قبل أيام ناقشت الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي قضية التحول إلى كونفدرالية خليجية التي «تحظى باهتمام ومباركة أصحاب الجلالة، ودعم الملك عبد الله بن عبد العزيز للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد بين دول المجلس»، بحسب ما أكد رئيس الهيئة محمد بن أحمد الرشيد الذي اعتبر أن «اتحاد دولنا ليس ترفاً، بل ضرورة حتمية وهو وسيلة لنجاتنا».

لعلّ عبارة الرشيد الأخيرة هي خير دليل على حجم الخطر الذي تستشعر دول مجلس التعاون، والسعودية تحديداً، أنه يهددها في سياق موجة الحراك العربي والصعود الإيراني، فيما تقدّم المشروع الكونفدرالي على أنه السبيل الأنسب لمواجهة هذا الخطر. ولكن نظراً للاختلافات القائمة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون ونتيجة لتباين المصالح الداخلية والخارجية تبدو «الكونفدرالية» حلماً غير مرجّح تحققه.

ما سبق خلاصة قدمها معهد «ستراتفور» في سياق تقرير تحليلي فنّد أبعاد هذا الطرح ودوافعه، فضلاً عن معوقات تحققه.

يعود تقرير «ستراتفور» إلى دعوة الملك عبد الله التي أطلقها في قمة دول مجلس التعاون الخليجي للتحرك باتجاه «الكيان الواحد»، منبهاً إلى ضرورة «اليقظة والموقف الموحد» لمواجهة التحديات الماثلة. ويعتبر أنه فيما تشكل دول مجلس التعاون اليوم كتلة إقليمية قوية يجمعها توافق كبير بين الأعضاء، وعمل مشترك في لحظات حرجة (إرسال درع الجزيرة للمساعدة في احتواء الاضطرابات في البحرين مثلاً)، يبقى التحول إلى الكونفدرالية مطلباً يفرض على كل واحدة من هذه الدول التضحية بقدر معين من سيادتها. وانطلاقاً من أن السعودية هي الدولة الأقوى في المجلس، فإنها ستتولى حكماً موقع القيادة للاتحاد الجديد.

 

عوامل موحّدة

 

تجتمع دول مجلس التعاون الخليجي في بوتقة واحدة بفعل العديد من القواسم المشتركة. فجميعها تشترك في احتكامها لأنظمة سياسية ملكية بشكل أو بآخر، كما أن جميعها هي دول مصدرة للطاقة ولديها شريحة واسعة من القوى العاملة الأجنبية. وباستثناء عمان، جميع هذه الدول ذات غالبية سنية، وباستثناء البحرين، التي تضم غالبية شيعية، فإن جميعها بأقلية شيعية. وأخيراً، جميع هذه الدول تعتمد في ضمان أمنها القومي على الولايات المتحدة الأميركية.

ولكن ما أعلنه قائد شرطة دبي ضاحي خلفان قبل أيام، بأن الولايات المتحدة وإيران و«الإخوان المسلمين» تشكل ثلاثياً يهدّد أمن الخليج، يظهر بشكل جلي تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الخليج وتعرض المنطقة لأخطار داخلية وخارجية جمة.

ومع بدء الاحتجاجات في العالم العربي، أدرك السعوديون أن الوضعية الجديدة لم تترك للولايات المتحدة سوى خيارات قليلة. وبالتالي، سارعت الرياض إلى التحرك من تلقاء نفسها لمواجهة التحديات كما حصل في البحرين. وفي كل الأحوال، شكّل نجاح دول مجلس التعاون في كبح الاحتجاجات ومنع الحراك من التأثير على الأنظمة الملكية عاملاً مشجعاً للانتقال من التنسيق المشترك إلى الدعوة لتوطيد العلاقة بشكل رسمي. وفيما أثبت التعاون فعالية في مواجهة الاضطرابات، يبقى التصدي للتهديد الإيراني وسياستها العدائية بحاجة إلى أكثر من تنسيق من الدول الخليجية.

 

تاريخ المجلس.. ومعوقات الكونفدرالية

 

في الواقع، لم يترافق اقتراح الكونفدرالية مع طرح واضح لطبيعة هذا الكيان وآلية قيامه. وكما هو الحال مع هذا النوع من الكيانات، تبقى المشكلة الأساسية متمثلة في معارضة الدول الأعضاء التنازل عن سيادتها الوطنية، وهي الخطوة الضرورية للتوصل إلى صيغة لتقاسم السلطة بين الولايات. وفي حالة مجلس التعاون تصبح هذه المشكلة شديدة الوضوح بسبب التباين الشاسع في طبيعة الدول الست الأعضاء والطريقة التي تنظر فيها إلى مصالحها. فضلاً عن ذلك، فإن الجذور التاريخية لقيام المجلس وسجله وأدائه أمور تدعم فكرة صعوبة التوصل إلى اتفاق في هذا الإطار.

تأسس المجلس في العام 1981 في سبيل التعاون بين الدول الخليجية الست الغنية بالنفط لتحقيق مصالحها المشتركة. وقد وجدت هذه الدول، وهي البحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان والسعودية والكويت، نفسها مختلفة عن بقية دول المنطقة بحكم وفرة مواردها النفطية وأنظمتها الملكية وثقافاتها القبليّة المتميّزة. فضلاً عن ذلك، كانت هذه الدول بمثابة مجموعة فرعية من جامعة الدول العربية بقيادة مصر، وعليه رغبت السعودية بتشكيل المنتدى الإقليمي الخاص بها الذي يتعامل مع قضايا الشرق الأوسط بشكل منفرد.

وليس من قبيل الصدفة أن تأسيس مجلس التعاون بعد سنتين فقط على نجاح الثورة الإسلامية في إيران، ما يشكل انعكاساً لحقبة شهدت فيها دول الخليج السنية تحديات من مختلف أنحاء الخليج. ففي مرحلة من المراحل، قامت هذه الدول، بشكل فردي، بتمويل حزب البعث لغزو إيران في نهاية العام 1980، لتدرك لاحقاً أنها بحاجة إلى الانخراط في عمل مشترك تمثل بعد فترة قصيرة على اندلاع الحرب الإيرانية العراقية بتأسيس مجلس التعاون الخليجي.

ومنذ التأسيس أنفقت الدول الأعضاء الحيّز الأكبر من الجهد على الأمور الاقتصادية لتحقيق مصالحها المشتركة، باستثناء دخول السوق المشتركة في العام 2008 والمجلس النقدي في العام 2009، كما أن مشروع العملة الموحدة دخل طيّ النسيان منذ سنتين بعد اعتراض الكويت وسلطنة عمان والإمارات عليه.

أما برنامج دول المجلس الذي تطور إلى حدّ كبير فكان قوات ردع الجزيرة العربية التي تأسست في العام 1984 للتعامل مع الخطر الإيراني، وبقيت غير ذات فعالية حتى العام الماضي عندما لجأ إليها النظام البحريني لقمع الاحتجاجات على أرضه.

وعلى الرغم من احتمالات الاضطرابات الداخلية والتهديدات الخارجية، تبقى الاختلافات الداخلية بين دول الخليج تشكل عوائق لا يُستهان بها أمام التوحد. فعلى سبيل المثال، لا تحبّذ كل من قطر وعُمان والإمارات أن تدخل تحت عباءة السعودية، فيما يخيف النظام البرلماني في الكويت حكام الرياض.

أما قطر، من جهتها، فقد قدمت نفسها، في خطوة «تغضب» السعودية، كبلد تقدمي بتوجهات ليبرالية تسعى لتعزّز نفوذها الإقليمي. وانطلاقاً من واقع كونها اكبر مصدر للغاز الطبيعي، حاولت قطر أن تلعب دور الوسيط في العديد من المسائل الإقليمية خلال السنوات الأخيرة. وقد سمحت علاقاتها الجيدة مع القوى المتباينة كأميركا وإيران وإسرائيل، وحتى مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، لقطر بهامش من الاستقلالية عن دول مجلس التعاون الخليجي.

والأهم من ذلك، فإن قطر والإمارات وعمان الواقعة بين السعودية وإيران تجد نفسها مضطرة إلى التعامل بحذر مع هاتين القوتين، ونظراً للعلاقات الثنائية التي تجمعها بإيران، تحاول أن تسلك هذه الدول منهجاً أكثر حذراً في التعامل مع التهديد الإيراني.

ما سبق يدعم فكرة ما يشكله تضارب المصالح بين الدول الخليجية من عوائق أمام الكونفدرالية الخليجية. وفي أحسن الأحوال، قد تقوم جبهة رمزية موحّدة ضد «التهديد» الإيراني من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية وتعاون أوسع في مجال الموارد العسكرية بين دول الخليج.

 

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-03-12
  • 9063
  • من الأرشيف

المطلب السعودي للكونفدرالية الخليجية... الدوافع وعوائق السيادة والمصالح؟

  قبل أيام ناقشت الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي قضية التحول إلى كونفدرالية خليجية التي «تحظى باهتمام ومباركة أصحاب الجلالة، ودعم الملك عبد الله بن عبد العزيز للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد بين دول المجلس»، بحسب ما أكد رئيس الهيئة محمد بن أحمد الرشيد الذي اعتبر أن «اتحاد دولنا ليس ترفاً، بل ضرورة حتمية وهو وسيلة لنجاتنا». لعلّ عبارة الرشيد الأخيرة هي خير دليل على حجم الخطر الذي تستشعر دول مجلس التعاون، والسعودية تحديداً، أنه يهددها في سياق موجة الحراك العربي والصعود الإيراني، فيما تقدّم المشروع الكونفدرالي على أنه السبيل الأنسب لمواجهة هذا الخطر. ولكن نظراً للاختلافات القائمة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون ونتيجة لتباين المصالح الداخلية والخارجية تبدو «الكونفدرالية» حلماً غير مرجّح تحققه. ما سبق خلاصة قدمها معهد «ستراتفور» في سياق تقرير تحليلي فنّد أبعاد هذا الطرح ودوافعه، فضلاً عن معوقات تحققه. يعود تقرير «ستراتفور» إلى دعوة الملك عبد الله التي أطلقها في قمة دول مجلس التعاون الخليجي للتحرك باتجاه «الكيان الواحد»، منبهاً إلى ضرورة «اليقظة والموقف الموحد» لمواجهة التحديات الماثلة. ويعتبر أنه فيما تشكل دول مجلس التعاون اليوم كتلة إقليمية قوية يجمعها توافق كبير بين الأعضاء، وعمل مشترك في لحظات حرجة (إرسال درع الجزيرة للمساعدة في احتواء الاضطرابات في البحرين مثلاً)، يبقى التحول إلى الكونفدرالية مطلباً يفرض على كل واحدة من هذه الدول التضحية بقدر معين من سيادتها. وانطلاقاً من أن السعودية هي الدولة الأقوى في المجلس، فإنها ستتولى حكماً موقع القيادة للاتحاد الجديد.   عوامل موحّدة   تجتمع دول مجلس التعاون الخليجي في بوتقة واحدة بفعل العديد من القواسم المشتركة. فجميعها تشترك في احتكامها لأنظمة سياسية ملكية بشكل أو بآخر، كما أن جميعها هي دول مصدرة للطاقة ولديها شريحة واسعة من القوى العاملة الأجنبية. وباستثناء عمان، جميع هذه الدول ذات غالبية سنية، وباستثناء البحرين، التي تضم غالبية شيعية، فإن جميعها بأقلية شيعية. وأخيراً، جميع هذه الدول تعتمد في ضمان أمنها القومي على الولايات المتحدة الأميركية. ولكن ما أعلنه قائد شرطة دبي ضاحي خلفان قبل أيام، بأن الولايات المتحدة وإيران و«الإخوان المسلمين» تشكل ثلاثياً يهدّد أمن الخليج، يظهر بشكل جلي تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الخليج وتعرض المنطقة لأخطار داخلية وخارجية جمة. ومع بدء الاحتجاجات في العالم العربي، أدرك السعوديون أن الوضعية الجديدة لم تترك للولايات المتحدة سوى خيارات قليلة. وبالتالي، سارعت الرياض إلى التحرك من تلقاء نفسها لمواجهة التحديات كما حصل في البحرين. وفي كل الأحوال، شكّل نجاح دول مجلس التعاون في كبح الاحتجاجات ومنع الحراك من التأثير على الأنظمة الملكية عاملاً مشجعاً للانتقال من التنسيق المشترك إلى الدعوة لتوطيد العلاقة بشكل رسمي. وفيما أثبت التعاون فعالية في مواجهة الاضطرابات، يبقى التصدي للتهديد الإيراني وسياستها العدائية بحاجة إلى أكثر من تنسيق من الدول الخليجية.   تاريخ المجلس.. ومعوقات الكونفدرالية   في الواقع، لم يترافق اقتراح الكونفدرالية مع طرح واضح لطبيعة هذا الكيان وآلية قيامه. وكما هو الحال مع هذا النوع من الكيانات، تبقى المشكلة الأساسية متمثلة في معارضة الدول الأعضاء التنازل عن سيادتها الوطنية، وهي الخطوة الضرورية للتوصل إلى صيغة لتقاسم السلطة بين الولايات. وفي حالة مجلس التعاون تصبح هذه المشكلة شديدة الوضوح بسبب التباين الشاسع في طبيعة الدول الست الأعضاء والطريقة التي تنظر فيها إلى مصالحها. فضلاً عن ذلك، فإن الجذور التاريخية لقيام المجلس وسجله وأدائه أمور تدعم فكرة صعوبة التوصل إلى اتفاق في هذا الإطار. تأسس المجلس في العام 1981 في سبيل التعاون بين الدول الخليجية الست الغنية بالنفط لتحقيق مصالحها المشتركة. وقد وجدت هذه الدول، وهي البحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان والسعودية والكويت، نفسها مختلفة عن بقية دول المنطقة بحكم وفرة مواردها النفطية وأنظمتها الملكية وثقافاتها القبليّة المتميّزة. فضلاً عن ذلك، كانت هذه الدول بمثابة مجموعة فرعية من جامعة الدول العربية بقيادة مصر، وعليه رغبت السعودية بتشكيل المنتدى الإقليمي الخاص بها الذي يتعامل مع قضايا الشرق الأوسط بشكل منفرد. وليس من قبيل الصدفة أن تأسيس مجلس التعاون بعد سنتين فقط على نجاح الثورة الإسلامية في إيران، ما يشكل انعكاساً لحقبة شهدت فيها دول الخليج السنية تحديات من مختلف أنحاء الخليج. ففي مرحلة من المراحل، قامت هذه الدول، بشكل فردي، بتمويل حزب البعث لغزو إيران في نهاية العام 1980، لتدرك لاحقاً أنها بحاجة إلى الانخراط في عمل مشترك تمثل بعد فترة قصيرة على اندلاع الحرب الإيرانية العراقية بتأسيس مجلس التعاون الخليجي. ومنذ التأسيس أنفقت الدول الأعضاء الحيّز الأكبر من الجهد على الأمور الاقتصادية لتحقيق مصالحها المشتركة، باستثناء دخول السوق المشتركة في العام 2008 والمجلس النقدي في العام 2009، كما أن مشروع العملة الموحدة دخل طيّ النسيان منذ سنتين بعد اعتراض الكويت وسلطنة عمان والإمارات عليه. أما برنامج دول المجلس الذي تطور إلى حدّ كبير فكان قوات ردع الجزيرة العربية التي تأسست في العام 1984 للتعامل مع الخطر الإيراني، وبقيت غير ذات فعالية حتى العام الماضي عندما لجأ إليها النظام البحريني لقمع الاحتجاجات على أرضه. وعلى الرغم من احتمالات الاضطرابات الداخلية والتهديدات الخارجية، تبقى الاختلافات الداخلية بين دول الخليج تشكل عوائق لا يُستهان بها أمام التوحد. فعلى سبيل المثال، لا تحبّذ كل من قطر وعُمان والإمارات أن تدخل تحت عباءة السعودية، فيما يخيف النظام البرلماني في الكويت حكام الرياض. أما قطر، من جهتها، فقد قدمت نفسها، في خطوة «تغضب» السعودية، كبلد تقدمي بتوجهات ليبرالية تسعى لتعزّز نفوذها الإقليمي. وانطلاقاً من واقع كونها اكبر مصدر للغاز الطبيعي، حاولت قطر أن تلعب دور الوسيط في العديد من المسائل الإقليمية خلال السنوات الأخيرة. وقد سمحت علاقاتها الجيدة مع القوى المتباينة كأميركا وإيران وإسرائيل، وحتى مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، لقطر بهامش من الاستقلالية عن دول مجلس التعاون الخليجي. والأهم من ذلك، فإن قطر والإمارات وعمان الواقعة بين السعودية وإيران تجد نفسها مضطرة إلى التعامل بحذر مع هاتين القوتين، ونظراً للعلاقات الثنائية التي تجمعها بإيران، تحاول أن تسلك هذه الدول منهجاً أكثر حذراً في التعامل مع التهديد الإيراني. ما سبق يدعم فكرة ما يشكله تضارب المصالح بين الدول الخليجية من عوائق أمام الكونفدرالية الخليجية. وفي أحسن الأحوال، قد تقوم جبهة رمزية موحّدة ضد «التهديد» الإيراني من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية وتعاون أوسع في مجال الموارد العسكرية بين دول الخليج.        

المصدر : السفير /هيفاء زعيتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة