على الرغم من حدة ردة فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على تشريع البرلمان الفرنسي قانون تجريم إنكار «الإبادة» الارمنية، وردود فعل الصحافة التركية الغاضبة، غير أن العديد من الأصوات بدأت ترتفع محذرة من ذهاب العلاقات بين البلدين إلى نقطة القطيعة التي لا تفيد أيا منهما.

وجاء في بعض عناوين الصحف التركية أمس: أنظر ساركو نحن هذا (أقشام)، لن تفيد ردود الفعل (بركون)، صفعة من ثمانية انذارات (بوكين)، منع بـ44 صوتا (جمهورييت)، المرأة التي أهانت التاريخ (غونش)، السفلة (اورطا دوغو)، لي ميزيرابل (أي البوساء في صحيفة راديكال)، 45 معتوها (سوزجي)، الأبواب أغلقت (ستار)، الثمن سيكون باهظا (ميللييت)، السيوف سلّت (يني مساج).

وهاجم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان فرنسا بشدة واتهمها «بالإبادة» في الجزائر. وقال، في محاضرة في اسطنبول، «إن نسبة الجزائريين الذين ذبحهم الفرنسيون تقدر بنحو 15 في المئة اعتبارا من 1945. انها ابادة». واضاف «اذا كان الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) لم يعلم بحصول ابادة فليسأل والده بال ساركوزي الذي خدم في القوات الاجنبية في الجزائر خلال الاربعينيات». وتابع «تعرض الجزائريون الى عمليات حرق جماعي في الافران والى اضطهاد بلا رحمة».

من جانبه قال ساركوزي، في براغ حيث شارك في جنازة الرئيس التشيكي السابق فاتسلاف هافل، «انا احترم قناعات اصدقائنا الاتراك، انه بلد كبير، وحضارة كبيرة، وعليهم احترام قناعاتنا». واضاف «ان فرنسا لا تلقن احدا دروسا لكنها لن تقبل ان تلقن دروسا».

وفي التعليقات، قال سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» إن التصويت في البرلمان الفرنسي كان فضيحة، لأن الحاضرين من النواب لم يتجاوزوا العشرة في المئة. لكن ما حصل كان متوقعا، وبذلك تدخل العلاقات التركية الفرنسية في مرحلة جديدة لا يعرف إلى أين ستوصل، معتبرا ان المواقف الفرنسية والتركية، والتي صدرت عن وعي كامل، تظهر بأن مرحلة من التوتر والهوة ستكون أمامهم.

وقال كوهين انه لم يكن أمام تركيا سوى أن تتخذ سلسلة من العقوبات ردا على القرار. وأضاف إن «الطرفين مشغولان الآن بحساب الأضرار التي ستصيب كلا منهما، وكل منهما يزعم أن الآخر سيكون الأكثر تضررا. ولكن من الواضـــح أن كلا الطـــرفين سيخرج متضررا، فلا القــرار الفرنسي سيغــيّر الموقــف التركي، ولا العقوبات التركية ستــخنق المصــالح الفرنسية».

ويقول الكاتب إن ردة الفعل التركية على القرار خلقت عدم ثقة عاليا بين الطرفين. وإذ يشير إلى أن كل الأحزاب الفرنسية أيدت القرار فإن «عامل ساركوزي» يبقى الحاسم هذه المرة، لأنه يريد تحسين وضعه في انتخابات الرئاسة في نيسان المقبل بعد تراجعه في استطلاعات الرأي.

ويرى الكاتب أن الفرصة مع ذلك لا تزال متاحة لترميم العلاقات من خلال عدم إيصال القانون إلى مجلس الشيوخ أو رفضه داخل مجلس الشيوخ. وفي حال لم يحدث ذلك، وتم تشريع القانون نهائيا فإن الضحية الأكبر ستكون الصداقة والشراكة التركية ـ الفرنسية وسيكون الطرفان خاسرين فيها.

ويكتب محمد علي بيراند في «حرييت» قائلا إن على ساركوزي أن يخجل من مثل هذا القانون، لكنه يدعو الحكومة التركية إلى التحرك بطريقة مختلفة، موضحا ان العقوبات على فرنسا ودعوات المقاطعة لن تفيد تركيا. ويتساءل «لماذا نعاقب انفسنا؟. فإغلاق شركة رينو الفرنسية في تركيا ستؤذي تركيا وليس فرنسا. ولماذا نضحّي بـ13 مليار يورو حجم التجارة بين البلدين».

كذلك يدعو بيراند 170 ألف مواطن فرنسي من أصل تركي إلى الطعن أمام المحكمة الدستورية، واعتبار القانون مخالفا للدستور الفرنسي. لكنه يدعو أنقرة أيضا إلى محاسبة نفسها على تاريخها، ولا سيما أن الذكرى المئوية «للإبادة» تقترب في العام 2015. وقال إن سياسة ردة الفعل والتهديد ونشر الوثائق قد انتهت وباتت قديمة، وعلى تركيا أن تقارب المسألة بطريقة مختلفة معترفا أن الأرمن أقنعوا الرأي العام العالمي بحججهم و«نحن لم نفعل شيئا».

ودعت صحيفة «بركون» إلى عدم التعويل على ردود الفعل التركية، لأن أنقرة ليست في موقع قوي إذ أن أي تشريع في البرلمان التركي للاعتراف بالإبادة الفرنسية في الجزائر لن تفيد، حيث أن رئيس الوزراء التركي السابق عدنان مندريس كان حينها يقف إلى جانب الاحتلال الفرنسي في الجزائر وعارض استقلال الجزائر في الأمم المتحدة.

من جهته قال رئيس اتحاد المستثمرين في الفنادق السياحية تيمور بايندير إن التوتر قد ينعكس سلبا على السياحة التركية. وأوضح أن عدد السياح الفرنسيون إلى تركيا في العام 2011 وحتى نهاية تشرين الثاني بلغ مليونا و 44 ألف سائح، بينما كان في العام الماضي في الفترة نفسها 850 ألفا. وقال إن «مثل هذه الأحداث غالبا ما تنعكس سلبا على السياحة. على سبيل المثال كان يأتي إلى تركيا 600 ألف سائح إسرائيلي، واليوم لا يوجد أي سائح. وكان يأتي من سوريا مليون سائح. الآن لا احد». وفي الأساس توجد أزمة في أوروبا لذا فإن بايندير يتوقع أن يكون العام 2012 صعبا على صعيد السياحة، إذ سيتردد السياح الفرنسيين في القدوم إلى بلد قد يدخل بين الدول التي يمكن أن يواجه السائح فيها مشكلات.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-12-23
  • 11113
  • من الأرشيف

أردوغان يتهم فرنسا «بإبادة» الجزائريين ,أنقـرة مرتبكـة تجـاه باريـس: العقوبـات تؤذيـها أيضـاً

على الرغم من حدة ردة فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على تشريع البرلمان الفرنسي قانون تجريم إنكار «الإبادة» الارمنية، وردود فعل الصحافة التركية الغاضبة، غير أن العديد من الأصوات بدأت ترتفع محذرة من ذهاب العلاقات بين البلدين إلى نقطة القطيعة التي لا تفيد أيا منهما. وجاء في بعض عناوين الصحف التركية أمس: أنظر ساركو نحن هذا (أقشام)، لن تفيد ردود الفعل (بركون)، صفعة من ثمانية انذارات (بوكين)، منع بـ44 صوتا (جمهورييت)، المرأة التي أهانت التاريخ (غونش)، السفلة (اورطا دوغو)، لي ميزيرابل (أي البوساء في صحيفة راديكال)، 45 معتوها (سوزجي)، الأبواب أغلقت (ستار)، الثمن سيكون باهظا (ميللييت)، السيوف سلّت (يني مساج). وهاجم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان فرنسا بشدة واتهمها «بالإبادة» في الجزائر. وقال، في محاضرة في اسطنبول، «إن نسبة الجزائريين الذين ذبحهم الفرنسيون تقدر بنحو 15 في المئة اعتبارا من 1945. انها ابادة». واضاف «اذا كان الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) لم يعلم بحصول ابادة فليسأل والده بال ساركوزي الذي خدم في القوات الاجنبية في الجزائر خلال الاربعينيات». وتابع «تعرض الجزائريون الى عمليات حرق جماعي في الافران والى اضطهاد بلا رحمة». من جانبه قال ساركوزي، في براغ حيث شارك في جنازة الرئيس التشيكي السابق فاتسلاف هافل، «انا احترم قناعات اصدقائنا الاتراك، انه بلد كبير، وحضارة كبيرة، وعليهم احترام قناعاتنا». واضاف «ان فرنسا لا تلقن احدا دروسا لكنها لن تقبل ان تلقن دروسا». وفي التعليقات، قال سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» إن التصويت في البرلمان الفرنسي كان فضيحة، لأن الحاضرين من النواب لم يتجاوزوا العشرة في المئة. لكن ما حصل كان متوقعا، وبذلك تدخل العلاقات التركية الفرنسية في مرحلة جديدة لا يعرف إلى أين ستوصل، معتبرا ان المواقف الفرنسية والتركية، والتي صدرت عن وعي كامل، تظهر بأن مرحلة من التوتر والهوة ستكون أمامهم. وقال كوهين انه لم يكن أمام تركيا سوى أن تتخذ سلسلة من العقوبات ردا على القرار. وأضاف إن «الطرفين مشغولان الآن بحساب الأضرار التي ستصيب كلا منهما، وكل منهما يزعم أن الآخر سيكون الأكثر تضررا. ولكن من الواضـــح أن كلا الطـــرفين سيخرج متضررا، فلا القــرار الفرنسي سيغــيّر الموقــف التركي، ولا العقوبات التركية ستــخنق المصــالح الفرنسية». ويقول الكاتب إن ردة الفعل التركية على القرار خلقت عدم ثقة عاليا بين الطرفين. وإذ يشير إلى أن كل الأحزاب الفرنسية أيدت القرار فإن «عامل ساركوزي» يبقى الحاسم هذه المرة، لأنه يريد تحسين وضعه في انتخابات الرئاسة في نيسان المقبل بعد تراجعه في استطلاعات الرأي. ويرى الكاتب أن الفرصة مع ذلك لا تزال متاحة لترميم العلاقات من خلال عدم إيصال القانون إلى مجلس الشيوخ أو رفضه داخل مجلس الشيوخ. وفي حال لم يحدث ذلك، وتم تشريع القانون نهائيا فإن الضحية الأكبر ستكون الصداقة والشراكة التركية ـ الفرنسية وسيكون الطرفان خاسرين فيها. ويكتب محمد علي بيراند في «حرييت» قائلا إن على ساركوزي أن يخجل من مثل هذا القانون، لكنه يدعو الحكومة التركية إلى التحرك بطريقة مختلفة، موضحا ان العقوبات على فرنسا ودعوات المقاطعة لن تفيد تركيا. ويتساءل «لماذا نعاقب انفسنا؟. فإغلاق شركة رينو الفرنسية في تركيا ستؤذي تركيا وليس فرنسا. ولماذا نضحّي بـ13 مليار يورو حجم التجارة بين البلدين». كذلك يدعو بيراند 170 ألف مواطن فرنسي من أصل تركي إلى الطعن أمام المحكمة الدستورية، واعتبار القانون مخالفا للدستور الفرنسي. لكنه يدعو أنقرة أيضا إلى محاسبة نفسها على تاريخها، ولا سيما أن الذكرى المئوية «للإبادة» تقترب في العام 2015. وقال إن سياسة ردة الفعل والتهديد ونشر الوثائق قد انتهت وباتت قديمة، وعلى تركيا أن تقارب المسألة بطريقة مختلفة معترفا أن الأرمن أقنعوا الرأي العام العالمي بحججهم و«نحن لم نفعل شيئا». ودعت صحيفة «بركون» إلى عدم التعويل على ردود الفعل التركية، لأن أنقرة ليست في موقع قوي إذ أن أي تشريع في البرلمان التركي للاعتراف بالإبادة الفرنسية في الجزائر لن تفيد، حيث أن رئيس الوزراء التركي السابق عدنان مندريس كان حينها يقف إلى جانب الاحتلال الفرنسي في الجزائر وعارض استقلال الجزائر في الأمم المتحدة. من جهته قال رئيس اتحاد المستثمرين في الفنادق السياحية تيمور بايندير إن التوتر قد ينعكس سلبا على السياحة التركية. وأوضح أن عدد السياح الفرنسيون إلى تركيا في العام 2011 وحتى نهاية تشرين الثاني بلغ مليونا و 44 ألف سائح، بينما كان في العام الماضي في الفترة نفسها 850 ألفا. وقال إن «مثل هذه الأحداث غالبا ما تنعكس سلبا على السياحة. على سبيل المثال كان يأتي إلى تركيا 600 ألف سائح إسرائيلي، واليوم لا يوجد أي سائح. وكان يأتي من سوريا مليون سائح. الآن لا احد». وفي الأساس توجد أزمة في أوروبا لذا فإن بايندير يتوقع أن يكون العام 2012 صعبا على صعيد السياحة، إذ سيتردد السياح الفرنسيين في القدوم إلى بلد قد يدخل بين الدول التي يمكن أن يواجه السائح فيها مشكلات.  

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة