بشأن سورية, ينبغي أن نتساءل بعمق عن سر هذه العدوانية المصممة على إسقاط النظام , حتى لو كان الثمن التدخّل العسكري لحلف الأطلسي وتمزيق البلد. هذه العدوانية تأتي , خصوصا , من طرفين ; قوى خليجية تنظر إلى الشأن السوري من منظار الصراع مع إيران , وقوى سورية تشنّ حربا مذهبية على ما تعتبره " نظاما علويا". وتلتحق بهذا التحالف بؤر هامشية من ليبراليين ويساريين سابقين, يجدون, واهمين, أن الفرصة قد واتتهم للمشاركة في السلطة من خلال تقديم غطاء سياسي للتحالف ذاك.

النظام السوري يعيش أزمة داخلية حقيقية, ناجمة عن التحول النيوليبرالي في العقد الأخير, ذلك الذي ترافق مع استمرار المنظومة الأمنية الخانقة. لكنه يبدو, اليوم, قادرا على مواجهة الأزمة وتفكيكها في ظل توازن دولي حساس لا يسمح بالتدخل الأطلسي, وبينما يتردّى خطاب المعارضة الخارجية المتشظية بين ولاءات عديدة, إلى الزعيق المكرور في طلب الغزاة, ظهر الرئيس بشار الأسد, في خطابه في جامعة دمشق أمس الثلاثاء, واضح الأفكار وواثقا من النصر, مؤكدا ثوابت الاستقلال والمقاومة والعداء لإسرائيل. وهي الثوابت التي تخلت عنها القوى المسيطرة على ثورات الربيع العربي.

يستطيع الأسد, بالفعل, أن يفاخر العرب بمعارك سورية ضد العدو, وبتحالفاتها الدولية المتينة في الشرق الروسي الصيني, وبمتانة الاقتصاد السوري المتحرر من المديونية والعجز, والقادر على تأمين القمح و"الغماس" والسلع المصنّعة للشعب السوري, بأيد سورية.

ميّز الأسد, عن حق, بين مكافحة الإرهاب ¯ وهي مهمة تنبغي أن تكون محلّ إجماع سوري وإقليمي ¯ وبين العملية الإصلاحية. وهي, بطبيعة الحال, محلّ خلاف. لكن ما ينبغي رؤيته بدقة ونزاهة, أن التغييرات الحاصلة فعلا والمقترحات الإصلاحية التي يقوم بها أو يزمع ان يقوم النظام السوري, تجاوزت, من حيث حجمها وعمقها, أيا من الإصلاحات المقترحة أو المنفذة في البلدان العربية الأخرى قاطبة;

أولا, تراجع النظام السوري, مختارا, عن نهج النيوليبرالية والخصخصة, واستغل الحصار لتوجيه ضربات للاستيراد وللكمبرادورية بعامة, والعودة إلى أسلوب الحماية الجمركية للصناعة المحلية, واتخذ قرارات وإجراءات وأعلن عن سياسات لتوجيه الموارد لتجديد القطاع العام وتشجيع الاستثمارات الوطنية, خصوصا المتوسطة والصغيرة, في الحقول الإنتاجية, الزراعية والصناعية.

نريد التأكد, بالطبع, من مدى جدية وشمولية هذه التوجهات التي طالما طالبت الحركات الوطنية الاجتماعية بها في سورية, كما في الأردن ومصر وتونس الخ. وبينما تمت الاستجابة لهذا المطلب الرئيسي من قبل النظام السوري, تم تجاهله في الأردن حتى الآن, في حين أُعلن عن التجديد للنيوليبرالية والكمبرادورية من قبل القوى المسيطرة على الثورتين المصرية والتونسية. ولعل في ذلك وحده مدعاة للتفكير والمقارنة.

النيوليبرالية هي أم الفساد الكبير. والتراجع عنها سيضيّق فرص الفساد وحجمه, لكن المطلوب من الرئيس بشار توجيه ضربة استئصالية لشبكة الفاسدين في نظامه, كتعبير عن الجدية في العودة إلى السياسات الاجتماعية.

ثانيا, تراجع النظام السوري, مضطرا, عن احتكار السياسة. وقد فرضت الجماهير, الحريات العامة بالفعل; حرية التعبير والمعارضة والنقد وتشكيل الأحزاب والمنظمات والمشاركة في الحياة السياسية. ولا عودة عن هذا الإنجاز. ويقترح الرئيس الأسد, دستورا جديدا يقوم على التعددية وانتخابات تنافسية لمجلس الشعب ورئاسة الجمهورية وعفو عام ومصالحة وطنية, على أن تنهض بهذا البرنامج, ابتداء, حكومة اتحاد وطني تضم المعارضة الداخلية. وهذا هو, بالمناسبة, المنهج الذي نقترحه للتغيير في بلدنا; حكومة ائتلافية تضم كل التيارات الوطنية, وتمنع احتكار السلطة والقرار, وتشرف على الإصلاحات. ونحن نأمل أن تعكس الحكومة السورية المقبلة أوسع ائتلاف سياسي ممكن, يستثني, بالطبع, قوى الحنين إلى الإستعمار.

 

العرب اليوم

  • فريق ماسة
  • 2012-01-11
  • 10155
  • من الأرشيف

سورية .. ودول الربيع : مقارنة هادئة

  بشأن سورية, ينبغي أن نتساءل بعمق عن سر هذه العدوانية المصممة على إسقاط النظام , حتى لو كان الثمن التدخّل العسكري لحلف الأطلسي وتمزيق البلد. هذه العدوانية تأتي , خصوصا , من طرفين ; قوى خليجية تنظر إلى الشأن السوري من منظار الصراع مع إيران , وقوى سورية تشنّ حربا مذهبية على ما تعتبره " نظاما علويا". وتلتحق بهذا التحالف بؤر هامشية من ليبراليين ويساريين سابقين, يجدون, واهمين, أن الفرصة قد واتتهم للمشاركة في السلطة من خلال تقديم غطاء سياسي للتحالف ذاك. النظام السوري يعيش أزمة داخلية حقيقية, ناجمة عن التحول النيوليبرالي في العقد الأخير, ذلك الذي ترافق مع استمرار المنظومة الأمنية الخانقة. لكنه يبدو, اليوم, قادرا على مواجهة الأزمة وتفكيكها في ظل توازن دولي حساس لا يسمح بالتدخل الأطلسي, وبينما يتردّى خطاب المعارضة الخارجية المتشظية بين ولاءات عديدة, إلى الزعيق المكرور في طلب الغزاة, ظهر الرئيس بشار الأسد, في خطابه في جامعة دمشق أمس الثلاثاء, واضح الأفكار وواثقا من النصر, مؤكدا ثوابت الاستقلال والمقاومة والعداء لإسرائيل. وهي الثوابت التي تخلت عنها القوى المسيطرة على ثورات الربيع العربي. يستطيع الأسد, بالفعل, أن يفاخر العرب بمعارك سورية ضد العدو, وبتحالفاتها الدولية المتينة في الشرق الروسي الصيني, وبمتانة الاقتصاد السوري المتحرر من المديونية والعجز, والقادر على تأمين القمح و"الغماس" والسلع المصنّعة للشعب السوري, بأيد سورية. ميّز الأسد, عن حق, بين مكافحة الإرهاب ¯ وهي مهمة تنبغي أن تكون محلّ إجماع سوري وإقليمي ¯ وبين العملية الإصلاحية. وهي, بطبيعة الحال, محلّ خلاف. لكن ما ينبغي رؤيته بدقة ونزاهة, أن التغييرات الحاصلة فعلا والمقترحات الإصلاحية التي يقوم بها أو يزمع ان يقوم النظام السوري, تجاوزت, من حيث حجمها وعمقها, أيا من الإصلاحات المقترحة أو المنفذة في البلدان العربية الأخرى قاطبة; أولا, تراجع النظام السوري, مختارا, عن نهج النيوليبرالية والخصخصة, واستغل الحصار لتوجيه ضربات للاستيراد وللكمبرادورية بعامة, والعودة إلى أسلوب الحماية الجمركية للصناعة المحلية, واتخذ قرارات وإجراءات وأعلن عن سياسات لتوجيه الموارد لتجديد القطاع العام وتشجيع الاستثمارات الوطنية, خصوصا المتوسطة والصغيرة, في الحقول الإنتاجية, الزراعية والصناعية. نريد التأكد, بالطبع, من مدى جدية وشمولية هذه التوجهات التي طالما طالبت الحركات الوطنية الاجتماعية بها في سورية, كما في الأردن ومصر وتونس الخ. وبينما تمت الاستجابة لهذا المطلب الرئيسي من قبل النظام السوري, تم تجاهله في الأردن حتى الآن, في حين أُعلن عن التجديد للنيوليبرالية والكمبرادورية من قبل القوى المسيطرة على الثورتين المصرية والتونسية. ولعل في ذلك وحده مدعاة للتفكير والمقارنة. النيوليبرالية هي أم الفساد الكبير. والتراجع عنها سيضيّق فرص الفساد وحجمه, لكن المطلوب من الرئيس بشار توجيه ضربة استئصالية لشبكة الفاسدين في نظامه, كتعبير عن الجدية في العودة إلى السياسات الاجتماعية. ثانيا, تراجع النظام السوري, مضطرا, عن احتكار السياسة. وقد فرضت الجماهير, الحريات العامة بالفعل; حرية التعبير والمعارضة والنقد وتشكيل الأحزاب والمنظمات والمشاركة في الحياة السياسية. ولا عودة عن هذا الإنجاز. ويقترح الرئيس الأسد, دستورا جديدا يقوم على التعددية وانتخابات تنافسية لمجلس الشعب ورئاسة الجمهورية وعفو عام ومصالحة وطنية, على أن تنهض بهذا البرنامج, ابتداء, حكومة اتحاد وطني تضم المعارضة الداخلية. وهذا هو, بالمناسبة, المنهج الذي نقترحه للتغيير في بلدنا; حكومة ائتلافية تضم كل التيارات الوطنية, وتمنع احتكار السلطة والقرار, وتشرف على الإصلاحات. ونحن نأمل أن تعكس الحكومة السورية المقبلة أوسع ائتلاف سياسي ممكن, يستثني, بالطبع, قوى الحنين إلى الإستعمار.   العرب اليوم

المصدر : بقلم : ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة