تصر إسرائيل على التمسك بذكرى حرب «يوم الغفران» رغم مرور 38 عاماً على وقوعها. لذلك أسبابه المفهومة: ليس فقط لأنها كانت أكثر حروب إسرائيل كلفة بشرية ومادية، بل لأنها الحرب التي بلغ القلق الإسرائيلي فيها على «الهيكل الثالث» مستويات غير مسبوقة.

ولأنها، في السياق أيضاً، المحطة التي سقطت فيها الكثير من التصورات عن العرب وقدرتهم على صناعة المفاجأة والمبادرة إلى القتال وتحقيق الإنجازات فيه. لأجل ذلك، تتعامل إسرائيل مع السادس من تشرين الأول من كل عام كمناسبة للوقوف مع النفس وإجراء جردة حساب سياسية الغاية منها تفادي تكرار ما حصل عام 1973.

الجيش الإسرائيلي اختار أن يحيي المناسبة بطريقته الخاصة: مناورة استدعاء طارئ للاحتياط تهدف إلى فحص جهوزية التشكيلات القتالية لحرب مفاجئة. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، استُدعيت وحدات احتياط من سلاح المشاة وسلاح المدرعات إلى الخدمة مساء الأربعاء الماضي حيث توجه الجنود إلى مستودعات الطوارئ للتزود بالمعدات اللازمة تمهيداً لنقلهم إلى الجبهة. وقالت إذاعة الجيش إن هيئة الأركان استنفرت جنوداً من فرقتي احتياط في إطار مناورة في قواعد للتسلح بالذخيرة والعتاد في منطقتي الوسط والشمال. وبحسب الإذاعة، كان هدف المناورة، التي استمرت حتى مساء الخميس، فحص سرعة رد فعل الجنود والجهوزية للانطلاق فوراً إلى الحرب. وخلال المناورة فُتحت مخازن العتاد وأُخرجت الدبابات والمدرعات من مرائبها، فيما راقب رئيس الأركان، بيني غانتس، التطورات عن كثب.

ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن توقيت المناورة، قبل 48 ساعة من «عيد الغفران» لم يكن محض صدفة، بل يمثّل جزءاً من إعداد الجيش للفترة القريبة، في ظل التغييرات التي تحصل في دول المنطقة. الصحف الإسرائيلية، كعادتها في كل عام، أفردت مساحات واسعة للمناسبة، وكان القاسم المشترك بين العديد من الكتاب والمعلقين الذين تناولوا الحدث هو تشبيههم اليوم بالأمس والتحذير من تكرار ما حصل في ظل حالة الجمود والعزلة التي تعيشها إسرائيل.

في «هآرتس»، رأى غدعون ليفي، أن «ثمة قانوناً طبيعياً جديداً هو: كلما ابتعدنا عن حرب يوم الغفران، اقتربت منا»، ويضيف: «ما كان هو ما سيكون. قد تكون مستودعات الطوارئ أحسن تزوداً، ومن المؤكد أن الاستخبارات أكثر تطوراً، لكن الدرس التاريخي، والاستنتاج الأكثر مصيرية لم يجرِ تعلمهما هنا قط ولو للحظة. لهذا، فالوضع الآن كما كان آنذاك». يضيف: «قبل 1973 كان يمكن (ويجب) التوصل إلى تسوية مع مصر، وقالت إسرائيل لا، وقُتل 2300 جندي وقالت إسرائيل نعم. نعم لإعادة المناطق المصرية المحتلة، التي كان يجب أن تُعاد قبل الحرب لا بعدها. والحدود مع سوريا هادئة منذ 38 سنة. لكن هذه الحدود لن تهدأ 38 سنة أخرى، وسوريا لن تتنازل أبداً عن أرضها، إلى أن نفاجأ مرة أخرى. بعد الحرب المقبلة على الجولان ستُعاد الهضبة إلى أصحابها». ويخلص إلى أنه «لو أرادت إسرائيل أن تحيي الذكرى السنوية لتلك الحرب كما ينبغي، لكفت عن الاتكاء على قصص البطولة والثكل، ولسألت نفسها بدل ذلك هل فعلت حقاً كل شيء كي لا تتكرر أفظع حرب في تاريخها».

من جهته، رأى رئيس الأركان الأسبق، دان حالوتس، أن الإسرائيليين كانوا عشية حرب تشرين «أسرى حقيقة أننا أقوياء وأن أعداءنا لن يقووا على التشكيك في ذلك». وبالمناسبة، كتب حالوتس في «معاريف » شارحاً كيف أن «كلمة مفاجأة لم تكن واردة في قاموسنا في سياق مبادرة عملياتية للجيوش العربية»، مشيراً إلى أن «نشوة انتصار 67 وإحباط حرب الاستنزاف 67 ـــــ 70 تفاعلا ليحدثا الانفجار الكبير عام 73، لقد كانت حرباً صعبة».

وإذا كانت إسرائيل ترى أن الفشل الرئيسي الذي أدى إلى مفاجأة حرب تشرين كان فشلاً استخبارياً، فمن الطبيعي أن يكون للاستخبارات كلمتها بالمناسبة، وهو ما فعله قائد شعبة الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، الذي كتب أن العبرة من «(حرب) يوم الغفران هي أن ما من شيء بديهي».

وانطلاقاً من هذا التصور، انتقل كوخافي ليقدم رؤيته للتطورات التي تمر بها المنطقة، فرأى أن «هذه الأيام هي أيام تغيرات إقليمية شاملة، ونحن موجودون في نقطة تحول تاريخية: النظام القديم، الذي كان سائداً في العقود الماضية انتهى وهناك نظام جديد يتكون. إن الاهتزاز الذي يشهده الشرق الأوسط يمكن أن ينطوي على فرص، إلا أنه أيضاً يمكن أن يفضي إلى مخاطر وتهديدات جديدة».

وفي عداد هذه المخاطر، يشير كوخافي إلى «التسارع الذي لا سابق له في تعاظم قوة أعدائنا الذي يولد واقعاً جديداً من التحديات المعقدة... فليس فقط هناك زيادة في ساحات وقوة التهديد، لكن بدأ يحصل تغير جوهري في طبيعة ساحة الحرب: مدى الصواريخ اتسع بشكل كبير، والعدو، الذي أصبح بمعظمه يرتدي الملابس المدنية، اختار الاندماج في قلب السكان المدنيين وتحولت طرق عمله إلى مزيج من القتال والإرهاب».

واختار الوزير السابق، حاييم رامون، تقديم مقارنة بين وضع إسرائيل عشية حرب «يوم الغفران» ووضعها عشية عيد الغفران الحالي. وتحت عنوان «تكرار إضاعة الفرصة» كتب في «يديعوت أحرونوت» يستذكر كيف أن المسؤولين عن أمن إسرائيل وسياستها عام 1973 كانوا يؤكدون في حينه أن «وضعنا لم يكن قط أفضل، وكيف وافقتهم الصحف والجمهور ومؤيدوهم على هذا الرأي. وبناءً على ذلك، رفضت غولدا مئير جميع المبادرات السياسية التي قامت على مبدأ الأرض مقابل السلام، واستخفت علناً بالسادات، وقدست الوضع القائم بتأييد أغلبية القيادة العسكرية».

وينتقل رامون إلى الحاضر ليعرض أوجه المقارنة، فيرى أن «الدولاب يعود بعد 38 عاماً: مرة أخرى تقدس القيادة الوضع الراهن، ومرة أخرى تفتخر بوضعنا الاقتصادي، بل إن الاحتجاج الاجتماعي العادل لا يضعضع ثقة أكثر الجمهور بوضعنا الحسن، يواصل نتنياهو زخم البناء في المستوطنات، وهو يتحدث في الظاهر عن حل الدولتين، لكنه يرفض خطة أوباما التي قبلتها 192 دولة». والنتيجة «ليس عندي شك في أن تقديس نتنياهو للوضع الراهن سيجلب علينا كارثة يوم غفران جديدة».

  • فريق ماسة
  • 2011-10-07
  • 14163
  • من الأرشيف

إسرائيل تحيي حرب «يوم الغفران»: ما أشبه اليوم بالبارحة

تصر إسرائيل على التمسك بذكرى حرب «يوم الغفران» رغم مرور 38 عاماً على وقوعها. لذلك أسبابه المفهومة: ليس فقط لأنها كانت أكثر حروب إسرائيل كلفة بشرية ومادية، بل لأنها الحرب التي بلغ القلق الإسرائيلي فيها على «الهيكل الثالث» مستويات غير مسبوقة. ولأنها، في السياق أيضاً، المحطة التي سقطت فيها الكثير من التصورات عن العرب وقدرتهم على صناعة المفاجأة والمبادرة إلى القتال وتحقيق الإنجازات فيه. لأجل ذلك، تتعامل إسرائيل مع السادس من تشرين الأول من كل عام كمناسبة للوقوف مع النفس وإجراء جردة حساب سياسية الغاية منها تفادي تكرار ما حصل عام 1973. الجيش الإسرائيلي اختار أن يحيي المناسبة بطريقته الخاصة: مناورة استدعاء طارئ للاحتياط تهدف إلى فحص جهوزية التشكيلات القتالية لحرب مفاجئة. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، استُدعيت وحدات احتياط من سلاح المشاة وسلاح المدرعات إلى الخدمة مساء الأربعاء الماضي حيث توجه الجنود إلى مستودعات الطوارئ للتزود بالمعدات اللازمة تمهيداً لنقلهم إلى الجبهة. وقالت إذاعة الجيش إن هيئة الأركان استنفرت جنوداً من فرقتي احتياط في إطار مناورة في قواعد للتسلح بالذخيرة والعتاد في منطقتي الوسط والشمال. وبحسب الإذاعة، كان هدف المناورة، التي استمرت حتى مساء الخميس، فحص سرعة رد فعل الجنود والجهوزية للانطلاق فوراً إلى الحرب. وخلال المناورة فُتحت مخازن العتاد وأُخرجت الدبابات والمدرعات من مرائبها، فيما راقب رئيس الأركان، بيني غانتس، التطورات عن كثب. ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن توقيت المناورة، قبل 48 ساعة من «عيد الغفران» لم يكن محض صدفة، بل يمثّل جزءاً من إعداد الجيش للفترة القريبة، في ظل التغييرات التي تحصل في دول المنطقة. الصحف الإسرائيلية، كعادتها في كل عام، أفردت مساحات واسعة للمناسبة، وكان القاسم المشترك بين العديد من الكتاب والمعلقين الذين تناولوا الحدث هو تشبيههم اليوم بالأمس والتحذير من تكرار ما حصل في ظل حالة الجمود والعزلة التي تعيشها إسرائيل. في «هآرتس»، رأى غدعون ليفي، أن «ثمة قانوناً طبيعياً جديداً هو: كلما ابتعدنا عن حرب يوم الغفران، اقتربت منا»، ويضيف: «ما كان هو ما سيكون. قد تكون مستودعات الطوارئ أحسن تزوداً، ومن المؤكد أن الاستخبارات أكثر تطوراً، لكن الدرس التاريخي، والاستنتاج الأكثر مصيرية لم يجرِ تعلمهما هنا قط ولو للحظة. لهذا، فالوضع الآن كما كان آنذاك». يضيف: «قبل 1973 كان يمكن (ويجب) التوصل إلى تسوية مع مصر، وقالت إسرائيل لا، وقُتل 2300 جندي وقالت إسرائيل نعم. نعم لإعادة المناطق المصرية المحتلة، التي كان يجب أن تُعاد قبل الحرب لا بعدها. والحدود مع سوريا هادئة منذ 38 سنة. لكن هذه الحدود لن تهدأ 38 سنة أخرى، وسوريا لن تتنازل أبداً عن أرضها، إلى أن نفاجأ مرة أخرى. بعد الحرب المقبلة على الجولان ستُعاد الهضبة إلى أصحابها». ويخلص إلى أنه «لو أرادت إسرائيل أن تحيي الذكرى السنوية لتلك الحرب كما ينبغي، لكفت عن الاتكاء على قصص البطولة والثكل، ولسألت نفسها بدل ذلك هل فعلت حقاً كل شيء كي لا تتكرر أفظع حرب في تاريخها». من جهته، رأى رئيس الأركان الأسبق، دان حالوتس، أن الإسرائيليين كانوا عشية حرب تشرين «أسرى حقيقة أننا أقوياء وأن أعداءنا لن يقووا على التشكيك في ذلك». وبالمناسبة، كتب حالوتس في «معاريف » شارحاً كيف أن «كلمة مفاجأة لم تكن واردة في قاموسنا في سياق مبادرة عملياتية للجيوش العربية»، مشيراً إلى أن «نشوة انتصار 67 وإحباط حرب الاستنزاف 67 ـــــ 70 تفاعلا ليحدثا الانفجار الكبير عام 73، لقد كانت حرباً صعبة». وإذا كانت إسرائيل ترى أن الفشل الرئيسي الذي أدى إلى مفاجأة حرب تشرين كان فشلاً استخبارياً، فمن الطبيعي أن يكون للاستخبارات كلمتها بالمناسبة، وهو ما فعله قائد شعبة الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، الذي كتب أن العبرة من «(حرب) يوم الغفران هي أن ما من شيء بديهي». وانطلاقاً من هذا التصور، انتقل كوخافي ليقدم رؤيته للتطورات التي تمر بها المنطقة، فرأى أن «هذه الأيام هي أيام تغيرات إقليمية شاملة، ونحن موجودون في نقطة تحول تاريخية: النظام القديم، الذي كان سائداً في العقود الماضية انتهى وهناك نظام جديد يتكون. إن الاهتزاز الذي يشهده الشرق الأوسط يمكن أن ينطوي على فرص، إلا أنه أيضاً يمكن أن يفضي إلى مخاطر وتهديدات جديدة». وفي عداد هذه المخاطر، يشير كوخافي إلى «التسارع الذي لا سابق له في تعاظم قوة أعدائنا الذي يولد واقعاً جديداً من التحديات المعقدة... فليس فقط هناك زيادة في ساحات وقوة التهديد، لكن بدأ يحصل تغير جوهري في طبيعة ساحة الحرب: مدى الصواريخ اتسع بشكل كبير، والعدو، الذي أصبح بمعظمه يرتدي الملابس المدنية، اختار الاندماج في قلب السكان المدنيين وتحولت طرق عمله إلى مزيج من القتال والإرهاب». واختار الوزير السابق، حاييم رامون، تقديم مقارنة بين وضع إسرائيل عشية حرب «يوم الغفران» ووضعها عشية عيد الغفران الحالي. وتحت عنوان «تكرار إضاعة الفرصة» كتب في «يديعوت أحرونوت» يستذكر كيف أن المسؤولين عن أمن إسرائيل وسياستها عام 1973 كانوا يؤكدون في حينه أن «وضعنا لم يكن قط أفضل، وكيف وافقتهم الصحف والجمهور ومؤيدوهم على هذا الرأي. وبناءً على ذلك، رفضت غولدا مئير جميع المبادرات السياسية التي قامت على مبدأ الأرض مقابل السلام، واستخفت علناً بالسادات، وقدست الوضع القائم بتأييد أغلبية القيادة العسكرية». وينتقل رامون إلى الحاضر ليعرض أوجه المقارنة، فيرى أن «الدولاب يعود بعد 38 عاماً: مرة أخرى تقدس القيادة الوضع الراهن، ومرة أخرى تفتخر بوضعنا الاقتصادي، بل إن الاحتجاج الاجتماعي العادل لا يضعضع ثقة أكثر الجمهور بوضعنا الحسن، يواصل نتنياهو زخم البناء في المستوطنات، وهو يتحدث في الظاهر عن حل الدولتين، لكنه يرفض خطة أوباما التي قبلتها 192 دولة». والنتيجة «ليس عندي شك في أن تقديس نتنياهو للوضع الراهن سيجلب علينا كارثة يوم غفران جديدة».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة