بجوار كنيسة سيدة صيدنايا، الواقعة في محافظة ريف دمشق، حيث يتوافد المسيحيون لزيارتها منذ 1400 سنة، يقول أبو إلياس مشيراً إلى صديقه العراقي روبير، «جميعنا يخشى المستقبل.. لجأ العام الماضي إلى سورية هارباً من العراق. قريباً ربما نكون جميعاً مثله»...

تزداد مخاوف الأقلية المسيحية في سورية مع تواصل العمليات العسكرية في البلاد، وكان آخرها في مدينة الرستن. يؤكد زوار صيدنايا خوفهم من ان يؤدي تغيير النظام إلى صعود قيادة استبدادية من الغالبية السنية تحرمهم من الحماية الشكلية التي كانت عائلة الأسد تؤمنها لهم على مدى أربعة عقود، فضلا عن خوفهم من حرب اهلية تُدخل البلاد في صراع دموي طائفي في بلد الأقليات العرقية والدينية التي وجدت في معظم الأحيان طريقة مناسبة للتعايش.

بالنسبة إلى كثير من المسيحيين السوريين الذين يشكلون حوالى 10 في المئة من السكان، لا يزال الأسد في المنطقة يشكل ضمانة لهم على عكس وضع إخوانهم المسيحيين في كل من لبنان والعراق اللذين خاضا الحرب الأهلية، او حتى في مصر حيث تزداد مخاوف الأقباط من التغيرات الثورية.

... «لا أعرف هدفكن؟ الآن تستطعن قول وفعل ما تردن، لكن إذا سقط النظام ستختبئن في بيتكن، وتتحسرن على هذه الأيام»... بهذه الكلمات عبرت مواطنة سورية مسيحية عن مخاوف الأقلية المسيحية على صفحة «ناشطات مسيحيات» على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، تلومهن فيها على نشاطهن المعارض.

ما هو مصير الأقليات في منطقة متنوعة بهذا الشكل؟ سؤال يتصدر الاستفهامات الأكثر إلحاحاً التي تواجه العالم العربي المضطرب. فمحنة المسيحيين في سوريا لاقت صدى بين الأقليات الدينية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وكثير منهم يعتبرون أنفسهم في مواجهة مصير مشترك.. في العراق، تضاءل عدد المسيحيين منذ إطاحة الرئيس صدام حسين، مدفوعين بعيداً جراء عمليات سفك الدماء والتعصب. في مصر، يقلق المسيحيون من صعود الاسلاميين. اما في لبنان، حيث يمثلون أكبر نسبة مقارنة مع الاقليات الاخرى في المنطقة، فالقلق حول مستقبلهم لا يفارقهم بعدما خرجوا خاسرين من 15 عاماً من الحرب الأهلية.

ما يسود الأوساط المسيحية السورية من تخوف، وصل إلى لبنان بشكل واضح بعدما أثار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي جدلا بتصريحاته الأخيرة التي تناولت الوضع في سوريا قائلا إن «الرئيس الأسد رجل بسيط، ولا يستطيع فعل المعجزات. لذلك يجب أن نعطيه فرصة أخرى للسيطرة على الوضع.. نحن لا ندافع عن النظام السوري، لكن سقوطه سيؤثر على تواجد المسيحيين في كل بلاد الشرق الأوسط. لذلك نحن أيضاً علينا المقاومة».

وعلى الرغم من اعترافات القلق والخوف المسيحية في سوريةوجوارها، إلا أن النخبة المعارضة السوريّة تضم رموزاً مسيحية كبيرة أمثال ميشيل كيلو وفايز سارة، وذلك بموازاة مشاركة عدد منهم في التظاهرات الجماهيريّة، وخصوصا في دمشق. مشاركة مماثلة خرقت ايضاً صفوف الأقلية العلوية التي لطالما سيطرت على الحكم والوظائف الإدارية والعسكرية منذ عقود، اذ بدأ عدد من العلويين ينضمون الى تظاهرات المعارضة الحاشدة كالتي انطلقت من وسط حماة.

وفي حين تعد الثورات العربية بتجديد الأنظمة، بعيداً عن أساليب القمع وعدم المساواة، لا يزال الخوف من الإسلاميين قائماً.. خوفٌ من ان تكسب القوة الأكثر تنظيماً في المنطقة المزيد من النفوذ ساعية إلى جعل المجتمعات العربية أكثر محافظة وربما أقل تسامحاً... هذا ما يدفع ابو الياس إلى القول بحسرة «اليوم، لا نزال هنا. غداً، لا أحد يعلم اين قد نكون».

  • فريق ماسة
  • 2011-09-28
  • 12541
  • من الأرشيف

. قال السوري أبو الياس للعراقي روبير: قريباً قد نصبح مثلكم!

بجوار كنيسة سيدة صيدنايا، الواقعة في محافظة ريف دمشق، حيث يتوافد المسيحيون لزيارتها منذ 1400 سنة، يقول أبو إلياس مشيراً إلى صديقه العراقي روبير، «جميعنا يخشى المستقبل.. لجأ العام الماضي إلى سورية هارباً من العراق. قريباً ربما نكون جميعاً مثله»... تزداد مخاوف الأقلية المسيحية في سورية مع تواصل العمليات العسكرية في البلاد، وكان آخرها في مدينة الرستن. يؤكد زوار صيدنايا خوفهم من ان يؤدي تغيير النظام إلى صعود قيادة استبدادية من الغالبية السنية تحرمهم من الحماية الشكلية التي كانت عائلة الأسد تؤمنها لهم على مدى أربعة عقود، فضلا عن خوفهم من حرب اهلية تُدخل البلاد في صراع دموي طائفي في بلد الأقليات العرقية والدينية التي وجدت في معظم الأحيان طريقة مناسبة للتعايش. بالنسبة إلى كثير من المسيحيين السوريين الذين يشكلون حوالى 10 في المئة من السكان، لا يزال الأسد في المنطقة يشكل ضمانة لهم على عكس وضع إخوانهم المسيحيين في كل من لبنان والعراق اللذين خاضا الحرب الأهلية، او حتى في مصر حيث تزداد مخاوف الأقباط من التغيرات الثورية. ... «لا أعرف هدفكن؟ الآن تستطعن قول وفعل ما تردن، لكن إذا سقط النظام ستختبئن في بيتكن، وتتحسرن على هذه الأيام»... بهذه الكلمات عبرت مواطنة سورية مسيحية عن مخاوف الأقلية المسيحية على صفحة «ناشطات مسيحيات» على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، تلومهن فيها على نشاطهن المعارض. ما هو مصير الأقليات في منطقة متنوعة بهذا الشكل؟ سؤال يتصدر الاستفهامات الأكثر إلحاحاً التي تواجه العالم العربي المضطرب. فمحنة المسيحيين في سوريا لاقت صدى بين الأقليات الدينية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وكثير منهم يعتبرون أنفسهم في مواجهة مصير مشترك.. في العراق، تضاءل عدد المسيحيين منذ إطاحة الرئيس صدام حسين، مدفوعين بعيداً جراء عمليات سفك الدماء والتعصب. في مصر، يقلق المسيحيون من صعود الاسلاميين. اما في لبنان، حيث يمثلون أكبر نسبة مقارنة مع الاقليات الاخرى في المنطقة، فالقلق حول مستقبلهم لا يفارقهم بعدما خرجوا خاسرين من 15 عاماً من الحرب الأهلية. ما يسود الأوساط المسيحية السورية من تخوف، وصل إلى لبنان بشكل واضح بعدما أثار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي جدلا بتصريحاته الأخيرة التي تناولت الوضع في سوريا قائلا إن «الرئيس الأسد رجل بسيط، ولا يستطيع فعل المعجزات. لذلك يجب أن نعطيه فرصة أخرى للسيطرة على الوضع.. نحن لا ندافع عن النظام السوري، لكن سقوطه سيؤثر على تواجد المسيحيين في كل بلاد الشرق الأوسط. لذلك نحن أيضاً علينا المقاومة». وعلى الرغم من اعترافات القلق والخوف المسيحية في سوريةوجوارها، إلا أن النخبة المعارضة السوريّة تضم رموزاً مسيحية كبيرة أمثال ميشيل كيلو وفايز سارة، وذلك بموازاة مشاركة عدد منهم في التظاهرات الجماهيريّة، وخصوصا في دمشق. مشاركة مماثلة خرقت ايضاً صفوف الأقلية العلوية التي لطالما سيطرت على الحكم والوظائف الإدارية والعسكرية منذ عقود، اذ بدأ عدد من العلويين ينضمون الى تظاهرات المعارضة الحاشدة كالتي انطلقت من وسط حماة. وفي حين تعد الثورات العربية بتجديد الأنظمة، بعيداً عن أساليب القمع وعدم المساواة، لا يزال الخوف من الإسلاميين قائماً.. خوفٌ من ان تكسب القوة الأكثر تنظيماً في المنطقة المزيد من النفوذ ساعية إلى جعل المجتمعات العربية أكثر محافظة وربما أقل تسامحاً... هذا ما يدفع ابو الياس إلى القول بحسرة «اليوم، لا نزال هنا. غداً، لا أحد يعلم اين قد نكون».

المصدر : «نيويورك تايمز»


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة