كشفت زيارة كوفي أنان لدمشق، أن التسوية السياسية في سورية صارت ممكنة لو حصل تقارب روسي - أميركي في الأيام القليلة المقبلة... ذلك أن المبعوث الأممي الذي لمس عند الرئيس بشار الأسد استعدادا للحوار وتصميما على استكمال حملة القضاء على المسلحين، فهم أن المعارضة القلقة من المتغيرات الدولية والتراجع العربي، تعتقد أن القيادة السورية باتت تتصرف من موقع المنتصر وأن أي دخول في الحوار معها الآن يعني القضاء على آخر الفرص لإحداث تغيير جدي في بنية السلطة.

اللافت أن كوفي أنان لم يشر مطــلقا أمام الرئيس الأسد إلى المرحلة الانتقالية أو إلى احتــمال تغــيير النظام. بقي المبعوث الدولي في حدود إقناع الرئيس السوري بمسائل وقف العــنف من قبل كل الأطراف، وإيصال المساعدات الإنســانية، وقبول التــفاوض مع المعارضة.

بدا الرئيس السوري مرتاحا لأجواء اللقاء. هو يعرف كوفي أنان منذ فترة طويلة، ولعل بين الرجلين شيئا من الود. يتذكر بعض القيادة السورية كيف أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة لعب دورا لا بأس به لصالح سوريا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. نجح آنذاك في منع محاولات غربية للزج ببعض الأسماء السورية في ملف الاغتيال. ويتذكرون أيضا كم عانى كوفي أنان من غضبة أميركا عليه حين عارض الحرب على العراق حيث فتحت ضده ملفات تتهمه وتتهم ابنه بالفساد في قضية "النفط في مقابل الغذاء". ولا بأس لو تذكر أنان أيضا كيف أن حلف شمال الأطلسي لم يمنع تقسيم يوغوسلافيا ولم يقدم لليبيا سوى القتل والتقسيم والسلفية.

لم يذهب أنان إلى سوريا إذاً لإقناع الأسد "بالرحيل". هذه قضية صارت خلف ظهر الجميع. هكذا فهم من التقى المبعوث الدولي في دمشق من سلطة ومعارضة. ولم يذهب أنان إلى سوريا من دون غطاء دولي واضح يمتد من موسكو مرورا بأوروبا وصولا إلى الولايات المتحدة. التسوية باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، لكن الغرب لا يريد لموسكو أن تقطف وحدها الثمار. وروسيا المتجددة بعودة فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة تدرك أنها أمام فرصة تاريخية لن تفوتها مهما حصل.

لم يكن بالصدفة تزامن محادثات أنان في دمشق، مع محادثات أخرى لافتة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية. ما كان أحد ليتصور أن موسكو ستحتل يوما ما مقعد المفاوض الأول لدول الخليج بدلا من واشنطن في لحظة مصيرية كالتي تمر بها سوريا حاليا.

فرض بوتين وجهة نظره على الجميع. اعترفت واشنطن بما كانت موسكو تقوله منذ فترة طويلة حول وجود مسلحين. تراجع الغرب ومعه الدول العربية عن مبدأ عدم التفاوض مع النظام السوري. قبلت الجامعة العربية بأن تخفض سقف مطالبها بحضور لافروف بذريعة أن ذلك سيساعد على نقل الملف إلى مجلس الأمن والحصول على موافقة الجميع من دون أي "فيتو" روسي أو صيني.

مصادر الأمم المتحدة في القاهرة تقول إن كوفي أنان لم يجد أي حماسة عند الرئيس الأسد لجهة المبادرة العربية. لعل المبعوث الدولي فهم أن الرئيس السوري أسقط هذه المبادرة من حساباته، لا بل أسقط أيضا الجامعة العربية برمتها. لم يستقبل الأسد ضيفه الدولي سوى بصفته مبعوثا للأمم المتحدة وليس للجامعة العربية. لم يعترض كوفي أنان على ذلك، فالسياسي الغاني الأصل يدرك هو الآخر انه يلعب ورقة شخصية كبيرة الأهمية في الملف السوري. لو نجح في مهمة الوصل بين السلطة والمعارضة فسيكون قد حقق انجازا عجز عن تحقيقه وهو على رأس المنظمة الدولية. لا بد إذاً من قياس كل خطوة بدقة كبيرة.

شعر كوفي أنان بأن الرئيس الأسد يتحدث بثقة كبيرة بالنفس. لا وقف للعملية الأمنية قبل القضاء على السلاح والمسلحين. لا تفاوض إلا تحت سقف الدولة. ما كانت دمشق تقبله قبل بضعة أشهر لم تعد بحاجة لقبوله الآن. لعل الأسد ما عاد قابلا أيضا التفاوض مع المعارضة خارج الأراضي السورية إلا إذا كان الأمر في موسكو. يحق للحليف الروسي ما لا يحق لغيره.

لكن هذا لا يعني أن دمشق ليست بحاجة إلى تسوية أو لا تريدها. على العكس تماما، كان الرئيس السوري واضحا في حديثه لكوفي أنان. شرح له كل خطوات الإصلاح وتلك التي ستأتي قريبا. كان المبعوث الدولي يعبر بين الوقت والآخر عن التأييد والموافقة. فهم أن الأسد لم يغلق الباب على محاورة المعارضة، وإنما أغلقه على المسلحين وداعميهم فقط.

خرج كوفي أنان من عند الرئيس السوري مرتاحا. صحيح أنه لم يحصل على وعد بوقف العملية العسكرية فورا، ذلك أن القيادة السورية تشعر بأن أي وقف لهذه العملية من دون إنهاء المظاهر المسلحة وتسليم السلاح يعني العودة إلى نقطة الصفر. ما كان مقبولا قبل حمص ما عاد مقبولا بعدها. لكن أنان أخذ ضمانات جيدة حيال الحوار المقبل الذي يجب أن يتم من دون شروط. فالمعارضة كانت تشترط وقف العملية العسكرية وسحب الجيش من المدن ومعاقبة المسؤولين عن القتل وإطلاق سراح المسلحين والدخول في مفاوضات للاتفاق على المرحلة الانتقالية. لم يحصل أنان سوى على القـبول بمبدأ التفاوض من دون شروط.

كان الوعد كافيا لإرخاء جو من الارتياح لدى المبعوث الدولي المدرك صعوبة مهمته وحساسيتها. لم يجد عند الرئيس الأسد مانعا في مفاوضة أي معارض إذا ما كانت النية هي الإصلاح وليس السلاح. ذهب بعد ذلك للقاء المعارضة. وجد في البداية تصلبا وتمسكا بالمطالب نفسها. شرح الوضع. تحدث عن الإطار الدولي. نصح بعدم المغالاة. شرح له المعارضون أسباب قلقهم. قال انه هو نفسه واثق بضمانات الرئيس الأسد. ارتأى أن يتم الدخول إلى طاولة الحوار لسبر النيات. لم يكن اللقاء مريحا. ثمة من ينقل عنه انه وجد بعض المعارضة خارج منطق التاريخ والجغرافيا. ومع ذلك حصل على قبول بالتفاوض لو تحسنت الشروط. بقيت العقبة متمثلة بالوقف الفوري للعنف. من يمون على المسلحين. ولو وافق النظام على هدنة، فهل ثمة من يستطيع لدى المعارضة التأثير فعلا على المسلحين؟

لا بد إذاً من العودة إلى الخارج. سينقل كوفي انان ما سمع إلى الأطراف الدولية. يبدو انه سينصح باتخاذ إجراءات لإشاعة جو من الثقة. لا بأس أن تكون البداية عبر وقف الحملات الإعلامية. هذا يفترض الضغط على بعض الفضائيات. يتطــلب الأمر ضوءا اخضر أميركيا. قد يقابل ذلك بإشارات من قبل النظام حيال المعارضة.

التفاصيل ما عادت مهمة. الأهم هو التقارب الأميركي - الروسي حيال الأزمة السورية. من المنتظر أن تشهد قاعات مجلس الأمن والأمم المتحدة مشاورات حثيثة اليوم. يدرك الروس ان الضغوط ستكون كبيرة عليهم. هم نصحوا القيادة السورية بعدم إغلاق الباب أمام المبعوثين الدوليين. كان هذا احد أسباب استقبال دمشق مسؤولة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري آموس. ليست هذه السيدة من المحببين على قلب القيادة السورية، فهي كانت أعربت مرارا عن مواقف مناهضة للنظام السوري. لكن لا بأس من استقبالها إذا كان ذلك يسهل عمل القيادة الروسية في مجلس الأمن. يدرك الروس أن الضغوط الدولية مرشحة للتفاقم ضدهم، وان الصين التي مارست حق النقض (الفيتو) معهم حيال الأزمة السورية قبل فترة، قد لا تستمر على صلابتها في حال لم ترشح بوادر حل قريب في سوريا واقتصر الأمر على العملية العسكرية.

سيحاول كوفي أنان تقديم نفسه على أنه الحل الوسط. الجميع بحاجة إلى وساطته حاليا. لكن الأمر ليس بالسهولة التي قد تبدو للبعض. لا أحد يستطيع ربح المعركة السورية بالكامل، ولا احد قابل بخسارتها بالكامل. وبما أن الملف السوري هو جزء من ملفات كثيرة لا بد من حسمها بين الروس والأميركيين قبل قمة "الأطلسي" المقبلة في شيكاغو في شهر أيار المقبل، فإن لا شيء سيوازي احتمالات التسوية سوى الضغوط الكبيرة من قبل كل الأطراف. والأكيد هو أن الكرة باتت الآن أكثر من أي وقت مضى في ملعب المعارضة السورية، ذلك أن ما قد يقبله النظام السوري اليوم ربما يرفضه لاحقا في حال أكمل السيطرة على بقية المناطق السورية الساخنة، وسط تراجع دولي وعربي واضحين عن فكرة إسقاط النظام السوري بالقوة.

لعل الأميركيين يفكرون جديا بان الاتفاق مع الروس على قرار في مجلس الأمن، ولو بحده الأدنى لمعالجة الأزمة السورية، هو الخيار الأسلم لإيجاد مخارج تحفظ ماء وجه الجميع. وموسكو لن ترفض ذلك إذا ما قبلت واشنطن تحميل الجميع مسؤولية العنف، أي الاعتراف بمسؤولية المعارضة المسلحة، وبالتالي الدفع صوب الحوار.

المخاض السياسي قد يكون طويلا وقد يستمر نزف الدم السوري، لكنه من دون شك قد بدأ بشروط على الأرجح روسية.

  • فريق ماسة
  • 2012-03-11
  • 12109
  • من الأرشيف

أنان ينتظر تقارباً روسياً ـ أميركياً للنجاح في سورية

  كشفت زيارة كوفي أنان لدمشق، أن التسوية السياسية في سورية صارت ممكنة لو حصل تقارب روسي - أميركي في الأيام القليلة المقبلة... ذلك أن المبعوث الأممي الذي لمس عند الرئيس بشار الأسد استعدادا للحوار وتصميما على استكمال حملة القضاء على المسلحين، فهم أن المعارضة القلقة من المتغيرات الدولية والتراجع العربي، تعتقد أن القيادة السورية باتت تتصرف من موقع المنتصر وأن أي دخول في الحوار معها الآن يعني القضاء على آخر الفرص لإحداث تغيير جدي في بنية السلطة. اللافت أن كوفي أنان لم يشر مطــلقا أمام الرئيس الأسد إلى المرحلة الانتقالية أو إلى احتــمال تغــيير النظام. بقي المبعوث الدولي في حدود إقناع الرئيس السوري بمسائل وقف العــنف من قبل كل الأطراف، وإيصال المساعدات الإنســانية، وقبول التــفاوض مع المعارضة. بدا الرئيس السوري مرتاحا لأجواء اللقاء. هو يعرف كوفي أنان منذ فترة طويلة، ولعل بين الرجلين شيئا من الود. يتذكر بعض القيادة السورية كيف أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة لعب دورا لا بأس به لصالح سوريا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. نجح آنذاك في منع محاولات غربية للزج ببعض الأسماء السورية في ملف الاغتيال. ويتذكرون أيضا كم عانى كوفي أنان من غضبة أميركا عليه حين عارض الحرب على العراق حيث فتحت ضده ملفات تتهمه وتتهم ابنه بالفساد في قضية "النفط في مقابل الغذاء". ولا بأس لو تذكر أنان أيضا كيف أن حلف شمال الأطلسي لم يمنع تقسيم يوغوسلافيا ولم يقدم لليبيا سوى القتل والتقسيم والسلفية. لم يذهب أنان إلى سوريا إذاً لإقناع الأسد "بالرحيل". هذه قضية صارت خلف ظهر الجميع. هكذا فهم من التقى المبعوث الدولي في دمشق من سلطة ومعارضة. ولم يذهب أنان إلى سوريا من دون غطاء دولي واضح يمتد من موسكو مرورا بأوروبا وصولا إلى الولايات المتحدة. التسوية باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، لكن الغرب لا يريد لموسكو أن تقطف وحدها الثمار. وروسيا المتجددة بعودة فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة تدرك أنها أمام فرصة تاريخية لن تفوتها مهما حصل. لم يكن بالصدفة تزامن محادثات أنان في دمشق، مع محادثات أخرى لافتة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية. ما كان أحد ليتصور أن موسكو ستحتل يوما ما مقعد المفاوض الأول لدول الخليج بدلا من واشنطن في لحظة مصيرية كالتي تمر بها سوريا حاليا. فرض بوتين وجهة نظره على الجميع. اعترفت واشنطن بما كانت موسكو تقوله منذ فترة طويلة حول وجود مسلحين. تراجع الغرب ومعه الدول العربية عن مبدأ عدم التفاوض مع النظام السوري. قبلت الجامعة العربية بأن تخفض سقف مطالبها بحضور لافروف بذريعة أن ذلك سيساعد على نقل الملف إلى مجلس الأمن والحصول على موافقة الجميع من دون أي "فيتو" روسي أو صيني. مصادر الأمم المتحدة في القاهرة تقول إن كوفي أنان لم يجد أي حماسة عند الرئيس الأسد لجهة المبادرة العربية. لعل المبعوث الدولي فهم أن الرئيس السوري أسقط هذه المبادرة من حساباته، لا بل أسقط أيضا الجامعة العربية برمتها. لم يستقبل الأسد ضيفه الدولي سوى بصفته مبعوثا للأمم المتحدة وليس للجامعة العربية. لم يعترض كوفي أنان على ذلك، فالسياسي الغاني الأصل يدرك هو الآخر انه يلعب ورقة شخصية كبيرة الأهمية في الملف السوري. لو نجح في مهمة الوصل بين السلطة والمعارضة فسيكون قد حقق انجازا عجز عن تحقيقه وهو على رأس المنظمة الدولية. لا بد إذاً من قياس كل خطوة بدقة كبيرة. شعر كوفي أنان بأن الرئيس الأسد يتحدث بثقة كبيرة بالنفس. لا وقف للعملية الأمنية قبل القضاء على السلاح والمسلحين. لا تفاوض إلا تحت سقف الدولة. ما كانت دمشق تقبله قبل بضعة أشهر لم تعد بحاجة لقبوله الآن. لعل الأسد ما عاد قابلا أيضا التفاوض مع المعارضة خارج الأراضي السورية إلا إذا كان الأمر في موسكو. يحق للحليف الروسي ما لا يحق لغيره. لكن هذا لا يعني أن دمشق ليست بحاجة إلى تسوية أو لا تريدها. على العكس تماما، كان الرئيس السوري واضحا في حديثه لكوفي أنان. شرح له كل خطوات الإصلاح وتلك التي ستأتي قريبا. كان المبعوث الدولي يعبر بين الوقت والآخر عن التأييد والموافقة. فهم أن الأسد لم يغلق الباب على محاورة المعارضة، وإنما أغلقه على المسلحين وداعميهم فقط. خرج كوفي أنان من عند الرئيس السوري مرتاحا. صحيح أنه لم يحصل على وعد بوقف العملية العسكرية فورا، ذلك أن القيادة السورية تشعر بأن أي وقف لهذه العملية من دون إنهاء المظاهر المسلحة وتسليم السلاح يعني العودة إلى نقطة الصفر. ما كان مقبولا قبل حمص ما عاد مقبولا بعدها. لكن أنان أخذ ضمانات جيدة حيال الحوار المقبل الذي يجب أن يتم من دون شروط. فالمعارضة كانت تشترط وقف العملية العسكرية وسحب الجيش من المدن ومعاقبة المسؤولين عن القتل وإطلاق سراح المسلحين والدخول في مفاوضات للاتفاق على المرحلة الانتقالية. لم يحصل أنان سوى على القـبول بمبدأ التفاوض من دون شروط. كان الوعد كافيا لإرخاء جو من الارتياح لدى المبعوث الدولي المدرك صعوبة مهمته وحساسيتها. لم يجد عند الرئيس الأسد مانعا في مفاوضة أي معارض إذا ما كانت النية هي الإصلاح وليس السلاح. ذهب بعد ذلك للقاء المعارضة. وجد في البداية تصلبا وتمسكا بالمطالب نفسها. شرح الوضع. تحدث عن الإطار الدولي. نصح بعدم المغالاة. شرح له المعارضون أسباب قلقهم. قال انه هو نفسه واثق بضمانات الرئيس الأسد. ارتأى أن يتم الدخول إلى طاولة الحوار لسبر النيات. لم يكن اللقاء مريحا. ثمة من ينقل عنه انه وجد بعض المعارضة خارج منطق التاريخ والجغرافيا. ومع ذلك حصل على قبول بالتفاوض لو تحسنت الشروط. بقيت العقبة متمثلة بالوقف الفوري للعنف. من يمون على المسلحين. ولو وافق النظام على هدنة، فهل ثمة من يستطيع لدى المعارضة التأثير فعلا على المسلحين؟ لا بد إذاً من العودة إلى الخارج. سينقل كوفي انان ما سمع إلى الأطراف الدولية. يبدو انه سينصح باتخاذ إجراءات لإشاعة جو من الثقة. لا بأس أن تكون البداية عبر وقف الحملات الإعلامية. هذا يفترض الضغط على بعض الفضائيات. يتطــلب الأمر ضوءا اخضر أميركيا. قد يقابل ذلك بإشارات من قبل النظام حيال المعارضة. التفاصيل ما عادت مهمة. الأهم هو التقارب الأميركي - الروسي حيال الأزمة السورية. من المنتظر أن تشهد قاعات مجلس الأمن والأمم المتحدة مشاورات حثيثة اليوم. يدرك الروس ان الضغوط ستكون كبيرة عليهم. هم نصحوا القيادة السورية بعدم إغلاق الباب أمام المبعوثين الدوليين. كان هذا احد أسباب استقبال دمشق مسؤولة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري آموس. ليست هذه السيدة من المحببين على قلب القيادة السورية، فهي كانت أعربت مرارا عن مواقف مناهضة للنظام السوري. لكن لا بأس من استقبالها إذا كان ذلك يسهل عمل القيادة الروسية في مجلس الأمن. يدرك الروس أن الضغوط الدولية مرشحة للتفاقم ضدهم، وان الصين التي مارست حق النقض (الفيتو) معهم حيال الأزمة السورية قبل فترة، قد لا تستمر على صلابتها في حال لم ترشح بوادر حل قريب في سوريا واقتصر الأمر على العملية العسكرية. سيحاول كوفي أنان تقديم نفسه على أنه الحل الوسط. الجميع بحاجة إلى وساطته حاليا. لكن الأمر ليس بالسهولة التي قد تبدو للبعض. لا أحد يستطيع ربح المعركة السورية بالكامل، ولا احد قابل بخسارتها بالكامل. وبما أن الملف السوري هو جزء من ملفات كثيرة لا بد من حسمها بين الروس والأميركيين قبل قمة "الأطلسي" المقبلة في شيكاغو في شهر أيار المقبل، فإن لا شيء سيوازي احتمالات التسوية سوى الضغوط الكبيرة من قبل كل الأطراف. والأكيد هو أن الكرة باتت الآن أكثر من أي وقت مضى في ملعب المعارضة السورية، ذلك أن ما قد يقبله النظام السوري اليوم ربما يرفضه لاحقا في حال أكمل السيطرة على بقية المناطق السورية الساخنة، وسط تراجع دولي وعربي واضحين عن فكرة إسقاط النظام السوري بالقوة. لعل الأميركيين يفكرون جديا بان الاتفاق مع الروس على قرار في مجلس الأمن، ولو بحده الأدنى لمعالجة الأزمة السورية، هو الخيار الأسلم لإيجاد مخارج تحفظ ماء وجه الجميع. وموسكو لن ترفض ذلك إذا ما قبلت واشنطن تحميل الجميع مسؤولية العنف، أي الاعتراف بمسؤولية المعارضة المسلحة، وبالتالي الدفع صوب الحوار. المخاض السياسي قد يكون طويلا وقد يستمر نزف الدم السوري، لكنه من دون شك قد بدأ بشروط على الأرجح روسية.

المصدر : سامي كليب / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة