قلّلت المواقف التي يثابر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على إطلاقها منذ تأليف الحكومة، قبل خمسة أشهر، وأخصّها تنفيذ التعهّدات الدولية والمحافظة على الاستقرار، وطأة الانتقادات التي وجّهتها لحكومته دول غربية، ناجمة عن عدم ارتياحها إلى الطريقة التي أسقطت بها حكومة الرئيس سعد الحريري. ومع تراجع تلك الانتقادات وموجات التشكيك، والانفتاح التدريجي على ميقاتي، واستيعاب الغرب صدمة انقلاب توازن القوى الداخلي بتحوّل الغالبية من فريق إلى آخر، باتت ردود الفعل تتخطى نعت حكومة ميقاتي بحكومة حزب الله، إلى التشديد على الشقّ الذي يجد الغرب نفسه معنياً به حيال دور لبنان في المنطقة، المرتكز على مطالب ثلاثة:

ـــــ التزام القرارات الدولية، ولا سيما منها القرارين 1701 و1757.

ـــــ ضمان الاستقرار وعدم تعرضه لأي خضّة.

ـــــ عدم انتهاك الإجراءات والعقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا.

عادت بهذا الانطباع من واشنطن شخصية لبنانية ذات باع طويل في الديبلوماسية والاتصال بالعاصمة الأميركية وعواصم أوروبية، واستخلصت ممّا سمعته من مسؤولين في الخارجية الأميركية عن السياسة التي تتبعها واشنطن حيال لبنان، الملاحظات الآتية:

1 ـــــ يُنظر إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان على أنه قريب من قوى 8 آذار. لا أفكار جديدة لديه، ولا مبادرة مبتكرة في سياق معالجة الوضع الداخلي. ويعتقد الديبلوماسيون الأميركيون أنه ليس في وسع سليمان، في ظلّ الواقع الراهن في لبنان، اتخاذ قرار مهم.

في جانب من هذا الانطباع، استغراب الديبلوماسيين الأميركيين وجود وفدين لبنانيين رفيعي المستوى، منفصلين، في نيويورك في وقت متزامن للمشاركة في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة، وإن تحت شعار تعزيز الحضور اللبناني في مناسبة ترؤس هذا البلد في أيلول الماضي مجلس الأمن. ترأس سليمان وفداً رسمياً، وميقاتي وفداً رسمياً آخر. أربك وجود الوفدين الإدارة، وحارت مع مَن تجتمع، وهي تتوقع أن تستمع إلى كلام متطابق من رئيسي الجمهورية والحكومة في ما قد يُسألان عنه.

ورغم أن سليمان سبق ميقاتي إلى نيويورك (بين 20 أيلول و24 منه)، إلا أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فضّلت لقاء رئيس الحكومة في 26 أيلول، غداة وصوله إلى نيويورك، وتبادلت معه المواقف وأصغت إلى تمسّكه واحترام حكومته العلاقة مع المجتمع الدولي والتعاون مع الأمم المتحدة والقرارات الدولية، بما في ذلك تمويل المحكمة الدولية.

وجد الديبلوماسيون الأميركيون الاجتماع بميقاتي أجدى وأكثر فاعلية وارتداداً على الداخل اللبناني بصفته رئيساً للحكومة ـــــ وهي السلطة الإجرائية ـــــ وتأكيده الخيارات التي تطمئن إليها واشنطن.

تصرّفت واشنطن، يقول الديبلوماسيون الأميركيون للشخصية اللبنانية الزائرة، وفق ما يمليه الوقت، وتفادياً لإهداره بسماع مواقف متكرّرة، ناهيك بأن الإدارة الأميركية لا تضع لبنان في الوقت الحاضر في سلّم اهتمامها بالمشكلات الإقليمية وأزماتها.

مع ذلك، اجتمع رئيس الجمهورية بعدد وافر من رؤساء الوفود في نيويورك، بينهم ملوك وأمراء ورؤساء عرب وأجانب، لكنه قاطع في 21 أيلول الاستقبال السنوي التكريمي الذي يُقيمه الرئيس الأميركي لرؤساء الوفود المشاركين في أعمال الدورة العادية، ونُظِرَ إلى تغيّب الرئيس اللبناني عن الاستقبال على أنه امتعاضٌ من عدم ترتيب لقاء بينه وبين مسؤولين أميركيين.

ترك هذا الالتباس الذي رافق زيارة سليمان لنيويورك أثره لديه في ما بعد، فامتنع بادئ بدء عن تحديد موعد لاستقبال نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جايك والاس عندما زار بيروت في 25 تشرين الأول و26 منه. إلا أن طالبي الموعد أكدوا للرئيس اللبناني أن المسؤول الأميركي يحمل إليه تقدير الإدارة لمواقفه ودوره، في محاولة لاستدراك عدم الاجتماع به في نيويورك، وتبرير ذلك بالانشغال في أزمات المنطقة لا يدخل لبنان في عدادها، ممّا حال دون توافر الوقت المناسب.

إلا أن الرئيس، في ضوء حجج سيقت إليه، وافق على تحديد الموعد، واستقبل والاس في اليوم الأول من زيارته بيروت.

كان الأبرز في لقاءات ميقاتي في نيويورك، اجتماعٌ لم يفصح عنه بينه وبين نائب وزير الخارجية السعودي الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك عبد الله ومستشاره.

2 ـــــ ينظر الديبلوماسيون الأميركيون إلى ميقاتي على أنه رجل 14 آذار على رأس حكومة تدين بغالبيتها لحزب الله وقوى 8 آذار، من دون أن يكون في صفوف الفريق الذي لا تزال واشنطن تعدّه حليفاً لها وتفضّله على رأس السلطة والغالبية في لبنان. ويستند الديبلوماسيون الأميركيون في تقويمهم لرئيس الحكومة إلى دعمه الملفات الساخنة التي تتعلّق بها قوى 14 آذار، وأخصّها دعم المحكمة الدولية وتمويلها وتنفيذ القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1701، والمحافظة على الاستقرار ومراعاة التوازن السياسي الداخلي كي لا يُخلّ لمصلحة القوى التي تمثل الغالبية، وإبقاء قنوات الحوار والاتصال مع الغرب مفتوحة.

يقولون أيضاً للشخصية اللبنانية الزائرة: لو كان الرئيس ميقاتي رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية عام 2010 لما أسقطت حتماً بعد انفجار الأزمات فيها، ولما وقع فقدان الثقة بين القوى التي كانت تتألف منها.

يضيف الديبلوماسيون الأميركيون، في معرض تحدّثهم عن تجربة ميقاتي في الحكم في الأشهر القليلة المنصرمة، إنه لم يُخطئ حتى الآن في مواقفه، أو يتعثر في قرارات اتخذها. ينظرون بإعجاب إلى أدائه المتوازن، ويرون ـــــ مقارنة مع سلفه ـــــ أن الحريري، على وفرة التأييد والدعم الذي مُحِضَ إياه، لم يكن مثار إعجاب مكتمل لدى الإدارة نظراً إلى حداثة سنّه وقلة خبرته، وعدم تمرّسه في مرحلة سابقة وجّهت الأنظار إلى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.

3 ـــــ تحرص واشنطن على الوثوق بما قاله لها رئيس الحكومة، وهو أنه سيقاتل في سبيل تمويل المحكمة انطلاقاً من موقفه المؤيد لها، ولتحقيق العدالة. يقول هؤلاء إن الإدارة سمعت من رئيس الحكومة، مباشرة وبالواسطة، أنه متمسّك بالتمويل ومبدياً استعداده لترك منصبه في حال أخفق في إقناع حكومته بتسديد لبنان حصته في موازنة المحكمة.

مع ذلك، يفضّل الديبلوماسيون الأميركيون، استناداً إلى وجهة نظر الإدارة، أن لا يُقدم ميقاتي على هذه الخطوة، وهم يدعمون وجوده في رئاسة الحكومة، ويريدونه كذلك.

يقود ذلك إلى تأكيد الإدارة موقفها من تمويل المحكمة، وإصرارها على تعهّد لبناني رسمي جدّي به غير قابل للنقض. وهي لا تقارب التمويل كحصة مالية فحسب يقتضي الإيفاء بها، بل التزام سياسي بكل قرارات المجتمع الدولي يؤكد لبنان من خلاله انخراطه في هذا المجتمع بإزاء ما يترتب عليه حياله.

ورغم تلاحق مواقف الخارجية الأميركية في واشنطن، والسفيرة مورا كونيللي في بيروت، والتهويل بعقوبات وإجراءات قاسية على لبنان في حال إخلاله بتمويل المحكمة، واقع الأمر تبعاً لما يقوله الديبلوماسيون الأميركيون للشخصية اللبنانية الزائرة، إن أياً من الطرفين المعنيين ـــــ وهما مجلس الأمن وواشنطن ـــــ ليس في وارد فرض عقوبات على لبنان من جراء عدم تمويله المحكمة، رغم تداعيات هذا التصرّف.

بيد أن ما يكشفونه أن إدارتهم لم تكن تتوقع الوصول إلى مخابئ المتهمين الأربعة باغتيال الحريري الأب وتسليمهم إلى المحكمة الدولية، ولا توهّمت بأن حكومة يرئسها الحريري الابن يسعها العثور عليهم وتسليمهم. يتحدثون أيضاً عن حماية لهؤلاء وتضليل لأسمائهم، وأن معلومات متوافرة لديهم تشير إلى أن اثنين من المتهمين الأربعة من أفراد حزب الله لا يزالون في لبنان، هما مصطفى بدر الدين وسليم عيّاش.

4 ـــــ ثمّة إصرار أميركي على إبقاء لبنان مستقراً ومحافظاً على ثباته الأمني، والحؤول دون أي ذرائع لزعزعته. ينبثق هذا الموقف من اعتقاد واشنطن بأن قضية لبنان ليست في سوريا، وهي تؤيد النأي به عن أي آثار للأزمة المتفاقمة هناك بين نظام الرئيس بشّار الأسد ومعارضيه. لكن المسؤولية المترتبة على لبنان احترامه هو الآخر الإجراءات والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الأسد لحمله على التنحّي، وإجراء انتقال للسلطة بعد وقف موجة القمع والعنف.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-11-09
  • 9680
  • من الأرشيف

ما تقوله واشنطن عن سليمان وميقاتي

  قلّلت المواقف التي يثابر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على إطلاقها منذ تأليف الحكومة، قبل خمسة أشهر، وأخصّها تنفيذ التعهّدات الدولية والمحافظة على الاستقرار، وطأة الانتقادات التي وجّهتها لحكومته دول غربية، ناجمة عن عدم ارتياحها إلى الطريقة التي أسقطت بها حكومة الرئيس سعد الحريري. ومع تراجع تلك الانتقادات وموجات التشكيك، والانفتاح التدريجي على ميقاتي، واستيعاب الغرب صدمة انقلاب توازن القوى الداخلي بتحوّل الغالبية من فريق إلى آخر، باتت ردود الفعل تتخطى نعت حكومة ميقاتي بحكومة حزب الله، إلى التشديد على الشقّ الذي يجد الغرب نفسه معنياً به حيال دور لبنان في المنطقة، المرتكز على مطالب ثلاثة: ـــــ التزام القرارات الدولية، ولا سيما منها القرارين 1701 و1757. ـــــ ضمان الاستقرار وعدم تعرضه لأي خضّة. ـــــ عدم انتهاك الإجراءات والعقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا. عادت بهذا الانطباع من واشنطن شخصية لبنانية ذات باع طويل في الديبلوماسية والاتصال بالعاصمة الأميركية وعواصم أوروبية، واستخلصت ممّا سمعته من مسؤولين في الخارجية الأميركية عن السياسة التي تتبعها واشنطن حيال لبنان، الملاحظات الآتية: 1 ـــــ يُنظر إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان على أنه قريب من قوى 8 آذار. لا أفكار جديدة لديه، ولا مبادرة مبتكرة في سياق معالجة الوضع الداخلي. ويعتقد الديبلوماسيون الأميركيون أنه ليس في وسع سليمان، في ظلّ الواقع الراهن في لبنان، اتخاذ قرار مهم. في جانب من هذا الانطباع، استغراب الديبلوماسيين الأميركيين وجود وفدين لبنانيين رفيعي المستوى، منفصلين، في نيويورك في وقت متزامن للمشاركة في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة، وإن تحت شعار تعزيز الحضور اللبناني في مناسبة ترؤس هذا البلد في أيلول الماضي مجلس الأمن. ترأس سليمان وفداً رسمياً، وميقاتي وفداً رسمياً آخر. أربك وجود الوفدين الإدارة، وحارت مع مَن تجتمع، وهي تتوقع أن تستمع إلى كلام متطابق من رئيسي الجمهورية والحكومة في ما قد يُسألان عنه. ورغم أن سليمان سبق ميقاتي إلى نيويورك (بين 20 أيلول و24 منه)، إلا أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فضّلت لقاء رئيس الحكومة في 26 أيلول، غداة وصوله إلى نيويورك، وتبادلت معه المواقف وأصغت إلى تمسّكه واحترام حكومته العلاقة مع المجتمع الدولي والتعاون مع الأمم المتحدة والقرارات الدولية، بما في ذلك تمويل المحكمة الدولية. وجد الديبلوماسيون الأميركيون الاجتماع بميقاتي أجدى وأكثر فاعلية وارتداداً على الداخل اللبناني بصفته رئيساً للحكومة ـــــ وهي السلطة الإجرائية ـــــ وتأكيده الخيارات التي تطمئن إليها واشنطن. تصرّفت واشنطن، يقول الديبلوماسيون الأميركيون للشخصية اللبنانية الزائرة، وفق ما يمليه الوقت، وتفادياً لإهداره بسماع مواقف متكرّرة، ناهيك بأن الإدارة الأميركية لا تضع لبنان في الوقت الحاضر في سلّم اهتمامها بالمشكلات الإقليمية وأزماتها. مع ذلك، اجتمع رئيس الجمهورية بعدد وافر من رؤساء الوفود في نيويورك، بينهم ملوك وأمراء ورؤساء عرب وأجانب، لكنه قاطع في 21 أيلول الاستقبال السنوي التكريمي الذي يُقيمه الرئيس الأميركي لرؤساء الوفود المشاركين في أعمال الدورة العادية، ونُظِرَ إلى تغيّب الرئيس اللبناني عن الاستقبال على أنه امتعاضٌ من عدم ترتيب لقاء بينه وبين مسؤولين أميركيين. ترك هذا الالتباس الذي رافق زيارة سليمان لنيويورك أثره لديه في ما بعد، فامتنع بادئ بدء عن تحديد موعد لاستقبال نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جايك والاس عندما زار بيروت في 25 تشرين الأول و26 منه. إلا أن طالبي الموعد أكدوا للرئيس اللبناني أن المسؤول الأميركي يحمل إليه تقدير الإدارة لمواقفه ودوره، في محاولة لاستدراك عدم الاجتماع به في نيويورك، وتبرير ذلك بالانشغال في أزمات المنطقة لا يدخل لبنان في عدادها، ممّا حال دون توافر الوقت المناسب. إلا أن الرئيس، في ضوء حجج سيقت إليه، وافق على تحديد الموعد، واستقبل والاس في اليوم الأول من زيارته بيروت. كان الأبرز في لقاءات ميقاتي في نيويورك، اجتماعٌ لم يفصح عنه بينه وبين نائب وزير الخارجية السعودي الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك عبد الله ومستشاره. 2 ـــــ ينظر الديبلوماسيون الأميركيون إلى ميقاتي على أنه رجل 14 آذار على رأس حكومة تدين بغالبيتها لحزب الله وقوى 8 آذار، من دون أن يكون في صفوف الفريق الذي لا تزال واشنطن تعدّه حليفاً لها وتفضّله على رأس السلطة والغالبية في لبنان. ويستند الديبلوماسيون الأميركيون في تقويمهم لرئيس الحكومة إلى دعمه الملفات الساخنة التي تتعلّق بها قوى 14 آذار، وأخصّها دعم المحكمة الدولية وتمويلها وتنفيذ القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1701، والمحافظة على الاستقرار ومراعاة التوازن السياسي الداخلي كي لا يُخلّ لمصلحة القوى التي تمثل الغالبية، وإبقاء قنوات الحوار والاتصال مع الغرب مفتوحة. يقولون أيضاً للشخصية اللبنانية الزائرة: لو كان الرئيس ميقاتي رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية عام 2010 لما أسقطت حتماً بعد انفجار الأزمات فيها، ولما وقع فقدان الثقة بين القوى التي كانت تتألف منها. يضيف الديبلوماسيون الأميركيون، في معرض تحدّثهم عن تجربة ميقاتي في الحكم في الأشهر القليلة المنصرمة، إنه لم يُخطئ حتى الآن في مواقفه، أو يتعثر في قرارات اتخذها. ينظرون بإعجاب إلى أدائه المتوازن، ويرون ـــــ مقارنة مع سلفه ـــــ أن الحريري، على وفرة التأييد والدعم الذي مُحِضَ إياه، لم يكن مثار إعجاب مكتمل لدى الإدارة نظراً إلى حداثة سنّه وقلة خبرته، وعدم تمرّسه في مرحلة سابقة وجّهت الأنظار إلى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري. 3 ـــــ تحرص واشنطن على الوثوق بما قاله لها رئيس الحكومة، وهو أنه سيقاتل في سبيل تمويل المحكمة انطلاقاً من موقفه المؤيد لها، ولتحقيق العدالة. يقول هؤلاء إن الإدارة سمعت من رئيس الحكومة، مباشرة وبالواسطة، أنه متمسّك بالتمويل ومبدياً استعداده لترك منصبه في حال أخفق في إقناع حكومته بتسديد لبنان حصته في موازنة المحكمة. مع ذلك، يفضّل الديبلوماسيون الأميركيون، استناداً إلى وجهة نظر الإدارة، أن لا يُقدم ميقاتي على هذه الخطوة، وهم يدعمون وجوده في رئاسة الحكومة، ويريدونه كذلك. يقود ذلك إلى تأكيد الإدارة موقفها من تمويل المحكمة، وإصرارها على تعهّد لبناني رسمي جدّي به غير قابل للنقض. وهي لا تقارب التمويل كحصة مالية فحسب يقتضي الإيفاء بها، بل التزام سياسي بكل قرارات المجتمع الدولي يؤكد لبنان من خلاله انخراطه في هذا المجتمع بإزاء ما يترتب عليه حياله. ورغم تلاحق مواقف الخارجية الأميركية في واشنطن، والسفيرة مورا كونيللي في بيروت، والتهويل بعقوبات وإجراءات قاسية على لبنان في حال إخلاله بتمويل المحكمة، واقع الأمر تبعاً لما يقوله الديبلوماسيون الأميركيون للشخصية اللبنانية الزائرة، إن أياً من الطرفين المعنيين ـــــ وهما مجلس الأمن وواشنطن ـــــ ليس في وارد فرض عقوبات على لبنان من جراء عدم تمويله المحكمة، رغم تداعيات هذا التصرّف. بيد أن ما يكشفونه أن إدارتهم لم تكن تتوقع الوصول إلى مخابئ المتهمين الأربعة باغتيال الحريري الأب وتسليمهم إلى المحكمة الدولية، ولا توهّمت بأن حكومة يرئسها الحريري الابن يسعها العثور عليهم وتسليمهم. يتحدثون أيضاً عن حماية لهؤلاء وتضليل لأسمائهم، وأن معلومات متوافرة لديهم تشير إلى أن اثنين من المتهمين الأربعة من أفراد حزب الله لا يزالون في لبنان، هما مصطفى بدر الدين وسليم عيّاش. 4 ـــــ ثمّة إصرار أميركي على إبقاء لبنان مستقراً ومحافظاً على ثباته الأمني، والحؤول دون أي ذرائع لزعزعته. ينبثق هذا الموقف من اعتقاد واشنطن بأن قضية لبنان ليست في سوريا، وهي تؤيد النأي به عن أي آثار للأزمة المتفاقمة هناك بين نظام الرئيس بشّار الأسد ومعارضيه. لكن المسؤولية المترتبة على لبنان احترامه هو الآخر الإجراءات والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الأسد لحمله على التنحّي، وإجراء انتقال للسلطة بعد وقف موجة القمع والعنف.  

المصدر : الاخبار /نقولا ناصيف


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة