دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في مقالتي:
البطء الروسي.. فشل أم تكتيك؟ الجمعة، 22/04/2022، قلت بوضوح بعد الهجوم الإعلامي الغربي
على أداء الجيش الروسي في العملية الخاصة في أوكرانيا ومحاولة تشويه صورته، قلتُ إنّ
البطء الروسي ليس فشلاً، بل هو تكتيك، وقد تأكد ذلك اليوم، بعد قرابة عام تقريباً؛
التكتيك الروسي هو التدرج في استخدام القوة لاستنزاف الخصم/ الخصوم في تنفيذ استراتيجية
بعيدة المدى لمواجهة استراتيجية الغرب الهادفة إلى استنزاف روسيا في حرب أرادها أن
تكون طويلة لتحقيق أغراضه، وقادة روسيا يدركون ذلك.
القادة
الروس جميعهم، بمن فيهم الرئيس بوتين، أكدوا وكرروا أكثر من مرّة أنّ المعارك تسير
"بالمجمل" وفق ما تشتهيه روسيا؛ هم يدركون هدف الغرب، وقد تحضروا لحرب طويلة
لا مجال "أبداً" لأن تخسرها روسيا، لأن الخسارة تعني تمزق روسيا ونهايتها.
وفي هذا السياق، كان كلام نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، بأن الغرب
سيحاول إرهاق روسيا لأطول فترة ممكنة، بل وسيحاول تدميرها. وأشار إلى أن التاريخ أثبت
أن نهاية الحروب الطويلة، تتجلى في تحقيق التوازن والاستقرار، وفي نهاية هذه الحرب
"ستتخلى الولايات المتحدة عن حليفتها "أوروبا العجوز" وأتباعها التعساء
في أوكرانيا، وسيعم السلام على الأرض". ولاحقاً، دعا مدفيديف، قادة الولايات المتحدة
وألمانيا لوقف دقات عقارب الساعات النووية.
ويتفق
ما قاله مدفيديف، مع تأكيد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، من أن الأسابيع القادمة
ستكون حاسمة في الصراع في أوكرانيا، وستحدد إلى حد كبير "مستقبلنا".
والاستنزاف
يطال الغرب أكثر مما يطال روسيا، ويمكن إيجاز مظاهر هذا الاستنزاف بعدة نقاط، منها؛
أولاً،
الحديث عن حاجة الاتحاد الأوروبي إلى "نوع من اقتصاد الحرب"، فقد شكلت أزمة
الطاقة اختبارا جدياً لقوة الاقتصاد الأوروبي؛ التطورات غيّرت عملياً ميزان القوى في
أوروبا وآسيا؛
ثانياً،
أنّ الخسائر المرتبطة بالنمو الاقتصادي الألماني منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في
أوكرانيا، ستصل في عام 2023 إلى 175 مليار يورو؛
ثالثاً،
أنّ قانون "خفض التضخم الأمريكي"، الذي يقدم دعماً ضخماً للشركات الأمريكية،
يشكّل تهديداً للصناعة في أوروبا، وأنه إذا لم ترد أوروبا فإن تسريع إنعاش الاقتصاد
الأمريكي سيعني تراجع التصنيع (في أوروبا)".
رابعاً،
أنّ النظام النقدي يواجه تحديات بسبب جهود إزالة الدولرة، والعملات الرقمية للبنوك
المركزية. كانت الولايات المتحدة هي المهيمن، وكانت العولمة هي النظام الاقتصادي السائد
والدولار هو العملة المفضلة عالمياً، لكن الصين باتت حالياً تكتب "قواعد العالم
الحالي"، ما يخلق نوعاً جديداً من العولمة.
أصبح
الدولار يواجه تساؤلات وتحديات متزايدة، وبدأ النقاش يرتفع بشكل ملحوظ حول تأثيرات
هيمنته على الاقتصاد الدولي. لقد توجهت عدة دول مثل روسيا والصين والهند للقيام بمعاملاتها
التجارية المشتركة بالروبل واليوان والروبية، وسعت بكين لتبني اليوان الرقمي في معاملاتها
التجارية على نطاق أوسع مع الدول الأخرى، إضافة إلى محاولات دول مثل البرازيل والأرجنتين
إصدار عملة مشتركة للتجارة والمعاملات المالية بينها؛
خامساً،
ظهور تكتلات بديلة. فقد أشار الرئيس بوتين، إلى أن "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"
لديه كل الفرص ليصبح أحد الأقطاب المستقلة القوية في عالم "متعدد الأقطاب".
سادساً،
هذا من الناحية الاقتصادية، أما من ناحية المساعدات العسكرية، فقد سلّطت الحرب الضوء
على "حدود" القدرات العسكرية الغربية التقليدية، وهشاشة الجيوش الأوروبية،
وقِدَم أسلحتها وانتهاء صلاحيتها وخروجها من الخدمة، وعدم جاهزيتها للقتال، وتأخرها
في مدّ كييف بالسلاح الضروري لاستمرار الحرب. ولقد أسقطت فترة الحرب الطويلة الكثير
من المقولات والشائعات والأكاذيب وحملات التضليل الغربية. وربما كان تعليق المتحدث
باسم الكرملين على تزويد الغرب لأوكرانيا بالدبابات، خير ما يعبّر عن السخرية من الغرب
وعسكره وأسلحته، حين قال إنّ "الدبابات الأمريكية والألمانية تحترق مثل غيرها،
لكنها باهظة الثمن، وهو ما سيقع في نهاية المطاف على عاتق دافعي الضرائب الأوروبيين".
ولا
شك أن قادة موسكو وخاصة ضابط المخابرات السابق في الكرملين يرصدون كل ذلك وبمنتهى الدقة،
وهم بلا شك يعلمون قدرات الغرب قبل بدء العملية الخاصة في أوكرانيا. في المقابل، ترشح
الكثير من التصريحات الغربية التي تؤكد قناعة الغرب بأن لا مجال لأن تنتصر أوكرانيا
في هذه الحرب، ولكن المطلوب هو استنزاف روسيا بالقدر الممكن. وهذه القناعة بدأت تربك
قادة الغرب وتزيد من خشيتهم من انتفاضة الشارع في بلدانهم.
ما نراه أنّ روسيا أعدت نفسها لحرب طويلة
جداً، وتصريحات الرئيس بوتين بعد بدء الحرب، جميعها تؤكد ذلك، ولا يبدو أنها ستصرخ
أولاً.. والعبرة لمن اعتبر قبل المعارك القادمة وقبل فوات الآوان..!!!
المصدر :
بديع عفيف/ sns
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة