قرار الرئيس الامريكي باراك اوباما بسحب جميع القوات الامريكية من العراق مع نهاية هذا العام جاء مفاجئاً، لان ادارته كانت تخطط لبقاء عشرين الف جندي في قواعد دائمة في هذا البلد الذي كلف تغيير النظام فيه الولايات المتحدة اكثر من تريليون دولار وأربعة آلاف قتيل وما يفوق الثلاثين الف جريح.

 

الأسباب المعلنة للاقدام على مثل هذه الخطوة هي فشل المباحثات الامريكية مع حكومة نوري المالكي على توفير الحصانة للجنود الامريكيين من اي ملاحقة قانونية في حال تورطهم في اعمال قتل، ولكن الاسباب الحقيقية تتلخص في تسليم الادارة الامريكية بالهزيمة في معركة النفوذ مع ايران، وتوصلها الى قناعة بان ايران انتصرت وباتت هي القوة الأكثر نفوذاً وتغلغلاً في العراق الجديد.

 

الادارة الامريكية بدأت تبحث عن البدائل، وهي تتفاوض حالياً مع الكويت ودولة الامارات العربية المتحدة لاستيعاب قواتها في العراق في قواعد برية، بالاضافة الى وجود قاعدة جوية في قطر (العيديد) واخرى بحرية في البحرين تستضيف وحدات من الاسطول الخامس.

 

صحيفة 'نيويورك تايمز' قالت ان الخطط الامريكية لتعزيز التواجد العسكري في منطقة الخليج بعد الانسحاب من العراق كانت موضع نقاش مكثف منذا اشهر، واتخذت طابعاً ملحاً بعد اعلان الانسحاب الكامل من العراق. مما يعني ان المفاوضات الامريكية مع الحكومة العراقية حول بقاء بعض هذه القوات لم تكن جدية بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة.

 

هذا التكثيف العسكري الامريكي في منطقة الخليج لا يأتي من فراغ، فتأمين الامدادات النفطية والسيطرة على خطوط الانتاج من ابرز اركان السياسة الامريكية الاستراتيجية في العالم، فمنطقة الخليج تملك ثلثي احتياطات النفط في العالم، وتصدر حوالى عشرين مليون برميل يومياً معظمها عبر مضيق هرمز.

 

واذا وضعنا في اعتبارنا عمليات التحريض الامريكية المتصاعدة ضد ايران، وتضخيم خطرها النووي على المنطقة وأمنها واستقرارها، يمكن فهم هذه التوجهات الامريكية العسكرية في المنطقة.

 

فقبل اسبوعين فاجأت واشنطن العالم بالاعلان عن كشف مخطط ايراني لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وتفجير السفارتين السعودية والاسرائيلية في بوينس ايريس عاصمة الارجنتين، وهي مخططات لم تنفها ايران كلياً، بل شككت في مصداقيتها بعض الصحف الامريكية.

 

الخبراء العسكريون الغربيون يتحدثون صراحة عن رغبة واشنطن في اثارة مخاوف دول الخليج من القدرات العسكرية الايرانية النووية والتقليدية المتصاعدة من اجل ادخالها في تحالف امني متعدد الاطراف لطمأنة هذه المخاوف ومواجهة ايران.

 

ومن غير المستبعد ان يكون الهدف من ابقاء القوات الامريكية المنسحبة من العراق في قواعد عسكرية ثابتة في دول الخليج الست هو الاعداد لحرب ضد ايران لتدمير منشآتها النووية والاقتصادية كمقدمة لتدمير حلفائها في المنطقة وخاصة سورية وحزب الله في لبنان وحركة المقاومة الاسلامية 'حماس' في قطاع غزة.

 

دول الخليج تلوذ بالصمت تجاه هذه التكهنات، ولكن اللافت ان السلطات السعودية اخذت الكشف الامريكي عن وجود مخطط ايراني لاغتيال سفيرها في واشنطن على محمل الجد، ويتضح ذلك من خلال الحملات الاعلامية السعودية المكثفة ضد ايران وتسليط الاضواء على نواياها العدوانية ضد دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص.

 

ان اكثر ما نخشاه ان تكون واشنطن بصدد امتصاص عوائد النفط الخليجية الهائلة والمتراكمة (تقدر بأكثر من تريليوني دولار على الأقل كاستثمارات وودائع) من خلال تفجير حرب تنشط مبيعات الاسلحة، وتضخ ماء الحياة في الصناعة العسكرية الغربية التي تعاني كثيراً في ظل الكساد الاقتصادي الذي يعم الاقتصاد الغربي حالياً.

  • فريق ماسة
  • 2011-10-30
  • 10778
  • من الأرشيف

تعزيز الوجود العسكري الامريكي في الخليج

قرار الرئيس الامريكي باراك اوباما بسحب جميع القوات الامريكية من العراق مع نهاية هذا العام جاء مفاجئاً، لان ادارته كانت تخطط لبقاء عشرين الف جندي في قواعد دائمة في هذا البلد الذي كلف تغيير النظام فيه الولايات المتحدة اكثر من تريليون دولار وأربعة آلاف قتيل وما يفوق الثلاثين الف جريح.   الأسباب المعلنة للاقدام على مثل هذه الخطوة هي فشل المباحثات الامريكية مع حكومة نوري المالكي على توفير الحصانة للجنود الامريكيين من اي ملاحقة قانونية في حال تورطهم في اعمال قتل، ولكن الاسباب الحقيقية تتلخص في تسليم الادارة الامريكية بالهزيمة في معركة النفوذ مع ايران، وتوصلها الى قناعة بان ايران انتصرت وباتت هي القوة الأكثر نفوذاً وتغلغلاً في العراق الجديد.   الادارة الامريكية بدأت تبحث عن البدائل، وهي تتفاوض حالياً مع الكويت ودولة الامارات العربية المتحدة لاستيعاب قواتها في العراق في قواعد برية، بالاضافة الى وجود قاعدة جوية في قطر (العيديد) واخرى بحرية في البحرين تستضيف وحدات من الاسطول الخامس.   صحيفة 'نيويورك تايمز' قالت ان الخطط الامريكية لتعزيز التواجد العسكري في منطقة الخليج بعد الانسحاب من العراق كانت موضع نقاش مكثف منذا اشهر، واتخذت طابعاً ملحاً بعد اعلان الانسحاب الكامل من العراق. مما يعني ان المفاوضات الامريكية مع الحكومة العراقية حول بقاء بعض هذه القوات لم تكن جدية بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة.   هذا التكثيف العسكري الامريكي في منطقة الخليج لا يأتي من فراغ، فتأمين الامدادات النفطية والسيطرة على خطوط الانتاج من ابرز اركان السياسة الامريكية الاستراتيجية في العالم، فمنطقة الخليج تملك ثلثي احتياطات النفط في العالم، وتصدر حوالى عشرين مليون برميل يومياً معظمها عبر مضيق هرمز.   واذا وضعنا في اعتبارنا عمليات التحريض الامريكية المتصاعدة ضد ايران، وتضخيم خطرها النووي على المنطقة وأمنها واستقرارها، يمكن فهم هذه التوجهات الامريكية العسكرية في المنطقة.   فقبل اسبوعين فاجأت واشنطن العالم بالاعلان عن كشف مخطط ايراني لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وتفجير السفارتين السعودية والاسرائيلية في بوينس ايريس عاصمة الارجنتين، وهي مخططات لم تنفها ايران كلياً، بل شككت في مصداقيتها بعض الصحف الامريكية.   الخبراء العسكريون الغربيون يتحدثون صراحة عن رغبة واشنطن في اثارة مخاوف دول الخليج من القدرات العسكرية الايرانية النووية والتقليدية المتصاعدة من اجل ادخالها في تحالف امني متعدد الاطراف لطمأنة هذه المخاوف ومواجهة ايران.   ومن غير المستبعد ان يكون الهدف من ابقاء القوات الامريكية المنسحبة من العراق في قواعد عسكرية ثابتة في دول الخليج الست هو الاعداد لحرب ضد ايران لتدمير منشآتها النووية والاقتصادية كمقدمة لتدمير حلفائها في المنطقة وخاصة سورية وحزب الله في لبنان وحركة المقاومة الاسلامية 'حماس' في قطاع غزة.   دول الخليج تلوذ بالصمت تجاه هذه التكهنات، ولكن اللافت ان السلطات السعودية اخذت الكشف الامريكي عن وجود مخطط ايراني لاغتيال سفيرها في واشنطن على محمل الجد، ويتضح ذلك من خلال الحملات الاعلامية السعودية المكثفة ضد ايران وتسليط الاضواء على نواياها العدوانية ضد دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص.   ان اكثر ما نخشاه ان تكون واشنطن بصدد امتصاص عوائد النفط الخليجية الهائلة والمتراكمة (تقدر بأكثر من تريليوني دولار على الأقل كاستثمارات وودائع) من خلال تفجير حرب تنشط مبيعات الاسلحة، وتضخ ماء الحياة في الصناعة العسكرية الغربية التي تعاني كثيراً في ظل الكساد الاقتصادي الذي يعم الاقتصاد الغربي حالياً.

المصدر : رأي القدس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة