دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد تردد ومداولات مطولة أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبوله خطة الرباعية الدولية لاستئناف المفاوضات ضمن جدول زمني محدد. غير أن السلطة الفلسطينية التي لم تجد في خطة الرباعية تذكيراً بوقف الاستيطان شددت على أن لا مفاوضات من دون تجميد الاستيطان. وفي هذه الأثناء قاد الإعلان الإسرائيلي عن توسيع الاستيطان في غيلو إلى توتر بين نتنياهو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فيما تواصل بحث الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن بعد معاقبة الكونغرس للسلطة الفلسطينية.
وفي ختام اجتماع هو الثاني لوزراء «هيئة الثمانية» الوزارية الإسرائيلية حول خطة الرباعية أعلن نتنياهو أنه قرر الرد بالإيجاب على الخطة التي عرضتها الرباعية الدولية لاستئناف المفاوضات. وأشار بيان صادر عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية إلى أن «إسرائيل ترحب بدعوة الرباعية الدولية لإجراء مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة بيننا وبين السلطة الفلسطينية، كما سبق واقترح الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ورغم أن لإسرائيل تحفظات ستعرضها في المفاوضات، فإنها تدعو السلطة الفلسطينية للتصرف مثلها والانضمام للمفاوضات المباشرة من دون تأخير».
ورد رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات على الإعلان الإسرائيلي قائلا إنه إذا كان نتنياهو يوافق فعلا على خطة الرباعية فعليه الإعلان عن تجميد البناء في المستوطنات والقبول بخطوط عام 1967 كما تطلب الرباعية نفسها.
كما أن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة شدد على أن العودة للمفاوضات تتطلب التزاماً إسرائيلياً بوقف البناء في المستوطنات.
ولم تخف إسرائيل «تحفظاتها» على جوانب مركزية في خطة الرباعية وفي مقدمتها الجدول الزمني. وهي ترفض مدة الشهور الثلاثة المحددة لبحث قضايا الحدود والأمن. كما ترفض تأجيل قضية اللاجئين والاعتراف بالدولة اليهودية إلى مرحلة متأخرة من المفاوضات. وهذه التحفظات هي أصلا الأسلحة المركزية التي تستخدمها في المفاوضات لمنع تحقيق أي تقدم.
ولا ريب فيه أن القبول الإسرائيلي بخطة الرباعية يعني الدخول في لعبة القط والفأر، بنصيحة أميركية على ما يبدو. إذ أن مجرد العودة للمفاوضات ينزع الفتيل المتفجر من قضية الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن وقد يجنب أميركا عواقب استخدام حق النقض (الفيتو). كما أن القبول الإسرائيلي ينم عن تلاعب تكتيكي يستغل ليس موقف الرباعية وإنما إعلانها الذي سبق الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة والذي خلا تقريبا من نقاط الخلاف الأساسية. إذ لم يتطرق الإعلان لا إلى حدود عام 1967، ولا إلى يهودية دولة إسرائيل ولا لوقف الاستيطان.
وفتح الخلاف بين أطراف الرباعية حول هذه النقاط كوة لإسرائيل للتلاعب، خصوصاً أن المواقف الفلسطينية من بيان الرباعية كانت متضاربة. فالبيان حدد جدولاً زمنياً للمفاوضات وللتوصل إلى نتائج ولكن من دون أن يشير لا إلى حدود 1967، كما يطلب الفلسطينيون، ولا إلى الاعتراف بيهودية الدولة كما تطالب إسرائيل. ومن الواضح أن بيان الرباعية حاول الارتكاز إلى «الغموض البناء» الذي دام ظل أحد تعابيره في القرار 242 أكثر من أربعة عقود. وبرر بعض أعضاء الرباعية غياب شرط تجميد الاستيطان بأنه مذكور أصلا في خريطة الطريق التي تعتبر أحد مراجع الرباعية.
وكان القرار الإسرائيلي بتوسيع الاستيطان في مستوطنة غيلو جنوبي القدس بألف ومئة وحدة استيطانية قد أثار غضب الفلسطينيين واستنكار العديد من القوى في العالم. ورأى الفلسطينيون في هذا القرار نسفاً لأي غموض يمكن لإسرائيل إشاعته حول موقفها، وبالتالي على الرباعية الدولية التشديد عليه. وأثار القرار الإسرائيلي هذا غضب بعض أقرب الحلفاء لإسرائيل وبينهم المستشارة الألمانية، ميركل.
وكانت «هآرتس» قد نشرت أن المستشارة الألمانية اتصلت هاتفياً برئيس الحكومة الإسرائيلية ووبخته على قرار بناء 1100 وحدة سكنية في مستوطنة غيلو. وقالت الصحيفة إن مكالمة قاسية جرت بين الاثنين قال بعدها مسؤولون ألمان لنظرائهم الإسرائيليين إن ميركل «استشاطت غضباً من نتنياهو» وأنها قالت له «إنها لم تعد تصدق كلمة يقولها». وأضافت أن غضب ميركل نبع أساساً من شعورها بأنه عرقل مساعيها لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات.
ونقلت «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن «الحديث يدور عن أزمة ثقة حادة. وهذا يعرض للخطر سلسلة مواضيع حاولت الدولتان تحقيقها بما فيها مسائل أمنية فائقة الأهمية. وليس مؤكداً على الإطلاق بأن يواصل الألمان المساعدة الآن في منع الخطوات الفلسطينية في الامم المتحدة. ولعلهم يؤيدون الآن مبادرة ترفيع فلسطين الى مكانة دولة مراقبة في الامم المتحدة».
وأشارت «هآرتس» إلى أن ميركل، بطلب من إسرائيل، قامت بدور مهم في محاولة إقناع أبو مازن بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وأنه اشترط العودة بوقف الاستيطان لثلاثة شهور. ولكن خلال ممارستها جهودها، أعلن في إسرائيل عن خطة توسيع الاستيطان بعدما نقلت الطلب الفلسطيني لنتنياهو.
وبحسب ما نشر فإن ميركل قالت لنتنياهو «في بيان الرباعية كان شرطاً واضحاً التزام الطرفين بالامتناع عن خطوات استفزازية. أنا لا أفهم كيف بعد بضعة ايام فقط من بيان الرباعية تأذنون ببناء 1100 شقة». واوضحت ميركل لنتنياهو أنها فقدت ما تبقى لديها من ثقة به. «تراخيص البناء تضع قيد الشك استعداد اسرائيل للشروع في مفاوضات جدية مع الفلسطينيين»، قالت، و«على حكومة إسرائيل الآن مهمة إزالة الشك بالنسبة لجديتها. هذه مسؤوليتكم».
وأضافت «هآرتس» أن ألمانيا لم تكن الوحيدة التي وبخت اسرائيل على تراخيص البناء في غيلو. فالإدارة الاميركية أيضاً غضبت جداً. ووبخ اثنان من كبار مساعدي وزيرة الخارجية الأميركية سفير اسرائيل في واشنطن مايكل اورن، وقالا له إن تراخيص البناء تمس بالمساعي الاميركية لاستئناف المفاوضات. مصدر أميركي كبير قال بتهكم «نتنياهو أعطانا هدية رائعة لرأس السنة».
في هذا الوقت، اكد وزير الخارجية المصري محمد عمرو تأييد بلاده للشروط الفلسطينية من اجل استئناف المفاوضات مع اسرائيل وخصوصا وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وأكد عمرو، في بيان اصدره عقب لقاء عريقات الذي يزور القاهرة للتنسيق بشأن التحرك الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في الامم المتحدة، «مساندة مصر لخيارات أشقائها الفلسطينيين وتفهمها الكامل لدوافع تحركهم خاصة فى ضوء إدراك جميع الأطراف لعدم جدية الجانب الإسرائيلي فى الانخراط فى عملية سياسية ذات مصداقية بهدف تحقيق تسوية نهائية للنزاع تقوم على أساس حل الدولتين».
وأكد الوزير المصري ان بلاده «تؤيد الرئيس الفلسطيني في تمسكه بخيار استئناف المفاوضات على أساس مرجعية واضحة ووقف الاستيطان الإسرائيلي، وأن تتم تلك المفاوضات في إطار زمني واضح ومحدد ومتفق عليه وبرعاية دولية».
من جهته، قال المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط جورج ميتشل إن «العداء بين الفلسطينيين وإسرائيل سيزداد إذا وافقت الأمم المتحدة على منح العضوية للفلسطينيين. الطريقة الوحيدة للوصول إلى السلام في المنطقة هي طاولة المفاوضات».
ودعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الفلسطينيين وإسرائيل الى استئناف المفاوضات والامتناع عن اي خطوة «استفزازية»، وذلك في مقابلة مع قناة «الحياة» المصرية نشرت وزارة الخارجية نصها أمس الأول.
ورداً على سؤال عن طلب انضمام دولة فلسطين الى الامم المتحدة، الذي قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسمياً الى المنظمة الدولية، بدت الوزيرة الاميركية وكأنها تحاول التقليل من شأنه، مؤكدة ان الاولوية بالنسبة الى الولايات المتحدة هي استئناف المفاوضات بغية تحقيق تقدم حقيقي. وقالت كلينتون إن «الرئيس (باراك) اوباما وأنا نريد بشدة رؤية دولة فلسطينية، ولقد أيدت هذا الامر علناً منذ التسعينيات». وأضافت «بغض النظر عما سيحصل او لن يحصل في الامم المتحدة، فما لم نتمكن من اعادة الفلسطينيين والاسرائيليين الى التفاوض حول حدود الدولة والمسائل الأمنية ومصير القدس ومصير اللاجئين والمياه...سنبعث امالا من دون ان نكون قادرين على تحقيقها». وتابعت الوزيرة الاميركية «اريد ان يحصل الفلسطينيون على دولة خاصة بهم، اريد ان يحكموا انفسهم بأنفسهم».
وأضافت كلينتون «نريد رؤية الطرفين يعودان الى طاولة المفاوضات... لا نريد حصول استفزازات، لقد قلنا هذا بشأن الاعلانات الاخيرة للحكومة الاسرائيلية، ولكننا نعرف ايضا ان على الفلسطينيين ان يكونوا مستعدين للتفاوض». وأكدت كلينتون ان «هذا صعب بالنسبة اليهم (الفلسطينيين) لأنهم يشعرون انهم فعلوا هذا لوقت ليس بقصير من دون الوصول الى شيء. لكل من الطرفين قضية يدافع عنها. فليحصل هذا الامر على طاولة المفاوضات، وهذا تحديداً ما ندفع باتجاهه».
المصدر :
حلمي موسى\ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة