دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
وصفت الصحافة البريطانية خطاب الرئيس بشار الأسد بالقوة و الثقة وقالت صحف إسرائيل التي سخرت من تصريحات المسؤولين، إنه خطاب نصف انتصار ، بينما اعتبره آخرون مقدمة لفصل حاسم يضع حدا للإرهاب والفوضى بعدما ثبت بلوغ التدخلات الأجنبية طريقا مسدودا ، في حين تواجه الجامعة العربية مأزقا حائرا و تباينات ظاهرة ، أمام السعي القطري المستمر لتكوين مقدمات التدويل المستحيل ، من خلال تحركات حمد بن جاسم ومحاولاته للضغط على مهمة المراقبين العرب ، بهدف استخراج تقرير يحمل الدولة الوطنية المسؤولية عن الأحداث و التغاضي المتعمد عن وجود العصابات المسلحة التي عاين المراقبون حركتها ميدانيا ووثقوا كثيرا من نتائجها بلسان الضحايا وذويهم في جميع المناطق ، التي كانت مسرحا لأعمال التفجير والقتل الجماعي والخطف واللصوصية والإرهاب التي وصفها الرئيس بشار الأسد في خطابه على مدرج جامعة دمشق.
أولا: الغريب العجيب هو الكلام الوقح للعديد من المسؤولين العرب و الأجانب عن تحميل السلطات السورية مسؤولية حماية المراقبين العرب و الصحافيين الأجانب، بينما هم ينكرون على هذه الدولة حقها في التوجه نحو الحسم الأمني و العسكري ضد الإرهاب والفوضى.
فهذا الحسم الذي أشار إليه الرئيس الأسد ، هو حاجة وطنية سورية كما شرح في خطابه الذي تناول فيه الأثر الاقتصادي والحياتي للفوضى المسلحة في محافظتي حمص وادلب وأريافهما وبعض أنحاء محافظتي حماه ودرعا.
في حين أن التفجيرات الانتحارية التي نفذتها فصائل التكفير في سورية ولا سيما في العاصمة تمثل خطرا على الاستقرار والأمان اللذين يردد السوريون في كل مكان تطلعهم إلى استعادتهما ، إن أي دولة في العالم لا يمكن أن تقنع أحدا بأن لديها اقتراح عملي آخر للتعامل مع الإرهاب والفوضى و لكن أولئك المتحاملين هم من يسلح العصابات و يمولها و يدربها .
الحسم هو مطلب شعبي يتردد في الساحات منذ انكشاف الصورة أمام المواطنين السوريين و بعد انفضاح الروايات الإعلامية المفبركة والكاذبة وبعد الانفضاض الشعبي الملحوظ من حول المعارضات المتناحرة ، التي برهنت على ارتهانها إلى الخارج وارتباطها بمخطط استعماري تشكل عناوينه واقعيا تدميرا لقوة سورية الإقليمية وإخضاعا لسورية أمام إسرائيل وهيمنتها في المنطقة ، عبر إسقاط خيارها المقاوم وهويتها العربية ، اللذين يؤمن السوريون في غالبيتهم الساحقة ، بأنهما علة وجود سورية وحصانتها وقدرتها في وجه الحلف الاستعماري الغربي الصهيوني منذ عقود.
ثانيا وقائع حياة السوريين اليومية في أماكن سكنهم و عملهم وفي مؤسساتهم التعليمية وفي تحركاتهم وأنشطتهم العادية تشعرهم بأنهم تحت تهديد الإرهاب والعنف والفوضى ، وهذا ما يدفعهم منذ أشهر إلى التعبير في جميع الساحات عن مطالبتهم لدولتهم الوطنية بحسم الأمور وخصوصا في الأرياف حيث تسيطر العصابات المسلحة على عدد من البلدات والقرى وتفرض إرهابها وتخرب المرافق العامة والخاصة وتقوم بأعمال الخطف والابتزاز ، أما في مدينة حمص التي حاولت العصابات أن تولد منها شرارة فتنة طائفية تشعل حربا أهلية في البلاد ، فإن المواطنين العاديين يدعمون مساعي فعاليتهم الأهلية والدينية لمحاربة الفتنة بينما هم يطالبون الدولة بالضرب بيد من حديد لسحق العصابات والميليشيات المسلحة التي تتخذ الناس متاريس لها في بعض أحياء المدينة ، لتمارس من خلفها القتل والخطف واللصوصية و آخر منجزات ميليشيات مجلس اسطنبول هناك ظهور أمراء حرب و هو انفجار نزاع نفوذ مسلح بين زعماء العصابات .
ما تضمنه خطاب الرئيس الأسد بشأن الحسم يلاقي الإرادة الشعبية الواضحة بقدر ما هو تعبير عن تصميم الدولة الوطنية على حمل مسؤولياتها الدستورية البديهية ، عن حياة الناس وسلامة المرافق العامة وعن فرض الهدوء والاستقرار في جميع المحافظات السورية وأريافها التي تعيش حالة من القلق والنزيف المتواصل.
ثالثا إن الارتباط بين خطة الخلاص الوطني ببنودها الدستورية والسياسية و مهمة فرض الاستقرار في البلاد ، هو ارتباط عضوي وثيق و أي معاينة منطقية في الواقع السوري تقود على التسليم بأن إجراء الاستفتاء الشعبي على الدستور و من ثم الانتخابات التشريعية يقتضي عمليا استتباب الأمن ليتسنى لجميع السوريين المشاركة في الإدلاء بأصواتهم حول الدستور الجديد الذي له صفة التأسيس في حياتهم الوطنية ، والمساهمة أيضا بالترشيح والانتخاب في اختيار مجلس شعب جديد على أساس التعدد الحزبي والسياسي والمنافسة المحررة من أي قيد وفي مناخ التعدد الإعلامي وحرية الرأي والتعبير.
الإصلاح في سورية يبدو حاليا رهينة الإرهاب والفوضى رغم تصميم الدولة و رغم عزم الرئيس الأسد على توسيع نطاق المشاركة في الحياة السياسة، بأسرع وقت.
من غير تحرير سورية من عصابات الإرهاب والقتل ستبقى البيئة العامة في البلاد مستنزفة ومن الصحيح تماما لمن يراجع وقائع الأحداث السورية منذ شهر آذار أن الحلف الاستعماري الغربي وأدواته الرجعية العربية والإقليمية أراد بتفعيل العصابات المسلحة قطع الطريق على الإصلاح وكانت صدمة هذا التحالف كبيرة من ثلاثة عوامل عرضها الرئيس الأسد في خطابه شكلت عناصر القوة التي حاول الحلف المعادي الرد عليها من خلال تمويل وتسليح عصابات مجلس اسطنبول وعبر الزج بفصائل التكفير من كل مكان باتجاه سورية لتفجير الأوضاع ولمحاولة إغراق البلاد في حرب أهلية وكل الكلام الذي يتكرر بعد خطاب الرئيس الأسد عن خطر الانزلاق إلى حرب أهلية هو تعبير عن خيبة القوى المتآمرة على سورية من الطريق المسدود أمام الحرب الأهلية بنتيجة العوامل الثلاثة التي عرضها الرئيس في خطابه وهي:
1 – تصميم الرئيس الأسد على استكمال العملية الإصلاحية والذهاب بها إلى النهاية وهو ما فضح حقيقة أن المعارضات المتناحرة في الخارج والمرتبطة بالحلف الاستعماري ليس همها الإصلاح بل إسقاط سورية وتدمير قوتها وهذا ما انفضح أمره بجميع قطاعات الشعب السوري بعد تصريحات برهان غليون وعدد من زعماء الأخوان المسلمين ورموز عديدة من المعارضة في الخارج وكلها انصبت على الالتزام بالأهداف الإسرائيلية في سورية.
2 – الوعي الشعبي واليقظة الوطنية والقومية العالية التي أظهرها السوريون خلال الأحداث وحتى الآن ، والتي اتخذت اتجاها متصاعدا ، أسقط جميع محاولات خطف السوريين في البيئة الافتراضية التي أقامها الحلف الاستعماري بواسطة جيش من المؤسسات الإعلامية الموجهة إلى سورية ، فقد برزت منذ الشهر الثاني للأحداث براعة الشباب السوري والمواطنين العاديين في تفكيك الروايات المفبركة والأفلام المصنعة والأخبار الملفقة .
كما أن الجيش السوري الذي أبدى تماسكا عاليا في حضن هذه الحالة الشعبية قطع الطريق على جميع الرهانات ويكمن في وضع هذا الجيش وفي حالة الوعي الشعبي تفوق سوري حاسم على مسار الأحداث الذي شهدته دول أخرى بنى عليها المخططون كنماذج يمكن نسخها في سورية ، فلا وجود في الجيش السوري وقيادته لعملاء للمخابرات الأميركية والغربية أو مرتزقة للقوى الإقليمية وللدول العربية الرجعية المشاركة في المخطط ، ولذا فإن وعي الشعب وصلابة الجيش شكلا ركيزة أساسية لتماسك الدولة الوطنية ولصمودها في وجه الضغوط والميثاق المتجدد بين الجيش والشعب من جهة و قائد سورية من جهة أخرى هو ثالوث العروبة والمقاومة والإصلاح الذي يجدد الدولة على قاعدة الاستقلال ورفض الهيمنة وإحباط كل من يراهن على تحويل سورية إلى مستعمرة تدور في الفلك الأميركي.
3 – أشار الرئيس الأسد في خطابه إلى العامل الثالث المجسد بالوحدة الوطنية للشعب السوري كما عبر عنها الناس العاديون في يوميات الأحداث وكما عبرت عنها بقوة وحزم القيادات الدينية من جميع العائلات الروحية السورية وخصوصا الموقف الوطني التاريخي لكبار علماء سورية الذين ساهموا نوعيا في بث الوعي وروح الوحدة فقد تحولت خطب الإمام البوطي ومفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون إلى محطات حاسمة في معركة الوعي السوري ضد الفتنة الطائفية وضد الإرهاب والفوضى، وكذلك فان ما قامت به الفاعليات الشعبية والاجتماعية التي نوه الرئيس الأسد بمبادراتها شكل ظاهرة لافتة في حياة سورية ، بينما انطلقت مبادرات شبابية أطلقها آلاف الشباب والشابات الذين تطوعوا للدفاع عن الوطن ولخوض معركة الوعي الوطني والقومي في وجه المخطط الاستعماري وفي وجه التحريض الطائفي وقد تمكن هؤلاء الشباب المبادرون بديناميكية تثير الإعجاب وبجميع الوسائل التي استخدموها في التنوير وفي التنظيم ، من بلورة إرادة الصمود لدى شعب سورية الذي ملء الساحات على امتداد الأشهر العشرة الماضية.
رابعا الإدارة السياسية الذكية والمدروسة التي قادها الرئيس الأسد على المستوى الدولي والإقليمي والتي استثمرت جميع عناصر القوة التي راكمتها سورية في حصيلة السنوات العشر الماضية وفي جميع فصول كفاحها ضد الغزوة الاستعمارية الصهيونية للشرق ، مكنت سورية حتى الآن من كسر جميع حلقات التآمر الدولي والإقليمي عليها ، ضد استقلالها وضد مشروع تحديث دولتها الوطنية.
من عناصر القوة التي استند إليها الرئيس الأسد في خطابه الذي استنتج معلقو الصحافة البريطانية والإسرائيلية انه خيب رهانات من تحدثوا في الغرب وفي إسرائيل عن قرب سقوط النظام المقاوم في سورية، متانة التحالفات والشراكات الإستراتيجية بين سورية والمحور العالمي الجديد المناهض للهيمنة الأحادية الأميركية والذي كانت سورية طليعته الشجاعة والهجومية بعد احتلال العراق ، وكذلك ظهور التضامن المصيري بين سورية وشركائها في منظومة المقاومة التي تضم إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها حركة حماس من قيادة التنظيم العالمي للأخوان و تركيا ، فإن ما يمكن استنتاجه في مقاربة الموقف الإيراني الصلب والحازم ومواقف القوى الوطنية اللبنانية الحاضنة للمقاومة وأبعد من ذلك في مواقف القوى الوطنية والشعبية في مصر والأردن وفي العديد من الدول العربية أن سورية نجحت في سياق الأحداث بإظهار الحقائق لجميع هذه الأطراف وفي تأكيد انفتاحها على الحوار والإصلاح الداخلي لتحديث الدولة الوطنية على قاعدة الاستقلال والمقاومة والتحرر كهوية سورية لا مجال للتنازل عنها أو التفريط بها ، وبذلك تمكنت سورية من تحقيق الفرز في الداخل ومن تحصين شراكاتها الإستراتيجية الدولية والإقليمية والعربية مع جميع الدول والقوى المناهضة للهيمنة الاستعمارية.
لن يطول انتظار الحسم الذي يطالب به السوريون ، كما أشار الرئيس الأسد لأن العوامل الإستراتيجية الموضوعية المكونة لتوازن القوى وللمعادلات في الداخل والخارج شرعت في النضوج و التبلور ، خصوصا بعد الإفلاس السياسي التام للمعارضات المتناحرة والانكشاف الكلي لأهداف الحلف الاستعماري الذي يبحث بأي ثمن عن فرص تصعيد التدخلات في سورية ، وهذا ما يعني أن الدولة الوطنية السورية كما أظهرها خطاب الرئيس الأسد ماضية في صمودها وثباتها ، متأهبة كما هي دائما للدفاع عن الوطن في وجه أي عدوان خارجي وهي باتت قادرة على الانتقال إلى الهجوم الميداني والسياسي والدستوري بفرض الأمن تمهيدا للاستفتاء على الدستور الجديد ولإجراء الانتخابات التشريعية التي فتح الرئيس الأسد باب المشاركة فيها أمام جميع القوى المكون للبيئة السياسية الوطنية بدون استثناء إلا لعملاء الخارج ولفصائل الإرهاب ، فهاتان الفئتان هما أعداء سورية وشعبها وما دونهما من السوريين هم مدعوون للشراكة في الحياة الوطنية وفي بناء مستقبل سورية وتعظيم دورها الكبير والوازن في العالم وفي المنطقة والذي كان وما يزال مثار فخر المواطنين في سورية و البلاد العربية .
المصدر :
غالب قنديل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة