تصر أطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج والعديد من الكتاب وقادة الرأي العرب على تكرار توصيف "الحل الأمني" الذي جرى إنتاجه بشكل يُحمِّل الدولة الوطنية السورية المسؤولية الأحادية عن الأحداث الجارية، على الرغم من الوقائع العنيدة التي حملتها التطورات المتراكمة في يوميات سنة كاملة من الحرب العالمية على سورية .

تقوم نظرية الحل الأمني على ركيزتين رئيسيتين :

- تجاهل الخطوات الإصلاحية المتلاحقة التي اتخذتها الدولة الوطنية السورية والتبخيس من قيمتها وأثرها في الحياة العامة وفي إعادة تكوين الدولة ومؤسساتها.

- الموقف المشبوه من مسألة وجود عصابات وميليشيات مسلحة تابعة لـ"مجلس اسطنبول"، وهومنطق تدرج من الإنكار إلى التبرير والتبني مع التصميم على تحميل الدولة مسؤولية استمرار العنف على الرغم من تقرير بعثة المراقبين العرب الذي حسم الجدل حول هذا الموضوع بكل وضوح، وكذلك على الرغم من كثافة المعلومات المتداولة في الإعلام العالمي والوقائع التي عرضها بعض رموز المعارضة كالسيد هيثم مناع الذي كشف بصورة مبكرة معلومات عن عروض سلاح وتمويل خليجية ولبنانية تلقاها المعارضون في الخارج، بينما شكل دخول القاعدة ميدانيا وسياسيا على خط الأحداث السورية بعد تفجيرات دمشق وحلب الانتحارية وتصريحات الظواهري، تأكيدا على تورط فصائل التكفير الإقليمية والمحلية في عمليات القتل والإرهاب التي تستهدف سورية وأمنها الوطني.

أولا من غرائب المنطق السياسي تجاوز حقيقة أن رزمة القوانين الإصلاحية التي صدرت في سورية وصولا إلى نص الدستور الجديد، تؤهل البلاد للدخول في مرحلة من التحول السياسي، بالانتقال إلى نظام جمهوري برلماني تعددي، ينبثق من الإرادة الشعبية المعبر عنها في صناديق الاقتراع، وحيث يصدر الاعتراض غير المبرر من القابعين في حضن الحكومات الغربية التي يعتمد معظمها دساتير وآليات حكم مشابهة، مع تجاوزنا لحقيقة تمويل حركاتهم وصحفهم ومنابرهم من حكومات استبدادية متخلفة وأوتوقراطية تنتمي للقرون الوسطى كحكومتي قطر والسعودية اللتين تفصلهما مسافات ضوئية متمادية عن الدستور السوري الجديد.

ثانيا تتضح خلفيات رفض الحوار الوطني وعرقلته من خلال التنكر للإصلاحات التي أعلن الرئيس بشار الأسد في بداية الأزمة عن رغبته في التفاهم على مضمونها عبر الحوار الوطني، وإفساح المجال أمام إطلاقها بإرادة مشتركة بين السلطة القائمة وقوى المعارضة عبر عقد وطني يرعى تجديد بنى الدولة الوطنية ومؤسساتها، وبالتالي فإن السعي إلى الحوار وتحقيق بيئة سياسية مناسبة لتقدمه نحوالتفاهمات الوطنية المعول عليها هما اللذان أخّرا الشروع في صياغة الدستور الجديد المطروح للاستفتاء بعد أيام .

ثالثا تعطيل الحوار ورفض التجاوب مع دعوة الدولة الوطنية إلى المعارضين للمشاركة فيه كانا فعلا مدبرا، وبندا رئيسيا في خطة التحالف الغربي التركي الخليجي الذي يدير الحرب العالمية على سورية، والغاية المباشرة كانت عرقلة الإصلاحات ومحاولة إفراغها من مضمونها سياسيا وإعلاميا، لإطالة أمد الأزمة ولتغطية التمرد المسلح، والإرهاب الذي تم تفعيله بدفق من السلاح والمال والإرهابيين في عمل حثيث تلاقت عليه أجهزة المخابرات الغربية والإقليمية المتورطة في هذه الحرب .

في هذا الاتجاه، نفذت حكومات الخليج الانقلاب على المبادرة العربية لقطع السياق الافتراضي للحل السياسي الذي نص عليه البروتوكول الموقع في تشرين الثاني الماضي بين الحكومة السورية والجامعة بعد مفاوضات عسيرة صدَّت خلالها سورية محاولات شرسة للنيل من سيادتها الوطنية.

رابعا العازفون على وتر الحل الأمني يمارسون التضليل المقصود بتغييب البعد السياسي العميق للإصلاحات السورية التي تؤسس لأول جمهورية ديمقراطية برلمانية في الدولة المدنية العلمانية الوحيدة في البلاد العربية، والتي تكرس حرية التنوع الديني والمعتقدي بما يلائم نسيج المجتمعات المشرقية، وهوما يلبي تمسكا جذريا بالوحدة الوطنية عبّر عنه الشعب العربي السوري في هذه المحنة بكل قوة.

هم أنفسهم العازفون عن تقديم وصفة منطقية واضحة وعملية للتعامل مع عصابات الإرهاب ومع التمرد المسلح عن غير طريق قيام الدولة الوطنية بواجباتها وبواسطة مؤسستها الأمنية والعسكرية في حفظ الأمن الوطني وحماية الاستقرار وتغييب هذا الأمر عن النقاش، يخفي تواطؤا لا نقصا في المعطيات والمعلومات بعد كل ما جرى .

سورية تشق طريق انتصارها ونهوضها بالتصميم على الإصلاح وبالحزم في إنهاء الفوضى المسلحة ودك معاقل الإرهاب. أما أبواق المستعمرين والمستعربين، فليست المشكلة معها سجالا في المنطق، لأنها موظفة ومأجورة، وقد تخطت طرق الرجوع عن تورطها، بعدما سقط الكثير من الأقنعة في رحاب الأزمة السورية، والآتي أعظم.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-02-20
  • 11203
  • من الأرشيف

معزوفة الحل الأمني ..

تصر أطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج والعديد من الكتاب وقادة الرأي العرب على تكرار توصيف "الحل الأمني" الذي جرى إنتاجه بشكل يُحمِّل الدولة الوطنية السورية المسؤولية الأحادية عن الأحداث الجارية، على الرغم من الوقائع العنيدة التي حملتها التطورات المتراكمة في يوميات سنة كاملة من الحرب العالمية على سورية . تقوم نظرية الحل الأمني على ركيزتين رئيسيتين : - تجاهل الخطوات الإصلاحية المتلاحقة التي اتخذتها الدولة الوطنية السورية والتبخيس من قيمتها وأثرها في الحياة العامة وفي إعادة تكوين الدولة ومؤسساتها. - الموقف المشبوه من مسألة وجود عصابات وميليشيات مسلحة تابعة لـ"مجلس اسطنبول"، وهومنطق تدرج من الإنكار إلى التبرير والتبني مع التصميم على تحميل الدولة مسؤولية استمرار العنف على الرغم من تقرير بعثة المراقبين العرب الذي حسم الجدل حول هذا الموضوع بكل وضوح، وكذلك على الرغم من كثافة المعلومات المتداولة في الإعلام العالمي والوقائع التي عرضها بعض رموز المعارضة كالسيد هيثم مناع الذي كشف بصورة مبكرة معلومات عن عروض سلاح وتمويل خليجية ولبنانية تلقاها المعارضون في الخارج، بينما شكل دخول القاعدة ميدانيا وسياسيا على خط الأحداث السورية بعد تفجيرات دمشق وحلب الانتحارية وتصريحات الظواهري، تأكيدا على تورط فصائل التكفير الإقليمية والمحلية في عمليات القتل والإرهاب التي تستهدف سورية وأمنها الوطني. أولا من غرائب المنطق السياسي تجاوز حقيقة أن رزمة القوانين الإصلاحية التي صدرت في سورية وصولا إلى نص الدستور الجديد، تؤهل البلاد للدخول في مرحلة من التحول السياسي، بالانتقال إلى نظام جمهوري برلماني تعددي، ينبثق من الإرادة الشعبية المعبر عنها في صناديق الاقتراع، وحيث يصدر الاعتراض غير المبرر من القابعين في حضن الحكومات الغربية التي يعتمد معظمها دساتير وآليات حكم مشابهة، مع تجاوزنا لحقيقة تمويل حركاتهم وصحفهم ومنابرهم من حكومات استبدادية متخلفة وأوتوقراطية تنتمي للقرون الوسطى كحكومتي قطر والسعودية اللتين تفصلهما مسافات ضوئية متمادية عن الدستور السوري الجديد. ثانيا تتضح خلفيات رفض الحوار الوطني وعرقلته من خلال التنكر للإصلاحات التي أعلن الرئيس بشار الأسد في بداية الأزمة عن رغبته في التفاهم على مضمونها عبر الحوار الوطني، وإفساح المجال أمام إطلاقها بإرادة مشتركة بين السلطة القائمة وقوى المعارضة عبر عقد وطني يرعى تجديد بنى الدولة الوطنية ومؤسساتها، وبالتالي فإن السعي إلى الحوار وتحقيق بيئة سياسية مناسبة لتقدمه نحوالتفاهمات الوطنية المعول عليها هما اللذان أخّرا الشروع في صياغة الدستور الجديد المطروح للاستفتاء بعد أيام . ثالثا تعطيل الحوار ورفض التجاوب مع دعوة الدولة الوطنية إلى المعارضين للمشاركة فيه كانا فعلا مدبرا، وبندا رئيسيا في خطة التحالف الغربي التركي الخليجي الذي يدير الحرب العالمية على سورية، والغاية المباشرة كانت عرقلة الإصلاحات ومحاولة إفراغها من مضمونها سياسيا وإعلاميا، لإطالة أمد الأزمة ولتغطية التمرد المسلح، والإرهاب الذي تم تفعيله بدفق من السلاح والمال والإرهابيين في عمل حثيث تلاقت عليه أجهزة المخابرات الغربية والإقليمية المتورطة في هذه الحرب . في هذا الاتجاه، نفذت حكومات الخليج الانقلاب على المبادرة العربية لقطع السياق الافتراضي للحل السياسي الذي نص عليه البروتوكول الموقع في تشرين الثاني الماضي بين الحكومة السورية والجامعة بعد مفاوضات عسيرة صدَّت خلالها سورية محاولات شرسة للنيل من سيادتها الوطنية. رابعا العازفون على وتر الحل الأمني يمارسون التضليل المقصود بتغييب البعد السياسي العميق للإصلاحات السورية التي تؤسس لأول جمهورية ديمقراطية برلمانية في الدولة المدنية العلمانية الوحيدة في البلاد العربية، والتي تكرس حرية التنوع الديني والمعتقدي بما يلائم نسيج المجتمعات المشرقية، وهوما يلبي تمسكا جذريا بالوحدة الوطنية عبّر عنه الشعب العربي السوري في هذه المحنة بكل قوة. هم أنفسهم العازفون عن تقديم وصفة منطقية واضحة وعملية للتعامل مع عصابات الإرهاب ومع التمرد المسلح عن غير طريق قيام الدولة الوطنية بواجباتها وبواسطة مؤسستها الأمنية والعسكرية في حفظ الأمن الوطني وحماية الاستقرار وتغييب هذا الأمر عن النقاش، يخفي تواطؤا لا نقصا في المعطيات والمعلومات بعد كل ما جرى . سورية تشق طريق انتصارها ونهوضها بالتصميم على الإصلاح وبالحزم في إنهاء الفوضى المسلحة ودك معاقل الإرهاب. أما أبواق المستعمرين والمستعربين، فليست المشكلة معها سجالا في المنطق، لأنها موظفة ومأجورة، وقد تخطت طرق الرجوع عن تورطها، بعدما سقط الكثير من الأقنعة في رحاب الأزمة السورية، والآتي أعظم.  

المصدر : غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة