حوّل ما صار متعارفا على وصفه فضيحة فك أسر الرهائن السبعة الاستونيين، لغزا لبنانيا سياسيا واستخباريا، بالنظر إلى أن العملية الاستخبارية المعقّدة انجزت من خارج السيادة اللبنانية ومن دون أي تنسيق و لو غير مباشر مع الاجهزة الامنية اللبنانية المعنية·

في المعطيات الغربية الموثوق بها، التي تنفرد بنشرها <اللواء> والتي يغفل عنها معظم المسؤولين (!)، أن هذه العملية المعقدة امنيا ولوجستيا جاءت ثمرة تعاون استخباري فرنسي - بريطاني  اوروبي، بمشاركة استونية فاعلة ديبلوماسيا وامنيا، لم تكن للبنان فيها أي دراية ما عدا بعض النتف من المعلومات نتجت من تزويد الاجهزة اللبنانية نظيرتها الاستونية ما أمكن التوصل اليه من خلال التحقيق مع الموقوفين التسعة في ملف خطف الرهائن·

لكن كيف تبلورت هذه العملية التي تمت بحرفية عالية، بمشاركة سورية (نظرا الى ان الرهائن امضوا فترة من احتجازهم في الاراضي السورية) وبتعاون مع جهة حزبية لبنانية أسهمت بحدّ ادنى في عملية الافراج؟ ??

في بداية الرواية، أن الجهة التي كلفت مجموعة التسعة (الموقوفين) تنفيذ العملية على طريقة <البندقية بالايجار> التي شاعت في الثمانينات وبرعت فيها جهات لبنانية وفلسطينية، حاولت بداية الامر عقد صفقتين سياسيتين:

-اولى مع تنظيم <القاعدة> (من هنا جاءت تسمية <حركة النهضة والاصلاح> بإيحاءاتها السلفية والأصولية) لبيعه الرهائن، على أن تقبض الثمن لاحقا في اطار خطة للتفاوض مع استونيا ومن خلالها مع باريس باعتبارها العاصمة السياسية لاوروبا، مع الاشارة إلى أن لاستونيا حضورا عسكريا وأمنيا في افغانستان سعت الجهة الخاطفة الى توظيفه· لكن مقتل اسامة بن لادن والضياع في الهرم القيادي لـ <القاعدة> اجهض الصفقة·

-ثانية مع النظام الليبي، انطلاقا من أن في إمكان طرابلس الغرب الافادة جزئيا من ورقة الرهائن في سياق صراعها مع واشنطن وباريس ولندن، وهي التي سبق أن استخدمت في الثمانينات مجموعات فلسطينية لتنفيذ عمليات اختطاف مشابهة في لبنان· لكن التدهور الدراماتيكي للنظام وتآكل سلطته اجهض بدوره اتمام الصفقة·

شيئا فشيئا، تحوّل الرهائن عبئا على الجهة الخاطفة التي صارت بين خيارين: اما المكابرة والاستمرار في العملية الى حين توافر فرصة صفقة ثالثة وهو أمر يشتمل على مخاطر جمة خصوصا أن المتابعة الاستخبارية الفرنسية  الاوروبية لمجمل الملف اصبحت في اوجها، واما البحث عن أقرب نافذة خلاص لاقفال الملف· فكانت حادثتا السفارتين الاميركية والفرنسية في دمشق في الحادي عشر من تموز·

في الثالث عشر من تموز، صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن هجوم متظاهرين سوريين مؤيدين للنظام على السفارتين الاميركية والفرنسية تتحمله الحكومة السورية· وزاد أن حل الأزمة مع فرنسا وأميركا وفق اتفاقية فيينا، مقرا بأن المتظاهرين <ارتكبوا خطأ بتجاوز حدود السفارتين>·

سبق هذا التصريح بساعات اتصال سوري  فرنسي ايجابي في خصوص الرهائن· فإستشعرت باريس أن كلام المعلم هو الساعة صفر والمنصة التي يمكن الاستثمار فيها لبدء تنفيذ تحرير الرهائن بعد متابعة لوجستية  تكنولوجية طوال الايام الـ 133، من دون معرفة المجموعة الخاطفة التي أطلق عليها تمويها <حركة النهضة والاصلاح> في توقيت كان يراد منه ربط الخطف بالاصولية القاعدية·

لكن التدخل الفرنسي في الملف لم يكن طارئا، إذ أن سبق السلطات الاستونية ان لزّمت فرنسا، بناء على طلبها، مجمل الملف·

بدأت باريس المتابعة من طريقين:

أ-امني  معلوماتي من خلال ما توافر يوم الاختطاف من معطيات أمنتها الاجهزة اللبنانية من خلال داتا شركتي الخليوي، بدءا من الاتصال الذي تلقاه احد الرهائن على هاتفه الخليوي في محلة بر الياس، مرورا بتتبع مصدر (IP) الرسائل الالكترونية الثلاث التي ضمت اشرطة الفيديو، والاهم من خلال تتبع مسار العملية من خلال جهاز GPS كان بحوذة رهينة اخرى تبين انه مهندس اتصالات ويشغل مركزا اوروبيا مرموقا·

ب-سياسي  ديبلوماسي من خلال جمهورية استونيا التي كان لرئيس الديبلوماسية فيها دور متقدم لجهة التواصل مع السلطات اللبنانية والسورية، و جهات غير رسمية، في حين كانت مجموعة استخبارية  تقنية استونية رابضة في بيروت منذ بدء الازمة تواكب التفاصيل الديبلوماسية والامنية على حد سواء·

وفّر هذا المساران المتقاطعان المعطيات اللازمة لباريس (بمساندة كاملة من لندن) كي تعمل بهدوء والاهم بعيدا من الصراع التقليدي للاجهزة اللبنانية، على استكمال كل نواحي الملف في انتظار الساعة صفر، بدءا من مكان الخطف، وهو المنطقة الصناعية في زحلة حيث امكن الخاطفين بعد الساعة الخامسة التحرك بحرية وفي مساحة امنية فارغة لاتمام مرادهم، انتهاء بمنطقة التسليم في مكان تفرض عليه الجهة الحزبية اللبنانية سيطرة مطلقة لا ينازعها احد عليها، وبينهما تأمين <منازل آمنة> لاقامة الرهائن·

استثمرت باريس الطريقين والخيوط المتوافرة، وضربت ضربتها صبيحة عيدها الوطني في الرابع عشر من تموز، لتضفي على نجاحها رمزية طالما عشقها عالم الاستخبارات·

  • فريق ماسة
  • 2011-07-15
  • 12958
  • من الأرشيف

اللواء تكشف تفاصيل تحرير الرهائن الاستونيين...ساعة الصفر كانت تصريح وليد المعلم " المتظاهرين ارتكبوا خطأ بتجاوز حدود السفارتين الأمريكية و الفرنسية"

حوّل ما صار متعارفا على وصفه فضيحة فك أسر الرهائن السبعة الاستونيين، لغزا لبنانيا سياسيا واستخباريا، بالنظر إلى أن العملية الاستخبارية المعقّدة انجزت من خارج السيادة اللبنانية ومن دون أي تنسيق و لو غير مباشر مع الاجهزة الامنية اللبنانية المعنية· في المعطيات الغربية الموثوق بها، التي تنفرد بنشرها <اللواء> والتي يغفل عنها معظم المسؤولين (!)، أن هذه العملية المعقدة امنيا ولوجستيا جاءت ثمرة تعاون استخباري فرنسي - بريطاني  اوروبي، بمشاركة استونية فاعلة ديبلوماسيا وامنيا، لم تكن للبنان فيها أي دراية ما عدا بعض النتف من المعلومات نتجت من تزويد الاجهزة اللبنانية نظيرتها الاستونية ما أمكن التوصل اليه من خلال التحقيق مع الموقوفين التسعة في ملف خطف الرهائن· لكن كيف تبلورت هذه العملية التي تمت بحرفية عالية، بمشاركة سورية (نظرا الى ان الرهائن امضوا فترة من احتجازهم في الاراضي السورية) وبتعاون مع جهة حزبية لبنانية أسهمت بحدّ ادنى في عملية الافراج؟ ?? في بداية الرواية، أن الجهة التي كلفت مجموعة التسعة (الموقوفين) تنفيذ العملية على طريقة <البندقية بالايجار> التي شاعت في الثمانينات وبرعت فيها جهات لبنانية وفلسطينية، حاولت بداية الامر عقد صفقتين سياسيتين: -اولى مع تنظيم <القاعدة> (من هنا جاءت تسمية <حركة النهضة والاصلاح> بإيحاءاتها السلفية والأصولية) لبيعه الرهائن، على أن تقبض الثمن لاحقا في اطار خطة للتفاوض مع استونيا ومن خلالها مع باريس باعتبارها العاصمة السياسية لاوروبا، مع الاشارة إلى أن لاستونيا حضورا عسكريا وأمنيا في افغانستان سعت الجهة الخاطفة الى توظيفه· لكن مقتل اسامة بن لادن والضياع في الهرم القيادي لـ <القاعدة> اجهض الصفقة· -ثانية مع النظام الليبي، انطلاقا من أن في إمكان طرابلس الغرب الافادة جزئيا من ورقة الرهائن في سياق صراعها مع واشنطن وباريس ولندن، وهي التي سبق أن استخدمت في الثمانينات مجموعات فلسطينية لتنفيذ عمليات اختطاف مشابهة في لبنان· لكن التدهور الدراماتيكي للنظام وتآكل سلطته اجهض بدوره اتمام الصفقة· شيئا فشيئا، تحوّل الرهائن عبئا على الجهة الخاطفة التي صارت بين خيارين: اما المكابرة والاستمرار في العملية الى حين توافر فرصة صفقة ثالثة وهو أمر يشتمل على مخاطر جمة خصوصا أن المتابعة الاستخبارية الفرنسية  الاوروبية لمجمل الملف اصبحت في اوجها، واما البحث عن أقرب نافذة خلاص لاقفال الملف· فكانت حادثتا السفارتين الاميركية والفرنسية في دمشق في الحادي عشر من تموز· في الثالث عشر من تموز، صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن هجوم متظاهرين سوريين مؤيدين للنظام على السفارتين الاميركية والفرنسية تتحمله الحكومة السورية· وزاد أن حل الأزمة مع فرنسا وأميركا وفق اتفاقية فيينا، مقرا بأن المتظاهرين <ارتكبوا خطأ بتجاوز حدود السفارتين>· سبق هذا التصريح بساعات اتصال سوري  فرنسي ايجابي في خصوص الرهائن· فإستشعرت باريس أن كلام المعلم هو الساعة صفر والمنصة التي يمكن الاستثمار فيها لبدء تنفيذ تحرير الرهائن بعد متابعة لوجستية  تكنولوجية طوال الايام الـ 133، من دون معرفة المجموعة الخاطفة التي أطلق عليها تمويها <حركة النهضة والاصلاح> في توقيت كان يراد منه ربط الخطف بالاصولية القاعدية· لكن التدخل الفرنسي في الملف لم يكن طارئا، إذ أن سبق السلطات الاستونية ان لزّمت فرنسا، بناء على طلبها، مجمل الملف· بدأت باريس المتابعة من طريقين: أ-امني  معلوماتي من خلال ما توافر يوم الاختطاف من معطيات أمنتها الاجهزة اللبنانية من خلال داتا شركتي الخليوي، بدءا من الاتصال الذي تلقاه احد الرهائن على هاتفه الخليوي في محلة بر الياس، مرورا بتتبع مصدر (IP) الرسائل الالكترونية الثلاث التي ضمت اشرطة الفيديو، والاهم من خلال تتبع مسار العملية من خلال جهاز GPS كان بحوذة رهينة اخرى تبين انه مهندس اتصالات ويشغل مركزا اوروبيا مرموقا· ب-سياسي  ديبلوماسي من خلال جمهورية استونيا التي كان لرئيس الديبلوماسية فيها دور متقدم لجهة التواصل مع السلطات اللبنانية والسورية، و جهات غير رسمية، في حين كانت مجموعة استخبارية  تقنية استونية رابضة في بيروت منذ بدء الازمة تواكب التفاصيل الديبلوماسية والامنية على حد سواء· وفّر هذا المساران المتقاطعان المعطيات اللازمة لباريس (بمساندة كاملة من لندن) كي تعمل بهدوء والاهم بعيدا من الصراع التقليدي للاجهزة اللبنانية، على استكمال كل نواحي الملف في انتظار الساعة صفر، بدءا من مكان الخطف، وهو المنطقة الصناعية في زحلة حيث امكن الخاطفين بعد الساعة الخامسة التحرك بحرية وفي مساحة امنية فارغة لاتمام مرادهم، انتهاء بمنطقة التسليم في مكان تفرض عليه الجهة الحزبية اللبنانية سيطرة مطلقة لا ينازعها احد عليها، وبينهما تأمين <منازل آمنة> لاقامة الرهائن· استثمرت باريس الطريقين والخيوط المتوافرة، وضربت ضربتها صبيحة عيدها الوطني في الرابع عشر من تموز، لتضفي على نجاحها رمزية طالما عشقها عالم الاستخبارات·

المصدر : اللواء اللبنانية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة