لا يخفى على متابع للشأن الإقليمي في الأعوام الأخيرة، دور سياسي متعاظم للإمارة القطرية الصغيرة. ومع اندلاع الثورات العربية، وما حملته من تساؤلات حول أياد خفيّة تتلاعب بمصير المنطقة، توجهت جهات كثيرة بأصابع الاتهام إلى الطرف القطري على أنه يسعى إلى تنفيذ أجندته الإقليمية الخاصة، لا سيما أن بحوزته أداة إعلامية ضخمة مثل قناة "الجزيرة".

بعيداً عن التضخيم المعدّ لغايات البروباغاندا، وعن التسطيح بغاية التعتيم، تنقل برقيات دبلوماسية سربها موقع "ويكيليكس" جزءاً مهماً من الرؤية الإقليمية لحكّام آل ثاني في الدوحة. وتظهر في هذه الرؤية، ندّية واضحة مع النظام السابق في مصر وتنافساً معه حول أداء دور الحليف الأميركي الأهم، والوسيط الأساسي في المسار الفلسطيني-الاسرائيلي. وتتبدى في هذه البرقيات، ملامح سياسة قطرية تريد لنفسها دوراً مركزياً في المنطقة، تحافظ من أجله على علاقات حسنة مع إيران وسوريا و حماس من جهة، والسعودية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، مع المحافظة على هامش نسبيّ من الاستقلالية ازاء توجهات واشنطن التي تمتلك قاعدتين عسكريتين في قطر.

تنافس مع مصر

وفي لقاء جرى بتاريخ 13 شباط 2010 بين رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون كيري، ونقلت وقائعه برقية دبلوماسية أميركية، وجه حمد بن جاسم انتقاداً حاداً للنظام المصري ودوره، إذ اعتبر أن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يريد إطالة الجمود في الملفات الفلسطينية، فمصر ليست لديها رؤية لنهاية المسار، ويشكل عملها كوسيط في المحادثات، عنصر المصلحة الوحيد مع الولايات المتحدة. وشبّه حمد بن جاسم الوضع بطبيب لديه مريض وحيد، إذا كان هذا مصدر رزقه الوحيد، فسيعمل الطبيب على إبقاء المريض حياً لكن في المستشفى لأطول مدة ممكنة. وفي المقابل، قارن حمد بن جاسم هذا الأداء المصري بتطلعات قطر المهتمة فقط بإحلال السلام في المنطقة، وبأسرع وقت ممكن.

وواصل حمد بن جاسم هجومه على النظام المصري، قائلا إن مبارك يفكر بكيفية وضع ابنه مكانه وتفادي القوة المتعاظمة للإخوان المسلمين، ومضيفاً أن الحكومة المصرية اعتقلت 10 آلاف عنصر من الإخوان من دون توجيه أي تهم قضائية لهم. واعتبر حمد بن جاسم أن الشعب المصري يلوم أميركا الآن على مشاكله، وذلك التحول ناتج بحسب حمد بن جاسم عن مبارك وعلاقاته الوطيدة بالولايات المتحدة

وشدد رئيس الوزراء القطري على أن وظيفة مبارك الوحيدة بالنسبة لأميركا هي الوساطة في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذلك فهو غير مهتم بإخراج نفسه من اللعبة، متوجهاً إلى كيري بالقول «قل لأصدقائك في مصر إن عليهم أن يساعدوا أنفسهم. أما قطر فتريد أن تساعد أبا مازن والفلسطينيين، بحسب رئيس الوزراء القطري الذي بدا من خلال البرقية الأميركية أنه يقابل كل انتقاد للدور المصري في المنطقة بتصوير ضمني للدور القطري على أنه البديل المناسب.

وفي تواصل لهذا الخطاب، الساعي على ما يبدو إلى إقناع الطرف الأميركي بعدم جدوى التحالف مع النظام المصري، قال حمد بن جاسم إن قطر ابلغت عام 2008 إن اسرائيل وأميركا تحتاجان للمصريين للتعامل مع الأزمة في غزة، لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت اشتكى لاحقاً للقطريين من أن مصر دولة كبيرة وغير مرنة، ولا يمكنها التقدم بسرعة.

ورداً على سؤال من كيري حول الخلاف القطري ـ المصري إزاء القمة العربية بين كانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009 خلال الحرب على غزة، قال رئيس الوزراء القطري إن مبارك رفض المجيء إلى الدوحة، مفضلا أن تعقد القمة في الرياض.  طلب نقل اللقاء إلى قطر عبر السعوديين، لا المصريين. والسعودية كدولة كبيرة لديها مصلحة في تعويم مصر. لذلك وافق السعوديون على نقل القمة إلى الرياض، لا لأنهم يعترضون على الانتقال إلى الدوحة بل بسبب المصريين.

وعندما طلب كيري منه نصائحه حول إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين، قال حمد بن جاسم إن الرئيس السابق بيل كلينتون أقر قبل مغادرته البيت الأبيض بأن مصر هي المشكلة، وعندما طلب في آخر ولايته المساعدة على الوصول إلى اتفاق نهائي، لم يشجعه السعوديون والمصريون، وقالوا له أن يعمل ما يراه صواباً...هذا التعبير العربي للقول: أنت لوحدك الآن. وأكد حمد بن جاسم أنه قال لعباس أن نزوله عن شجرته حول رفض النشاط الاستيطاني من أجل دفع المفاوضات قدماً، سيتطلب دعماً عربياً. لكن المصريين لن يسمحوا بذلك.وأشار إلى أنه يثق بالسعوديين، لكنهم يتحدثون بانفتاح مع مصر ولا يريدون أن يخلقوا المزيد من المشاكل للحكومة المصرية.

واقترح حمد بن جاسم أن يتم تشكيل لجنة في الجامعة العربية، من دولتين خليجيتين، إضافة إلى المغرب وسوريا لمعالجة المسار الفلسطيني - الاسرائيلي. وأوضح رئيس الوزراء القطري أن ضمّ سوريا قد يفاجئك، لكن جعل سوريا تؤدي هذا الدور سيخلق الغيرة بين العرب. بعض الغيرة والخصومة، هو تماماً ما تحتاجه الولايات المتحدة لحمل هذا المسار على التقدم.

                           

حماس وإيران

وقال رئيس الوزراء القطري لكيري إنه التقى مؤخراً في الدوحة بعثة اسرائيلية، وشجعها على العمل مع الفلسطينيين من كافة التوجهات سعياً وراء السلام. وشدد حمد بن جاسم على أنه من الخطأ العمل مع شريك واحد هو حركة فتح وتجاهل حماس. لكنه أكد أن ذلك لا يعني أن قطر تفضل حماس وأشار إلى أن أبو مازن درّس في قطر خلال 30 عاماً، ويبقى صديقاً لقطر....لكن السلطة الفلسطينية لا يمكنها توقيع اتفاق نيابة عن الفلسطينيين في ظل الانقسامات المفتوحة.

وأشار حمد بن جاسم إلى أنه واضح من خلال محادثات قطر مع قيادة حماس، أن الحركة مستعدة لقبول حق اسرائيل في الوجود، لكن على القبول أن يأتي تدريجياً، لا في يوم واحد. واعتبر حمد أن العائق الأكبر من الطرف الفلسطيني أمام أي اتفاق محتمل مع اسرائيل هو الانقسام الفلسطيني، مذكّراً بأنه كان من الممكن أن تتم المصالحة خلال عهد الإدارة الأميركية السابقة، لكن الرئيس الأميركي جورج بوش قال لعباس ألا يوقع عليها.

ورداً على سؤال من كيري حول المسافة بين قيادتي حماس في دمشق وغزة، قال حمد بن جاسم إن الفوارق في الأسلوب بين مقاربتي الجناحين، لكنهما في المبدأ متفقتان. يمكنهما قبول الاعتراف بإسرائيل، لكن عليهم أن يبرمجوا التوقيت بشكل بالغ الدقة لأن حماس تعرف أن مناصريها في الأراضي الفلسطينية ليسوا مستعدين لهذا التغيير.

وفي برقية دبلوماسية ثانية بتاريخ 8 شباط 2010، يقول الدبلوماسيون الأميركيون في الدوحة إن العلاقة المتدهورة مع قطر خلال ولاية الإدارة الأميركية السابقة تأتت بشكل أساسي عن اختلاف المقاربات ازاء الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. وتنقل البرقية عن أمير قطر قوله إن وزيرة الخارجية الأميركية حينها كوندليسا رايس طلبت منه ضمان مشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، وإنه أكد لها أن  حماس  ستفوز. ومقابل ضمان مشاركة حماس، تعهد أمير قطر بدعم الفائز مالياً. وبعد فوز حماس، طلبت إدارة بوش من الأمير وقف الدعم المالي لـحماس، لكنه رفض لأنه تعهّد بالدعم سابقاً.

أما عن الملف الايراني، فقال حمد بن جاسم إن الرئيس محمود احمدي نجاد يرى أميركا على انها دولة تمددت اكثر من اللازم وتواجه مشاكل بسبب التزاماتها الكثيرة. ونقل عن نجاد قوله له شخصياً «تغلبنا على الأميركيين في العراق، والمعركة النهائية ستكون في إيران، معتبراً ان الضغط الاقتصادي على إيران هو الطريقة الأفضل لحمل قيادتها على إعادة التفكير في سعيها للأسلحة النووية، ومشدداً على أهمية الدور الروسي في هذا السياق، وعلى ضرورة أن تستهدف العقوبات العائدات النفطية الإيرانية.

أما في الشأن اللبناني، فاقتصر حديث حمد بن جاسم، بحسب البرقية الأميركية، على تأكيده لكيري أن إيران وحزب الله يسعيان إلى توسيع مخزونهما من الأسلحة كجزء من حرب إيران ضد اسرائيل.

 

النظرة الأميركية لقطر

مرتان كل عام، تعقد السفارة الأميركية في قطر اجتماعاً بين الوكالات الأميركية المختلفة لتقييم توجهات البلاد خلال فترة زمنية تمتد 3 اعوام. وآخر تقرير أصدره اجتماع مماثل وأوردته وثائق ويكيليكس كان في 3 آذار 2009. في هذا التقرير، اعتبر الأميركيون أن سيطرة آل ثاني بلا منازع على السياسة القطرية ستدوم للأعوام الثلاثة المقبلة ورغم عدم حيازتنا على معلومات تفصيلية عن الحراك الداخلي للعائلة، يبدو أن حكم الأمير حمد بن خليفة آل ثاني مضمون. ونتوقع انتقالا سلساً للسلطة إلى نجله بعد وفاته.

واعتبر التقرير أن قطر ستواصل التموضع كوسيط (في المنطقة) لضمان الدور الدبلوماسي الإقليمي الذي يتوق إليه آل ثاني. ولن تقوم بذلك لأسباب التباهي والكبرياء فحسب، بل لتخفيض مستوى عدم الاستقرار الإقليمي على أساس فرضية أن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يهدد الدول الصغيرة مثل قطر بشكل خاص.

أما في الشأن الداخلي، فيعتبر تقرير الوكالات الأميركية أن قطر ستواصل تقدمها البطيء نحو المزيد من إشراك المجتمع القطري، الذي يكبحه قلق من أن الديموقراطية قد تقيد أجندة الأمير التقدمية. وأضاف التقرير أن القطريين سيواصلون مواجهة العزلة في وجه التغيرات المتصاعدة. فتنامي الديموغرافيا القطرية تأتي إلى حد كبير عن هجرة من مجتمعات دينية ولغوية مختلفة...الفروق الاقتصادية الكبرى ستؤدي إلى ارتفاع ضخم جداً في معدل الجرائم المنخفض حاليا.

وفي الشأن العسكري، يعتبر الأميركيون أن سعي قطر إلى إيجاد قوة عسكرية مهنية يبقى تحدياً. ويوضحون أن  الخسائر المتمثلة في تقاعد الضباط الكبار، ستضاف إلى الصعوبات التي تواجهها الحكومة في إعداد ضباط صغار لتسلم القيادة. وتواصل قطر اعتمادها على مواطنين من بلاد أخرى. واحتمال أن يؤدي ذلك إلى تهديد أمن معلومات عسكرية أميركية حساسة يشكل مصدراً للقلق في علاقاتنا العسكرية الثنائية.

وعن التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الإرهاب اعتبر الأميركيون أن التعاون من الجانب القطري ضعيف حالياً، رغم بعض إشارات التحسن...وسيبقى الأمر على حاله، إلا إذا تم الدفع نحو التغيير بشكل مستمر. وتتردد قطر في محاربة التمويل الإرهابي لأسباب لا نفهمها تماماً. لكن نعتقد أن قطر تتردد لأنها لا تريد أن تشجع بذلك هجوماً عليها من قبل المجموعات الإرهابية.

وفي برقية أخرى تعود إلى كانون الثاني 2010، يكتب الدبلوماسيون الأميركيون تحت عنوان  الحصول على المال  (getting the money) أن قطر لا تستجيب لدعواتنا المتكررة للمساعدة المالية لأنها لا تأتي من مسؤولين بارزين في الحكومة الأميركية...قطر تملك مالاً لكنها تنفقه بحكمة. عندما ساعدت قطر ضحايا إعصار كاترينا، تشاركت مع منظمة سكن من أجل الإنسانية ، للتأكد من ان كل فلس من اموالها ينفق على الضحايا لا على العمليات الإدارية.

وتذكر البرقية ان عمق العلاقة القطرية الأميركية ومداها مثيران للإعجاب بالنسبة لدولة بهذا الحجم، مشيدة باستضافة قطر لقاعدتين عسكريتين أميركيتين وتمويلها بأكثر من 700 مليون دولار لمشاريع بناء أميركية للاستخدام الحصري من قبل القوات الأميركية . أما العلاقات الاقتصادية فـ حيوية، مع استثمار شركات الطاقة الأميركية عشرات مليارات الدولارات في صناعات الغاز والنفط .

 

السفير

  • فريق ماسة
  • 2011-09-14
  • 6396
  • من الأرشيف

قطر... تريد دور القاهرة في المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي

لا يخفى على متابع للشأن الإقليمي في الأعوام الأخيرة، دور سياسي متعاظم للإمارة القطرية الصغيرة. ومع اندلاع الثورات العربية، وما حملته من تساؤلات حول أياد خفيّة تتلاعب بمصير المنطقة، توجهت جهات كثيرة بأصابع الاتهام إلى الطرف القطري على أنه يسعى إلى تنفيذ أجندته الإقليمية الخاصة، لا سيما أن بحوزته أداة إعلامية ضخمة مثل قناة "الجزيرة". بعيداً عن التضخيم المعدّ لغايات البروباغاندا، وعن التسطيح بغاية التعتيم، تنقل برقيات دبلوماسية سربها موقع "ويكيليكس" جزءاً مهماً من الرؤية الإقليمية لحكّام آل ثاني في الدوحة. وتظهر في هذه الرؤية، ندّية واضحة مع النظام السابق في مصر وتنافساً معه حول أداء دور الحليف الأميركي الأهم، والوسيط الأساسي في المسار الفلسطيني-الاسرائيلي. وتتبدى في هذه البرقيات، ملامح سياسة قطرية تريد لنفسها دوراً مركزياً في المنطقة، تحافظ من أجله على علاقات حسنة مع إيران وسوريا و حماس من جهة، والسعودية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، مع المحافظة على هامش نسبيّ من الاستقلالية ازاء توجهات واشنطن التي تمتلك قاعدتين عسكريتين في قطر. تنافس مع مصر وفي لقاء جرى بتاريخ 13 شباط 2010 بين رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون كيري، ونقلت وقائعه برقية دبلوماسية أميركية، وجه حمد بن جاسم انتقاداً حاداً للنظام المصري ودوره، إذ اعتبر أن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يريد إطالة الجمود في الملفات الفلسطينية، فمصر ليست لديها رؤية لنهاية المسار، ويشكل عملها كوسيط في المحادثات، عنصر المصلحة الوحيد مع الولايات المتحدة. وشبّه حمد بن جاسم الوضع بطبيب لديه مريض وحيد، إذا كان هذا مصدر رزقه الوحيد، فسيعمل الطبيب على إبقاء المريض حياً لكن في المستشفى لأطول مدة ممكنة. وفي المقابل، قارن حمد بن جاسم هذا الأداء المصري بتطلعات قطر المهتمة فقط بإحلال السلام في المنطقة، وبأسرع وقت ممكن. وواصل حمد بن جاسم هجومه على النظام المصري، قائلا إن مبارك يفكر بكيفية وضع ابنه مكانه وتفادي القوة المتعاظمة للإخوان المسلمين، ومضيفاً أن الحكومة المصرية اعتقلت 10 آلاف عنصر من الإخوان من دون توجيه أي تهم قضائية لهم. واعتبر حمد بن جاسم أن الشعب المصري يلوم أميركا الآن على مشاكله، وذلك التحول ناتج بحسب حمد بن جاسم عن مبارك وعلاقاته الوطيدة بالولايات المتحدة وشدد رئيس الوزراء القطري على أن وظيفة مبارك الوحيدة بالنسبة لأميركا هي الوساطة في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذلك فهو غير مهتم بإخراج نفسه من اللعبة، متوجهاً إلى كيري بالقول «قل لأصدقائك في مصر إن عليهم أن يساعدوا أنفسهم. أما قطر فتريد أن تساعد أبا مازن والفلسطينيين، بحسب رئيس الوزراء القطري الذي بدا من خلال البرقية الأميركية أنه يقابل كل انتقاد للدور المصري في المنطقة بتصوير ضمني للدور القطري على أنه البديل المناسب. وفي تواصل لهذا الخطاب، الساعي على ما يبدو إلى إقناع الطرف الأميركي بعدم جدوى التحالف مع النظام المصري، قال حمد بن جاسم إن قطر ابلغت عام 2008 إن اسرائيل وأميركا تحتاجان للمصريين للتعامل مع الأزمة في غزة، لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت اشتكى لاحقاً للقطريين من أن مصر دولة كبيرة وغير مرنة، ولا يمكنها التقدم بسرعة. ورداً على سؤال من كيري حول الخلاف القطري ـ المصري إزاء القمة العربية بين كانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009 خلال الحرب على غزة، قال رئيس الوزراء القطري إن مبارك رفض المجيء إلى الدوحة، مفضلا أن تعقد القمة في الرياض.  طلب نقل اللقاء إلى قطر عبر السعوديين، لا المصريين. والسعودية كدولة كبيرة لديها مصلحة في تعويم مصر. لذلك وافق السعوديون على نقل القمة إلى الرياض، لا لأنهم يعترضون على الانتقال إلى الدوحة بل بسبب المصريين. وعندما طلب كيري منه نصائحه حول إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين، قال حمد بن جاسم إن الرئيس السابق بيل كلينتون أقر قبل مغادرته البيت الأبيض بأن مصر هي المشكلة، وعندما طلب في آخر ولايته المساعدة على الوصول إلى اتفاق نهائي، لم يشجعه السعوديون والمصريون، وقالوا له أن يعمل ما يراه صواباً...هذا التعبير العربي للقول: أنت لوحدك الآن. وأكد حمد بن جاسم أنه قال لعباس أن نزوله عن شجرته حول رفض النشاط الاستيطاني من أجل دفع المفاوضات قدماً، سيتطلب دعماً عربياً. لكن المصريين لن يسمحوا بذلك.وأشار إلى أنه يثق بالسعوديين، لكنهم يتحدثون بانفتاح مع مصر ولا يريدون أن يخلقوا المزيد من المشاكل للحكومة المصرية. واقترح حمد بن جاسم أن يتم تشكيل لجنة في الجامعة العربية، من دولتين خليجيتين، إضافة إلى المغرب وسوريا لمعالجة المسار الفلسطيني - الاسرائيلي. وأوضح رئيس الوزراء القطري أن ضمّ سوريا قد يفاجئك، لكن جعل سوريا تؤدي هذا الدور سيخلق الغيرة بين العرب. بعض الغيرة والخصومة، هو تماماً ما تحتاجه الولايات المتحدة لحمل هذا المسار على التقدم.                             حماس وإيران وقال رئيس الوزراء القطري لكيري إنه التقى مؤخراً في الدوحة بعثة اسرائيلية، وشجعها على العمل مع الفلسطينيين من كافة التوجهات سعياً وراء السلام. وشدد حمد بن جاسم على أنه من الخطأ العمل مع شريك واحد هو حركة فتح وتجاهل حماس. لكنه أكد أن ذلك لا يعني أن قطر تفضل حماس وأشار إلى أن أبو مازن درّس في قطر خلال 30 عاماً، ويبقى صديقاً لقطر....لكن السلطة الفلسطينية لا يمكنها توقيع اتفاق نيابة عن الفلسطينيين في ظل الانقسامات المفتوحة. وأشار حمد بن جاسم إلى أنه واضح من خلال محادثات قطر مع قيادة حماس، أن الحركة مستعدة لقبول حق اسرائيل في الوجود، لكن على القبول أن يأتي تدريجياً، لا في يوم واحد. واعتبر حمد أن العائق الأكبر من الطرف الفلسطيني أمام أي اتفاق محتمل مع اسرائيل هو الانقسام الفلسطيني، مذكّراً بأنه كان من الممكن أن تتم المصالحة خلال عهد الإدارة الأميركية السابقة، لكن الرئيس الأميركي جورج بوش قال لعباس ألا يوقع عليها. ورداً على سؤال من كيري حول المسافة بين قيادتي حماس في دمشق وغزة، قال حمد بن جاسم إن الفوارق في الأسلوب بين مقاربتي الجناحين، لكنهما في المبدأ متفقتان. يمكنهما قبول الاعتراف بإسرائيل، لكن عليهم أن يبرمجوا التوقيت بشكل بالغ الدقة لأن حماس تعرف أن مناصريها في الأراضي الفلسطينية ليسوا مستعدين لهذا التغيير. وفي برقية دبلوماسية ثانية بتاريخ 8 شباط 2010، يقول الدبلوماسيون الأميركيون في الدوحة إن العلاقة المتدهورة مع قطر خلال ولاية الإدارة الأميركية السابقة تأتت بشكل أساسي عن اختلاف المقاربات ازاء الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. وتنقل البرقية عن أمير قطر قوله إن وزيرة الخارجية الأميركية حينها كوندليسا رايس طلبت منه ضمان مشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، وإنه أكد لها أن  حماس  ستفوز. ومقابل ضمان مشاركة حماس، تعهد أمير قطر بدعم الفائز مالياً. وبعد فوز حماس، طلبت إدارة بوش من الأمير وقف الدعم المالي لـحماس، لكنه رفض لأنه تعهّد بالدعم سابقاً. أما عن الملف الايراني، فقال حمد بن جاسم إن الرئيس محمود احمدي نجاد يرى أميركا على انها دولة تمددت اكثر من اللازم وتواجه مشاكل بسبب التزاماتها الكثيرة. ونقل عن نجاد قوله له شخصياً «تغلبنا على الأميركيين في العراق، والمعركة النهائية ستكون في إيران، معتبراً ان الضغط الاقتصادي على إيران هو الطريقة الأفضل لحمل قيادتها على إعادة التفكير في سعيها للأسلحة النووية، ومشدداً على أهمية الدور الروسي في هذا السياق، وعلى ضرورة أن تستهدف العقوبات العائدات النفطية الإيرانية. أما في الشأن اللبناني، فاقتصر حديث حمد بن جاسم، بحسب البرقية الأميركية، على تأكيده لكيري أن إيران وحزب الله يسعيان إلى توسيع مخزونهما من الأسلحة كجزء من حرب إيران ضد اسرائيل.   النظرة الأميركية لقطر مرتان كل عام، تعقد السفارة الأميركية في قطر اجتماعاً بين الوكالات الأميركية المختلفة لتقييم توجهات البلاد خلال فترة زمنية تمتد 3 اعوام. وآخر تقرير أصدره اجتماع مماثل وأوردته وثائق ويكيليكس كان في 3 آذار 2009. في هذا التقرير، اعتبر الأميركيون أن سيطرة آل ثاني بلا منازع على السياسة القطرية ستدوم للأعوام الثلاثة المقبلة ورغم عدم حيازتنا على معلومات تفصيلية عن الحراك الداخلي للعائلة، يبدو أن حكم الأمير حمد بن خليفة آل ثاني مضمون. ونتوقع انتقالا سلساً للسلطة إلى نجله بعد وفاته. واعتبر التقرير أن قطر ستواصل التموضع كوسيط (في المنطقة) لضمان الدور الدبلوماسي الإقليمي الذي يتوق إليه آل ثاني. ولن تقوم بذلك لأسباب التباهي والكبرياء فحسب، بل لتخفيض مستوى عدم الاستقرار الإقليمي على أساس فرضية أن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يهدد الدول الصغيرة مثل قطر بشكل خاص. أما في الشأن الداخلي، فيعتبر تقرير الوكالات الأميركية أن قطر ستواصل تقدمها البطيء نحو المزيد من إشراك المجتمع القطري، الذي يكبحه قلق من أن الديموقراطية قد تقيد أجندة الأمير التقدمية. وأضاف التقرير أن القطريين سيواصلون مواجهة العزلة في وجه التغيرات المتصاعدة. فتنامي الديموغرافيا القطرية تأتي إلى حد كبير عن هجرة من مجتمعات دينية ولغوية مختلفة...الفروق الاقتصادية الكبرى ستؤدي إلى ارتفاع ضخم جداً في معدل الجرائم المنخفض حاليا. وفي الشأن العسكري، يعتبر الأميركيون أن سعي قطر إلى إيجاد قوة عسكرية مهنية يبقى تحدياً. ويوضحون أن  الخسائر المتمثلة في تقاعد الضباط الكبار، ستضاف إلى الصعوبات التي تواجهها الحكومة في إعداد ضباط صغار لتسلم القيادة. وتواصل قطر اعتمادها على مواطنين من بلاد أخرى. واحتمال أن يؤدي ذلك إلى تهديد أمن معلومات عسكرية أميركية حساسة يشكل مصدراً للقلق في علاقاتنا العسكرية الثنائية. وعن التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الإرهاب اعتبر الأميركيون أن التعاون من الجانب القطري ضعيف حالياً، رغم بعض إشارات التحسن...وسيبقى الأمر على حاله، إلا إذا تم الدفع نحو التغيير بشكل مستمر. وتتردد قطر في محاربة التمويل الإرهابي لأسباب لا نفهمها تماماً. لكن نعتقد أن قطر تتردد لأنها لا تريد أن تشجع بذلك هجوماً عليها من قبل المجموعات الإرهابية. وفي برقية أخرى تعود إلى كانون الثاني 2010، يكتب الدبلوماسيون الأميركيون تحت عنوان  الحصول على المال  (getting the money) أن قطر لا تستجيب لدعواتنا المتكررة للمساعدة المالية لأنها لا تأتي من مسؤولين بارزين في الحكومة الأميركية...قطر تملك مالاً لكنها تنفقه بحكمة. عندما ساعدت قطر ضحايا إعصار كاترينا، تشاركت مع منظمة سكن من أجل الإنسانية ، للتأكد من ان كل فلس من اموالها ينفق على الضحايا لا على العمليات الإدارية. وتذكر البرقية ان عمق العلاقة القطرية الأميركية ومداها مثيران للإعجاب بالنسبة لدولة بهذا الحجم، مشيدة باستضافة قطر لقاعدتين عسكريتين أميركيتين وتمويلها بأكثر من 700 مليون دولار لمشاريع بناء أميركية للاستخدام الحصري من قبل القوات الأميركية . أما العلاقات الاقتصادية فـ حيوية، مع استثمار شركات الطاقة الأميركية عشرات مليارات الدولارات في صناعات الغاز والنفط .   السفير

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة