سلطت وسائل الإعلام المختلفة في الآونة الأخيرة الضوء على مخاطر تهويد قطاع التعليم في مدينة القدس، وبالتالي تداعيات ذلك على المستقبل الديموغرافي في المدينة المقدسة،

حيث تسعى حكومة نتنياهو إلى تنفيذ مخطط مايسمى تطوير القدس حتى عام 2020، وتهدف إسرائيل من وراء ذلك ضم المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة في الضفة الغربية مثل مستوطنة معالية أدوميم إلى مدينة القدس، وجعل المدينة الموحدة بشقيها الغربي والشرقي عاصمة أبدية لإسرائيل بعد تحقيق أهداف ديموغرافية استراتيجية من خلال تقليل نسبة العرب في المدينة إلى 12 في المائة في عام 2020 عوضاً عن النسبة المحققة حالياً والتي تصل إلى 24 في المائة .‏

واللافت أن حكومة نتنياهو تنفذ مخططات عديدة في زمن واحد، فمن جهة تستمر بمحاصرة مدينة القدس بالجدار العازل ، وتشير التقارير إلى أن عمليات البناء في الجدار المذكور حول المدينة المقدسة باتت في نهاياتها، حيث لم يتبق من عمليات إتمام الجدار حول القدس سوى خمسين كيلومتراً من أصل 165 كيلومتراً، سيتم من خلالها عزل مدينة القدس ديموغرافياً وجغرافياً عن محيطها العربي في الضفة الغربية ومن جهة أخرى تشير الأنباء الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء إلى سيطرة السلطات الإسرائيلية على 66 في المائة من قطاع التعليم العربي في مدينة القدس وفرض المناهج التعليمية على المدارس الابتدائية العربية هناك منذ عام 1968 ، حيث تم استبدال كلمة فلسطين بكلمة إسرائيل والقدس بكلمة أورشليم ، وتقوم وزارة المعارف الإسرائيلية بتزوير التاريخ والجغرافيا من خلال وضع مناهج تعليمية للطلاب العرب في القدس، حيث تشير بعض الحلقات الدراسية التي فرضتها إسرائيل في القدس إلى أن الإسلام هو مجرد تربية روحية وتاريخ الإسلام هو تاريخ فتن وكوارث، وهذا بحد ذاته يعتبر تزييفاً لحقائق التاريخ. ويشار إلى أن البرامج التي تدرس للأقلية العربية داخل الخط الأخضر هي ذاتها التي باتت تدرس في المدارس العربية في مدينة القدس ، وقد تفرض عليهم مفاهيم ومصطلحات تتلاءم مع طرح فكرة يهودية الدولة، إضافة إلى احتمال تغيير وتهويد المئات من الأسماء العربية المتداولة في مدينة القدس.‏

ومن الضرورة أيضاً إظهار حجم معاناة الطلبة العرب المقدسيين من جراء السياسات الإسرائيلية المبرمجة ضد قطاع التعليم العربي ، حيث ثمة اكتظاط شديد في الصفوف المدرسية والدوام في غالبية المدارس على فترتين، وهناك نقص حاد وكبير في المخابر في المدارس العربية في القدس، ناهيك عن ضعف التجهيزات الرياضية وكذلك النقص الواضح للمعلمين والخدمات، حيث لايوجد سوى حمام لكل ستين طالباً عربياً في مدارس القدس، وتمنع السلطات الإسرائيلية منذ عدة سنوات تطوير وتحديث وبناء غرف إضافية أو مدارس للطلبة العرب في القدس، الأمر الذي يحول دون استيعاب الطلبة الجدد عبر النمو الطبيعي للسكان الذي يزيد عن ثلاثة في المائة سنوياً ، وتبعاً لذلك فان قطاع التعليم في مدينة القدس بحاجة إلى 1800 غرفة صف مدرسية لاستيعاب عشرة آلاف طالب هم المعروض من الطلاب الجدد سنوياً والملاحظ أيضاً أن المدارس غير مؤهلة للتدريس الجيد بسبب قدمها وعدم القيام بعملية تحديث ضرورية . ومن الأهمية الإشارة أيضاً أن وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس الإسرائيلية منعتا منذ بداية العام الدراسي الحالي 2009-2010 التعليم المجاني للطلبة العرب في مدينة القدس، الأمر الذي سيحرم (30) ألف طالب وطالبة مقدسية من فرص التعليم والتحصيل العلمي، وفي نفس الاتجاه تشير التقارير إلى أن (5500) مقدسي هم دون إطار تعليمي رسمي ، وفي ظل الحصار الاقتصادي الإسرائيلي على مدينة القدس فإن الخيارات المالية باتت موصدة أمام الطالب والأسرة العربية هناك للتسجيل في مدارس خاصة، وتبعاً للسياسات الإسرائيلية المطبقة بحق قطاع التعليم من فرض للمناهج الإسرائيلية ومنع للتعليم المجاني، فإن حالة تسرب كبيرة ستحصل بين الطلبة العرب، وفي هذا السياق تشير دراسات إلى أن نسبة تسرب الطلبة العرب في القدس قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية وصل إلى نحو خمسين في المائة خلال العقد الأخير، وسنشهد أيضاً هجرة قسرية من قبل أسر وطلاب فلسطينيين من القدس إلى مدن وقرى الضفة الغربية للبحث عن فرص تعليم مجانية، مايؤدي في نهاية الأمر إلى منعهم من العودة إلى مناطق سكناهم في محافظة القدس بحجة قوانين إسرائيلية جائرة، أقلها حجة الإقامة خارج القدس لأكثر من عام وبالتالي الانقضاض على عقاراتهم ومنازلهم تحت مسميات مختلفة ولتصبح بعد ذلك ملكاً لما يسمى هيئة أرض وأملاك إسرائيل.‏

ويلحظ المتابع للسياسات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس بأنها آخذة بالصعود بكافة الاتجاهات في ظل الانقسام الفلسطيني والعربي الحاد، فجنباً إلى جنب مع الإخطارات لإفراغ المنازل العربية في أحياء القدس القديمة من أهلها بغية طرد أكثر من ثلاثين ألف عربي من تلك الأحياء ، هناك توجه إسرائيلي حقيقي لتجهيل العرب المقدسيين بعد التضييق عليهم في مجال التحصيل العلمي، لدفعهم إلى الهجرة القسرية غير المباشرة كما ذكرنا إلى خارج القدس للإخلال في الميزان الديموغرافي لصالح تهويدها حتى عام 2020.‏

 

ويبقى القول إنه طرح سؤال ماالعمل لمواجهة تحديدات الفلسطينيين في مدينة القدس والأهداف الإسرائيلية المبيتة من وراء ذلك؟ العمل الملح يكمن في تهيئة الظروف لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني بأقرب فرصة ممكنة ، وخاصة أن التحدي المذكور يتعلق بتهويد مدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولهذا بات على الجميع ونقصد العرب ومن بينهم الفلسطينيون دعم العرب المقدسيين وتثبيتهم في مواجهة السياسات الإسرائيلية ، وإعطاء تلك المواجهة بعداً إنسانياً ودبلوماسياً، وهذا يتطلب جهوداً عربية إضافية جماعية رسمية وشعبية لمخاطبة الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية والاقليمية ذات الصلة بالتعليم مثل اليونسكو وغيرها لتوضيح ماتقوم به إسرائيل من إجراءات منافية لأبسط قواعد القانون الدولي والأعراف الإنسانية .‏

  • فريق ماسة
  • 2011-10-15
  • 10097
  • من الأرشيف

القدس.. مخاطر التزوير لحقائق التاريخ والجغرافيا

سلطت وسائل الإعلام المختلفة في الآونة الأخيرة الضوء على مخاطر تهويد قطاع التعليم في مدينة القدس، وبالتالي تداعيات ذلك على المستقبل الديموغرافي في المدينة المقدسة، حيث تسعى حكومة نتنياهو إلى تنفيذ مخطط مايسمى تطوير القدس حتى عام 2020، وتهدف إسرائيل من وراء ذلك ضم المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة في الضفة الغربية مثل مستوطنة معالية أدوميم إلى مدينة القدس، وجعل المدينة الموحدة بشقيها الغربي والشرقي عاصمة أبدية لإسرائيل بعد تحقيق أهداف ديموغرافية استراتيجية من خلال تقليل نسبة العرب في المدينة إلى 12 في المائة في عام 2020 عوضاً عن النسبة المحققة حالياً والتي تصل إلى 24 في المائة .‏ واللافت أن حكومة نتنياهو تنفذ مخططات عديدة في زمن واحد، فمن جهة تستمر بمحاصرة مدينة القدس بالجدار العازل ، وتشير التقارير إلى أن عمليات البناء في الجدار المذكور حول المدينة المقدسة باتت في نهاياتها، حيث لم يتبق من عمليات إتمام الجدار حول القدس سوى خمسين كيلومتراً من أصل 165 كيلومتراً، سيتم من خلالها عزل مدينة القدس ديموغرافياً وجغرافياً عن محيطها العربي في الضفة الغربية ومن جهة أخرى تشير الأنباء الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء إلى سيطرة السلطات الإسرائيلية على 66 في المائة من قطاع التعليم العربي في مدينة القدس وفرض المناهج التعليمية على المدارس الابتدائية العربية هناك منذ عام 1968 ، حيث تم استبدال كلمة فلسطين بكلمة إسرائيل والقدس بكلمة أورشليم ، وتقوم وزارة المعارف الإسرائيلية بتزوير التاريخ والجغرافيا من خلال وضع مناهج تعليمية للطلاب العرب في القدس، حيث تشير بعض الحلقات الدراسية التي فرضتها إسرائيل في القدس إلى أن الإسلام هو مجرد تربية روحية وتاريخ الإسلام هو تاريخ فتن وكوارث، وهذا بحد ذاته يعتبر تزييفاً لحقائق التاريخ. ويشار إلى أن البرامج التي تدرس للأقلية العربية داخل الخط الأخضر هي ذاتها التي باتت تدرس في المدارس العربية في مدينة القدس ، وقد تفرض عليهم مفاهيم ومصطلحات تتلاءم مع طرح فكرة يهودية الدولة، إضافة إلى احتمال تغيير وتهويد المئات من الأسماء العربية المتداولة في مدينة القدس.‏ ومن الضرورة أيضاً إظهار حجم معاناة الطلبة العرب المقدسيين من جراء السياسات الإسرائيلية المبرمجة ضد قطاع التعليم العربي ، حيث ثمة اكتظاط شديد في الصفوف المدرسية والدوام في غالبية المدارس على فترتين، وهناك نقص حاد وكبير في المخابر في المدارس العربية في القدس، ناهيك عن ضعف التجهيزات الرياضية وكذلك النقص الواضح للمعلمين والخدمات، حيث لايوجد سوى حمام لكل ستين طالباً عربياً في مدارس القدس، وتمنع السلطات الإسرائيلية منذ عدة سنوات تطوير وتحديث وبناء غرف إضافية أو مدارس للطلبة العرب في القدس، الأمر الذي يحول دون استيعاب الطلبة الجدد عبر النمو الطبيعي للسكان الذي يزيد عن ثلاثة في المائة سنوياً ، وتبعاً لذلك فان قطاع التعليم في مدينة القدس بحاجة إلى 1800 غرفة صف مدرسية لاستيعاب عشرة آلاف طالب هم المعروض من الطلاب الجدد سنوياً والملاحظ أيضاً أن المدارس غير مؤهلة للتدريس الجيد بسبب قدمها وعدم القيام بعملية تحديث ضرورية . ومن الأهمية الإشارة أيضاً أن وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس الإسرائيلية منعتا منذ بداية العام الدراسي الحالي 2009-2010 التعليم المجاني للطلبة العرب في مدينة القدس، الأمر الذي سيحرم (30) ألف طالب وطالبة مقدسية من فرص التعليم والتحصيل العلمي، وفي نفس الاتجاه تشير التقارير إلى أن (5500) مقدسي هم دون إطار تعليمي رسمي ، وفي ظل الحصار الاقتصادي الإسرائيلي على مدينة القدس فإن الخيارات المالية باتت موصدة أمام الطالب والأسرة العربية هناك للتسجيل في مدارس خاصة، وتبعاً للسياسات الإسرائيلية المطبقة بحق قطاع التعليم من فرض للمناهج الإسرائيلية ومنع للتعليم المجاني، فإن حالة تسرب كبيرة ستحصل بين الطلبة العرب، وفي هذا السياق تشير دراسات إلى أن نسبة تسرب الطلبة العرب في القدس قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية وصل إلى نحو خمسين في المائة خلال العقد الأخير، وسنشهد أيضاً هجرة قسرية من قبل أسر وطلاب فلسطينيين من القدس إلى مدن وقرى الضفة الغربية للبحث عن فرص تعليم مجانية، مايؤدي في نهاية الأمر إلى منعهم من العودة إلى مناطق سكناهم في محافظة القدس بحجة قوانين إسرائيلية جائرة، أقلها حجة الإقامة خارج القدس لأكثر من عام وبالتالي الانقضاض على عقاراتهم ومنازلهم تحت مسميات مختلفة ولتصبح بعد ذلك ملكاً لما يسمى هيئة أرض وأملاك إسرائيل.‏ ويلحظ المتابع للسياسات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس بأنها آخذة بالصعود بكافة الاتجاهات في ظل الانقسام الفلسطيني والعربي الحاد، فجنباً إلى جنب مع الإخطارات لإفراغ المنازل العربية في أحياء القدس القديمة من أهلها بغية طرد أكثر من ثلاثين ألف عربي من تلك الأحياء ، هناك توجه إسرائيلي حقيقي لتجهيل العرب المقدسيين بعد التضييق عليهم في مجال التحصيل العلمي، لدفعهم إلى الهجرة القسرية غير المباشرة كما ذكرنا إلى خارج القدس للإخلال في الميزان الديموغرافي لصالح تهويدها حتى عام 2020.‏   ويبقى القول إنه طرح سؤال ماالعمل لمواجهة تحديدات الفلسطينيين في مدينة القدس والأهداف الإسرائيلية المبيتة من وراء ذلك؟ العمل الملح يكمن في تهيئة الظروف لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني بأقرب فرصة ممكنة ، وخاصة أن التحدي المذكور يتعلق بتهويد مدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولهذا بات على الجميع ونقصد العرب ومن بينهم الفلسطينيون دعم العرب المقدسيين وتثبيتهم في مواجهة السياسات الإسرائيلية ، وإعطاء تلك المواجهة بعداً إنسانياً ودبلوماسياً، وهذا يتطلب جهوداً عربية إضافية جماعية رسمية وشعبية لمخاطبة الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية والاقليمية ذات الصلة بالتعليم مثل اليونسكو وغيرها لتوضيح ماتقوم به إسرائيل من إجراءات منافية لأبسط قواعد القانون الدولي والأعراف الإنسانية .‏

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة