عومل الرئيس سعد الحريري في تركيا بكثير من الحنان الود. المضمون توافق مع الشكل؛ إذ سمع من المسؤولين الأتراك كلاماً عالي النبرة حيال النظام في سورية سمع أن الأتراك ينتظرون «الغطاء اللازم» للقيام بواجبهم على حدودهم الجنوبية

 

لم يتردّد الرئيس سعد الحريري أمس في تحميل النظام في سورية مسؤولية تفجيري دمشق باعتبارهما «من صنع النظام كما أعلن المجلس الوطني». يبدو أنّ الحريري يكسب في «منفاه» بعض السرعة في التعبير وتبني المواقف. فهو إثر حادثة الاعتداء الأخيرة على القوات الفرنسية في الجنوب، استبق كلام وزير الخارجية الفرنسية وحمّل حزب الله مسؤولية التفجير. وأمس أطلّ الحريري على موقع تويتر، من دون أي موعد مسبق وفي توقيت غير معتاد، ليعبّر عما يدور في خلده.

من التقوا الرئيس السابق للحكومة في المدة الأخيرة يقولون إنه بات أكثر قدرة على إدارة الأمور، ويكسب خبرة في آليات التواصل لم يكن ليكسبها لو بقي في بيروت. الأهم من ذلك بالنسبة إلى الحريري أنه، بحسب أحد المقربين منه، «يستعيد نصابه الدولي والإقليمي». بمعنى آخر، يجري التعامل مع الحريري، خارجياً، بصفته زعيماً لبنانياً ورجل دولة، لا بصفته رئيس حزب. زيارته الأخيرة لأنقرة تؤكد ذلك؛ إذ خاطبه أكثر من مسؤول تركي بعبارة «brother saad»، أي «أخي سعد»، ما من شأنه الإشارة إلى «عمق العلاقة والاحترام والود بين الطرفين». يضيف المعنيون أن الزيارة حملت معها الكثير من الإيجابيات وترك الحريري أنقرة وكأنه «لاعب إقليمي» له وزنه وأوراقه السياسية، وإن كان يعيش في «منفى طوعي»، بعيداً عن منزله في بيروت، منذ نحو ثمانية أشهر.

يقول أحد المطّلعين على هذه الزيارة إنّ المسؤولين الأتراك «دلّعوا» الحريري، أكان في أسلوب الكلام أم مضمونه أم حتى خلاصاته. سمع الحريري ومعاونوه في تركيا ما لم يسمعوه في السعودية أو فرنسا، وخرجوا بثقة زائدة بالنفس لم يتحلّوا بها منذ تسلمهم السلطة في بيروت عام 2005. قدّم الأتراك ما يشبه المراجعة للمرحلة السابقة، مرحلة المبادرة التركية ـــــ السعودية المشتركة الهادفة إلى إيجاد تسوية سياسية في لبنان، ومرحلة السين سين، وخرجوا بخلاصة زادت ثقة الحريري بنفسه، وتفيد الآتي: «أخي سعد، تبيّن أنك كنت صادقاً ومحقاً تماماً».

وأيقن الحريري وفريقه خلال هذه الزيارة مدى الضرر الذي لحق بأنقرة نتيجة فشل المسعى التركي ـــــ القطري، واستنتاجهم أنّ هذا الفشل كان مقدمة لما وصلت إليه الأمور داخل سوريا اليوم. وصل النقاش إلى الملف الأساسي: الرئيس بشار الأسد. ما كانت نتيجة التداول؟

عبّر المسؤولون الأتراك بكثير من الوضوح والبلاغة عن أنّ موقفهم من النظام في سوريا «واضح وحاسم وغير خاضع للنقاش أو التعديل». وأهم ما سرّ قلب الحريري وفريقه، قول أنقرة أمام الزوار اللبنانيين: «الأسد غدر بنا وغشّنا». عبارة أخرى وردت على لسان المتحدثين باسم الإدارة التركية: «فعلنا للأسد ما لم تفعله لأحد، وهو فعل بنا ما لم يفعله بنا أحد».

انعكست هذه العبارات فرحاً في قلوب أعضاء الوفد اللبناني، لأنهم سمعوا لتوّهم موقفاً حاسماً من دولة معنيّة مباشرة بالملف السوري. وما زاد الحريريين بهجة، هو قول الأتراك إنهم «ينتظرون الغطاء الدولي المناسب لأداء دورهم في سوريا». ماذا يعني ذلك؟ لا جواب حتى الساعة، إلا أنّ المهمّ اليوم «منح لجنة المراقبين العرب الوقت اللازم، لعله خير».

على هذه القاعدة انتهى البحث في الملف السوري، ليجري التطرّق إلى الوضع الداخلي في لبنان، الذي لم يُفصَل عن الوضع في سوريا. فتناول النقاش الموقف التركي من القوى اللبنانية، حيث عبّر المسؤولون الأتراك، بحسب أجواء الرئيس سعد الحريري، عن تبدّل رأيهم في الرئيس نجيب ميقاتي. وقالوا إنهم تعاملوا معه بإيجابية لحظة تولّيه رئاسة الحكومة، مشيرين إلى أنّ الوقت كان كفيلاً في تغيير وجهة نظرهم، «وبات التعامل معه موضوعياً وليس إيجابياً، فقط بصفته رئيساً للحكومة».

ضم معاونو الرئيس الحريري هذا الموقف إلى صندوق الملاحظات العربية على ميقاتي؛ إذ يشيرون إلى أنّ التبدّل التركي حيال رئيس الحكومة الحالي يزيد الضغط عليه، «وخصوصاً أنّ الدول العربية لم تتعامل معه يوماً بإيجابية، وتمويل المحكمة الدولية لم يشفع له في تبديل الموقف العربي منه». لكن ماذا عن كلام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان عن ميقاتي؟ يفسّر المستقبليون اختلاف المعايير بين العرب والغرب، إذ إنه بالنسبة إلى البلدان العربية الموقف من النظام في سوريا هو الأولية، والأمور الأخرى لا تعنيهم مباشرة. يضيفون أنّ معظم المسؤولين العرب غير مقتنعين بما يروّج له جيفري فيلتمان، بأنّ بلاده قادرة على «تطويع ميقاتي».

تدفع هذه الخلاصات فريق الرئيس الحريري إلى الاعتقاد بأنّ الأمور «كويسة» وتنتظر الوقت اللازم لتنضج. لكن ماذا عن عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت؟

عند الإشارة إلى هذا السؤال في مجالس المستقبل، ينفي معظم المسؤولين علمهم بالأمر، ويردّدون أنهم يبتعدون عن طرح هذا الموضوع في «المجالس الكبرى لأسباب أمنية وشخصية». لكن يمكن تقديم مراجعة تشير إلى أنّ الحريري لن يعود في القريب العاجل: الأسباب الأمنية، التي يقول الحريري إنها وراء هجرته، لم تتبدّل، لا بل تتطوّر في لبنان جنوباً وشمالاً وبقاعاً. الأزمة المالية، التي عدّها البعض السبب الرئيسي لغياب الحريري، لم تحلّ بعد ولن يقدر الحريري على دخول بيروت، وثمة الكثير من الملفات المالية والتنظيمية التي يعمل معاونوه على حلّها، وأولها عملية إعادة الهيكلة داخل مؤسسات آل الحريري. الوضع السياسي لم يتبدّل بعد، وحكومة الرئيس ميقاتي لا تزال تصدر قراراتها من السرايا الحكومية. كل هذا يشير إلى أنّ عودة الحريري ليست قريبة، إلا أنّ أوساط الرئيس المنفي تؤكد أنّ عودته «ستكون في خلال أسابيع».

فبحسبهم، يريد الحريري الإعداد لذكرى 14 شباط. يريد الوقوف من جديد أمام ضريح والده ليعود ويخرج ليطلق الوعود لأنصاره، وهذا المشهد لا يمكن تحقيقه عبر تويتر.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-23
  • 9546
  • من الأرشيف

الأتراك للحريري: brother، كنتَ صـادقاً

عومل الرئيس سعد الحريري في تركيا بكثير من الحنان الود. المضمون توافق مع الشكل؛ إذ سمع من المسؤولين الأتراك كلاماً عالي النبرة حيال النظام في سورية سمع أن الأتراك ينتظرون «الغطاء اللازم» للقيام بواجبهم على حدودهم الجنوبية   لم يتردّد الرئيس سعد الحريري أمس في تحميل النظام في سورية مسؤولية تفجيري دمشق باعتبارهما «من صنع النظام كما أعلن المجلس الوطني». يبدو أنّ الحريري يكسب في «منفاه» بعض السرعة في التعبير وتبني المواقف. فهو إثر حادثة الاعتداء الأخيرة على القوات الفرنسية في الجنوب، استبق كلام وزير الخارجية الفرنسية وحمّل حزب الله مسؤولية التفجير. وأمس أطلّ الحريري على موقع تويتر، من دون أي موعد مسبق وفي توقيت غير معتاد، ليعبّر عما يدور في خلده. من التقوا الرئيس السابق للحكومة في المدة الأخيرة يقولون إنه بات أكثر قدرة على إدارة الأمور، ويكسب خبرة في آليات التواصل لم يكن ليكسبها لو بقي في بيروت. الأهم من ذلك بالنسبة إلى الحريري أنه، بحسب أحد المقربين منه، «يستعيد نصابه الدولي والإقليمي». بمعنى آخر، يجري التعامل مع الحريري، خارجياً، بصفته زعيماً لبنانياً ورجل دولة، لا بصفته رئيس حزب. زيارته الأخيرة لأنقرة تؤكد ذلك؛ إذ خاطبه أكثر من مسؤول تركي بعبارة «brother saad»، أي «أخي سعد»، ما من شأنه الإشارة إلى «عمق العلاقة والاحترام والود بين الطرفين». يضيف المعنيون أن الزيارة حملت معها الكثير من الإيجابيات وترك الحريري أنقرة وكأنه «لاعب إقليمي» له وزنه وأوراقه السياسية، وإن كان يعيش في «منفى طوعي»، بعيداً عن منزله في بيروت، منذ نحو ثمانية أشهر. يقول أحد المطّلعين على هذه الزيارة إنّ المسؤولين الأتراك «دلّعوا» الحريري، أكان في أسلوب الكلام أم مضمونه أم حتى خلاصاته. سمع الحريري ومعاونوه في تركيا ما لم يسمعوه في السعودية أو فرنسا، وخرجوا بثقة زائدة بالنفس لم يتحلّوا بها منذ تسلمهم السلطة في بيروت عام 2005. قدّم الأتراك ما يشبه المراجعة للمرحلة السابقة، مرحلة المبادرة التركية ـــــ السعودية المشتركة الهادفة إلى إيجاد تسوية سياسية في لبنان، ومرحلة السين سين، وخرجوا بخلاصة زادت ثقة الحريري بنفسه، وتفيد الآتي: «أخي سعد، تبيّن أنك كنت صادقاً ومحقاً تماماً». وأيقن الحريري وفريقه خلال هذه الزيارة مدى الضرر الذي لحق بأنقرة نتيجة فشل المسعى التركي ـــــ القطري، واستنتاجهم أنّ هذا الفشل كان مقدمة لما وصلت إليه الأمور داخل سوريا اليوم. وصل النقاش إلى الملف الأساسي: الرئيس بشار الأسد. ما كانت نتيجة التداول؟ عبّر المسؤولون الأتراك بكثير من الوضوح والبلاغة عن أنّ موقفهم من النظام في سوريا «واضح وحاسم وغير خاضع للنقاش أو التعديل». وأهم ما سرّ قلب الحريري وفريقه، قول أنقرة أمام الزوار اللبنانيين: «الأسد غدر بنا وغشّنا». عبارة أخرى وردت على لسان المتحدثين باسم الإدارة التركية: «فعلنا للأسد ما لم تفعله لأحد، وهو فعل بنا ما لم يفعله بنا أحد». انعكست هذه العبارات فرحاً في قلوب أعضاء الوفد اللبناني، لأنهم سمعوا لتوّهم موقفاً حاسماً من دولة معنيّة مباشرة بالملف السوري. وما زاد الحريريين بهجة، هو قول الأتراك إنهم «ينتظرون الغطاء الدولي المناسب لأداء دورهم في سوريا». ماذا يعني ذلك؟ لا جواب حتى الساعة، إلا أنّ المهمّ اليوم «منح لجنة المراقبين العرب الوقت اللازم، لعله خير». على هذه القاعدة انتهى البحث في الملف السوري، ليجري التطرّق إلى الوضع الداخلي في لبنان، الذي لم يُفصَل عن الوضع في سوريا. فتناول النقاش الموقف التركي من القوى اللبنانية، حيث عبّر المسؤولون الأتراك، بحسب أجواء الرئيس سعد الحريري، عن تبدّل رأيهم في الرئيس نجيب ميقاتي. وقالوا إنهم تعاملوا معه بإيجابية لحظة تولّيه رئاسة الحكومة، مشيرين إلى أنّ الوقت كان كفيلاً في تغيير وجهة نظرهم، «وبات التعامل معه موضوعياً وليس إيجابياً، فقط بصفته رئيساً للحكومة». ضم معاونو الرئيس الحريري هذا الموقف إلى صندوق الملاحظات العربية على ميقاتي؛ إذ يشيرون إلى أنّ التبدّل التركي حيال رئيس الحكومة الحالي يزيد الضغط عليه، «وخصوصاً أنّ الدول العربية لم تتعامل معه يوماً بإيجابية، وتمويل المحكمة الدولية لم يشفع له في تبديل الموقف العربي منه». لكن ماذا عن كلام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان عن ميقاتي؟ يفسّر المستقبليون اختلاف المعايير بين العرب والغرب، إذ إنه بالنسبة إلى البلدان العربية الموقف من النظام في سوريا هو الأولية، والأمور الأخرى لا تعنيهم مباشرة. يضيفون أنّ معظم المسؤولين العرب غير مقتنعين بما يروّج له جيفري فيلتمان، بأنّ بلاده قادرة على «تطويع ميقاتي». تدفع هذه الخلاصات فريق الرئيس الحريري إلى الاعتقاد بأنّ الأمور «كويسة» وتنتظر الوقت اللازم لتنضج. لكن ماذا عن عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت؟ عند الإشارة إلى هذا السؤال في مجالس المستقبل، ينفي معظم المسؤولين علمهم بالأمر، ويردّدون أنهم يبتعدون عن طرح هذا الموضوع في «المجالس الكبرى لأسباب أمنية وشخصية». لكن يمكن تقديم مراجعة تشير إلى أنّ الحريري لن يعود في القريب العاجل: الأسباب الأمنية، التي يقول الحريري إنها وراء هجرته، لم تتبدّل، لا بل تتطوّر في لبنان جنوباً وشمالاً وبقاعاً. الأزمة المالية، التي عدّها البعض السبب الرئيسي لغياب الحريري، لم تحلّ بعد ولن يقدر الحريري على دخول بيروت، وثمة الكثير من الملفات المالية والتنظيمية التي يعمل معاونوه على حلّها، وأولها عملية إعادة الهيكلة داخل مؤسسات آل الحريري. الوضع السياسي لم يتبدّل بعد، وحكومة الرئيس ميقاتي لا تزال تصدر قراراتها من السرايا الحكومية. كل هذا يشير إلى أنّ عودة الحريري ليست قريبة، إلا أنّ أوساط الرئيس المنفي تؤكد أنّ عودته «ستكون في خلال أسابيع». فبحسبهم، يريد الحريري الإعداد لذكرى 14 شباط. يريد الوقوف من جديد أمام ضريح والده ليعود ويخرج ليطلق الوعود لأنصاره، وهذا المشهد لا يمكن تحقيقه عبر تويتر.  

المصدر : الأخبار /نادر فوز


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة