أثار قرار الحكومة التونسية طرد السفير السوري من تونس جدلاً كبيراً لدى الأوساط السياسية وموجة واسعة من الانتقادات الداخلية خصوصاً لدى أطياف المعارضة. وقد أعلن وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام عن هذا القرار مؤكداً أنه كان نتيجة للتشاور بين الرئاسات الثلاث وأنه جاء كرد فعل على ما قال إنه " تواصل أعمال العنف والقتل في حق الشعب السوري".

كما تزامن هذا القرار مع إعلان الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي تجميد العلاقات مع سورية والشروع في اتخاذ الإجراءات لطرد السفير السوري، وقد سبق أن استقبل المرزوقي رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون صديقه في المنفى الباريسي، وقد اثار هذا الاسنتقبال في حينه انتقاد واستنكار أطراف تونسية عدة واعتبرت أن المرزوقي تعامل مع الأزمة السورية من منطلق حقوقي مناصر لحقوق الشعوب الثائرة بعيداً عن منطق العقلانية الدبلوماسية المتعارف عليها والتي دأبت عليها الدبلوماسية التونسية تاريخيا.

 

انتقادات

وقد عبرت  غالبية الطبقة السياسية التونسية عن رفضها لهذه الخطوة ووصفتها بالمتسرعة والمتناقضة مع الأعراف الدبلوماسية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الخطوات التدريجية التي كان من الممكن أن تتخذها تونس للتعبير عن استيائها مما يحصل في سوريا، على غرار استدعاء السفير للتشاور معه وغيرها من الخطوات التي اعتادت الدول اتخاذها في مثل هذه الحالة.

كما اعربت مجمل الأحزاب السياسية باستثناء " الترويكا" الحاكمة عن استغرابها من انتهاج الحكومة هذا النهج المتصاعد من دون التشاور مع الأطراف السياسية في البلد والمجلس الوطني التأسيسي في ظل الظرف العصيب التي تمر به المنطقة.

وقد وصفت أحزب كثيرة هذا القرار بالمتسرع ويعبر عن دبلوماسية ثائرة تتعاطى بأسلوب عاطفي مع القضايا الخارجية الحساسة ذات البعد الإقليمي والدولي، ويفتقد إلى النضج السياسي ويتناقض مع الأعراف الدبلوماسية.

 

أجندة قطرية

كما رأى آخرون أن هذا الموقف جاء تنفيذاً لأجندة قطرية باعتبار أن هذه الإمارة تقود اليوم عمليا المواقف المتصاعدة في الجامعة العربية ضد النظام السوري معتبرين ان وزير الخارجية رفيق عبد السلام قد يكون دفع في هذا الإتجاه بسبب قربه من الأوساط السياسية القطرية وبسبب عمله الطويل في كبريات مؤسساتها الإعلامية.  إضافة إلى الدور الذي يلعبه صهره زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في ملف السياسة الخارجية، ويأتي هذا الموقف المفاجئ في إطار سعي هذا الأخير لإقامة علاقات جديدة بين تونس والمغرب العربي والبلدان الخليجية. لذلك فقد اتهمت أطراف عديدة في المشهد السياسي التونسي الحكومة "النهضوية" بقيادة حمادي الجبالي بأنها في طريقها إلى التماهي مع سياسة قطر الخارجية، وان هذا القرار تم بضوء أخضر قطري  وهذا لا يخدم مصالح تونس في علاقتها مع المجتمع  الدولي، خصوصاً أن الملف السوري لم يعد ملفا داخليا بحتا، بل بات ساحة لصراعات قوى نافذة في العالم على غرار واشنطن وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها.

وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا أن هذا القرار يضع استقلالية تونس على المحك ويجعلها أداة بيد الإمارة القطرية في سعيها لإثبات حضورها الاستراتيجي في أكثر من ملف في المنطقة ومن بينها الملف السوري.

 

تداعيات

لذلك اعتبر العديد من المراقبين أن هذا القرار سيكون له تداعيات خطيرة قد لا تقتصر عند حد تهديد العلاقات الإستراتيجية التي كانت تربط بين تونس وسوريا خصوصاً ان دمشق بقيادتها الحالية تعاونت مع تونس تجارياً في أوقات صعبة مرت بها البلاد، كما أن الجالية التونسية التي تعيش في سوريا تقدر بحوالي 3 ملايين شخص تلقت أفضل معاملة من قبل هذا النظام في فترات سابقة. كما ان هذا الموقف التصعيدي من شأنه ان يهدد علاقات تونس مع كل من الصين وروسيا باعتبار انه جاء كرد فعل على استخدام هاتين الدولتين الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار حول سوريا،  إضافة إلى أن هناك مشاريع روسية وصينية قيد الانجاز في تونس وهي مهددة بالتجميد جراء هذا القرار وتبلغ قيمتها زهاء خمسة مليارات من الدولارات، وهي كفيلة بإنعاش الاقتصاد التونسي في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد.

كما قد اعتبر كثيرون موقف الحكومة التونسية الجديدة بأنه جاء متقدما على مواقف دول أخرى فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي الدولي على غرار واشنطن  وباريس اللتين لم تقدما على مثل هذه الخطوة لأنهما تضعان مصالحهما الإستراتيجية والبراغماتية في الميزان، وقبل أي حسابات أخرى. كما أن قطر وتركيا من جهتهما لم تتخذا قرار قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع الجانب السوري برغم التأزم العميق الذي شاب العلاقات بعد الثورات العربية، لمعرفتهما المسبقة بتداعياته ولأنهما تدركان جيدا كيفية تسيير ملف السياسة الخارجية لبلديهما والذي يجب أن يخدم صالح البلاد قبل أي حسابات أخرى.

  • فريق ماسة
  • 2012-02-07
  • 11005
  • من الأرشيف

طرد السفير السوري من تونس والتماهي مع السياسة القطرية

  أثار قرار الحكومة التونسية طرد السفير السوري من تونس جدلاً كبيراً لدى الأوساط السياسية وموجة واسعة من الانتقادات الداخلية خصوصاً لدى أطياف المعارضة. وقد أعلن وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام عن هذا القرار مؤكداً أنه كان نتيجة للتشاور بين الرئاسات الثلاث وأنه جاء كرد فعل على ما قال إنه " تواصل أعمال العنف والقتل في حق الشعب السوري". كما تزامن هذا القرار مع إعلان الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي تجميد العلاقات مع سورية والشروع في اتخاذ الإجراءات لطرد السفير السوري، وقد سبق أن استقبل المرزوقي رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون صديقه في المنفى الباريسي، وقد اثار هذا الاسنتقبال في حينه انتقاد واستنكار أطراف تونسية عدة واعتبرت أن المرزوقي تعامل مع الأزمة السورية من منطلق حقوقي مناصر لحقوق الشعوب الثائرة بعيداً عن منطق العقلانية الدبلوماسية المتعارف عليها والتي دأبت عليها الدبلوماسية التونسية تاريخيا.   انتقادات وقد عبرت  غالبية الطبقة السياسية التونسية عن رفضها لهذه الخطوة ووصفتها بالمتسرعة والمتناقضة مع الأعراف الدبلوماسية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الخطوات التدريجية التي كان من الممكن أن تتخذها تونس للتعبير عن استيائها مما يحصل في سوريا، على غرار استدعاء السفير للتشاور معه وغيرها من الخطوات التي اعتادت الدول اتخاذها في مثل هذه الحالة. كما اعربت مجمل الأحزاب السياسية باستثناء " الترويكا" الحاكمة عن استغرابها من انتهاج الحكومة هذا النهج المتصاعد من دون التشاور مع الأطراف السياسية في البلد والمجلس الوطني التأسيسي في ظل الظرف العصيب التي تمر به المنطقة. وقد وصفت أحزب كثيرة هذا القرار بالمتسرع ويعبر عن دبلوماسية ثائرة تتعاطى بأسلوب عاطفي مع القضايا الخارجية الحساسة ذات البعد الإقليمي والدولي، ويفتقد إلى النضج السياسي ويتناقض مع الأعراف الدبلوماسية.   أجندة قطرية كما رأى آخرون أن هذا الموقف جاء تنفيذاً لأجندة قطرية باعتبار أن هذه الإمارة تقود اليوم عمليا المواقف المتصاعدة في الجامعة العربية ضد النظام السوري معتبرين ان وزير الخارجية رفيق عبد السلام قد يكون دفع في هذا الإتجاه بسبب قربه من الأوساط السياسية القطرية وبسبب عمله الطويل في كبريات مؤسساتها الإعلامية.  إضافة إلى الدور الذي يلعبه صهره زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في ملف السياسة الخارجية، ويأتي هذا الموقف المفاجئ في إطار سعي هذا الأخير لإقامة علاقات جديدة بين تونس والمغرب العربي والبلدان الخليجية. لذلك فقد اتهمت أطراف عديدة في المشهد السياسي التونسي الحكومة "النهضوية" بقيادة حمادي الجبالي بأنها في طريقها إلى التماهي مع سياسة قطر الخارجية، وان هذا القرار تم بضوء أخضر قطري  وهذا لا يخدم مصالح تونس في علاقتها مع المجتمع  الدولي، خصوصاً أن الملف السوري لم يعد ملفا داخليا بحتا، بل بات ساحة لصراعات قوى نافذة في العالم على غرار واشنطن وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها. وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا أن هذا القرار يضع استقلالية تونس على المحك ويجعلها أداة بيد الإمارة القطرية في سعيها لإثبات حضورها الاستراتيجي في أكثر من ملف في المنطقة ومن بينها الملف السوري.   تداعيات لذلك اعتبر العديد من المراقبين أن هذا القرار سيكون له تداعيات خطيرة قد لا تقتصر عند حد تهديد العلاقات الإستراتيجية التي كانت تربط بين تونس وسوريا خصوصاً ان دمشق بقيادتها الحالية تعاونت مع تونس تجارياً في أوقات صعبة مرت بها البلاد، كما أن الجالية التونسية التي تعيش في سوريا تقدر بحوالي 3 ملايين شخص تلقت أفضل معاملة من قبل هذا النظام في فترات سابقة. كما ان هذا الموقف التصعيدي من شأنه ان يهدد علاقات تونس مع كل من الصين وروسيا باعتبار انه جاء كرد فعل على استخدام هاتين الدولتين الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار حول سوريا،  إضافة إلى أن هناك مشاريع روسية وصينية قيد الانجاز في تونس وهي مهددة بالتجميد جراء هذا القرار وتبلغ قيمتها زهاء خمسة مليارات من الدولارات، وهي كفيلة بإنعاش الاقتصاد التونسي في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد. كما قد اعتبر كثيرون موقف الحكومة التونسية الجديدة بأنه جاء متقدما على مواقف دول أخرى فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي الدولي على غرار واشنطن  وباريس اللتين لم تقدما على مثل هذه الخطوة لأنهما تضعان مصالحهما الإستراتيجية والبراغماتية في الميزان، وقبل أي حسابات أخرى. كما أن قطر وتركيا من جهتهما لم تتخذا قرار قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع الجانب السوري برغم التأزم العميق الذي شاب العلاقات بعد الثورات العربية، لمعرفتهما المسبقة بتداعياته ولأنهما تدركان جيدا كيفية تسيير ملف السياسة الخارجية لبلديهما والذي يجب أن يخدم صالح البلاد قبل أي حسابات أخرى.

المصدر : روعة قاسم\ الانتقاد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة