أدّت وفاة تنزيلة (88 عاماً) والدة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان إلى تأجيل زيارته التي كانت مقررة غداً الأحد إلى مخيمات اللاجئين السوريين في إقليم هاتاي (لواء الاسكندرون) حيث كان من المتوقع أن يطلق اردوغان "موقفاً نوعياً" يعلن فيه بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع سورية عنوانها القطيعة الكاملة مع النظام السوري، وتترجم بسلسلة عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية تطال الرئيس السوري بشار الأسد وأركان النظام، مثل وقف التعامل مع المصارف السورية وحجز رساميل خاصة بالأسد في تركيا وغير ذلك.

وتقول مصادر تركية مطلعة لـ"السفير" إنه كان محتملاً أن يعلن اردوغان عن سلسلة إجراءات منها وقف التعاون الكهربائي مع سورية ما يؤثر أيضا على شبكات الربط الكهربائي مع الأردن ولبنان والعراق.

وتقول هذه المصادر إن زيارة اردوغان والمواقف التي سيعلنها في وقت لاحق ستكون بداية الترجمة العملية لاتفاق شامل جرى بين اردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما في لقائهما في نيويورك قبل أسبوعين، ويقضي بالمقايضة بين الدعم الأميركي الكامل لتركيا في حربها على حزب العمال الكردستاني، ومنها تغطية عمليات عسكرية تركية برية وجوية ضد المقاتلين الأكراد في جبال قنديل في شمال العراق، مقابل تعهد أنقرة بالسير في خطط الإدارة الأميركية لتضييق الخناق على النظام السوري انطلاقاً من الأراضي التركية.

والمناورات العسكرية التركية التي بدأت الأربعاء الماضي وتستمر حتى الخميس المقبل، هي "أول الغيث" وأن هذه المناورات ليست "تخويفية" بل جدية، لجهة أن الخطة التركية - الأميركية تقضي في المستقبل، ولا سيما بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، إلى التدخل العسكري "لغايات إنسانية". وتقول هذه المصادر إن الخطة تشمل احتلال شريط حدودي سوري من جسر الشغور إلى شمال حلب يتم حصر اللاجئين السوريين فيها. ويشكل في الوقت ذاته قاعدة لانطلاق المعارضة السورية بدعم خارجي لـ"تحرير" سائر الأراضي السورية التي تكون تحت سيطرة النظام، ما يذكّر بالكامل بالسيناريو الليبي الذي انطلق من بنغازي.

وترى هذه المصادر أن الجيش التركي موافق على مثل هذه الخطة لسبب بسيط وهو أن قيادته الجديدة التي جاءت بعد استقالات القيادة السابقة في نهاية تموز الماضي موالية بالكامل لأردوغان، وأن وجود قرار خاص بالجيش خارج القرار السياسي للحكومة أصبح من الماضي.

وفي صحيفة "ميللييت" وصف الكاتب سامي كوهين فشل مجلس الأمن في إقرار عقوبات على سورية بأنه أراح الرئيس الأسد كثيرا وشجعه. وقال انه رغم التنازلات الغربية فإن روسيا والصين استخدمتا حق النقض وأبطلتا صدور القرار. وأضاف إن هذا فتح الباب أن تتصرف كل دولة وفق ما يناسبها، إما التشدد في معارضة الأسد أو البقاء متفرجة.

وحول الموقف الروسي، قال كوهين إن مصالح موسكو حكمت استخدامها الفيتو، إذ أنها تواصل سياسة التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي الوثيق مع بشار كما كانت مع والده. لكن كوهين يرى في ذلك مخاطرة على دور روسيا في حال سقوط النظام. فماذا ستفعل عندها؟ أما الصين فإنها تقف إلى جانب المحافظة على الوضع الراهن، خصوصا أن التحركات الشعبية تثير حساسية بكين. وفي الحالتين فإن روسيا والصين تقدمان على مخاطرة على المدى الطويل.

أما تركيا فيقول كوهين إنها تقدم على المخاطرة نفسها، لكن بصورة عكسية، أي أن تقف بحدة ضد النظام. فاردوغان صرّح بأن عدم صدور قرار عن مجلس الأمن لن يحول دون اتخاذ تركيا عقوبات أحادية الجانب ضد سورية. ويقول كوهين إن قرار اردوغان الإعلان عن ماهية هذه العقوبات من هاتاي (الاسكندرون) والتي تترافق مع مناورات عسكرية تركية في المنطقة على الحدود مع سورية هو أمر له دلالاته.

ويرى كوهين أن التدابير التركية ضد سورية اقتصادياً وعسكرياً سوف تحمل لتركيا مخاطرة على المدى القصير، حيث ستتأذى مصالحها، خصوصاً أن جميع العلاقات مع سورية من السياحة إلى التجارة والطاقة والمواصلات هي اليوم شبه معطلة. لكن الحكومة التركية تعتقد أن مصالحها على المدى الطويل ستكون مضمونة اعتماداً على أن نظام الأسد سيسقط عاجلاً أم آجلاً.

وتزداد المراهنة التركية، يقول كوهين، على استمرار الاحتجاجات الشعبية واتساعها بل أيضاً انفكاك الحلقات القريبة من الأسد عنه. ومن هنا، هذا الانخراط التركي في تشكيل جبهة ضد سورية، والوقوف خلف المعارضة السورية.

وفي صحيفة "يني شفق"، المقربة من حزب العدالة والتنمية، كتب الباحث المعروف إحسان داغي عن العلاقات التركية السورية بالقول إن "تركيا أخطأت عندما بنت سياساتها مع أنظمة دكتاتورية غير ديموقراطية مثل النظام السوري". وقال إن "الصورة الحديثة للرئيس السوري وزوجته بانت مع بدء الاحتجاجات على أنها كانت وهماً، عندما رفض الأسد الإصغاء للنصائح التركية وتبين أن النظام السوري هو احد أعتى الأنظمة الاستخباراتية".

وقال داغي إن تركيا ولحسن الحظ قد عادت عن هذا الخطأ، لأن الاستثمار المربح هو مع أنظمة ديموقراطية لا خلافها. وأوضح أن زيارة اردوغان لمخيمات اللاجئين هو تعبير مرن عن العودة عن هذا الخطأ. وخلص الكاتب إلى أن "الدرس السوري الأساسي الذي يجب أن تتعلمه تركيا هو انه في السياسة الخارجية من غير الممكن تطوير علاقات مثمرة وبناءة مع أنظمة وزعماء غير ديموقراطيين، ولا مشروعية لهم لدى شعوبهم".

 

  • فريق ماسة
  • 2011-10-07
  • 12739
  • من الأرشيف

أردوغان و"القطيعة الكاملة" مع الرئيس الأسد

أدّت وفاة تنزيلة (88 عاماً) والدة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان إلى تأجيل زيارته التي كانت مقررة غداً الأحد إلى مخيمات اللاجئين السوريين في إقليم هاتاي (لواء الاسكندرون) حيث كان من المتوقع أن يطلق اردوغان "موقفاً نوعياً" يعلن فيه بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع سورية عنوانها القطيعة الكاملة مع النظام السوري، وتترجم بسلسلة عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية تطال الرئيس السوري بشار الأسد وأركان النظام، مثل وقف التعامل مع المصارف السورية وحجز رساميل خاصة بالأسد في تركيا وغير ذلك. وتقول مصادر تركية مطلعة لـ"السفير" إنه كان محتملاً أن يعلن اردوغان عن سلسلة إجراءات منها وقف التعاون الكهربائي مع سورية ما يؤثر أيضا على شبكات الربط الكهربائي مع الأردن ولبنان والعراق. وتقول هذه المصادر إن زيارة اردوغان والمواقف التي سيعلنها في وقت لاحق ستكون بداية الترجمة العملية لاتفاق شامل جرى بين اردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما في لقائهما في نيويورك قبل أسبوعين، ويقضي بالمقايضة بين الدعم الأميركي الكامل لتركيا في حربها على حزب العمال الكردستاني، ومنها تغطية عمليات عسكرية تركية برية وجوية ضد المقاتلين الأكراد في جبال قنديل في شمال العراق، مقابل تعهد أنقرة بالسير في خطط الإدارة الأميركية لتضييق الخناق على النظام السوري انطلاقاً من الأراضي التركية. والمناورات العسكرية التركية التي بدأت الأربعاء الماضي وتستمر حتى الخميس المقبل، هي "أول الغيث" وأن هذه المناورات ليست "تخويفية" بل جدية، لجهة أن الخطة التركية - الأميركية تقضي في المستقبل، ولا سيما بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، إلى التدخل العسكري "لغايات إنسانية". وتقول هذه المصادر إن الخطة تشمل احتلال شريط حدودي سوري من جسر الشغور إلى شمال حلب يتم حصر اللاجئين السوريين فيها. ويشكل في الوقت ذاته قاعدة لانطلاق المعارضة السورية بدعم خارجي لـ"تحرير" سائر الأراضي السورية التي تكون تحت سيطرة النظام، ما يذكّر بالكامل بالسيناريو الليبي الذي انطلق من بنغازي. وترى هذه المصادر أن الجيش التركي موافق على مثل هذه الخطة لسبب بسيط وهو أن قيادته الجديدة التي جاءت بعد استقالات القيادة السابقة في نهاية تموز الماضي موالية بالكامل لأردوغان، وأن وجود قرار خاص بالجيش خارج القرار السياسي للحكومة أصبح من الماضي. وفي صحيفة "ميللييت" وصف الكاتب سامي كوهين فشل مجلس الأمن في إقرار عقوبات على سورية بأنه أراح الرئيس الأسد كثيرا وشجعه. وقال انه رغم التنازلات الغربية فإن روسيا والصين استخدمتا حق النقض وأبطلتا صدور القرار. وأضاف إن هذا فتح الباب أن تتصرف كل دولة وفق ما يناسبها، إما التشدد في معارضة الأسد أو البقاء متفرجة. وحول الموقف الروسي، قال كوهين إن مصالح موسكو حكمت استخدامها الفيتو، إذ أنها تواصل سياسة التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي الوثيق مع بشار كما كانت مع والده. لكن كوهين يرى في ذلك مخاطرة على دور روسيا في حال سقوط النظام. فماذا ستفعل عندها؟ أما الصين فإنها تقف إلى جانب المحافظة على الوضع الراهن، خصوصا أن التحركات الشعبية تثير حساسية بكين. وفي الحالتين فإن روسيا والصين تقدمان على مخاطرة على المدى الطويل. أما تركيا فيقول كوهين إنها تقدم على المخاطرة نفسها، لكن بصورة عكسية، أي أن تقف بحدة ضد النظام. فاردوغان صرّح بأن عدم صدور قرار عن مجلس الأمن لن يحول دون اتخاذ تركيا عقوبات أحادية الجانب ضد سورية. ويقول كوهين إن قرار اردوغان الإعلان عن ماهية هذه العقوبات من هاتاي (الاسكندرون) والتي تترافق مع مناورات عسكرية تركية في المنطقة على الحدود مع سورية هو أمر له دلالاته. ويرى كوهين أن التدابير التركية ضد سورية اقتصادياً وعسكرياً سوف تحمل لتركيا مخاطرة على المدى القصير، حيث ستتأذى مصالحها، خصوصاً أن جميع العلاقات مع سورية من السياحة إلى التجارة والطاقة والمواصلات هي اليوم شبه معطلة. لكن الحكومة التركية تعتقد أن مصالحها على المدى الطويل ستكون مضمونة اعتماداً على أن نظام الأسد سيسقط عاجلاً أم آجلاً. وتزداد المراهنة التركية، يقول كوهين، على استمرار الاحتجاجات الشعبية واتساعها بل أيضاً انفكاك الحلقات القريبة من الأسد عنه. ومن هنا، هذا الانخراط التركي في تشكيل جبهة ضد سورية، والوقوف خلف المعارضة السورية. وفي صحيفة "يني شفق"، المقربة من حزب العدالة والتنمية، كتب الباحث المعروف إحسان داغي عن العلاقات التركية السورية بالقول إن "تركيا أخطأت عندما بنت سياساتها مع أنظمة دكتاتورية غير ديموقراطية مثل النظام السوري". وقال إن "الصورة الحديثة للرئيس السوري وزوجته بانت مع بدء الاحتجاجات على أنها كانت وهماً، عندما رفض الأسد الإصغاء للنصائح التركية وتبين أن النظام السوري هو احد أعتى الأنظمة الاستخباراتية". وقال داغي إن تركيا ولحسن الحظ قد عادت عن هذا الخطأ، لأن الاستثمار المربح هو مع أنظمة ديموقراطية لا خلافها. وأوضح أن زيارة اردوغان لمخيمات اللاجئين هو تعبير مرن عن العودة عن هذا الخطأ. وخلص الكاتب إلى أن "الدرس السوري الأساسي الذي يجب أن تتعلمه تركيا هو انه في السياسة الخارجية من غير الممكن تطوير علاقات مثمرة وبناءة مع أنظمة وزعماء غير ديموقراطيين، ولا مشروعية لهم لدى شعوبهم".  

المصدر : محمد نور الدين... السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة