يعود موضوع التهرب الضريبي إلى الواجهة مجدداً، مع استلام الوزير كنان ياغي لوزارة المالية. موضوع قديم جديد دون أيّة حلول منذ سنوات طويلة، والخاسر الوحيد خزينة الدولة، وفي أحيان أخرى من يقع عليه الظلم جراء تعسف مراقب الدخل.

في السياق، بحثت وزارة المالية بتاريخ 16 الشهر الحالي، مع اتحاد غرف التجارة السورية موضوع التهرب الضريبي ومقترحات لمعالجته بما ينعكس إيجاباً على المواطنين.

الاستعلام الضريبي دقيق!

يؤكد وزير المالية السوري كنان ياغي أن جهاز الاستعلام الضريبي يعمل بناءً على معلومات دقيقة، ووفقاً للأنظمة والقوانين النافذة، إذ يتم تنظيم ضبوط موقّعة أصولاً، لكن في حال شعور أي من المكلفين بتعرضه للظلم يمكنه تقديم شكوى للوزارة لتعالج مباشرةً.

وهدد الوزير بأنه في حال عدم تجاوب المكلفين المتهربين ضريبياً مع الدوائر المالية والإقرار بأرقام أعمالهم الفعلية وتسديد ما عليهم من ضرائب لصالح خزينة الدولة، فإن الوزارة ستضطر للجوء إلى تطبيق العقوبات الواردة في قانون مكافحة غسيل الأموال. وأضاف بأن منظومة النظام الضريبي ستتغير جذرياً العام القادم. فهل يحق لوزارة المالية تطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال على المتهربين ضريبياً.

ما هو التهرب الضريبي؟

كل دخل يتحقق من أي نشاط كان، مهما كان حجمه يجب أن يخضع للضريبة، وكل دخل أو جزء لا يخضع للضريبة يعتبر تهرباً، لذا يعد التهرب -كما يرى خبراء المحاسبة -ظاهرة خطيرة يحاول بواسطتها المكلف سواء كان فرداً أو شركة التخلص من دفع الضريبة كلها أو بعضها بأية وسيلة.

فيما تتعدد الطرق والأساليب المتبعة في التهرب ومنها عدم التصريح عن المداخيل والإحجام عن تقديم إقرار ضريبي، والتلاعب في مبالغ الضرائب المقتطعة، وتقديم فواتير مزورة، أو التصريح بفواتير شراء وهمية من أجل تضخيم المصاريف.

لجان الاستعلام الضريبي

يصدر قرار بتسمية لجان الاستعلام الضريبي من وزير المالية. وهم جامعي الأموال العامة، الذين إن شاءوا صنفوا محلاً صغيراً في مدخل بناية، على أنه شركة تجارية تصدّر منتجاتها إلى دول عديدة، وإن خرجوا راضين من محلات كبيرة، صنفوها على أنها "كشك" متهالك. وفقاً لعد من أصحاب المحلات بدمشق.

ومراقب الدخل المؤتمن على المال العام، وفقاً لخبير اقتصادي ومحاسبي (رفض ذكر اسمه) أصبح هو الحكم والخصم، حيث يستطيع أن يحدد قيمة الضريبة كما يحلو له، ويضيع المال في معمعة تشريعية غير متكافئة تنتصر فيها المنفعة الشخصية على المصلحة العامة، في أقسى صور استغلال النفوذ الوظيفي.

ويذكر الخبير، مثالاً بأنّ شركات كبرى بلغ حجم أعمالها السنوي مليارات أرسلت بياناً ببضع مئات من آلاف الليرات السورية، وأخرى حجم أعمالها 3 مليارات كان بيان الأعمال الخاص بها المرسل إلى المالية 200 ألف ليرة.

ويضيف الخبير، في حديثه لوكالة أنباء آسيا أن "البيانات القادمة من قطاع الأعمال متراكمة بدون حسم منذ سنوات؛ بل عقود، أي أن تسديد الاستحقاقات الضريبية مؤجّل وضائع في متاهات التسويف، والسبب الظاهر والخفي هو تقصير موظف المالية".

من جهته، بيّن دكتور الاقتصاد في جامعة حلب، حسن حزوري، أنّه عندما لا يقدم المكلف بالضريبة بياناته وفق التاريخ المحدد ب 31/ 3 من كل عام، فإن ذلك يعرضه لغرامة عشر أضعاف المبلغ، واعتبر في حديثه لوكالة "آسيا" أن تطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال على المتهربين ضريباً ومحاكمتهم وفق قانون الإرهاب وغسيل أموال لا يجوز.

مراقبو الدخل "قليلو احترام"

وكانت محافظة دمشق بدأت منذ بداية العام الحالي، فرض إضافات على الضرائب التي تحصلها، ومن أبرز المعاملات التي ارتفعت ضرائبها، طلب تسجيل وكالة تجارية، وعن كل تصديق إذاعة تجارية، وعن كل طلب استيراد أو تجديده أو تمديده، وعن كل شهادة جمركية.

ووصف أعضاء من مجلس محافظة دمشق، لجان "الاستعلام الضريبي" التابعون لوزارة المالية، بأنهم "قليلو احترام"، ويتعاملون مع التجار كأنهم "مجرمون".

وقال عضو المجلس "أنس مارديني" خلال اجتماع لمجلس المحافظة، بحسب تصريحات صحفية، بأن "لجان الاستعلام الضريبي يدخلون المحل ويحجزون أجهزة موبايل وحواسيب كل الموجودين ولا يسمحون لأحد بالمغادرة، ويتصرفون مع الموجودين كأنهم مجرمون".

وأضاف أن "لجنة الاستعلام الضريبي قدرت العمل اليومي لمحل فلافل، وتم ضربها بثلاثة أضعاف، والأهم من كل ذلك أن عناصر لجان الاستعلام الضريبي يتعاملون مع التجار بقلة احترام".

المالية لا ترد على أحد

وحيال تصريحات بعض أعضاء محافظة دمشق، قال مدير المكتب الصحفي بالوزارة، علي الأغا، لوكالة "آسيا" بأن الوزارة لا ترد على أحد، وأن كل شخص حر برأيه". وأضاف الآغا، بأن بيانات الاستعلام الضريبي سرّية، من حيث العدد والقيمة، ولا يمكن التصريح بها.

ولكن، وزارة المالية، كشفت العام الماضي، عن تنظيم 1000 ضبط تهرب ضريبي بمبلغ تجاوز 160 مليار ليرة، وهذا ما يناقض كلام الأغا.

ورغم تأكيد مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم منذر ونوس على أن الإدارة الضريبية تعهّدت لوزارة المالية والجهات المسؤولة عنها بأن يكون عام 2020 عام إنهاء التراكم الضريبي، إلا أن هذا التأكيد ما زال حبراً على ورق حيث، لا يختلف اثنان على أن مراقب الدخل أو موظف الاستعلام الضريبي في وزارة المالية، أصبحت له اليد الطولى في استمرار نزيف المال العام.

 

  • فريق ماسة
  • 2020-11-22
  • 13661
  • من الأرشيف

المالية السورية تهدّد المتهربين ضريبياً بقانون الإرهاب وغسيل الأموال وتغض النظر عن فساد مراقبيها!

يعود موضوع التهرب الضريبي إلى الواجهة مجدداً، مع استلام الوزير كنان ياغي لوزارة المالية. موضوع قديم جديد دون أيّة حلول منذ سنوات طويلة، والخاسر الوحيد خزينة الدولة، وفي أحيان أخرى من يقع عليه الظلم جراء تعسف مراقب الدخل. في السياق، بحثت وزارة المالية بتاريخ 16 الشهر الحالي، مع اتحاد غرف التجارة السورية موضوع التهرب الضريبي ومقترحات لمعالجته بما ينعكس إيجاباً على المواطنين. الاستعلام الضريبي دقيق! يؤكد وزير المالية السوري كنان ياغي أن جهاز الاستعلام الضريبي يعمل بناءً على معلومات دقيقة، ووفقاً للأنظمة والقوانين النافذة، إذ يتم تنظيم ضبوط موقّعة أصولاً، لكن في حال شعور أي من المكلفين بتعرضه للظلم يمكنه تقديم شكوى للوزارة لتعالج مباشرةً. وهدد الوزير بأنه في حال عدم تجاوب المكلفين المتهربين ضريبياً مع الدوائر المالية والإقرار بأرقام أعمالهم الفعلية وتسديد ما عليهم من ضرائب لصالح خزينة الدولة، فإن الوزارة ستضطر للجوء إلى تطبيق العقوبات الواردة في قانون مكافحة غسيل الأموال. وأضاف بأن منظومة النظام الضريبي ستتغير جذرياً العام القادم. فهل يحق لوزارة المالية تطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال على المتهربين ضريبياً. ما هو التهرب الضريبي؟ كل دخل يتحقق من أي نشاط كان، مهما كان حجمه يجب أن يخضع للضريبة، وكل دخل أو جزء لا يخضع للضريبة يعتبر تهرباً، لذا يعد التهرب -كما يرى خبراء المحاسبة -ظاهرة خطيرة يحاول بواسطتها المكلف سواء كان فرداً أو شركة التخلص من دفع الضريبة كلها أو بعضها بأية وسيلة. فيما تتعدد الطرق والأساليب المتبعة في التهرب ومنها عدم التصريح عن المداخيل والإحجام عن تقديم إقرار ضريبي، والتلاعب في مبالغ الضرائب المقتطعة، وتقديم فواتير مزورة، أو التصريح بفواتير شراء وهمية من أجل تضخيم المصاريف. لجان الاستعلام الضريبي يصدر قرار بتسمية لجان الاستعلام الضريبي من وزير المالية. وهم جامعي الأموال العامة، الذين إن شاءوا صنفوا محلاً صغيراً في مدخل بناية، على أنه شركة تجارية تصدّر منتجاتها إلى دول عديدة، وإن خرجوا راضين من محلات كبيرة، صنفوها على أنها "كشك" متهالك. وفقاً لعد من أصحاب المحلات بدمشق. ومراقب الدخل المؤتمن على المال العام، وفقاً لخبير اقتصادي ومحاسبي (رفض ذكر اسمه) أصبح هو الحكم والخصم، حيث يستطيع أن يحدد قيمة الضريبة كما يحلو له، ويضيع المال في معمعة تشريعية غير متكافئة تنتصر فيها المنفعة الشخصية على المصلحة العامة، في أقسى صور استغلال النفوذ الوظيفي. ويذكر الخبير، مثالاً بأنّ شركات كبرى بلغ حجم أعمالها السنوي مليارات أرسلت بياناً ببضع مئات من آلاف الليرات السورية، وأخرى حجم أعمالها 3 مليارات كان بيان الأعمال الخاص بها المرسل إلى المالية 200 ألف ليرة. ويضيف الخبير، في حديثه لوكالة أنباء آسيا أن "البيانات القادمة من قطاع الأعمال متراكمة بدون حسم منذ سنوات؛ بل عقود، أي أن تسديد الاستحقاقات الضريبية مؤجّل وضائع في متاهات التسويف، والسبب الظاهر والخفي هو تقصير موظف المالية". من جهته، بيّن دكتور الاقتصاد في جامعة حلب، حسن حزوري، أنّه عندما لا يقدم المكلف بالضريبة بياناته وفق التاريخ المحدد ب 31/ 3 من كل عام، فإن ذلك يعرضه لغرامة عشر أضعاف المبلغ، واعتبر في حديثه لوكالة "آسيا" أن تطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال على المتهربين ضريباً ومحاكمتهم وفق قانون الإرهاب وغسيل أموال لا يجوز. مراقبو الدخل "قليلو احترام" وكانت محافظة دمشق بدأت منذ بداية العام الحالي، فرض إضافات على الضرائب التي تحصلها، ومن أبرز المعاملات التي ارتفعت ضرائبها، طلب تسجيل وكالة تجارية، وعن كل تصديق إذاعة تجارية، وعن كل طلب استيراد أو تجديده أو تمديده، وعن كل شهادة جمركية. ووصف أعضاء من مجلس محافظة دمشق، لجان "الاستعلام الضريبي" التابعون لوزارة المالية، بأنهم "قليلو احترام"، ويتعاملون مع التجار كأنهم "مجرمون". وقال عضو المجلس "أنس مارديني" خلال اجتماع لمجلس المحافظة، بحسب تصريحات صحفية، بأن "لجان الاستعلام الضريبي يدخلون المحل ويحجزون أجهزة موبايل وحواسيب كل الموجودين ولا يسمحون لأحد بالمغادرة، ويتصرفون مع الموجودين كأنهم مجرمون". وأضاف أن "لجنة الاستعلام الضريبي قدرت العمل اليومي لمحل فلافل، وتم ضربها بثلاثة أضعاف، والأهم من كل ذلك أن عناصر لجان الاستعلام الضريبي يتعاملون مع التجار بقلة احترام". المالية لا ترد على أحد وحيال تصريحات بعض أعضاء محافظة دمشق، قال مدير المكتب الصحفي بالوزارة، علي الأغا، لوكالة "آسيا" بأن الوزارة لا ترد على أحد، وأن كل شخص حر برأيه". وأضاف الآغا، بأن بيانات الاستعلام الضريبي سرّية، من حيث العدد والقيمة، ولا يمكن التصريح بها. ولكن، وزارة المالية، كشفت العام الماضي، عن تنظيم 1000 ضبط تهرب ضريبي بمبلغ تجاوز 160 مليار ليرة، وهذا ما يناقض كلام الأغا. ورغم تأكيد مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم منذر ونوس على أن الإدارة الضريبية تعهّدت لوزارة المالية والجهات المسؤولة عنها بأن يكون عام 2020 عام إنهاء التراكم الضريبي، إلا أن هذا التأكيد ما زال حبراً على ورق حيث، لا يختلف اثنان على أن مراقب الدخل أو موظف الاستعلام الضريبي في وزارة المالية، أصبحت له اليد الطولى في استمرار نزيف المال العام.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة