يستنتج زائر دمشق من كلام المسؤولين السوريين أن النظام استعاد زمام المبادرة، وأمسك بالأرض سياسيا وأمنيا، بصرف النظر عن «طريقة الإمساك»، وما تبثه الفضائيات، «فالمهم اننا نمسك بالارض. فيما المعارضة أو المعارضات تتوالد بين دولة واخرى كالفطر، فلا رأس واحدا، ولا برنامج موحدا، ولا رؤية واحدة، بل يحكمها التنافس في ما بينها». ثم ان تعدّد المؤتمرات المعارضة، «علامة فشل وليس دليل عافية، وها هي فرنسا تعد لمؤتمر موسع في العاشر من الشهر المقبل على مسرح «الأوديون» في باريس، لحشد أكبر عدد ممكن من المعارضات السورية».

ولزائر دمشق أن يسمع رأياً في الحملات الخارجية: «لقد قدمت أقصى ما لديها في سبيل تحقيق هدفها، لكن الرئيس بشار الاسد استطاع أن ينزع مخالبها الداخلية، فتدرجت من عنوان «إسقاط النظام» الى عنوان «إزعاج النظام»، بالضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية».

ومع هذا التدرج من «الإسقاط» الى «الإزعاج»، انتقلت سورية سريعا الى اعتماد سياسة «شد الحزام» ومحاولة التكيف مع الواقع الجديد والتخفف من وطأة تلك الضغوط، ولعل أول الإجراءات التي اتخذت، كان في القرار الصادر عن مجلس الوزراء السوري في الخامس والعشرين من الجاري، والذي علق بموجبه «استيراد كل المواد من كل الدول التي تربطنا بها اتفاقيات تجارة حرة أو تجارة تفضيلية، باستثناء المواد التي تخضع لرسم جمركي 5% وما دون». ويشمل هذا القرار العديد من السلع والكماليات والسيارات الخ.. علما أن هذا القرار هو واحد من سلسلة إجراءات ستتخذها الحكومة السورية لاحقا.

مما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي صعب، وربما يكون أصعب مع العقوبات، ولكن زوار الرئيس بشار الاسد يسمعون أن «هناك صعوبة اقتصادية، لكنها ليست كما يصورون، انها قيد المواكبة الحثيثة، ثمة خطوات احترازية وموضعية، نحن أمام تحد اقتصادي سنواجهه، قد تتأثر صناعات كبيرة، لكننا سنجد بدائل صغيرة، لقد أمنّا أسواقا للنفط السوري ولا مشكلة في هذا المجال، ثم ان أسواق سوريا الاخرى ونوافذها مفتوحة مع الصين، روسيا، الهند، مع الدول الشرقية، وصولا الى أميركا الجنوبية. وفي النهاية سنجد العلاج».

وبحسب زوار دمشق، فإن العد العكسي قد بدأ للخروج من واقع الأزمة، «فلقد تخطينا منطقة الخطر، ونحن ندرك أن الازمة ليست سهلة، ولكننا ندرك في الوقت ذاته أنها أزمة ليست مستعصية، صحيح انها قد تحتاج لبعض الوقت. هناك هجمة على سورية وعليّ شخصيا، ومن جهتنا نحن مستعدون لها، وفي الخلاصة هناك أزمة تعالج بالطريقة السورية وبحسب ما تقتضيه المصلحة السورية وبحسب الأجندة السورية» على حد تعبير الأسد.

ويضيف الاسد، كما ينقل الزوار، «هناك مقولة يسوقها الآخرون بأنهم تمكنوا من كسر حاجز الخوف، ولكن أنا أقول إنني كسرت حاجز الخوف ايضا، وبالتالي نحن انتقلنا من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم. سنردع أي عمل أمني يضر بالأمن القومي السوري ويهدد حياة المواطنين السوريين، أما في القضايا الاخرى ولا سيما المطالب الاصلاحية، فنحن منفتحون على كل ما هو أفضل لسوريا، وأنا مطمئن جدا، خاصة انه كلما ارتفع الضجيج الخارجي ضد سوريا، فمعنى ذلك اننا نسير في الطريق الصحيح».

يقول الاسد: «أنا ماض في العملية الإصلاحية، وسنظهر المزيد من الانفتاح والحوار الداخلي»، ويقدم نظرة إيجابية ملحوظة الى الشعار الذي يطرحه معارضون سوريون في الداخل ومفاده «..لا للعنف ..لا للتدخل الخارجي.. لا للاقتتال الداخلي». وأما «الإخوان المسلمون»، فالمعركة معهم تاريخية ومستمرة.

فاجأ الاسد زواره في المراجعة النقدية التي قدمها حيال الوضع في سورية، و«التصرفات الخاطئة التي أدت الى الترهل السياسي والحزبي»، وفي إبرازه الحاجة الى الاصلاحات وسعيه الى التحديث في سورية، على أساس «عروبة جديدة حضارية نهضوية تلغي التفرّد، وتؤكد التنوع على كل المستويات، وليس على أساس «عروبة عنصرية» تفرض نفسها على صعيد قومي صغير، ولا تستطيع أن تفرض نفسها كعنصر احتضاني لكل التنوعات ومن منطلق حضاري واعتباري لكل تلك التنوعات».

ولعل الاولوية التي يضعها الاسد نصب عينيه، كما يقول الزوار، هي كيفية مواجهة الأصولية التكفيرية المسلحة التي لا تقبل الآخر، فيجب أن نواجهها بالتنوع السياسي وبالصورة الحزبية التي تعبر عن كل شرائح المجتمع السوري، فللأسد رؤيته في هذا المجال. وكما ينقل عنه فهو يعارض «الحزب الديني، أي لا حزب مسيحيا ولا حزب إسلاميا، ولا حزب من لون واحد، فالاحزاب في سوريا يجب أن تعكس صورة سورية  بحيث ان كل حزب يجب ان يضم في عداده منتسبين من كل المناطق السورية ومن كل أطياف المجتمع السوري».

لقد بلغت الاسد قبل أيام صورة مفصلة عن هواجس المسيحيين في سورية والمنطقة وفيها: «نحن أبناء هذه الارض مصرّون على التعايش، نحن لسنا غرباء، ولا نتحرك بأجندة غربية، ولن نكون حصان طروادة لأحد، ان سورية تعنينا، يعنينا أمنها واستقرارها وعدم حصول أي اقتتال داخلي، ويهمنا ايضا أكبر قدر من الإصلاحات فهذا يفيد سورية ويفيدنا. اننا نرى ما يحصل في المنطقة من تصاعد موجات الأصولية التكفيرية ومن استهداف لمطارنتنا وكنائسنا ورعايانا ومصالحنا، والعراق نموذج صارخ وايضا مصر، ولو اختلفت الأحوال, ناهيك عن فلسطين».

يؤكد الاسد «ان لا خوف على المسيحيين في سوريا»، ويرفض المنطق القائل بتحالف الاقليات في المنطقة كتدبير احترازي يقيها من تداعيات ما يحصل، وينقل عنه قوله «أنا لا أحبذ هذا الامر، ولا أنصح بإقامة تحالف الاقليات والى أين سيؤدي ذلك، يجب ألا يعتقد أحد انه غارق في بحر ما في المنطقة، فخريطة المنطقة متوازنة، فهناك سنة وشيعة وأكراد وعلويون ودروز ومسيحيون، ومن جهتنا ليست لدينا عقدة أو خشية من ان نكون غارقين في هذه المنطقة».

يؤكد الاسد على الطابع العلماني العام الموجود في سوريا، على رغم البيئة الإسلامية فيها، ومن هنا يأتي قوله أمام زواره: «لا فرق بالنسبة إلينا بين كردي أو علوي أو سني أو شيعي أو مسيحي، فكلنا نعيش معا، وانطلاقا من حرصنا على الجميع نحرص على المسيحيين وعلى حضورهم في سوريا ولبنان والعراق وفي كل المنطقة». واذ يلفت الانتباه الى ان هناك من ينادي بالتسامح بين هذا المسلم في سوريا وذاك المسيحي، فيقول: «ان هذا الكلام مرفوض، نحن ذراعان لجسم واحد، ولا نقبل أن يقال بالتسامح لان التسامح هو بين قوي وضعيف، نحن واحد وجسم واحد».

وأما بالنسبة الى الهجمة على سوريا، فهي كما يراها، مستمرة لإخضاعها وهذا ما لن يحصل. وهناك استغراب كبير لاندفاعة قطر الى الاتجاه المعادي لسوريا، وثمة من يقول ان قنوات الاتصال بين البلدين ليست مقفلة بالكامل، وان هناك «اتصالا مهما» حصل في العيد الأخير، وأما بالنسبة الى الجانب التركي، فثمة رسالة واضحة يطلقها الاسد في وجه «الاردوغانيّة»: لا للعثمنة.

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2011-09-28
  • 9800
  • من الأرشيف

هل تدرجت الحملة على سورية من «إسقاط النظام» إلى «إزعاج النظام»؟ الأسد: انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم.. ولا للعثمنة

يستنتج زائر دمشق من كلام المسؤولين السوريين أن النظام استعاد زمام المبادرة، وأمسك بالأرض سياسيا وأمنيا، بصرف النظر عن «طريقة الإمساك»، وما تبثه الفضائيات، «فالمهم اننا نمسك بالارض. فيما المعارضة أو المعارضات تتوالد بين دولة واخرى كالفطر، فلا رأس واحدا، ولا برنامج موحدا، ولا رؤية واحدة، بل يحكمها التنافس في ما بينها». ثم ان تعدّد المؤتمرات المعارضة، «علامة فشل وليس دليل عافية، وها هي فرنسا تعد لمؤتمر موسع في العاشر من الشهر المقبل على مسرح «الأوديون» في باريس، لحشد أكبر عدد ممكن من المعارضات السورية». ولزائر دمشق أن يسمع رأياً في الحملات الخارجية: «لقد قدمت أقصى ما لديها في سبيل تحقيق هدفها، لكن الرئيس بشار الاسد استطاع أن ينزع مخالبها الداخلية، فتدرجت من عنوان «إسقاط النظام» الى عنوان «إزعاج النظام»، بالضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية». ومع هذا التدرج من «الإسقاط» الى «الإزعاج»، انتقلت سورية سريعا الى اعتماد سياسة «شد الحزام» ومحاولة التكيف مع الواقع الجديد والتخفف من وطأة تلك الضغوط، ولعل أول الإجراءات التي اتخذت، كان في القرار الصادر عن مجلس الوزراء السوري في الخامس والعشرين من الجاري، والذي علق بموجبه «استيراد كل المواد من كل الدول التي تربطنا بها اتفاقيات تجارة حرة أو تجارة تفضيلية، باستثناء المواد التي تخضع لرسم جمركي 5% وما دون». ويشمل هذا القرار العديد من السلع والكماليات والسيارات الخ.. علما أن هذا القرار هو واحد من سلسلة إجراءات ستتخذها الحكومة السورية لاحقا. مما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي صعب، وربما يكون أصعب مع العقوبات، ولكن زوار الرئيس بشار الاسد يسمعون أن «هناك صعوبة اقتصادية، لكنها ليست كما يصورون، انها قيد المواكبة الحثيثة، ثمة خطوات احترازية وموضعية، نحن أمام تحد اقتصادي سنواجهه، قد تتأثر صناعات كبيرة، لكننا سنجد بدائل صغيرة، لقد أمنّا أسواقا للنفط السوري ولا مشكلة في هذا المجال، ثم ان أسواق سوريا الاخرى ونوافذها مفتوحة مع الصين، روسيا، الهند، مع الدول الشرقية، وصولا الى أميركا الجنوبية. وفي النهاية سنجد العلاج». وبحسب زوار دمشق، فإن العد العكسي قد بدأ للخروج من واقع الأزمة، «فلقد تخطينا منطقة الخطر، ونحن ندرك أن الازمة ليست سهلة، ولكننا ندرك في الوقت ذاته أنها أزمة ليست مستعصية، صحيح انها قد تحتاج لبعض الوقت. هناك هجمة على سورية وعليّ شخصيا، ومن جهتنا نحن مستعدون لها، وفي الخلاصة هناك أزمة تعالج بالطريقة السورية وبحسب ما تقتضيه المصلحة السورية وبحسب الأجندة السورية» على حد تعبير الأسد. ويضيف الاسد، كما ينقل الزوار، «هناك مقولة يسوقها الآخرون بأنهم تمكنوا من كسر حاجز الخوف، ولكن أنا أقول إنني كسرت حاجز الخوف ايضا، وبالتالي نحن انتقلنا من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم. سنردع أي عمل أمني يضر بالأمن القومي السوري ويهدد حياة المواطنين السوريين، أما في القضايا الاخرى ولا سيما المطالب الاصلاحية، فنحن منفتحون على كل ما هو أفضل لسوريا، وأنا مطمئن جدا، خاصة انه كلما ارتفع الضجيج الخارجي ضد سوريا، فمعنى ذلك اننا نسير في الطريق الصحيح». يقول الاسد: «أنا ماض في العملية الإصلاحية، وسنظهر المزيد من الانفتاح والحوار الداخلي»، ويقدم نظرة إيجابية ملحوظة الى الشعار الذي يطرحه معارضون سوريون في الداخل ومفاده «..لا للعنف ..لا للتدخل الخارجي.. لا للاقتتال الداخلي». وأما «الإخوان المسلمون»، فالمعركة معهم تاريخية ومستمرة. فاجأ الاسد زواره في المراجعة النقدية التي قدمها حيال الوضع في سورية، و«التصرفات الخاطئة التي أدت الى الترهل السياسي والحزبي»، وفي إبرازه الحاجة الى الاصلاحات وسعيه الى التحديث في سورية، على أساس «عروبة جديدة حضارية نهضوية تلغي التفرّد، وتؤكد التنوع على كل المستويات، وليس على أساس «عروبة عنصرية» تفرض نفسها على صعيد قومي صغير، ولا تستطيع أن تفرض نفسها كعنصر احتضاني لكل التنوعات ومن منطلق حضاري واعتباري لكل تلك التنوعات». ولعل الاولوية التي يضعها الاسد نصب عينيه، كما يقول الزوار، هي كيفية مواجهة الأصولية التكفيرية المسلحة التي لا تقبل الآخر، فيجب أن نواجهها بالتنوع السياسي وبالصورة الحزبية التي تعبر عن كل شرائح المجتمع السوري، فللأسد رؤيته في هذا المجال. وكما ينقل عنه فهو يعارض «الحزب الديني، أي لا حزب مسيحيا ولا حزب إسلاميا، ولا حزب من لون واحد، فالاحزاب في سوريا يجب أن تعكس صورة سورية  بحيث ان كل حزب يجب ان يضم في عداده منتسبين من كل المناطق السورية ومن كل أطياف المجتمع السوري». لقد بلغت الاسد قبل أيام صورة مفصلة عن هواجس المسيحيين في سورية والمنطقة وفيها: «نحن أبناء هذه الارض مصرّون على التعايش، نحن لسنا غرباء، ولا نتحرك بأجندة غربية، ولن نكون حصان طروادة لأحد، ان سورية تعنينا، يعنينا أمنها واستقرارها وعدم حصول أي اقتتال داخلي، ويهمنا ايضا أكبر قدر من الإصلاحات فهذا يفيد سورية ويفيدنا. اننا نرى ما يحصل في المنطقة من تصاعد موجات الأصولية التكفيرية ومن استهداف لمطارنتنا وكنائسنا ورعايانا ومصالحنا، والعراق نموذج صارخ وايضا مصر، ولو اختلفت الأحوال, ناهيك عن فلسطين». يؤكد الاسد «ان لا خوف على المسيحيين في سوريا»، ويرفض المنطق القائل بتحالف الاقليات في المنطقة كتدبير احترازي يقيها من تداعيات ما يحصل، وينقل عنه قوله «أنا لا أحبذ هذا الامر، ولا أنصح بإقامة تحالف الاقليات والى أين سيؤدي ذلك، يجب ألا يعتقد أحد انه غارق في بحر ما في المنطقة، فخريطة المنطقة متوازنة، فهناك سنة وشيعة وأكراد وعلويون ودروز ومسيحيون، ومن جهتنا ليست لدينا عقدة أو خشية من ان نكون غارقين في هذه المنطقة». يؤكد الاسد على الطابع العلماني العام الموجود في سوريا، على رغم البيئة الإسلامية فيها، ومن هنا يأتي قوله أمام زواره: «لا فرق بالنسبة إلينا بين كردي أو علوي أو سني أو شيعي أو مسيحي، فكلنا نعيش معا، وانطلاقا من حرصنا على الجميع نحرص على المسيحيين وعلى حضورهم في سوريا ولبنان والعراق وفي كل المنطقة». واذ يلفت الانتباه الى ان هناك من ينادي بالتسامح بين هذا المسلم في سوريا وذاك المسيحي، فيقول: «ان هذا الكلام مرفوض، نحن ذراعان لجسم واحد، ولا نقبل أن يقال بالتسامح لان التسامح هو بين قوي وضعيف، نحن واحد وجسم واحد». وأما بالنسبة الى الهجمة على سوريا، فهي كما يراها، مستمرة لإخضاعها وهذا ما لن يحصل. وهناك استغراب كبير لاندفاعة قطر الى الاتجاه المعادي لسوريا، وثمة من يقول ان قنوات الاتصال بين البلدين ليست مقفلة بالكامل، وان هناك «اتصالا مهما» حصل في العيد الأخير، وأما بالنسبة الى الجانب التركي، فثمة رسالة واضحة يطلقها الاسد في وجه «الاردوغانيّة»: لا للعثمنة.      

المصدر : السفير /نبيل هيثم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة