دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تنشغل الدوائر الأميركية في المنطقة بقيادة جيفري فيلتمان على فصول المخطط الذي يستهدف تدمير القوة السورية ، وقد بدت مجموعة من المؤشرات في تقارير مراكز الدراسات الأميركية على الخطوط العامة للعمليات الجاري إعدادها والتي تفسر تصميم المسؤولين الأميركيين على متابعة استعمال المفردات الاستفزازية والعدائية في الكلام عن الوضع السوري كما فعل المسؤول المكلف بالملف السوري ديفيد هوك في شهادته أمام الكونغرس بعد اجتماع خلية التخطيط في البيت الأبيض بمشاركة مسؤولين في المخابرات المركزية و مجلس الأمن القومي ، و على الرغم مما أظهرته الأيام الأولى لمهمة المراقبين العرب لجهة تأكيد الرواية السورية الرسمية عن الأحداث الحاصلة الأرض منذ مطلع العام 2011.
أولا: شكل التفجيران الانتحاريان في دمشق البداية لمسلسل العمليات الذي تحضره الجماعات التكفيرية والفلول الإرهابية التي تم إدخالها بكثافة إلى الأراضي السورية بقرار أميركي تولت تنفيذه جهات إقليمية مشاركة ، عبر حدود تركيا ولبنان والأردن و العراق ، وحيث تقام غرف العمليات الداعمة والمساندة للإرهاب وللتمرد المسلح في مناطق حدودية قريبة داخل تركيا ولبنان ويجري التدريب لتنظيم مجموعات جاهز للانضمام إلى ميليشيات الأخوان المسلمين داخل الأراضي السورية وخصوصا في محافظات الوسط أي حمص وإدلب وحماه.
فالهجوم الذي نفذ في دمشق هو بداية لخط عمليات جديد ناتج عن فشل محاولات ميليشيات مجلس اسطنبول الاحتفاظ بسيطرتها على منطقة محاذية للحدود مع تركيا وقابلة للتحول إلى بنغازي جديدة والرهان على المزيد من التفجيرات والاغتيالات في دمشق وحلب يبدو في نظر الخبراء المخرج الذي يريد به المخططون الأميركيون والأتراك زعزعة الدولة المركزية وتماسكها بصورة تجعل الضرب في الأطراف والسعي إلى السيطرة على مناطق ريفية قرب الحدود التركية أمرا ممكنا.
المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام الأميركية تشير إلى أن الدعم اللوجستي والتدريب المستمر لما يسمى بجيش سورية الحر قطع شوطا كبيرا في تركيا وحيث علم أن غرفة عمليات أميركية ـ تركية خاصة أقيمت في قاعدة انجرليك بمشاركة ضباط من المخابرات الأميركية وهي تقود خطة تدريب وتأهيل لمجموعات خاصة تابعة لمجلس اسطنبول كما تدير شبكة لتنفيذ العمليات الإرهابية داخل الأراضي السورية ، وهي على صلة بالجماعات التكفيرية وبفلول القاعدة التي تجري عملية استخدامها بإشراف بندر بن سلطان منذ سنوات و تم تجميعها وتجهيزها وإدخالها إلى سورية.
ثانيا: الخطة الأميركية لتخريب سورية انطلاقا من تركيا ولبنان مرسومة لمدى زمني غير قصير وهي تشمل الاستنزاف الاقتصادي والسياسي وتصعيد الضغوط والحملات بشتى الوسائل و ابرز ما ظهر منها وفقا لمجلة فورين بوليسي و تقارير معهد واشنطن و مراكز أخرى لرسم السياسات :
1 – العمل للتأثير على متانة التحالف بين سورية وروسيا خصوصا بعدما ظهر الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي وأقام سدا في وجه المحاولات الأميركية لاستصدار قرار يغطي الحر على سورية سواء بواسطة الحلف الأطلسي أم الجيش التركي.
وقد أظهرت الدوائر الأميركية خيبتها من رهان تغطية الحرب على سورية واستبدلت ذلك بالسعي إلى ما سماه آلان جوبيه بالممرات الإنسانية و مع استمرار الكلام عن منطقة الحظر الجوي و هو ما تحول بإيعاز أميركي إلى لازمة تتكرر في بيانات مجلس اسطنبول وتصريحات رموزه .
لأن المساعي الأميركية تصطدم بالموقف الروسي الصلب فقد تم دفع المعارضات السورية إلى إجراء اتصالات مع موسكو بهدف طمأنتها على مستقبل العلاقات ولمطالبتها بتعديل موقفها وقد أفردت مراكز التخطيط الأميركية وخصوصا تلك التي يقودها المحافظون الجدد جهدا مركزا لاقتراح محاور التحرك الهادفة إلى الضغط على روسيا باعتبار ذلك السبيل الوحيد لإزالة العقبات الدولية وحتى الآن يعترف الخبراء الأميركيون بأن جميع المحاولات خابت.
2 – أقرت مجموعة العمل الأميركية حول الشأن السوري في البيت الأبيض خطة خاصة للتعامل مع مهمة مراقبي الجامعة العربية وقد تضمنت هذه الخطة:
- الإيعاز إلى مجلس اسطنبول بإبقاء عمل البعثة تحت الضغط والهجوم السياسي والإعلامي الذي يتهم البعثة بالانحياز للدولة السورية.
- الضغط على الجامعة العربية لاعتماد أسماء من لوائح أميركية تضم عشرات الشخصيات العربية التي تعمل تحت عناوين منظمات حقوق الإنسان ممن جرى تدريبهم في الولايات المتحدة .
- التدخل المباشر من قبل جيفري فيلتمان لطب خطوات ميدانية معينة تقوم بها البعثة خلال عملها، بناء على التقدير الاستخباراتي الصادر عن فريق التنسيق الأميركي التركي بالشراكة مع مجلس اسطنبول .
- تنظيم حملة إعلامية وسياسية ستظهر في الأيام القادمة تحت عنوان عدم كفاية عدد المراقبين الذي تم إرسالهم والسعي إلى مضاعفة حجم البعثة لتبلغ ألفي مراقب على الأقل.
- السعي بواسطة قطر وأموالها ومن خلال الضغوط الأميركية المباشرة على الدول المشاركة في البعثة لاستصدار تقرير يتضمن إدانات بحق الدولة السورية ، يراهن الأميركيون على تطويرها كمرتكز لتصعيد الضغوط و التدخلات.
3 – استنادا إلى خطي التصعيد العسكري والتدخل في عمل البعثة تراهن الإدارة الأميركية على تطوير فكرة الحاجة إلى حماية المدنيين بهدف إحياء الكلام عن منطقة حظر جوي في محافظات الوسط السورية أو العودة لما سمي بالممرات الإنسانية كشكل رئيسي لتفعيل التدخل الأجنبي عبر الحدود التركية ، وقد أسند فيلتمان إلى قوى 14 آذار في لبنان وتيار المستقبل بشكل خاص السعي لشمول الترويج لفكرة الممرات الإنسانية ، الحدود اللبنانية بتضخيم أعداد اللاجئين السوريين وإثارة مناخ إعلامي عن وجود مشكلة إنسانية في محافظة حمص المجاورة للشمال اللبناني و ممارسة ضغط أميركي على الدولة اللبنانية للانصياع إلى هذه المطالبة.
ثالثا: الحرب على سورية مستمرة ولا أفق لتسويات دولية أو إقليمية ، قريبة ، كما يظن بعض المحللين فإستراتيجية الحروب الصغيرة التي وضعها الجنرال ديفيد بترايوس تشكل إطار الصراع و ميدانه ، في ظل الحرب الباردة المتجددة على مساحة المنطقة بفعل استعصاء المعادلات والتوازنات.
مشكلة الرهانات الأميركية على الممرات الإنسانية ومناطق الحظر هي أن الشعب السوري يعزز انكفاءه عن المعارضات في المناطق التي اعتبرها مجلس اسطنبول معاقل نفوذه المحسومة ، وأبلغ المخططين الأميركيين بأنه قادر على تحويلها إلى مناطق خاضعة لسيطرة ميليشياته والحقيقة التي عكستها الأحداث هي أن المواطنين السوريين الذين هجرتهم معارك الأخوان والتكفيريين اختاروا الانتقال الموقت إلى مناطق داخل سورية بدلا من النزوح باتجاه تركيا أو لبنان وهو الخيار الذي اختبره السوريون في معركة جسر الشغور وحيث ظلت المخيمات التركية شبه فارغة بعد عودة معظم من لجأوا إليها ومن بقوا فيها هم في الأغلب عائلات لمقاتلين تورطوا بالأحداث الجارية وهو بالضبط الوضع نفسه بالنسبة للنازحين باتجاه لبنان الذين يتواجدون في منطقة عكار أو في عرسال كما بات معلوما.
الشكل الرئيسي الذي ستتخذه الحرب على سورية وفقا للتقارير والمعلومات المتداولة عن مراكز التخطيط الأميركية سيكون إضافة إلى العمليات الإرهابية المتجددة والاغتيالات هو الانتقال إلى شن عمليات خاصة ستنفذها ميليشيات اسطنبول بمعونة وتسهيلات من المخابرات التركية والأميركية يجري التدريب عليها في تركيا.
رابعا: تبقى المعضلة الكبرى التي يواجهها المخطط الأميركي في سورية هي تماسك الدولة والجيش ومتانة الدعم الذي تقدمه الغالبية الشعبية الساحقة للرئيس بشار الأسد ولمشروع الإصلاح الذي يتبناه بهدف تحديث الدولة السورية وإقامة نظام سياسي تعددي ، بينما تشعر هذه الغالبية بالخطر المصيري الذي يمثله المخطط الأميركي الغربي ، وبعدما انكشفت أهدافه الكبرى من خلال برنامج برهان غليون الذي يلعب دور الواجهة السياسية والإعلامية للأخوان المسلمين .
بالنسبة لواشنطن يمثل الاستنزاف الطويل للدولة السورية هدفا ثمينا وأيا كانت الكلفة فلن تدفعها الولايات المتحدة بل هي ستكون من دماء السوريين ومن رصيد المعارضات المتورطة وسوف تحمل قسطا كبيرا منها تركيا ودول عربية متورطة تتقدمها قطر.
مع انقضاء سنة الاضطرابات و تقلص الاحتجاجات حتى في حضور المراقبين العرب خلافا لرهانات مجلس اسطنبول و قادة الأخوان ، تواجه القيادة السورية حربا إرهابية شرسة وضغوطا كبيرة متعددة المصادر واختبارا لإمكانية إنتاج حالة من الحوار السياسي مع تشكيلات داخلية معارضة ما تزال في غالبها أسيرة التردد بينما المطالبة الشعبية تتصاعد بتسريع الحسم العسكري ضد عصابات الإرهاب وتكفير وميليشيات مجلس اسطنبول.
المصدر :
غالب قنديل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة