دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كل
الأدلة حتى الآن تشير إلى أننا نتجه نحو أزمة اقتصادية هائلة في الأشهر المقبلة.
ومع أن استئناف التسهيل الكمي يمكن أن يؤدي إلى حل مؤقت للمشكلات، إلا أن ذلك
سيؤدي مرة أخرى إلى زيادة التضخم، وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا
الوضع يشبه وضع "الزوغران" في الشطرنج، بينما تؤدي كل خطوة إلزامية
جديدة إلى تدهور حتمي للوضع.
إلى
جانب الأزمة المصرفية المستمرة في الولايات المتحدة الأمريكية ستنضم قريبا أزمة
الميزانية، وأزمة العقارات، وأزمة الديون بشكل عام.
بدأ
الاحتياطي الفدرالي، منذ الصيف الماضي، ومن أجل مكافحة التضخم، في تقليص كمية
الدولارات غير المغطاة المتداولة بشكل تدريجي ورفع أسعار الفائدة، وهو ما من شأنه
أن يرفع تلقائيا تكلفة القروض للاقتصاد الأمريكي بأسره ويدفع سريعا نحو الركود.
إلا
أن ذلك لم يؤد إلى ركود اقتصادي، وإنما إلى ما هو أقرب إلى الجمود الاقتصادي، وهو
ما يرجع إلى حد كبير لأن الظروف المالية للاقتصاد الأمريكي لم تسوء كثيرا.
توقفت
الشركات تقريبا عن إصدار السندات، لأن سعر الفائدة ارتفع بالنسبة لها إلى مستوى
غير مقبول بسبب قرارات مجلس الاحتياطي الفدرالي، إلا أنها تحولت إلى القروض
التجارية الرخيصة من البنوك بدلا من السندات، ذلك أن القروض تُمنَح بسعر فائدة أقل
بكثير من السندات، وكانت تلك القروض الرخيصة ممكنة فقط بسبب أن البنوك تسرق
المودعين الذين يتقاضون أقل من 1% على ودائعهم.
ومع
ذلك، أدت معدلات الودائع المنخفضة هذه إلى تدفق الأموال من البنوك، ما أجبرها على
استخدام احتياطياتها، أي بيع السندات الحكومية الأمريكية، ولكن بسعر أقل مما
اشترته البنوك، نظرا لرفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة.
بدأت
البنوك في الإفلاس، ما ينذر بأن يتسع نطاق هذه العملية لتصبح ضخمة، في الوقت الذي
يضطر فيه الناجون الآن إلى رفع أسعار الفائدة على كل من الودائع والقروض.
أي
أن تكلفة القروض بدأت الآن فقط في الارتفاع بالنسبة للمواطنين والشركات الأمريكية،
والآن فقط بدأت الأعمال التجارية الأمريكية تشعر تماما بالتداعيات السلبية لزيادة
سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي. بدأت هذه العملية للتو، وستستمر تكلفة
الإقراض في الارتفاع مع تطور الأزمة المصرفية.
بطبيعة
الحال، ستضرب الزيادة في مدفوعات الفائدة جميع المدينين بمقدار الضعف على الأقل،
وتدمر عددا منهم بعد فترة.
فيما
يتعلق بالولايات المتحدة، يبدو أن قطاع العقارات هو المرشح الأول للأزمة.
وفقد
بلغ ديون الأسر الأمريكية 17 تريليون دولار في مارس الماضي، منها 12 تريليون دولار
ديون رهن عقاري. في الربع الأول، بلغت قروض الرهن العقاري الجديدة، بما في ذلك
عمليات إعادة التمويل 324 مليار دولار (وهو ما يمثل انخفاضا حادا)، وإذا استمرت
نفس الديناميكيات لبقية العام، فسوف تعمم المعدلات المرتفعة الجديدة على القروض
الجديدة التي تبلغ حوالي تريليون دولار.
لقد
ارتفع متوسط سعر الفائدة على الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية من
3.22% في بداية عام 2022 إلى حوالي 7% الآن، ولن يتمكن جزء كبير من أصحاب الرهون
العقارية سدادها.
وبطبيعة
الحال، فإن انخفاض القدرة على تحمل تكاليف الرهون العقارية يؤثر على الطلب
والمبيعات، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار المساكن، وهو ما يؤدي بدوره إلى قيام البنوك بتقديم
مطالب للمدينين لزيادة مقدم الضمان، لأن الضمانات السابقة (العقارات نفسها) لم تعد
كافية بعد انخفاض الأسعار.
وقد
تضاعف عدد عمليات سحب العقارات السكنية من قبل البنوك لحساب الرهون العقارية
المتأخرة على السداد على مدار العام بمقدار الضعف تقريبا، وعلى الرغم من أنها لا
تزال عند مستوى منخفض نسبيا (0.6%)، إلا أن هذه الأرقام مرتبطة بالفترة التي سبقت
الأزمة المصرفية والزيادة الحادة في تكلفة القروض، ونتوقع نموها عدة مرات.
لكن
المشكلة الرئيسية مع ذلك هي في العقارات التجارية.
بلغت
مديونيات العقارات التجارية في عام 2022 مقدار 5.62 تريليون دولار.
والانخفاض
في الطلب والأسعار في هذا القطاع أكبر بكثير من العقارات السكنية، ذلك أنه بعد
الوباء، يواصل كثيرون العمل عن بعد، بالإضافة إلى أن الركود الاقتصادي وتسريح
العمال من ذوي الياقات البيضاء أدى إلى تقليل الطلب على العقارات المكتبية. وعلى
مدى السنوات الثلاث الماضية، انخفض عدد الموظفين في مكاتب نيويورك بنسبة 50%.
في
رأيي المتواضع، يمكننا أن نتوقع زيادة حادة في حالات إفلاس الرهن العقاري في غضون
شهرين أو ثلاثة أشهر، بما يترتب على ذلك من تداعيات على البنوك والاقتصاد.
ينطبق
كل ما سبق على أي نوع آخر من الديون، سوى أن الدين المدعوم بأوراق مالية أقل عرضة
للخطر، حتى يبدأ سوق الأسهم في الانخفاض. ولكن، مع بداية الركود (وهو ضروري للحد
من التضخم)، ستضاف مشكلة الضمانات إلى مشكلة ارتفاع أسعار الفائدة.
بلغ
الدين العالمي 305 تريليون دولار في الربع الأول من هذا العام، ويؤثر ارتفاع
مدفوعات الفائدة على معظم هذا الدين، لذلك فإن أزمة الديون ستكون عالمية بسرعة
كبيرة، بل والأرجح أن تصبح عالمية منذ البداية.
يضاف
إلى ذلك احتمال التخلف عن سداد ديون الحكومة الأمريكية، في غياب موافقة
الديمقراطيين والجمهوريين على رفع سقف الدين. أو بالأحرى، فأنا أشك بشدة في احتمال
التخلف عن سداد الديون، والذي سيكون انتحارا، ولا أعتقد أن السياسيين الأمريكيين
أغبياء بما يكفي للسماح بحدوث ذلك.
أظن
أن الحديث قد يدور عن أزمة في الميزانية، أي أن مدفوعات الديون ستستمر، وسيتم
تقليص البرامج الاجتماعية المصممة لتزويد بايدن بدعم الناخبين. إلا أنه، وفي كلتا
الحالتين، ستضرب أزمة الميزانية الاقتصاد، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية.
علاوة
على ذلك، وحتى لو رفع الكونغرس سقف الدين في ظروف الانكماش في المعروض النقدي، فإن
ظهور طلب إضافي على رأس المال من الخزانة سيزيد من تشديد شروط التمويل لسكان
الولايات المتحدة واقتصادها، ما سيدفع نحو زيادة الركود.
باختصار، كل الأدلة حتى الآن تشير إلى
أننا نتجه نحو أزمة اقتصادية هائلة في الأشهر المقبلة. ومع أن استئناف التسهيل
الكمي يمكن أن يؤدي إلى حل مؤقت للمشكلات، إلا أن ذلك سيؤدي مرة أخرى إلى زيادة
التضخم، وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا الوضع يشبه وضع
"الزوغران" في الشطرنج، بينما تؤدي كل خطوة إلزامية جديدة إلى تدهور
حتمي للوضع.
المصدر :
ألكسندر نازاروف_rt
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة