجب أن تخلق نموذجها.لأن لكل دولة تاريخها ودينامياتها المختلفة. لكن يمكن استلهام الجوانب الجيدة من التجارب الأخرى ليس فقط في السياسة بل أيضا في الثقافة والفن والعمارة. تركيا بلد ديموقراطي وتلتزم بمعايير الديموقراطية في الانتخابات، وهنا يمكن الاستفادة منها. لكن دستورياً تركيا بلد لها خصوصية مختلفة، وهي تختلف من بلد لآخر. وهنا على كل دولة أن تخلق نظامها الدستوري الذي يناسبها هي».
وعن الأخطاء التي يمكن أن تكون تركيا ارتكبتها بعد اندلاع الثورات العربية وسقوط سياسة تصفير المشكلات، قال «سياسة تصفير المشكلات لم تكن في الأساس تهدف إلى حل كل المشكلات مع الجيران بل كانت تهدف إلى حل المشكلات قدر الإمكان، ولا سيما مع الدول المجاورة جغرافياً لتركيا، عبر إزالة الحدود بشكل كامل. اليوم مثلا يمكن للمواطنين في تركيا وجورجيا أن يدخلوا إلى البلد الآخر عبر تذكرة الهوية وليسوا بحاجة إلى جواز سفر. مشروع تركيا هو هذا مع كل دول الجوار. وهذا ما تفعله أيضا مع المواطنين الذين يستطيعون الدخول بالهوية الشخصية. وهو ما كانت تركيا تريده مع سوريا ومع لبنان والآخرين. لكن مع بدء الأحداث في سوريا لم يتطور الوضع، لكن يجب التذكير بأن تركيا كانت تريد لسوريا الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي وعدم استمرار البعث كحزب قائد لا يمكن أن يذهب بالانتخابات وإعداد دستور جديد، لكن سوريا تأخرت في هذا الموضوع».
وأضاف «خطاب تركيا كان خاطئاً في أنها رفعت سقف الخطاب منذ البداية عالياً. لكن يجب ألا ننسى أن لتركيا علاقات قربى قوية مع سوريا ومع لبنان والأردن كما العراق، وهي أقوى منها مع الدول العربية الأخرى. في السنوات المقبلة سوف تتقوى أكثر هذه العلاقات على ما أعتقد».
وعما إذا كانت تركيا تتبع سياسة مذهبية في المنطقة بعد تصريحات في هذا الاتجاه للمسؤولين الأتراك، قال قانبولاد إنه «يجب أن ننظر إلى السلوكيات التركية عموما. في العام 2003 تركيا لم تفتح حدودها أمام القوات الأميركية. كما أن أنقرة لم تسلّح أي مجموعة في العراق ووقفت على مسافة واحدة من كل الأطراف. حتى المتضررين من الانفجارات في العراق من كل المذاهب والأديان، سواء كانوا سنة أو شيعة أو مسيحيين أو أكراداً، نقل عدد كبير منهم إلى المستشفيات التركية للعلاج. وهذا كان يتم بالمجان. الآن حتّى يوجد في المستشفيات التركية مرضى عراقيون. إلى جانب ذلك فإن تركيا هي التي قدمت لحزب الدعوة والأحزاب الشيعية الأخرى مثل السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم مساعدات على التدرب على العملية الديموقراطية والانتخابية».
وتابع «لا شك أن تركيا ارتكبت أخطاء لكن في العموم لم تقف تركيا ضد أي مجموعة في العراق. وبعد عام 2003 كان عبد الله غول أول رئيس للجمهورية ينام ليلة في العراق. نيكولا ساركوزي مثلا بقي عدة ساعات في المطار. باراك اوباما بقي عدة ساعات في قاعدة عسكرية ورجب طيب اردوغان عندما ذهب إلى العراق التقى بكل المجموعات الشيعية بما فيها السيد (علي) السيستاني ووجه رسائل مهمة».
وحول أن هذا كان قبل اندلاع الثورات العربية ولكن منذ سنة حتى الآن ألم يحدث أي تغيير في هذا الخطاب، قال قانبولاد «لا اعتقد ذلك. لا تزال سياسة تركيا كما هي، وليس من تغيير في محورها. لكن بسبب كثرة التصريحات اليومية يمكن أن تكون بعض الأخطاء قد ارتكبت. محور تركيا هو استمرار موقفها على مسافة واحدة من كل المجموعات».
وعن مدى دقة الصورة السائدة الآن عن تركيا إنها وكيلة للسياسات الغربية في المنطقة، قال قانبولاد «بمعيار ما هذا صحيح. تركيا العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي في هذه الجغرافيا منذ الستينيات. وتركيا في مرحلة المفاوضات المباشرة للعضوية الأوروبية. عدا ذلك فإن تركيا عضو في معظم المؤسسات الأوروبية. لذلك فإن نظرة العرب على أن تركيا جزء من البلوك الغربي أمر طبيعي للغاية. لكن علاقة تركيا بالغرب لا يتطلب أن تنسيها علاقاتها بالشرق الأوسط. لنأخذ بريطانيا مثالا التي هي عضو في الاتحاد الأوروبي وتقود منظمة الكومنولث. الأسترالي مثلا يحصل على فيزا مختلفة عن الآخرين لدخول بريطانيا ويمكن له العمل. أيضا يجب أن نصل إلى مرحلة مشابهة بحيث أن شاباً لبنانياً يمكن أن يدخل تركيا ويستطيع العمل من دون عوائق. تماما كالعلاقة بين أميركا اللاتينية وإسبانيا. شاب أميركي لاتيني يمكن أن يعمل في اسبانيا سنة ويكون له الحق بعدها لنيل الجنسية الاسبانية. هكذا تركيا تعمل لذلك بين لبنان وسوريا والأردن وسوريا ويجب أن يكون لهم الحق بجواز سفر تركي. رجال الأعمال يهتمون بالمال بحسب المصالح. لكن يجب تأسيس حوار أكبر وأعمق بين المثقفين في سوريا وتركيا».
وعن أن وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو قال إن أنقرة جزء من البلوك الغربي، وغول قال إن العلاقات التركية - الأميركية أفضل من أي وقت مضى، فما الفرق إذا بين حكومة حزب العدالة والتنمية والحكومات السابقة في علاقاتها مع الغرب، قال قانبولاد انه «أمر واقع أن تركيا جزء من البلوك الغربي حقوقياً وعلى صعيد المؤسسات والاقتصاد. في عام 2010 بلغت نسبة الاستثمارات الأوروبية في تركيا 88 في المئة من مجمل الاستثمارات الخارجية. حجم التجارة الخارجية التركية مع الاتحاد الأوروبي هو 60 في المئة من مجمل التجارة الخارجية التركية، لكن هذا لا يعني أن تركيا تنسى روابطها مع الشرق الأوسط. لكن نحن لا نزال في بداية الطريق الحقوقي والمؤسساتي مع العرب. عندما ننظر إلى العالم العربي نرى نظام مصارف فرنسية أو بريطانية أو غربية وليس من نظام مصرفي تركي. وليس من نظام لتوثيق العلاقات بين النخب في تركيا والعالم العربي. ولم تنكسر بعد التصورات المسبقة الموروثة من الماضي. لا يزال بعض العرب يرون في تركيا عدواً ولا يزال بعض الأتراك يرون في العرب عدواً. يجب كسر هذه الصورة النمطية. يجب تعميق الحوار والتواصل والتعاون».
المصدر :
السفير /محمد نور الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة