دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لن يزور البطريرك الماروني واشنطن؛ لأنه لا لقاء مع الرئيس باراك أوباما. ليس أول سوء تفاهم بين الكنيسة المارونية والولايات المتحدة، ولا هو أول سوء تفاهم مع بعض الغرب. لم ترتح باريس إلى مواقف البطريرك، ولكنها استوعبتها وصالحته. هكذا تفعل واشنطن أيضاً
تبلّغت بكركي الجمعة الفائت من السفارة الأميركية في بيروت أن لا لقاء بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. قالت السفارة بلسان موفدها إنه لا تفسير لديها لهذا الموقف سوى تعليمات طُلب منها إبلاغها إلى البطريرك، وهي ترغب في أن يستمر التواصل معه حيال هذا الموضوع.
كان جواب البطريرك أن جولته في الولايات المتحدة ستكون رعائية، وهو شطب زيارة واشنطن من برنامجها، بعدما كان قد فوتح بإجراء اجتماعات مع أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب.
إلا أن الإلغاء المفاجئ لاجتماع كان قد دار حديث مستفيض حوله بين السفارة والصرح البطريركي، وذكر أن موعده قد يكون في 3 تشرين الأول إن ثُبّت، أفصح عن معطيات إضافية، أبرزها:
1 ــ رغبة السفارة في إبقاء الاتصال مفتوحاً مع بكركي لمتابعة مناقشة موضوع اللقاء، من غير أن يكون مؤكداً أنه سيحصل في ظلّ التحفظ الأميركي عنه. وينتظر حصول اتصال بين الطرفين في الساعات القليلة المقبلة، لن يُشجّع بالضرورة على معاودة البحث في عقد لقاء أوباما والراعي، إلا أنه يتوخى تأكيد مسار علاقة الطرفين في المرحلة المقبلة. وهو على الأقل ما لمسته بكركي من بضعة اتصالات أجرتها بها السفارة الأسبوع الفائت، بعد لقاء السفيرة مورا كونيللي بالبطريرك.
2 ــ رغم الامتعاض الذي تركه الموقف الأميركي لدى بكركي، إلا أنه لن يخلف وراءه أزمة أو ارتدادات سلبية على علاقة البطريرك بالسفارة والسفيرة، وعلى الحوار والتشاور بينهما. وعلى غرار ما خبرته أخيراً نتائج زيارته لباريس، فإن الوقت كفيل بإقناع واشنطن بجدّية مخاوفه وقلقه على الخطر الذي يتهدّد الوجود المسيحي في الشرق، بمنأى عن زيارته واشنطن التي قاربتها بكركي على أنها مصلحة مشتركة للطرفين، البطريرك وأوباما على السواء.
3 ــ مع إلغاء الاجتماع بالرئيس الأميركي، لا ترى بكركي فائدة من عقد اجتماعات مع أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، وتالياً عدم الخوض في مواضيع سياسية مباشرة، كان اللقاء مع الرئيس سيمثّل ذروتها. ثم تأتي اللقاءات الرسمية الأخرى مكمّلة لها، وليست بديلة منها. بذلك تقتصر الجولة على طابعها الرعائي.
4 ــ تعتقد واشنطن، تبعاً لموقف السفارة الذي تبلغته بكركي، أن البطريرك لم يقدّم الإيضاحات الكافية لمواقفه الأخيرة في باريس من سوريا وحزب الله. وترى أن تمسّكه بموقفيه منهما يفضي إلى نتائج سلبية لاجتماع محتمل في البيت الأبيض، تعكس بدورها فشلاً حقيقياً للقاء الرجلين، وانتكاسة كبيرة لعلاقة واشنطن بالكنيسة المارونية لا تريد إظهارها من هذا المكان. تصرّ الإدارة الأميركية على موقف عدائي من حزب الله ونظام الرئيس بشّار الأسد، وتأمل من البطريرك مجاراتها في عقر دارها في ما تريد سماعه منه، الأمر الذي رفضه تماماً، متمسّكاً هو الآخر بقول ما يعتقد أن عليه كبطريرك أن يقوله ليس إلا.
5 ــ في مرحلة الاتصالات حتى الجمعة الماضي، أبلغت بكركي إلى مسؤولي السفارة، بعد اجتماع كونيللي بالراعي في 19 أيلول، ضرورة تفهّم وجود وجهتي نظر مختلفتين يقتضي ألّا تفضيا إلى خلاف وقطيعة بين الطرفين. قال الصرح أيضاً إن من المناسب إيجاد مساحة معيّنة تمهّد لقواسم مشتركة بين صنفين من الهواجس يتسلح بها البطريرك والأميركيون، وكلٌّ منها في نظر صاحبها مشروعة ومصدر قلقه.
ولأنها مبرّرة، يصبح من المناسب مناقشتها بينهما وأخذها في الاعتبار، من غير أن يشعر أي منهما بأنه يساوم على مواقفه ومخاوفه، أو يراعي الآخر، بل يتبادلانها في سبيل إيجاد حلول لها.
6 ــ قالت بكركي لمحاوريها الأميركيين إن من غير الضروري أن تكون وجهتا النظر متطابقتين من أجل أن يجلس الطرفان للتحاور، بل هما مدعوان إلى أن يصغي أحدهما إلى الآخر ويتفهّم موقفه، لا أن ينقطع عنه لمجرّد أنه ضد وجهة نظره.
7 ــ في ضوء الانتقادات التي وجهتها الدبلوماسية الأميركية إلى البطريرك، ردّت بكركي بخطوتين رغبت فيهما في طمأنة الأميركيين إلى دقة ما يتوخاه الراعي من مواقفه: أولاهما ترقب ما سيقوله في جولته على الجنوب نهاية الأسبوع الماضي وأطلق فيها سلسلة مواقف لم تقلّل تمسّكه بمخاوفه تلك، إلا أنه أبرزها في نطاق لا يفتح باباً على الاجتهاد في تفسيرها وإثارة اللغط من حولها. وثانيتهما استمرار الحوار مع الكنيسة المارونية حيال هواجس الطرفين.
8 ــ تلقت بكركي من الأبرشيتين المارونيتين في نيويورك ولوس أنجلس اللتين تشاركان في تنظيم جولات البطريرك على الولايات، صدى حملة إعلامية عنيفة تشنّها على الراعي صحف أميركية انتقدت موقفيه من حزب الله وسوريا. وتبيّن من المعلومات التي توافرت للأبرشيتين هناك وأبلغتها إلى بكركي، أن أفرقاء لبنانيين في قوى 14 آذار تولوا تنسيق جزء أساسي من هذه الحملات مع مسؤولين في الخارجية الأميركية بغية الضغط على جولة البطريرك على الولايات، ومحاولة التأثير عليها، سواء بالترويج للتحفظ الأميركي الرسمي عن هذه المواقف والتركيز على رفض البيت الأبيض عقد لقاء بين الراعي وأوباما، أو من خلال إثارة غبار من حول الاستقبال
المصدر :
الاخبار /نقولا ناصيف
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة