لو علم الأميركيون بقدرات المسؤولين السياسيين في لبنان، لوفّروا على أنفسهم آلاف القتلى من جنودهم في أفغانستان وفي العراق. ليس غريباً عن شيمنا وتقاليدنا وذكائنا الخارق أن يتمكن أي بائع خضار من تحليل الوضع الاقتصادي وتراكم العجز في الموازنة وانخفاض النمو الفعلي مقابل ارتفاع النمو الاسمي، ولا أن تكتشف في أهم المصرفيين بائع كعك كامناً في داخله يخرج من المصرفي الأكبر حين يبدأ في الحديث عن الاقتصاد اللبناني أو السياسة المحلية أو الدولية. إنها من شيم سكان بلاد الأرز.

وفي السياق نفسه، ها هم السياسيون يتصدون لموضوع القاعدة ووجودها في لبنان، وهل هي تعبر من لبنان نحو سوريا أم من سوريا نحو لبنان؟ وهل قيادة الجيش اللبناني تملك معلومات محددة في هذا المجال، أم أن الأمر تقارير وصلت لوزير الدفاع من نواح مجهولة؟

المسكين وزير الدفاع فايز غصن، أدلى بما لديه من معلومات تفيد عن وجود لتنظيم القاعدة في لبنان، وليس دون القليل من السياسة، أو ربما كثيرها، ثم كرت السبحة. فها هو وزير الداخلية، يتحدث عن عدم وجود للقاعدة، ثم يعود للحديث عن وجود للقاعدة، ثم يقف في الوسط بين وجود وعدم وجود للقاعدة في لبنان.

وزير الداخلية نفسه وجهة نظر، فهو حيناً يتحدث عن معلومات عن سلسلة جديدة من الاغتيالات التي ستقع في لبنان، ثم يتحدث عن أن هذا تحليله، قبل أن يعدل رأيه لينفي تصريحاته بطريقة ملتوية لا يعود يعلم منها المتابع للوزير إن كان قد قال ما قاله وهو صاحٍ أو عكس ذلك. وبالنتيجة، لا يمكن التكهن على أي كلام يمكن البناء، والاعتماد والاتكال إذا ما جاز الاتكال على الله وعلى وزير داخليتنا.

ثم إن وزير داخليتنا، وبصفته من جيل الدرك الأول، قد يكون الأعلم بالمجموعات القاعدية، إلا أنه يتحاشىـ كما يبدو ـ أن يعطي مواطنيه كل المعلومات اللازمة عن القاعدة. لكنه في مناسبات أخرى تطوع لتقديم معلومات قيّمة عن التحقيقات بالجرائم. مثلاً، هكذا دخل اللصوص إلى الكنيسة وهكذا سرقوا صندوق التبرعات.

أو حتى أفضل بعد؛ فوزير داخليتنا سبق أن أبلغنا بالكثير من المعلومات المشوّقة عن متابعة الشبكات الإسرائيلية، موضحاً لمن يهمه الأمر أن على العدو تغيير كل أساليبه؛ لأنها فضحت عبر الإعلام. وعلى الأجهزة المعنية بمكافحة التجسس البدء من الصفر؛ لأن العدو (وأصدقاء الوزير في السفارة الأميركية ضمناً) بدّلوا كل أساليب عملهم في إدارة شبكات التجسس.

ثم ها هو إيلي ماروني، الذي لم يكن يعلم الكثير عن ملف القاعدة كما يبدو، فقرر القيام بدراسة ميدانية، وذهب إلى بلدة عرسال، واكتشف هناك ألّا وجود للقاعدة في لبنان، وأنهى دراسته بنجاح. وأصبح هو الآخر خبيراً محلفاً في شؤون القاعدة، وقد يفتي قريباً ببعض المعضلات الفقهية وتضم فتاويه إلى جانب كتاب «في ظلال القرآن » و«فرسان تحت راية النبي».

ويليه كل من هب ودب، حيث أصبح سمير الجسر يؤكد عدم وجود القاعدة، مستعيناً بآخر الدراسات المعمقة في تكتيكات حرب الشيخ أسامة بن لادن على الطاغوت في تفكيك التنظيم وتحويله إلى فكر، ومنع جماهيرية القاعدة واعتماد الخلايا الصغيرة والعلماء القادة.

مروان شربل، وزير داخليتنا الحالي، أراد التدقيق في المعلومات، فقدم أكثر الطروحات ثورية: هل القاعدة تعدّ لبنان مقراً أم ممراً؟ علماً بأن هذا النقاش بدأ عام 2006، وانتهى في عام 2007. وكانت حينها الإجابات واضحة، إلا للوزير الذي أراد العودة إلى الجذور في فهم هذه الظاهرة الهائلة التي استفاق عليها فجأة، بعدما بدأت هي نفسها تخبو.

يمكن تلخيص الأمر كالآتي: قوى الثامن من آذار ترى أن لبنان أصبح ممراً للقاعدة المتجهة إلى سوريا، وأن هناك عرباً ولبنانيين يعملون على خط بيروت ـ دمشق لدعم "الثورة" السورية المتشكلة من عناصر قاعدية واستخبارات أجنبية ومجرمين وقاطعي طرق. بينما قوى 14 آذار ترى أن القاعدة غير موجودة في لبنان، ومعدومة في سوريا حيث يقود" ثوار أحرار" ليبراليون منفتحون ومنزهون عن كل غرض، وأشباه ملائكة نضالاً سلمياً نقياً ضد النظام. بينما يقف الوزير مروان شربل وكتلة الوسط في الحكومة والبلد ينظرون نحو السفارة الأميركية حيناً ونحو دمشق حيناً آخر، متسائلين: هل القاعدة موجودة أم غير موجودة؟ هل هي فكر أم تنظيم؟ هل تعتبر لبنان ممراً أم مقراً؟ من دون أن نعلم ما هي المعلومات، ومن هم المتهمون بأنهم من القاعدة في لبنان، وما هو حجم الوافدين إلى مطار بيروت من المشبوهين الذين اختفت آثارهم في لبنان.

ما دام البحث وجودياً وليس معلوماتياً، فربما كان مطلوباً من الحكومة الإجابة عن السؤال الأول: نكون أم لا نكون؟ تلك هي المسألة.

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-01-03
  • 10271
  • من الأرشيف

خبراء القاعدة

           لو علم الأميركيون بقدرات المسؤولين السياسيين في لبنان، لوفّروا على أنفسهم آلاف القتلى من جنودهم في أفغانستان وفي العراق. ليس غريباً عن شيمنا وتقاليدنا وذكائنا الخارق أن يتمكن أي بائع خضار من تحليل الوضع الاقتصادي وتراكم العجز في الموازنة وانخفاض النمو الفعلي مقابل ارتفاع النمو الاسمي، ولا أن تكتشف في أهم المصرفيين بائع كعك كامناً في داخله يخرج من المصرفي الأكبر حين يبدأ في الحديث عن الاقتصاد اللبناني أو السياسة المحلية أو الدولية. إنها من شيم سكان بلاد الأرز. وفي السياق نفسه، ها هم السياسيون يتصدون لموضوع القاعدة ووجودها في لبنان، وهل هي تعبر من لبنان نحو سوريا أم من سوريا نحو لبنان؟ وهل قيادة الجيش اللبناني تملك معلومات محددة في هذا المجال، أم أن الأمر تقارير وصلت لوزير الدفاع من نواح مجهولة؟ المسكين وزير الدفاع فايز غصن، أدلى بما لديه من معلومات تفيد عن وجود لتنظيم القاعدة في لبنان، وليس دون القليل من السياسة، أو ربما كثيرها، ثم كرت السبحة. فها هو وزير الداخلية، يتحدث عن عدم وجود للقاعدة، ثم يعود للحديث عن وجود للقاعدة، ثم يقف في الوسط بين وجود وعدم وجود للقاعدة في لبنان. وزير الداخلية نفسه وجهة نظر، فهو حيناً يتحدث عن معلومات عن سلسلة جديدة من الاغتيالات التي ستقع في لبنان، ثم يتحدث عن أن هذا تحليله، قبل أن يعدل رأيه لينفي تصريحاته بطريقة ملتوية لا يعود يعلم منها المتابع للوزير إن كان قد قال ما قاله وهو صاحٍ أو عكس ذلك. وبالنتيجة، لا يمكن التكهن على أي كلام يمكن البناء، والاعتماد والاتكال إذا ما جاز الاتكال على الله وعلى وزير داخليتنا. ثم إن وزير داخليتنا، وبصفته من جيل الدرك الأول، قد يكون الأعلم بالمجموعات القاعدية، إلا أنه يتحاشىـ كما يبدو ـ أن يعطي مواطنيه كل المعلومات اللازمة عن القاعدة. لكنه في مناسبات أخرى تطوع لتقديم معلومات قيّمة عن التحقيقات بالجرائم. مثلاً، هكذا دخل اللصوص إلى الكنيسة وهكذا سرقوا صندوق التبرعات. أو حتى أفضل بعد؛ فوزير داخليتنا سبق أن أبلغنا بالكثير من المعلومات المشوّقة عن متابعة الشبكات الإسرائيلية، موضحاً لمن يهمه الأمر أن على العدو تغيير كل أساليبه؛ لأنها فضحت عبر الإعلام. وعلى الأجهزة المعنية بمكافحة التجسس البدء من الصفر؛ لأن العدو (وأصدقاء الوزير في السفارة الأميركية ضمناً) بدّلوا كل أساليب عملهم في إدارة شبكات التجسس. ثم ها هو إيلي ماروني، الذي لم يكن يعلم الكثير عن ملف القاعدة كما يبدو، فقرر القيام بدراسة ميدانية، وذهب إلى بلدة عرسال، واكتشف هناك ألّا وجود للقاعدة في لبنان، وأنهى دراسته بنجاح. وأصبح هو الآخر خبيراً محلفاً في شؤون القاعدة، وقد يفتي قريباً ببعض المعضلات الفقهية وتضم فتاويه إلى جانب كتاب «في ظلال القرآن » و«فرسان تحت راية النبي». ويليه كل من هب ودب، حيث أصبح سمير الجسر يؤكد عدم وجود القاعدة، مستعيناً بآخر الدراسات المعمقة في تكتيكات حرب الشيخ أسامة بن لادن على الطاغوت في تفكيك التنظيم وتحويله إلى فكر، ومنع جماهيرية القاعدة واعتماد الخلايا الصغيرة والعلماء القادة. مروان شربل، وزير داخليتنا الحالي، أراد التدقيق في المعلومات، فقدم أكثر الطروحات ثورية: هل القاعدة تعدّ لبنان مقراً أم ممراً؟ علماً بأن هذا النقاش بدأ عام 2006، وانتهى في عام 2007. وكانت حينها الإجابات واضحة، إلا للوزير الذي أراد العودة إلى الجذور في فهم هذه الظاهرة الهائلة التي استفاق عليها فجأة، بعدما بدأت هي نفسها تخبو. يمكن تلخيص الأمر كالآتي: قوى الثامن من آذار ترى أن لبنان أصبح ممراً للقاعدة المتجهة إلى سوريا، وأن هناك عرباً ولبنانيين يعملون على خط بيروت ـ دمشق لدعم "الثورة" السورية المتشكلة من عناصر قاعدية واستخبارات أجنبية ومجرمين وقاطعي طرق. بينما قوى 14 آذار ترى أن القاعدة غير موجودة في لبنان، ومعدومة في سوريا حيث يقود" ثوار أحرار" ليبراليون منفتحون ومنزهون عن كل غرض، وأشباه ملائكة نضالاً سلمياً نقياً ضد النظام. بينما يقف الوزير مروان شربل وكتلة الوسط في الحكومة والبلد ينظرون نحو السفارة الأميركية حيناً ونحو دمشق حيناً آخر، متسائلين: هل القاعدة موجودة أم غير موجودة؟ هل هي فكر أم تنظيم؟ هل تعتبر لبنان ممراً أم مقراً؟ من دون أن نعلم ما هي المعلومات، ومن هم المتهمون بأنهم من القاعدة في لبنان، وما هو حجم الوافدين إلى مطار بيروت من المشبوهين الذين اختفت آثارهم في لبنان. ما دام البحث وجودياً وليس معلوماتياً، فربما كان مطلوباً من الحكومة الإجابة عن السؤال الأول: نكون أم لا نكون؟ تلك هي المسألة.      

المصدر : فداء عيتاني\الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة