خلافا لمرات كثيرة سابقة كتمت إسرائيل وأعوانها في أميركا أصواتهم إزاء صفقات السلاح التي أبرمتها الإدارة الأميركية مؤخرا مع كل من السعودية والإمارات العربية والعراق. ومن المؤكد أنه ليس كافيا هذه المرة القول بأن هذا السلاح موجه إما لترسيخ الاستقرار في العراق أو حتى لمواجهة إيران، ولا يقل عن ذلك أن الاقتصاد الأميركي بحاجة لهذه الصفقات. ومن المؤكد أن هذه الأسباب وسواها لم تمنع في الماضي إسرائيل وأنصارها من محاولة التصدي ولو لفظيا لمثل هذه الصفقات. ولهذا فإن أسباب الصمت الإسرائيلي تكمن في مكان آخر.

ومن الواضح أن إسرائيل تشعر بأن الولايات المتحدة تحاول التعويض عن تراجع قوتها في العالم عموما وفي المنطقة خصوصا بتعزيز قوة من تعتبرهم حلفاء لها. ولهذا السبب شرعت مؤخرا، وفي ظل القرار بالخروج من العراق، ببذل جهد مكثف لتسليح الدول الحليفة لها. ففي ذلك نوع من طمأنة هذه الدول إلى أن أميركا ستسلحها بشكل يكفي لمواجهة المخاطر حتى باستقلالية عن المظلة الدفاعية الأميركية.

ويمكن الحديث عن أن الصفقة خصوصا مع السعودية لا تحمل سوى هذه الرسالة. كما أن الصفقة مع دولة الإمارات العربية اتسمت بطابع دفاعي ارتقى كثيرا عن السابق بتزويدها بصواريخ مضادة للصواريخ من طراز «THAAD» ورادارات من طراز «AN/TPY-2» المتطورة.

وتلاحظ إسرائيل أن الرادارات التي ستتسلمها الإمارات هي من النوع الذي رفضت أميركا تسليمه لإسرائيل واشترطت نصبه في النقب بقيام جنود أميركيين بتشغيلها. وهذا ما تفترض إسرائيل أن الولايات المتحدة ستشترطه أيضا على الإمارات والسعودية أيضا. ومن الجلي أن حجم الصفقة السعودية يقلق إسرائيل جدا لأنها تشمل 84 طائرة من طراز «إف ـ 15».

ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل كانت في سر النقاشات الأولية حول الصفقة السعودية، وأن هذه الصفقة تمت دراستها حتى من جانب مؤسسات أبحاث الأمن القومي وليس فقط من جانب المؤسسة الأمنية. وقبل أكثر من عام نشر موقع مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن الصفقة تشمل إلى جانب الطائرات الحربية 60 مروحية هجومية من طراز «AH-64D Apache Longbow»، و70 مروحية شحن من طراز «UH-60.Black Hawk»، فضلا عن عناصر أخرى. ولكن كان واضحا أن مكونات الصفقة لن تشمل وفق يفتاح شافير أية عناصر قد تثير معارضة شديدة من جانب إسرائيل مثل صواريخ أرض جو بعيدة المدى.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش قد أقنعت إسرائيل منذ العام 2007 بأن السياسة التسليحية لدول الخليج تقوم على تعزيز قدرات هذه الدول على مواجهة الخطر الإيراني من ناحية ولكسب تأييد هذه الدول للسياسة الأميركية في مواجهة إيران. ولكن لا يقل عن ذلك أن أميركا أوضحت أن غايتها المكملة هي تحرير كاهل القوات الأميركية من أعباء الدفاع عن دول الخليج.

ومنذ بدء الحديث عن الصفقة قدمت إسرائيل ملاحظاتها، والتي تتلخص بأن الأسلحة في الصفقات للإمارات والكويت دفاعية الطابع. كما أن الطائرات الأميركية للسعودية وبرغم أنها هجومية إلا أنها لا تعتبر من الطائرات الأحدث. فقد سبق للسعودية أن اشترت في التسعينيات هذا النوع من الطائرات التي كيفت خصوصا للسعودية وهي أصلا طائرات «F-15E Strike Eagle». وفي كل الأحوال تنظر إسرائيل إلى أن هذه الطائرات لا تغير، على الأقل من وجهة نظرها، من واقع الأمر في شيء. والأمر ذاته ينطبق على المروحيات التي تملك السعودية مثلها أيضا منذ التسعينيات.

ويعتقد باحثون إسرائيليون أن الصفقة تعني واقعيا توسيع سلاح الجو السعودي وخصوصا طائراته الحربية. ولكن هذا التوسيع يتطلب قوى بشرية كبيرة لا تتوفر للسعودية التي اعتمدت في الماضي على وحدات صيانة مكونة في الغالب من مستخدمين أجانب يعملون في شركات أجنبية. ونظرا لأنه ليس في السعودية تجنيد إلزامي فإن من الصعب العثور على القوى البشرية اللازمة لتغطية احتياجات هذا التوسع.

والخلاصة نجدها في مقال للمعلق العسكري في «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان حول الصفقة السعودية، وجاءت تحت عنوان «ليس ثمة ما يقلقنا». ويشير في المقالة إلى أن «القلق بات من خلفنا. فإسرائيل والولايات المتحدة تطحنان هذه الصفقة منذ أكثر من عامين. وقد قام الأميركيون بتعويض إسرائل بأسلحة وسلسلة من الالتزامات السياسية والعسكرية، جزء منها في الميادين الأشد حساسية وسرية. وقد جرت المداولات بين إسرائيل والولايات المتحدة تحت عنوان مواصلة الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل مقابل جيرانها. لقد جلس أفراد وزارة الدفاع مع الأميركيين وعبرا بندا بندا على الصفقة وطلبوا تعويضا مناسبا عن مستوى الخطر المحتمل الكامن فيها».

وأشار فيشمان إلى أن «التعويض الأشهر هو صفقة طائرات (إف 35) ومشاركة الولايات المتحدة في تطوير وتجريب منظومة (حيتس 3). ولكن إلى جانب ذلك هناك سلسلة مشاريع مصنفة سرية جدا وافق الأميركيون على إشراك إسرائيل بها. وفضلا عن ذلك فإن مطالب إسرائيل التي جوبهت برفض مطلق في الماضي، مثل نصب رادارات من صنع إسرائيلي في الطائرات الأميركية التي تخدم في سلاح الجو الإسرائيلي، فتحت للنقاش».

 

  • فريق ماسة
  • 2012-01-02
  • 11170
  • من الأرشيف

صفقات الأسلحة الأميركية للعراق ودول الخليج.. إسرائيل حصلت على تعويضات.. فالتزمت الصمت

  خلافا لمرات كثيرة سابقة كتمت إسرائيل وأعوانها في أميركا أصواتهم إزاء صفقات السلاح التي أبرمتها الإدارة الأميركية مؤخرا مع كل من السعودية والإمارات العربية والعراق. ومن المؤكد أنه ليس كافيا هذه المرة القول بأن هذا السلاح موجه إما لترسيخ الاستقرار في العراق أو حتى لمواجهة إيران، ولا يقل عن ذلك أن الاقتصاد الأميركي بحاجة لهذه الصفقات. ومن المؤكد أن هذه الأسباب وسواها لم تمنع في الماضي إسرائيل وأنصارها من محاولة التصدي ولو لفظيا لمثل هذه الصفقات. ولهذا فإن أسباب الصمت الإسرائيلي تكمن في مكان آخر. ومن الواضح أن إسرائيل تشعر بأن الولايات المتحدة تحاول التعويض عن تراجع قوتها في العالم عموما وفي المنطقة خصوصا بتعزيز قوة من تعتبرهم حلفاء لها. ولهذا السبب شرعت مؤخرا، وفي ظل القرار بالخروج من العراق، ببذل جهد مكثف لتسليح الدول الحليفة لها. ففي ذلك نوع من طمأنة هذه الدول إلى أن أميركا ستسلحها بشكل يكفي لمواجهة المخاطر حتى باستقلالية عن المظلة الدفاعية الأميركية. ويمكن الحديث عن أن الصفقة خصوصا مع السعودية لا تحمل سوى هذه الرسالة. كما أن الصفقة مع دولة الإمارات العربية اتسمت بطابع دفاعي ارتقى كثيرا عن السابق بتزويدها بصواريخ مضادة للصواريخ من طراز «THAAD» ورادارات من طراز «AN/TPY-2» المتطورة. وتلاحظ إسرائيل أن الرادارات التي ستتسلمها الإمارات هي من النوع الذي رفضت أميركا تسليمه لإسرائيل واشترطت نصبه في النقب بقيام جنود أميركيين بتشغيلها. وهذا ما تفترض إسرائيل أن الولايات المتحدة ستشترطه أيضا على الإمارات والسعودية أيضا. ومن الجلي أن حجم الصفقة السعودية يقلق إسرائيل جدا لأنها تشمل 84 طائرة من طراز «إف ـ 15». ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل كانت في سر النقاشات الأولية حول الصفقة السعودية، وأن هذه الصفقة تمت دراستها حتى من جانب مؤسسات أبحاث الأمن القومي وليس فقط من جانب المؤسسة الأمنية. وقبل أكثر من عام نشر موقع مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن الصفقة تشمل إلى جانب الطائرات الحربية 60 مروحية هجومية من طراز «AH-64D Apache Longbow»، و70 مروحية شحن من طراز «UH-60.Black Hawk»، فضلا عن عناصر أخرى. ولكن كان واضحا أن مكونات الصفقة لن تشمل وفق يفتاح شافير أية عناصر قد تثير معارضة شديدة من جانب إسرائيل مثل صواريخ أرض جو بعيدة المدى. وكانت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش قد أقنعت إسرائيل منذ العام 2007 بأن السياسة التسليحية لدول الخليج تقوم على تعزيز قدرات هذه الدول على مواجهة الخطر الإيراني من ناحية ولكسب تأييد هذه الدول للسياسة الأميركية في مواجهة إيران. ولكن لا يقل عن ذلك أن أميركا أوضحت أن غايتها المكملة هي تحرير كاهل القوات الأميركية من أعباء الدفاع عن دول الخليج. ومنذ بدء الحديث عن الصفقة قدمت إسرائيل ملاحظاتها، والتي تتلخص بأن الأسلحة في الصفقات للإمارات والكويت دفاعية الطابع. كما أن الطائرات الأميركية للسعودية وبرغم أنها هجومية إلا أنها لا تعتبر من الطائرات الأحدث. فقد سبق للسعودية أن اشترت في التسعينيات هذا النوع من الطائرات التي كيفت خصوصا للسعودية وهي أصلا طائرات «F-15E Strike Eagle». وفي كل الأحوال تنظر إسرائيل إلى أن هذه الطائرات لا تغير، على الأقل من وجهة نظرها، من واقع الأمر في شيء. والأمر ذاته ينطبق على المروحيات التي تملك السعودية مثلها أيضا منذ التسعينيات. ويعتقد باحثون إسرائيليون أن الصفقة تعني واقعيا توسيع سلاح الجو السعودي وخصوصا طائراته الحربية. ولكن هذا التوسيع يتطلب قوى بشرية كبيرة لا تتوفر للسعودية التي اعتمدت في الماضي على وحدات صيانة مكونة في الغالب من مستخدمين أجانب يعملون في شركات أجنبية. ونظرا لأنه ليس في السعودية تجنيد إلزامي فإن من الصعب العثور على القوى البشرية اللازمة لتغطية احتياجات هذا التوسع. والخلاصة نجدها في مقال للمعلق العسكري في «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان حول الصفقة السعودية، وجاءت تحت عنوان «ليس ثمة ما يقلقنا». ويشير في المقالة إلى أن «القلق بات من خلفنا. فإسرائيل والولايات المتحدة تطحنان هذه الصفقة منذ أكثر من عامين. وقد قام الأميركيون بتعويض إسرائل بأسلحة وسلسلة من الالتزامات السياسية والعسكرية، جزء منها في الميادين الأشد حساسية وسرية. وقد جرت المداولات بين إسرائيل والولايات المتحدة تحت عنوان مواصلة الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل مقابل جيرانها. لقد جلس أفراد وزارة الدفاع مع الأميركيين وعبرا بندا بندا على الصفقة وطلبوا تعويضا مناسبا عن مستوى الخطر المحتمل الكامن فيها». وأشار فيشمان إلى أن «التعويض الأشهر هو صفقة طائرات (إف 35) ومشاركة الولايات المتحدة في تطوير وتجريب منظومة (حيتس 3). ولكن إلى جانب ذلك هناك سلسلة مشاريع مصنفة سرية جدا وافق الأميركيون على إشراك إسرائيل بها. وفضلا عن ذلك فإن مطالب إسرائيل التي جوبهت برفض مطلق في الماضي، مثل نصب رادارات من صنع إسرائيلي في الطائرات الأميركية التي تخدم في سلاح الجو الإسرائيلي، فتحت للنقاش».  

المصدر : السفير /حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة