لم يكن كلام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان أمام الكونغرس إلا تعبيرا جديدا عن عدم بلوغ الأميركيين مرحلة القرار النهائي في الموضوع السوري، فهم يدعون الرئيس السوري بشار الأسد الى التنحي من جهة ويقررون إعادة السفير الأميركي الى دمشق خلال ايام أو اسابيع من جهة ثانية، فيما بات السوريون يضبطون إيقاعهم على وقع التجاذب الأميركي ـ الإيراني، مع بدء العد العكسي للانسحاب الأميركي العسكري الكامل من العراق بحلول السنة الجديدة.

في هذا السياق، يقول دبلوماسي عربي في بيروت «ان سياق التطورات السورية قد يوصلنا الى معادلة مفادها ان سقوط الرئيس السوري بشار الاسد وبالتالي النظام السوري، هو بمثابة مشكلة، ونجاحه بالبقاء على رأس السلطة، ولو بكلفة كبيرة، هو مشكلة ايضا، وهذه الاشكالية المزدوجة مردها الى كون الغرب تمكن من إحداث خرق على صعيد تأزيم الوضع في سوريا وتغذية التطرف الديني فيها وفي ذلك خسارة وتدمير للجميع».

ويضيف «الآن الأميركيون والغرب وإسرائيل مرتاحون، إذا ربح الأسد، فالمؤامرة ستستمر وتتخذ اشكالا جديدة، وإذا خسر فالبديل جاهز عبر تغذية الفتنة الطائفية، اذ انه وفق المعادلة الاستراتيجية الاميركية يفكرون على قاعدة ان انتصار الاسد هو انتصار للخط الاستراتيجي لإيران ومحورها ويعني ان ايران عززت موقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي ذلك تراجع للأخيرة ولكل المحسوبين عليها وخاصة المشروع التركي».

يشرح المصدر الدبلوماسي معطياته بالحديث عن مؤامرة من فوق (الخطة أ) وتعني ضرب النظام السوري وإسقاطه، ومؤامرة من تحت (الخطة ب) وتعني اندلاع فتنة مذهبية، ويضيف «أن ايران وحلفاءها من مصلحتهم افشال المؤامرة الاميركية، وإذا استطاع هذا المحور ضرب المؤامرة من فوق، اي الخطة (أ) يجب عليه عدم السماح للمؤامرة من تحت بالنفاذ، اي الخطة (ب)، غير أن ذلك يستوجب الأخذ في الحسبان أن الفريق الآخر، دولا ومجموعات ضغط قد جند مواقعه الاقليمية والدولية وإعلامه وماله وكل قدراته لتنفيذ الخطة وهو لن يرضخ للخسارة حتى لو ادى ذلك الى تدمير سوريا».

ويوضح المصدر «ان الاميركي يريد غطاء دوليا للمعركة المفتوحة ضد سوريا، وهو يراهن على فشل مشروع الحل العربي وانتقال الملف الى مجلس الأمن، ذلك أنه حتى الآن لم ينل الغطاء القانوني عبر مجلس الأمن، فيما هناك غطاء سياسي وإعلامي ومالي خليجي، لكن اي عمل استراتيجي كبير يحتاج الى غطاء من ثلاثة انواع: سياسي، قانوني ومالي».

والسؤال الذي يطرحه المصدر الدبلوماسي العربي «هل يدرك أهل الخليج العربي أنهم يسلمون امرهم للشيطان، وهل يعلمون أن مبادرة الايرانيين الى الاستجابة الى مطلب «الخط الساخن» مع الأميركيين، يمكن أن تؤدي الى ترييح النظام السوري، وهل يعتقد هؤلاء ان نيران الفتنة لن تصل اليهم اذا أحرقت الأخضر واليابس في سوريا، وهل يظنون أن بمقدور الاميركي أن يحميهم الى الأبد».

ويلفت المصدر الانتباه الى ان «ما جرى تداوله عن سيناريو عسكري، مستبعد لكنه يبقى احتمالا قائما فإذا لم يتوفر غطاء مجلس الأمن، يعمدون الى توفير غطاء عبر الحلف الاطلسي (الناتو) وثمة خطة موضوعة تقضي بضرب نقاط السيطرة في سوريا مثل مقرات المخابرات العسكرية والعامة والجوية والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ومحطات الرادار وضرب الجيش السوري في العمق وإقامة منطقة حدودية عازلة داخل الاراضي السورية تكون قريبة من المنطقة الساحلية الشمالية (على الحدود التركية) لكي تؤمن رأس جسر للناتو، ويترافق ذلك مع بداية اعتراف دولي بالمجلس الانتقالي، الا ان ذلك كله ليس بالأمر السهل، وكل المعطيات تشير الى انهم لن يستطيعوا لا اقامة منطقة عازلة ولا رأس جسر للأطلسي داخل الأراضي السورية».

ويضيف المصدر «صحيح انه ليس بمقدور إيران اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي التركية اذا عمدت أنقرة إلى إقامة منطقة عازلة في الاراضي السورية، انما تستطيع التأثير المباشر على المصالح التركية لا سيما في العراق وعلى مصالح دول الخليج، كما ان الجانب التركي لا يستطيع اقامة منطقة عازلة اذا لم يوافق الجانب الأميركي لان ذلك يعني تدخل الأطلسي، وإقامة هذه المنطقة من دون تدخل الأطلسي لا قيمة لها لا بل ستتحول إلى أزمة أمنية وسياسية لتركيا، ناهيك عن أن الموقف الروسي صلب، وحلفاء سوريا لن يقفوا مكتوفين، إضافة إلى أسباب عدة متداخلة تؤدي إلى استبعاد العمل العسكري ضد سوريا التي ما زالت تمتلك الكثير من أوراق القوة».

ويتوقع المصدر «أن يؤدي صمود الأسد إلى دفع الأميركيين نحو خيار إشعال الحرب الطائفية، ذلك أن صعود الدور الإيراني وضمور دور حلفاء واشنطن في المنطقة، بعد الانسحاب من العراق، سيقابله توظيف بعض المجموعات لشن عمليات إرهابية وضرب مراكز دينية في سوريا، تؤدي إلى حراك طائفي يعقد الأمور، من هنا يصبح الاستنتاج أن العام المقبل سيكون عاما صعبا وخطيرا للغاية، فإما نجاح المؤامرة من فوق عبر ضرب النظام السوري وتركيب نظام ملحق بالأتراك شبيه بالنظام التركي الحالي وبالتالي إعطاء دور اكبر لأنقرة يمتد إلى دمشق وبيروت بعد عزل «حزب الله»، وإذا لم تنجح هذه المؤامرة، قد تباشر أميركا تنفيذ الخطة باء».

ويخلص المصدر الى القول «ان سيناريو العمل العسكري يتم تحضيره كاحتياط وليس لاستخدامه لان العقل الاستراتيجي الأميركي يضع كل الاحتمالات في الحسبان، ولن يلجأ الى الخيار العسكري، الا بعد استنفاد الخطتين ألف وباء، وهذا الامر خاضع لاعتبارات جغرافية وسياسية وأمنية في المنطقة قد تمنع اميركا من استكمال خططها، خصوصا اذا وجدت ان امن اسرائيل اصبح في مهب الريح».

  • فريق ماسة
  • 2011-11-10
  • 12048
  • من الأرشيف

الخطة الأميركية: إسقاط النظام السوري.. أو الفتنة الطائفية المدمرة

لم يكن كلام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان أمام الكونغرس إلا تعبيرا جديدا عن عدم بلوغ الأميركيين مرحلة القرار النهائي في الموضوع السوري، فهم يدعون الرئيس السوري بشار الأسد الى التنحي من جهة ويقررون إعادة السفير الأميركي الى دمشق خلال ايام أو اسابيع من جهة ثانية، فيما بات السوريون يضبطون إيقاعهم على وقع التجاذب الأميركي ـ الإيراني، مع بدء العد العكسي للانسحاب الأميركي العسكري الكامل من العراق بحلول السنة الجديدة. في هذا السياق، يقول دبلوماسي عربي في بيروت «ان سياق التطورات السورية قد يوصلنا الى معادلة مفادها ان سقوط الرئيس السوري بشار الاسد وبالتالي النظام السوري، هو بمثابة مشكلة، ونجاحه بالبقاء على رأس السلطة، ولو بكلفة كبيرة، هو مشكلة ايضا، وهذه الاشكالية المزدوجة مردها الى كون الغرب تمكن من إحداث خرق على صعيد تأزيم الوضع في سوريا وتغذية التطرف الديني فيها وفي ذلك خسارة وتدمير للجميع». ويضيف «الآن الأميركيون والغرب وإسرائيل مرتاحون، إذا ربح الأسد، فالمؤامرة ستستمر وتتخذ اشكالا جديدة، وإذا خسر فالبديل جاهز عبر تغذية الفتنة الطائفية، اذ انه وفق المعادلة الاستراتيجية الاميركية يفكرون على قاعدة ان انتصار الاسد هو انتصار للخط الاستراتيجي لإيران ومحورها ويعني ان ايران عززت موقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي ذلك تراجع للأخيرة ولكل المحسوبين عليها وخاصة المشروع التركي». يشرح المصدر الدبلوماسي معطياته بالحديث عن مؤامرة من فوق (الخطة أ) وتعني ضرب النظام السوري وإسقاطه، ومؤامرة من تحت (الخطة ب) وتعني اندلاع فتنة مذهبية، ويضيف «أن ايران وحلفاءها من مصلحتهم افشال المؤامرة الاميركية، وإذا استطاع هذا المحور ضرب المؤامرة من فوق، اي الخطة (أ) يجب عليه عدم السماح للمؤامرة من تحت بالنفاذ، اي الخطة (ب)، غير أن ذلك يستوجب الأخذ في الحسبان أن الفريق الآخر، دولا ومجموعات ضغط قد جند مواقعه الاقليمية والدولية وإعلامه وماله وكل قدراته لتنفيذ الخطة وهو لن يرضخ للخسارة حتى لو ادى ذلك الى تدمير سوريا». ويوضح المصدر «ان الاميركي يريد غطاء دوليا للمعركة المفتوحة ضد سوريا، وهو يراهن على فشل مشروع الحل العربي وانتقال الملف الى مجلس الأمن، ذلك أنه حتى الآن لم ينل الغطاء القانوني عبر مجلس الأمن، فيما هناك غطاء سياسي وإعلامي ومالي خليجي، لكن اي عمل استراتيجي كبير يحتاج الى غطاء من ثلاثة انواع: سياسي، قانوني ومالي». والسؤال الذي يطرحه المصدر الدبلوماسي العربي «هل يدرك أهل الخليج العربي أنهم يسلمون امرهم للشيطان، وهل يعلمون أن مبادرة الايرانيين الى الاستجابة الى مطلب «الخط الساخن» مع الأميركيين، يمكن أن تؤدي الى ترييح النظام السوري، وهل يعتقد هؤلاء ان نيران الفتنة لن تصل اليهم اذا أحرقت الأخضر واليابس في سوريا، وهل يظنون أن بمقدور الاميركي أن يحميهم الى الأبد». ويلفت المصدر الانتباه الى ان «ما جرى تداوله عن سيناريو عسكري، مستبعد لكنه يبقى احتمالا قائما فإذا لم يتوفر غطاء مجلس الأمن، يعمدون الى توفير غطاء عبر الحلف الاطلسي (الناتو) وثمة خطة موضوعة تقضي بضرب نقاط السيطرة في سوريا مثل مقرات المخابرات العسكرية والعامة والجوية والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ومحطات الرادار وضرب الجيش السوري في العمق وإقامة منطقة حدودية عازلة داخل الاراضي السورية تكون قريبة من المنطقة الساحلية الشمالية (على الحدود التركية) لكي تؤمن رأس جسر للناتو، ويترافق ذلك مع بداية اعتراف دولي بالمجلس الانتقالي، الا ان ذلك كله ليس بالأمر السهل، وكل المعطيات تشير الى انهم لن يستطيعوا لا اقامة منطقة عازلة ولا رأس جسر للأطلسي داخل الأراضي السورية». ويضيف المصدر «صحيح انه ليس بمقدور إيران اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي التركية اذا عمدت أنقرة إلى إقامة منطقة عازلة في الاراضي السورية، انما تستطيع التأثير المباشر على المصالح التركية لا سيما في العراق وعلى مصالح دول الخليج، كما ان الجانب التركي لا يستطيع اقامة منطقة عازلة اذا لم يوافق الجانب الأميركي لان ذلك يعني تدخل الأطلسي، وإقامة هذه المنطقة من دون تدخل الأطلسي لا قيمة لها لا بل ستتحول إلى أزمة أمنية وسياسية لتركيا، ناهيك عن أن الموقف الروسي صلب، وحلفاء سوريا لن يقفوا مكتوفين، إضافة إلى أسباب عدة متداخلة تؤدي إلى استبعاد العمل العسكري ضد سوريا التي ما زالت تمتلك الكثير من أوراق القوة». ويتوقع المصدر «أن يؤدي صمود الأسد إلى دفع الأميركيين نحو خيار إشعال الحرب الطائفية، ذلك أن صعود الدور الإيراني وضمور دور حلفاء واشنطن في المنطقة، بعد الانسحاب من العراق، سيقابله توظيف بعض المجموعات لشن عمليات إرهابية وضرب مراكز دينية في سوريا، تؤدي إلى حراك طائفي يعقد الأمور، من هنا يصبح الاستنتاج أن العام المقبل سيكون عاما صعبا وخطيرا للغاية، فإما نجاح المؤامرة من فوق عبر ضرب النظام السوري وتركيب نظام ملحق بالأتراك شبيه بالنظام التركي الحالي وبالتالي إعطاء دور اكبر لأنقرة يمتد إلى دمشق وبيروت بعد عزل «حزب الله»، وإذا لم تنجح هذه المؤامرة، قد تباشر أميركا تنفيذ الخطة باء». ويخلص المصدر الى القول «ان سيناريو العمل العسكري يتم تحضيره كاحتياط وليس لاستخدامه لان العقل الاستراتيجي الأميركي يضع كل الاحتمالات في الحسبان، ولن يلجأ الى الخيار العسكري، الا بعد استنفاد الخطتين ألف وباء، وهذا الامر خاضع لاعتبارات جغرافية وسياسية وأمنية في المنطقة قد تمنع اميركا من استكمال خططها، خصوصا اذا وجدت ان امن اسرائيل اصبح في مهب الريح».

المصدر : السفير /داود رمال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة