يذهب المغالون في مخاصمة سعد الدين الحريري إلى التأكيد أن من بعض أسباب بقائه خارج لبنان، الحالة النفسية التي يعيشها منذ خروجه من السلطة، وخصوصاً أن خروجه تزامن مع أزمات عديدة، مالية وعائلية، حتى بدت المرحلة بالنسبة إلى الحريري الابن،كما يتابع غلاة خصومه، كأنها نوع من «المتلازمة الأزماتية»، ويسوّقون أن هذا ما أوجد لديه حالة من الإحباط النفسي، لامس الانهيار. وهو ما قد يتفاقم بالتأكيد، إذا ما أضيفت إليه، في حال عودته إلى بيروت، مقتضيات الإجراءات الأمنية، من سجن ذاتي في وادي أبو جميل أو في أي مكان آخر، فيما من المفضّل لحالة نفسية كهذه، بعض الترفيه المتاح أكثر في باريس، وأن يلازم الشخص المعني أترابُه الأكثر قرباً منه وقدرة على الترفيه عنه.

قد يكون في هذا الكلام من غلاة الخصوم بعض من الحرب النفسية المضافة ضد الحريري وفريقه، وقد يكون غير دقيق أو غير صحيح. لكن العودة إلى المسار السياسي لهذا الشاب تظهر وقائع وحقائق لا بد من التوقف عندها في هذا السياق «التشخيصي السريري».

ففي 14 شباط 2005، خسر سعد الدين فجأة والده. وهو لم يخسره بسبب مرض أو حادث سيارة، بل في جريمة مشهودة. ثم لم يخسر بغيابه مجرد والد بيولوجي، بل خسر معه الأساس الأول والأكبر لكل رصيده العائلي والسياسي والمالي والمهني. ولم تلبث خسارته تلك أن جعلته ضمن فريق سياسي اسمه التحالف الرباعي. غير أن مسار الحريري الشاب ذهب سريعاً، وبالتوالي، إلى خسارة «متحالفيه» الثلاثة:

أولاً خسر حزب الله. وقد خسره باكراً، منذ ظهر ميليس وهو يفتش في شقة في الضاحية الجنوبية، تحت وطأة نبيذه الفاخر ودوار يخته الشهير، قبل أن تصل خسارته لحليفه الحزبللاهي حدّ الاتهامات الكبرى، أثناء حرب تموز 2006 وما بعدها.

ثانياً، بدا أن الحريري وفريقه حاولا التعويض عن خسارة «الحزب» يومها بالربط مع حليفه الأقرب، نبيه بري، على طريقة «حليف حليفي». فدأب الحريريون على نظم المدائح في رئيس المجلس النيابي، طيلة عامين. أما اليوم، وفي جردة سريعة، يبدو أن الحريري نجح في ظرف زمني قصير جداً في جعل نفسه على عداوة مع «الأستاذ» تساوي عداوته مع السيّد.

ثالثاً، كان قد بقي له وليد جنبلاط. وكأنه أدرك ذلك في حينه، فصار يضفي على حلفه مع سيّد المختارة نوعاً من الصوفية في العلاقة، والاستراتيجية في التحالف، وحتى القدسية في أبدية الترابط بين الرجلين. فجأة، وجد جنبلاط نفسه يبتعد تدريجاً، حتى خرج نهائياً في 2 آب 2009، قبل أن يصل إلى الخصومة الكاملة معه سنة 2011، فيما لم يجد ساكن باريس غير الاتهامات بالغدر والكذب والخيانة لتبرير خسارته الركن الثالث في سراب حلفه السابق.

رابعاً، شاءت الصدفة أن تجعل الحريري الشاب في علاقة مع ميشال سليمان، منذ 5 أيار 2008. يومها اضطر السياسي الناشئ إلى القبول بمن كان قد وصفه إعلامه بورقة سوريا الخفية لرئاسة لبنان. واضطر إلى ذلك لمجرد التخلص من ميشال عون، على طريقة «أهون الميشالين» بنظره. ولم يلبث أن نسج مع رئيس الجمهورية الجديد علاقة «تحالفية». غير أن شهر العسل بين سردينيا وبعبدا لم يبلغ بدره. لا بل انتقل الفريق الحريري فوراً إلى الضرب في سيد القصر الرئاسي، وكأنه المتهم بقتل الوالد الشهيد.

خامساً وأخيراً كان نجيب ميقاتي. رجل مسلم  مؤمن متديّن وممارس، على علاقة وثيقة بكل مرجعيات جماعته داخل لبنان وخارجه، جعلته الظروف في موقع رئاسة حكومة انتقالية وانتخابية سنة 2005، فأعطى للحريري كل ما يحلم به الأخير: حقيبتا الداخلية والعدل لإمرار الانتخابات ومذكرة التفاهم مع لجنة التحقيق الدولية، ثم تنحية الضباط وتعيين بدلاء لهم. الإتيان بأشرف ريفي وسعيد ميرزا ووسام الحسن...وصولاً إلى إعطاء الحريري الأكثرية النيابية في انتخابات 2009، بتحالفه معه في طرابلس... في لحظة، لم يتفق الرجل مع الشاب على قراءة التطورات السياسية، فصار عدوّه الأول.

كل هذه الخسائر محورها رجل واحد، هو سعد الدين الحريري. ومع ذلك، فهو يحمّل مسؤوليتها لكل الناس الآخرين، وإن كان يُفرد موقعاً خاصاً لميشال عون. فالرجل يبدو كأنه سرق منه حلمه بالمملكة العربية الحريرية في بيروت، ويعرف في استفزازه له كيف يحول دون الفتنة السنيّة الشيعية التي تخدم مشروع تلك «المملكة».

المهم الآن، هل صار الشاب نموذجاً مرضياً للخاسر السيّئ؟ ليس بالضرورة. فالمقيم خارج لبنان يبدو كأنه يقامر بأوراق خارجية ثلاث كبيرة: المحكمة الدولية، والانفجار الأمني بالترابط مع الأوضاع السورية، وضرب الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي بواسطة الضغوط الأميركية. ثلاث أوراق قد تسمح للحريري الشاب بالعودة إلى السياسة، ولو بعد إحراق لبنان.

 

الاخبار اللبنانية

  • فريق ماسة
  • 2011-06-28
  • 11897
  • من الأرشيف

لماذا يخسر الحريري كلّ شيء وكلّ الناس؟

    يذهب المغالون في مخاصمة سعد الدين الحريري إلى التأكيد أن من بعض أسباب بقائه خارج لبنان، الحالة النفسية التي يعيشها منذ خروجه من السلطة، وخصوصاً أن خروجه تزامن مع أزمات عديدة، مالية وعائلية، حتى بدت المرحلة بالنسبة إلى الحريري الابن،كما يتابع غلاة خصومه، كأنها نوع من «المتلازمة الأزماتية»، ويسوّقون أن هذا ما أوجد لديه حالة من الإحباط النفسي، لامس الانهيار. وهو ما قد يتفاقم بالتأكيد، إذا ما أضيفت إليه، في حال عودته إلى بيروت، مقتضيات الإجراءات الأمنية، من سجن ذاتي في وادي أبو جميل أو في أي مكان آخر، فيما من المفضّل لحالة نفسية كهذه، بعض الترفيه المتاح أكثر في باريس، وأن يلازم الشخص المعني أترابُه الأكثر قرباً منه وقدرة على الترفيه عنه. قد يكون في هذا الكلام من غلاة الخصوم بعض من الحرب النفسية المضافة ضد الحريري وفريقه، وقد يكون غير دقيق أو غير صحيح. لكن العودة إلى المسار السياسي لهذا الشاب تظهر وقائع وحقائق لا بد من التوقف عندها في هذا السياق «التشخيصي السريري». ففي 14 شباط 2005، خسر سعد الدين فجأة والده. وهو لم يخسره بسبب مرض أو حادث سيارة، بل في جريمة مشهودة. ثم لم يخسر بغيابه مجرد والد بيولوجي، بل خسر معه الأساس الأول والأكبر لكل رصيده العائلي والسياسي والمالي والمهني. ولم تلبث خسارته تلك أن جعلته ضمن فريق سياسي اسمه التحالف الرباعي. غير أن مسار الحريري الشاب ذهب سريعاً، وبالتوالي، إلى خسارة «متحالفيه» الثلاثة: أولاً خسر حزب الله. وقد خسره باكراً، منذ ظهر ميليس وهو يفتش في شقة في الضاحية الجنوبية، تحت وطأة نبيذه الفاخر ودوار يخته الشهير، قبل أن تصل خسارته لحليفه الحزبللاهي حدّ الاتهامات الكبرى، أثناء حرب تموز 2006 وما بعدها. ثانياً، بدا أن الحريري وفريقه حاولا التعويض عن خسارة «الحزب» يومها بالربط مع حليفه الأقرب، نبيه بري، على طريقة «حليف حليفي». فدأب الحريريون على نظم المدائح في رئيس المجلس النيابي، طيلة عامين. أما اليوم، وفي جردة سريعة، يبدو أن الحريري نجح في ظرف زمني قصير جداً في جعل نفسه على عداوة مع «الأستاذ» تساوي عداوته مع السيّد. ثالثاً، كان قد بقي له وليد جنبلاط. وكأنه أدرك ذلك في حينه، فصار يضفي على حلفه مع سيّد المختارة نوعاً من الصوفية في العلاقة، والاستراتيجية في التحالف، وحتى القدسية في أبدية الترابط بين الرجلين. فجأة، وجد جنبلاط نفسه يبتعد تدريجاً، حتى خرج نهائياً في 2 آب 2009، قبل أن يصل إلى الخصومة الكاملة معه سنة 2011، فيما لم يجد ساكن باريس غير الاتهامات بالغدر والكذب والخيانة لتبرير خسارته الركن الثالث في سراب حلفه السابق. رابعاً، شاءت الصدفة أن تجعل الحريري الشاب في علاقة مع ميشال سليمان، منذ 5 أيار 2008. يومها اضطر السياسي الناشئ إلى القبول بمن كان قد وصفه إعلامه بورقة سوريا الخفية لرئاسة لبنان. واضطر إلى ذلك لمجرد التخلص من ميشال عون، على طريقة «أهون الميشالين» بنظره. ولم يلبث أن نسج مع رئيس الجمهورية الجديد علاقة «تحالفية». غير أن شهر العسل بين سردينيا وبعبدا لم يبلغ بدره. لا بل انتقل الفريق الحريري فوراً إلى الضرب في سيد القصر الرئاسي، وكأنه المتهم بقتل الوالد الشهيد. خامساً وأخيراً كان نجيب ميقاتي. رجل مسلم  مؤمن متديّن وممارس، على علاقة وثيقة بكل مرجعيات جماعته داخل لبنان وخارجه، جعلته الظروف في موقع رئاسة حكومة انتقالية وانتخابية سنة 2005، فأعطى للحريري كل ما يحلم به الأخير: حقيبتا الداخلية والعدل لإمرار الانتخابات ومذكرة التفاهم مع لجنة التحقيق الدولية، ثم تنحية الضباط وتعيين بدلاء لهم. الإتيان بأشرف ريفي وسعيد ميرزا ووسام الحسن...وصولاً إلى إعطاء الحريري الأكثرية النيابية في انتخابات 2009، بتحالفه معه في طرابلس... في لحظة، لم يتفق الرجل مع الشاب على قراءة التطورات السياسية، فصار عدوّه الأول. كل هذه الخسائر محورها رجل واحد، هو سعد الدين الحريري. ومع ذلك، فهو يحمّل مسؤوليتها لكل الناس الآخرين، وإن كان يُفرد موقعاً خاصاً لميشال عون. فالرجل يبدو كأنه سرق منه حلمه بالمملكة العربية الحريرية في بيروت، ويعرف في استفزازه له كيف يحول دون الفتنة السنيّة الشيعية التي تخدم مشروع تلك «المملكة». المهم الآن، هل صار الشاب نموذجاً مرضياً للخاسر السيّئ؟ ليس بالضرورة. فالمقيم خارج لبنان يبدو كأنه يقامر بأوراق خارجية ثلاث كبيرة: المحكمة الدولية، والانفجار الأمني بالترابط مع الأوضاع السورية، وضرب الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي بواسطة الضغوط الأميركية. ثلاث أوراق قد تسمح للحريري الشاب بالعودة إلى السياسة، ولو بعد إحراق لبنان.   الاخبار اللبنانية

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة