انتهت زيارة عبد الله غول إلى تونس الأسبوع الفائت وخلفت وراءها جملة من الأسئلة حول الدور الخفي الذي تريد أن تلعبه "الدبلوماسية الناعمة" للباب العالي في المنطقة. الهدف المعلن من الزيارة هو تقديم الدعم الاقتصادي لبلد هو أحوج ما يكون لهذه المساعدات في وقت دقيق يشهد فيه أزمات اقتصادية واجتماعية صعبة. وقد أعلن الرئيس التركي عبد الله غول في هذا السياق عن إعطاء تونس قرضاً بقيمة 500 مليون دولار وتوقيع اتفاقيات علمية وبحثية وتكنولوجية بين البلدين.

لكن يبدو جلياً أن عبد الله غول لم يأت الى مهد الثورات العربية فقط من أجل تقريب وجهات النظر في الملف السوري، بل هو يسعى للذهاب ابعد من ذلك نحو تبني استراتيجية واضحة تضمن إنهاء الصراع الدائر في سوريا بين المعارضة والنظام الحاكم من جهة، وتعطي زخماً للدبلوماسية التركية الناعمة من جهة أخرى من خلال النجاح فيما فشل فيه الآخرون.

 

مؤتمر اسطنبول

إذ رأى مراقبون أن زيارة غول تندرج في إطار الإعداد الجيّد لمؤتمر اسطنبول حول سوريا المزمع عقده خلال الأسبوعين القادمين، والذي يأمل الأتراك من خلاله تحقيق اختراق للأزمة السورية وإيجاد مخرج سياسي تجمع عليه مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، والنجاح فيما فشلت فيه تونس في مؤتمر أصدقاء سوريا..

فزيارة الرئيس التركي جاءت لهذا السبب تحديداً أي بحث كل الوسائل الممكنة لإنجاح مؤتمر اسطنبول. وفي نفس السياق عبر غول عن رغبته في "مشاركة دولية كبرى" في هذا المؤتمر بما في ذلك الحضور الروسي. إذ يبدو ان الأتراك أدركوا أن مفتاح الأزمة بيد الروس لما يمتلكونه من تأثير كبير على نظام الأسد.. وان أهم أسباب فشل "أصدقاء سوريا" في تونس هو شعور موسكو بتجاهل المجتمع الدولي لها أثناء تقديم الجامعة العربية مشروع قرار حول سوريا في مجلس الأمن الشهر الماضي فجابهته بالفيتو.. والآن تحاول أنقرة استدراك ما فشل فيه الآخرون معولة على التنظيم الجيد لهذا المؤتمر من اجل تقريب وجهات النظر حسبما صرح به غول.

 

التأثير التركي

اللافت خلال هذه الزيارة هو تقارب الموقفين التونسي والتركي حيال المسألة السورية. إذ يرى محللون أن لهذا التقارب أبعاداً أخرى.. فهو يعكس تماهياً للسياسة الخارجية لتونس مع الدبلوماسية التركية. فالرغبة التونسية التي عبر عنها المرزوقي "بإرسال قوات سلام" جاء ـ بحسب البعض ـ بإيعاز من أنقرة التي تريد أن تلعب دور القوة الناعمة في المنطقة. وهذا الأمر ليس بجديد على تركيا التي تعد الدولة المسلمة الوحيدة في الناتو، وتمتلك حضوراً لافتاً ومؤثراً في العديد من المسائل والقضايا الشائكة في الشرق الأوسط. وحاولت لعب دور فاعل في الأزمة السورية منذ انطلاقها من خلال دعمها للمعارضة و"الجيش السوري الحر" وايوائها للاجئين السوريين، إضافة إلى المعطى الجيوسياسي المتمثل في وقوع تركيا على تخوم بلاد الشام.

كما أن تصريحات المرزوقي بشأن إرسال قوات سلام أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية التونسية . إذ كان من المفترض قبل الإدلاء بهذا الاقتراح أن تتم استشارة الترويكا الحاكمة والرجوع الى المجلس التأسيسي في حال اتخاذ مثل هكذا قرار على غاية من الحساسية.

فإرسال هذه القوات هو شكل من أشكال التدخل حتى لو كان سلمياً..وايضاً هناك غموض يكتنف المهمة المنوطة بعهدة هذه القوات التي تعرف وفقاً للمفهوم التقليدي للأمم المتحدة بأنها " لا تلجأ للقوة، وأفرادها لا يحملون أسلحة أو قد يحملون أسلحة خفيفة، ولا يمكنهم استخدام القوة إلا دفاعاً عن النفس". كما ان هناك تساؤلاً يتعلق بكيفية رد هذه القوات في حال تعرضها لاعتداء من قبل عناصر مسلحة وهذا أمر وارد مع الأوضاع الأمنية المضطربة التي تشهدها سوريا. وهذا ما دفع العديد من المراقبين إلى اعتبار ان هذا الاقتراح لا يخدم مصلحة تونس التي من المفترض ان تتبع دبلوماسيتها نهجاً معتدلاً مع الجيران والأشقاء العرب، وان تتحلى بقدر أكبر من النضوج والثبات وأن لا تنساق وراء تأثير سياسات خارجية لدول أخرى تحاول تعزيز مكانتها في المنطقة حتى لو كانت حليفة او داعمة لأنظمة الحكم الجديدة في بلاد الثورات العربية.. فمؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في تونس كان بإعداد من قطر وفشل رغم كل محاولاتها لإنجاحه بتمرير خيار الحل العسكري للازمة . وها هي أنقرة اليوم تلتقط كرة النار وتتهيأ لاحتضان مؤتمر اسطنبول حول سوريا في سياق الإعداد لحل سياسي ينهي الأزمة ينصّ على إرسال قوات سلام عربية وتسعى أنقرة للتسويق لهذا الحل وتمريره بدءاً من تونس بوابة الربيع العربي..

 

الانتقاد

  • فريق ماسة
  • 2012-03-12
  • 11160
  • من الأرشيف

زيارة غول إلى تونس .. والإعداد لمؤتمر اسطنبول حول سورية

انتهت زيارة عبد الله غول إلى تونس الأسبوع الفائت وخلفت وراءها جملة من الأسئلة حول الدور الخفي الذي تريد أن تلعبه "الدبلوماسية الناعمة" للباب العالي في المنطقة. الهدف المعلن من الزيارة هو تقديم الدعم الاقتصادي لبلد هو أحوج ما يكون لهذه المساعدات في وقت دقيق يشهد فيه أزمات اقتصادية واجتماعية صعبة. وقد أعلن الرئيس التركي عبد الله غول في هذا السياق عن إعطاء تونس قرضاً بقيمة 500 مليون دولار وتوقيع اتفاقيات علمية وبحثية وتكنولوجية بين البلدين. لكن يبدو جلياً أن عبد الله غول لم يأت الى مهد الثورات العربية فقط من أجل تقريب وجهات النظر في الملف السوري، بل هو يسعى للذهاب ابعد من ذلك نحو تبني استراتيجية واضحة تضمن إنهاء الصراع الدائر في سوريا بين المعارضة والنظام الحاكم من جهة، وتعطي زخماً للدبلوماسية التركية الناعمة من جهة أخرى من خلال النجاح فيما فشل فيه الآخرون.   مؤتمر اسطنبول إذ رأى مراقبون أن زيارة غول تندرج في إطار الإعداد الجيّد لمؤتمر اسطنبول حول سوريا المزمع عقده خلال الأسبوعين القادمين، والذي يأمل الأتراك من خلاله تحقيق اختراق للأزمة السورية وإيجاد مخرج سياسي تجمع عليه مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، والنجاح فيما فشلت فيه تونس في مؤتمر أصدقاء سوريا.. فزيارة الرئيس التركي جاءت لهذا السبب تحديداً أي بحث كل الوسائل الممكنة لإنجاح مؤتمر اسطنبول. وفي نفس السياق عبر غول عن رغبته في "مشاركة دولية كبرى" في هذا المؤتمر بما في ذلك الحضور الروسي. إذ يبدو ان الأتراك أدركوا أن مفتاح الأزمة بيد الروس لما يمتلكونه من تأثير كبير على نظام الأسد.. وان أهم أسباب فشل "أصدقاء سوريا" في تونس هو شعور موسكو بتجاهل المجتمع الدولي لها أثناء تقديم الجامعة العربية مشروع قرار حول سوريا في مجلس الأمن الشهر الماضي فجابهته بالفيتو.. والآن تحاول أنقرة استدراك ما فشل فيه الآخرون معولة على التنظيم الجيد لهذا المؤتمر من اجل تقريب وجهات النظر حسبما صرح به غول.   التأثير التركي اللافت خلال هذه الزيارة هو تقارب الموقفين التونسي والتركي حيال المسألة السورية. إذ يرى محللون أن لهذا التقارب أبعاداً أخرى.. فهو يعكس تماهياً للسياسة الخارجية لتونس مع الدبلوماسية التركية. فالرغبة التونسية التي عبر عنها المرزوقي "بإرسال قوات سلام" جاء ـ بحسب البعض ـ بإيعاز من أنقرة التي تريد أن تلعب دور القوة الناعمة في المنطقة. وهذا الأمر ليس بجديد على تركيا التي تعد الدولة المسلمة الوحيدة في الناتو، وتمتلك حضوراً لافتاً ومؤثراً في العديد من المسائل والقضايا الشائكة في الشرق الأوسط. وحاولت لعب دور فاعل في الأزمة السورية منذ انطلاقها من خلال دعمها للمعارضة و"الجيش السوري الحر" وايوائها للاجئين السوريين، إضافة إلى المعطى الجيوسياسي المتمثل في وقوع تركيا على تخوم بلاد الشام. كما أن تصريحات المرزوقي بشأن إرسال قوات سلام أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية التونسية . إذ كان من المفترض قبل الإدلاء بهذا الاقتراح أن تتم استشارة الترويكا الحاكمة والرجوع الى المجلس التأسيسي في حال اتخاذ مثل هكذا قرار على غاية من الحساسية. فإرسال هذه القوات هو شكل من أشكال التدخل حتى لو كان سلمياً..وايضاً هناك غموض يكتنف المهمة المنوطة بعهدة هذه القوات التي تعرف وفقاً للمفهوم التقليدي للأمم المتحدة بأنها " لا تلجأ للقوة، وأفرادها لا يحملون أسلحة أو قد يحملون أسلحة خفيفة، ولا يمكنهم استخدام القوة إلا دفاعاً عن النفس". كما ان هناك تساؤلاً يتعلق بكيفية رد هذه القوات في حال تعرضها لاعتداء من قبل عناصر مسلحة وهذا أمر وارد مع الأوضاع الأمنية المضطربة التي تشهدها سوريا. وهذا ما دفع العديد من المراقبين إلى اعتبار ان هذا الاقتراح لا يخدم مصلحة تونس التي من المفترض ان تتبع دبلوماسيتها نهجاً معتدلاً مع الجيران والأشقاء العرب، وان تتحلى بقدر أكبر من النضوج والثبات وأن لا تنساق وراء تأثير سياسات خارجية لدول أخرى تحاول تعزيز مكانتها في المنطقة حتى لو كانت حليفة او داعمة لأنظمة الحكم الجديدة في بلاد الثورات العربية.. فمؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في تونس كان بإعداد من قطر وفشل رغم كل محاولاتها لإنجاحه بتمرير خيار الحل العسكري للازمة . وها هي أنقرة اليوم تلتقط كرة النار وتتهيأ لاحتضان مؤتمر اسطنبول حول سوريا في سياق الإعداد لحل سياسي ينهي الأزمة ينصّ على إرسال قوات سلام عربية وتسعى أنقرة للتسويق لهذا الحل وتمريره بدءاً من تونس بوابة الربيع العربي..   الانتقاد

المصدر : روعة قاسم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة