اشتهرت السياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة بمجموعة من العناوين الجذابة، التي تحولت إلى «ماركة مسجلة» لحزب العدالة والتنمية.

غير أن السياسات الجديدة لحكومة رجب طيب اردوغان في الأشهر الأخيرة، تجاه العديد من القضايا، أدخلت تركيا في مناخات مغايرة لتلك العناوين.

فبعد اعتبار معظم المختصين الأتراك في الشؤون الخارجية أن سياسة «تعدد البعد» تحولت إلى سياسة «تعدد المشاكل»، وسياسة «تصفير المشاكل» إلى «تصفير سياسة»، ها هو أحد أبرز العناوين في السياسة الخارجية لتركيا يتعرض لنقاش وتشكيك من جانب الكتّاب الأتراك، وهو سياسة «القوة الناعمة» التي يعتبرها الرئيس التركي عبد الله غول احد أهم مصادر القوة لأنقرة.

يقول المحلل في الشؤون الخارجية في صحيفة «ميللييت» سميح ايديز إن الخطاب الذي أظهرته الحكومة التركية في الآونة الأخيرة يخلق مناخا من انه على تركيا الاستعداد لحربين في وقت واحد.

ويضيف ايديز إن اردوغان قال في حواره مع الصحافية الأميركية تشارلي روز إن تركيا يمكن أن تذهب إلى الحرب مع إسرائيل إذا تطلب الأمر ذلك.

أما الرجل القوي الآخر في حزب العدالة والتنمية والناطق الرسمي باسم الحكومة بولنت أرينتش فقد قال، لقناة «اورونيوز» أثناء زيارته بروكسل مؤخرا، «أتمنى ألا تضطر تركيا إلى استخدام القوة» في ما يتعلق بالخلاف مع قبرص حول التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط.

ويقول ايديز إن اردوغان وارينتش يقولان ذلك من اجل حل سلمي، لكن السعي لهذا الهدف كان يتطلب إشارة أقوى إلى النية السلمية لتركيا. ويقول ايديز إن تركيا مثل أي دولة أخرى لها الحق في حماية مصالحها، وما حققته من تعاطف بعد مقتل الأتراك على يد إسرائيل في سفينة «مرمرة»، يفرض عليها أن تدافع عن حق مواطنيها حتى النهاية.

لكن ايديز يقول إن القول إن قضية غزة هي قضية وطنية تتطلب الذهاب إلى الحرب مع إسرائيل، هو من الأمور التي تثير تساؤلات الرأي العام التركي. وقال «إن على تركيا دعم القضية الفلسطينية بالدبلوماسية، لكن أن نذهب إلى الحرب مع إسرائيل ويسقط لنا شهداء معها في مرحلة ينفتح الصراع المسلح على مصراعيه مع حزب العمال الكردستاني فلا أظن انه أمر يحظى بتأييد الرأي العام التركي».

أما بالنسبة للقضية القبرصية، فمع أن الاتفاقيات الدولية تمنح تركيا حقوقا، غير أن أنقرة، يقول الكاتب، منذ العام 1974 تعيش عزلة في هذه القضية، و«أي حرب تنشأ بيننا وبين إسرائيل أو قبرص فلن يقف الغرب معنا فيها. حتى لبنان ومصر اللذان وقعا اتفاقيات مع قبرص اليونانية لن يقفا إلى جانبنا. كذلك روسيا فإنها تقف بوضوح إلى جانب الطرف القبرصي اليوناني. وفي حال قيام حرب مع إسرائيل فإن العلاقات التركية الأميركية ستتعرض لضربة كبيرة، بل انه ليس صعبا التكهن بمن سيكون معنا من الدول العربية المرتبطة بمعظمها، ولا سيما الدول الخليجية، بالولايات المتحدة».

وينتهي الكاتب إلى القول «إن انتقال تركيا من سياسة «القوة الناعمة» إلى سياسة «القوة الخشنة» ليس تطورا صحيا لمصالح تركيا. وهنا لا يمكن أن نضع جانبا القلاقل التي تعيشها تركيا بسبب المسألة الكردية، موضحا انه «في لحظة ما لا يعود للكلمة معنى، بل إن منظّر الحرب المشهور كارل فون كلاوسيتز يقول إن الحرب نفسها هي إحد أدوات الدبلوماسية. نعم لسنا بعد في هذه اللحظة، لكنه من الخطأ الكبير أن يظهر الميل بهذا الارتفاع إلى خطاب الحرب في هذه المرحلة».

 

  • فريق ماسة
  • 2011-09-28
  • 7257
  • من الأرشيف

تركيا: من «القوة الناعمة» إلى «القوة الخشنة»

اشتهرت السياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة بمجموعة من العناوين الجذابة، التي تحولت إلى «ماركة مسجلة» لحزب العدالة والتنمية. غير أن السياسات الجديدة لحكومة رجب طيب اردوغان في الأشهر الأخيرة، تجاه العديد من القضايا، أدخلت تركيا في مناخات مغايرة لتلك العناوين. فبعد اعتبار معظم المختصين الأتراك في الشؤون الخارجية أن سياسة «تعدد البعد» تحولت إلى سياسة «تعدد المشاكل»، وسياسة «تصفير المشاكل» إلى «تصفير سياسة»، ها هو أحد أبرز العناوين في السياسة الخارجية لتركيا يتعرض لنقاش وتشكيك من جانب الكتّاب الأتراك، وهو سياسة «القوة الناعمة» التي يعتبرها الرئيس التركي عبد الله غول احد أهم مصادر القوة لأنقرة. يقول المحلل في الشؤون الخارجية في صحيفة «ميللييت» سميح ايديز إن الخطاب الذي أظهرته الحكومة التركية في الآونة الأخيرة يخلق مناخا من انه على تركيا الاستعداد لحربين في وقت واحد. ويضيف ايديز إن اردوغان قال في حواره مع الصحافية الأميركية تشارلي روز إن تركيا يمكن أن تذهب إلى الحرب مع إسرائيل إذا تطلب الأمر ذلك. أما الرجل القوي الآخر في حزب العدالة والتنمية والناطق الرسمي باسم الحكومة بولنت أرينتش فقد قال، لقناة «اورونيوز» أثناء زيارته بروكسل مؤخرا، «أتمنى ألا تضطر تركيا إلى استخدام القوة» في ما يتعلق بالخلاف مع قبرص حول التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط. ويقول ايديز إن اردوغان وارينتش يقولان ذلك من اجل حل سلمي، لكن السعي لهذا الهدف كان يتطلب إشارة أقوى إلى النية السلمية لتركيا. ويقول ايديز إن تركيا مثل أي دولة أخرى لها الحق في حماية مصالحها، وما حققته من تعاطف بعد مقتل الأتراك على يد إسرائيل في سفينة «مرمرة»، يفرض عليها أن تدافع عن حق مواطنيها حتى النهاية. لكن ايديز يقول إن القول إن قضية غزة هي قضية وطنية تتطلب الذهاب إلى الحرب مع إسرائيل، هو من الأمور التي تثير تساؤلات الرأي العام التركي. وقال «إن على تركيا دعم القضية الفلسطينية بالدبلوماسية، لكن أن نذهب إلى الحرب مع إسرائيل ويسقط لنا شهداء معها في مرحلة ينفتح الصراع المسلح على مصراعيه مع حزب العمال الكردستاني فلا أظن انه أمر يحظى بتأييد الرأي العام التركي». أما بالنسبة للقضية القبرصية، فمع أن الاتفاقيات الدولية تمنح تركيا حقوقا، غير أن أنقرة، يقول الكاتب، منذ العام 1974 تعيش عزلة في هذه القضية، و«أي حرب تنشأ بيننا وبين إسرائيل أو قبرص فلن يقف الغرب معنا فيها. حتى لبنان ومصر اللذان وقعا اتفاقيات مع قبرص اليونانية لن يقفا إلى جانبنا. كذلك روسيا فإنها تقف بوضوح إلى جانب الطرف القبرصي اليوناني. وفي حال قيام حرب مع إسرائيل فإن العلاقات التركية الأميركية ستتعرض لضربة كبيرة، بل انه ليس صعبا التكهن بمن سيكون معنا من الدول العربية المرتبطة بمعظمها، ولا سيما الدول الخليجية، بالولايات المتحدة». وينتهي الكاتب إلى القول «إن انتقال تركيا من سياسة «القوة الناعمة» إلى سياسة «القوة الخشنة» ليس تطورا صحيا لمصالح تركيا. وهنا لا يمكن أن نضع جانبا القلاقل التي تعيشها تركيا بسبب المسألة الكردية، موضحا انه «في لحظة ما لا يعود للكلمة معنى، بل إن منظّر الحرب المشهور كارل فون كلاوسيتز يقول إن الحرب نفسها هي إحد أدوات الدبلوماسية. نعم لسنا بعد في هذه اللحظة، لكنه من الخطأ الكبير أن يظهر الميل بهذا الارتفاع إلى خطاب الحرب في هذه المرحلة».  

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة